أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحيم داودي - مَنْهجُ البحثِ فِي تَارِيخِ الادابِ















المزيد.....


مَنْهجُ البحثِ فِي تَارِيخِ الادابِ


عبدالرحيم داودي

الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 21:46
المحور: الادب والفن
    


مقدمة:
تَتغَيى هذه الدراسَةُ ، جردَ أهمَّ الخَصَائصِ المميِّزةِ للمذهبِ اللانسوني ،انطلاقاً من المقَالةِ الشهيرةِ "مَنْهَجُ البحث في تاريخ الآداب". وذَلك من خِلالِ ملامسةِ هذه الخَصَائصِ مُلامسةً شفيفةً ، تَأخذُ على عاتقها ، إضاءة الزَّوايا المعتمة في المقالة ، ومن ثَّم الكشفُ عن الخلفيَّة المعرفية ،التي أسَّس عليها "غستاف لانسون" رؤيتهُ النقديَّة َ، التاريخية ، في مقاربةِ النَّصِ الأدبيِّ .
فلانسون ، لم يؤسس نظريَّتهُ هذه من فراغٍ ، بل أفاد بشكل جليٍّ من الأبحاثِ النقديةِ ، التي قدَّمها كلٌّ من سانت بيف ، و هيبوليت تين ، وفرديناد بورنتيروغيرهم من النقاد، " ليسَ المنهجُ الذي أحاولُ أن أعطي فكرةً عنه من ابتكاري. وما هو إلا نتيجة لتفكيري في الخطَّة التي جرى عليها عدد من سابقي ومعاصري بل واللاحقين من الناشيئن(1).
وعلى ضوءِ أبحاثِ هَؤلاءِ النقاد ، راحَ غستاف لانسون ، في صياغةِ منهجٍ نقديٍّ ، يستلهمُ من الأبحاث التاريخية والسوسيولوجية _الوضعية_ دعائم منهجه ، وميكانزماته القاعدية. ولم يتوان في انتقاد منهج هبيوليت تين ، موضحاً بأن منهج تين في تفسير النص الأدبي ينطوي على عيوبٍ كثيرةٍ ، ومن هذه العيوب: طريقة اختياره للأمثلة التطبيقية التي جعلها انتقائية ، ولا تتناسب و التوجه العام للأثر الأدبي ، ناهيك عن خلطه البارز بين طبيعة الأدب و طبيعة العلم ، ولعل هذا ما حدا بلانسون إلى نسف كل ما بناه تين بجرة قلم ، قائلا " ليس هناك ما يجمع بين تحليل العبقرية الشعرية وتحليل السكر إلا الاسم"(2).
وعليه ، فالنقد التاريخي عند لانسون ، يروم تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات ، وشخصيات الكتَّابِ ، والكشف عن الأبعاد السوسيو_تاريخية ، الدفينة بين طيات النَّص الأدبي ، في منأى عن إسقاط مناهج العلوم الطبيعية ، والإمبريقية ، على الظاهرة الأدبيةِ ، باعتبار أن هذه المناهج تمسخ التاريخ الأدبيَّ وتُفقِدهُ ألقه،وهذا ما صرَّح به غستاف لانسون قائلاً :" إن محاولتي تين و برونتير في محاكاة عمليات العلوم الطبيعية ، واستخدام معادلاتها قد انتهى بهما إلى مسخ التاريخ الأدبي وتشويهه.."(3).
وتأسيساً على ما سبق ، يُمكننا أن نتساءل : ما هي أهم خصائص المنهج التاريخي اللانسوني ؟ ثم كيف استطاع" لانسون" أن يخطَّ لنفسه منهجا يقارب الظاهرة الأدبية ، مقاربة تشبه في أوجه متعددة ، المقاربة الوضعية للتاريخ الإنساني؟.و أين تتبدى الجهود التي بذلها لانسون في الدفع بالنقد التاريخي إلى أفق العلمية والموضوعية ؟
كل هذه الأسئلة وتلك ، سنجيب عنها من خلال عرضنا لمقالة لانسون الشهيرة : "منهج البحث في تاريخ الآداب" ، وتوضيح أبرز الأفكار النقدية الثاوية في ثناياها.

منهج البحث في تاريخ الآداب:

فِي مُستهل المقالةِ ، يشيُر لانسون إلى أن مراميه في إرساء منهج نقدي تاريخي قويم، لا تقوم أبدا على محو أي نوع من أنواع النقد الأدبي . فالنقد التأثري مثلا عند لانسون ، نقدٌ مشروعٌ ، شريطة ألا يجتاز الحيز المسموح له بالحركة داخله " النقد التأثري نقد مشروع لا غبار عليه ، ما ظل في حدود مدلوله ، لكن الخطر هو ألا يقف عند تلك الحدود." (4)
فقراءة النصوص الإبداعية ،كما يرى لانسون ، تحرك أخيلة القارئ ، ولاسيما إذا كانت هذه النصوص الإبداعية، تحبل ببنية إستيطقية غنية ، الأمر الذي ينتج معه إحساس القارئ بالمتعة ، متعةٌ تُوَّلِدُ انطباعاً نفسيا في نفس المتلقي ، هذا الانطباع الذي عدَّه لانسون " وثيقة قيمة للتاريخ الأدبي "(5) ، بيد أن القارئ لا يتوقف عند حدود وصف تأثره وانطباعه ، بل يتجاوزه إلى إصدار" أحكام تاريخية خلال وصفه لأثر الكتاب في نفسه ، أو يتخذ من ذلك الأثر وصفا لحقيقة الكتاب الذي يقرأه."(6) وهذا أمر مستهجن في نظر لانسون.
ولتلافي خطر الانزلاق في دهاليز النقد التأثري ، أكد لانسون على ضرورة التمسك بالمنهج ،باعتباره أداة فعالة لدرء أي انزلاق تأثري كيفما كان نوعه ، وبالتالي تحقيق أكبر قدرٍ من الدقة و الموضوعية في دراسة الظواهر الأدبية .
وإلى جانب النقد التأثري نبه لانسون إلى أنه خليق بنا الحذر من النقد التقريري ، فهذا النقد ينتحل لنفسه صفة التاريخ ، وكل" من يؤمن به مقياسا ، يفسد حقائق الأفكار بل وحقائق الوقائع."(7).

التاريخ العام وتاريخ الأدب:

يعدُّ النقدُ التاريخيُّ وسيلةً بالغة الأهمية في توجيه القارئ إلى إدراك مراحل الثقافة الإنسانية ، الأوروبية والفرنسية على حد سواء ، فقراءة أي أثر أدبي ، تستدعي بالضرورة ، الإلمام بسياقه التاريخي ، وموقعه ضمن الخريطة الأدبية التي ينتمي إليها ، وكل ذلك بغية تحقيق فهم أرحب للظاهرة الأدبية.
وقد ميز لانسون بين علم التاريخ والتاريخ الأدبي قائلا :" موضوع التاريخ هو الماضي ، ماض لم تبق منه إلا أمارات و أنقاض بواسطتها يعاد بعثه . وموضوعنا نحن أيضا هو الماضي ولكنه ماض باق ، فالأدب من الماضي والحاضر معا "(8) . بمعنى آخر، فالنص الأدبي لا يخبو وهجه من جراء توالي السنوات عليه ، ف " (السيد) و (كانديد) لا يزالان موجدين كما كانا في سنتي 1636 و1759 ، وهما موجدان لا كوثائق محفوظات أو أوامر ملكية ، أو حسابات مبان في حالة تحجر ميتة باردة لا تمت إلى الحياة في أيامنا بسبب _ بل كلوحات (رامبرانت) و (روبانس) حية دائما بخصائص إيجابية تحمل للإنسانية المتحضرة ممكنات لا تنفد .."(9).
بالإضافة إلى ما سبق ذكره ، فالمنهج اللانسوني ، يولي لتاريخ النفس الإنسانية و الحضارة القومية أهمية قصوى ، وهذا ما يفسر اهتمام لانسون بعيون المؤلفات (روئعها) ، معتبرا إياها مكونا قاعديا في مقاربته التفسيرية للظاهرة الأدبية.

بعض صعوبات المنهج:

لا يختلف اثنان ، في أن قراءة النص الأدبي ، تحرك عند القارئ لواعج المتعة ، وتشعل في أعطاف شعوره نار النشوة المتلظية . فأن تقرأ رواية من قبيل " الإخوة كارمازوف" أو "مئة عام من العزلة" أو " البحث عن وليد مسعود" ، فهذا فحواه ،أنك تقف بإزاء عمل أدبي غير عادي ، ولا قدرة لك ، والحالة هذه ،من تنحية استجابتك الشخصية ، وهذه أولى الصعوبات التي تواجه المنهج عند لانسون .
ويمكن أن نجمل أهم الصعوبات التي تواجه المنهج عند لانسون فيما يلي :

1_استحالة تنحية الاستجابات الشخصية ، المتولدة من جراء فعل القراءة ، مع خطورة الاحتفاظ بها .

2_التركيز على أصالة الأفراد ، أي الظواهر الفردية التي لا شبيه لها ولا تحديد.
3_السير في اتجاهين متضادين: استخلاص الأصالة وتوضيح مظهرها الفريد المستقل الموحد ، ثم ربط عبقرية الأديب بالبيئة والجماعة التي ينتسب إليها.
وتأسيسا على هذه الصعوبات ، طفق لانسون في بناء منهج تاريخي أدبي ، يأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي تعيقه عن تحقيق علميته ، راميا إلى تشييد منهج يصحح المعرفة وينقيها من العناصر الشخصية ، وفي هذا السياق يقول لانسون :" من الواجب أن يعد منهجنا بحيث يصحح من المعرفة وينقيها من العناصر الشخصية."(10)

ضرورة التذوق الشخصي:

يختلف النص الأدبي عن الوثيقة التاريخية ، بما يثيره لدى القارئ من استجابات فنية وعاطفية وذوقية ، وترتبط هذه الاستجابات أيما ارتباط بعنصر التذوق ، والذي يعد شرطا أساسيا لتحقيق الإمكان المعرفي للذات الإنسانية في الزمان والمكان ، ويؤكد لانسون على مسألة التذوق هذه بقوله :" لن نعرف قط نبيذا بتحليله تحليلا كمياويا أو بتقرير الخبراء دون أن نذوقه بأنفسنا ، وكذلك الأمر في الأدب فلا يمكن أن يحل أي شيء محل (التذوق)"(11).
وتتراءى أهمية التذوق الشخصي بجلاء عند لانسون ، في حثه على الاعتداد باستجاباتنا الفردية ، والتركيز على العنصر الذاتي . عنصرٌ يرى فيه لانسون ضرورة ًملحة من أجل البلوغ إلى أكبر قدر من العلمية ، وبالتالي "فمحوه محوا تاما أمر غير مرغوب فيه ، ولا ممكن"(12).
إلا أنه حقيق بنا ، أن نشير إلى أن لانسون ، حذَّر من مغبة جعل المشاعر، والذوق ، والمعتقدات قيما مطلقة ، داعيا إلى مراجعة تأثراتنا الخاصة بدراسة أغراض المؤلِف ، وتحليل كتابه تحليلا داخليا موضوعيا ..يقول لانسون :" والشيء الأساسي هو أن لا أتخذ من نفسي محورا ، لمشاعري الخاصة ، ذوقي أو معتقداتي ، قيمة مطلقة. أراجع تأثراتي وأحد منها بدراسة أغراض المؤلِف ، وتحليل كتابه تحليلا داخليا موضوعيا وبالنظر في التأثرات التي أحدثها الكتاب عند أكبر عدد من القراء " (13).

حذار المعادلات العلمية والتراكيب الكمياوية:

إن التقدم الهائل الذي شهدته العلوم الطبيعية انطلاقا من القرن الخامس عشر ، كان له تأثير بارزٌ في الدراسات النقدية ، إذ طفق النقاد من كل حدب وصوب يتهافتون على محاكاة مناهج البحث في العلوم الطبيعية ، وتطبيقها على الظاهرة الأدبية ، غير مبالين بالبون الشاسع الذي يفصل بين خصوصية النص الأدبي والظاهرة الطبيعية . فموضوع الدراسة في العلوم الطبيعية هو الطبيعة بمختلف مكوناتها ، وهذه الطبيعة تستقل عن ذات الدارس استقلالا كليا ، وبالتالي فالعلاقة بين ذات الدارس والموضوع المدروس ، علاقة انفصال . أما موضوع النقد الأدبي فهو النص الأدبي ، نصٌ يحمل في تضاعيفه كل تجليات حضور الذات الإنسانية ، وعليه فالذات الدارسة والموضوع المدروس من طبيعة واحد ، وهذا أمر ينتفي معه الحديث عن الموضوعية المرغوبة.
ومن هنا ، فقد عاب لانسون على النقاد ، خاصة هيبوليت تين وبرونتيير ، إغراقهما في محاكاة عمليات العلوم الطبيعية و العضوية ، إغراق قادهما إلى مسخ التاريخ الأدبي وتشويهه على حد تعبير لانسون :" وأقوى العقول هي التي انزلقت إلى الثمل باكتشافات العلم الكبيرة. أقول هذا وأفكر في تين وبرونتيير اللذين لن اخذ مرة أخرى في نقد مذهبهما . فقد أصبح من الواضح اليوم قصدهما إلى محاكاة عمليات العلوم الطبيعية ، واستخدام معادلاتها قد انتهى بهما إلى مسخ التاريخ الأدبي وتشويهه."(14)
وقد انبرى لانسون إلى نبذ استعمال المعادلات العلمية في تفسير الأعمال الأدبية قائلا:" استخدام المعادلات العلمية في أعمالنا بعيد من أن يزيد من قيمتها العلمية . هو على العكس ينقص منها إذ أن تلك المعادلات ليست في الحقيقة إلا سرابا باطلا عندما تعبر في دقة حاسمة عن معارف غير دقيقة بطبيعتها. ومن ثم تفسدها." (15)
ثم إن الاستعاضة بالأرقام ، والخطوط البيانية عن اللغة في تفسير الأعمال الأدبية أمرٌ ينطوي على كثير من الشطط والتعسف ، ذلك أن لا الرقم و لا الخط البياني ، باستطاعته "محو الفضفاض والعائم في تأثرنا" (16)

نحن بحاجة إلى روح العلم:

وإذا كانت محاكاة مناهج العلوم الطبيعية وتطبيقها في تفسير النص الأدبي ،أمرا مرفوضا في نظر لانسون ، فإنه شدد بقوة على ضرورة التحلي بروح العلم ، وتتبدى روح العلم هذه حسب لانسون فيما يلي :

1_النزوع إلى استطلاع المعرفة.

2_الأمانة العقلية القاسية .

3_الحاجة المستمرة إلى النقد والمراجعة والتحقيق.

4_الصبر الدؤوب والخضوع للواقع والاستعصاء على التصديق.
وبناءا على هذه الخطوات الأربعة ، سيغدو بإمكاننا تحقيق أكبر قدر من العلمية المرجوة ، وتقديم ُخَيرِ تاريخٍ أدبيٍّ على حد تعبير لانسون.
النقد العملي:
تتجلى أهمية العملية النقدية عند لانسون ، في معرفة النصوص الأدبية ، ثم استجلاء الطابع الفردي من الجماعي ، والأصيل من التقليدي فيها ، وكل ذلك قصد جمع هذه النصوص في أنواع ومدارس وحركات ، وتحديد الوشائج التي تربط بين هذه المدارس .
ولا تتأتى معرفة هذه النصوص، حسب لانسون ، إلا من خلال العلم بوجودها ، ثم طرح مجموعة من التساؤلات التي توجه العملية النقدية وتحدد مراميها العملية ، ومن هذه الأسئلة :

1_ هل نسبة النص صحيحة ؟ وإذا لم تكن صحيحة فهل النص منسوب خطأ إلى غير صاحبه أم أنه نص منتحل بأكمله؟

2_هل النص نقي كامل خال من التغيير أو التشويه أو النقص ؟

3_ما هو تاريخ النص ؟ تاريخ تأليفه لا تاريخ نشره فحسب ، تاريخ أجزاءه لا تاريخه جملة فحسب؟

4_كيف يكون النص من أول تسويدة إلى الطبعة الأولى ؟ وعلام تدل التسويدات ، إن وجدت ، من حيث ذوق الكاتب ومبادئه الفنية ونشاطه النفسي؟

5_استخلاص المعنى الحرفي للنص ، معنى الألفاظ والتراكيب مستعينين بتاريخ اللغة وبالنحو وبعلم التراكيب التاريخي ،ثم معنى الجمل بإيضاح العلاقات الغامضة والإشارات التاريخية أو الإشارات التي تتعلق بحياة الكاتب نفسه.

6_بعد ذلك نقيم المعنى الأدبي للنص ، أي نحدد ما فيه من قيم عقلية وعاطفية وفنية ، ونميز استعمال الكاتب الشخصي للغة من الاستعمال السائد بين معاصريه

7_كيف تكون المؤلف الأدبي ؟

8_ أي نجاح لاقى المؤلف ، وأي تأثير كان له ، ثم تحديد طبيعة هذا التأثير ؟
ومن خلال هذه التساؤلات ، يغدو بمقدورنا تحقيق المعرفة الدقيقة الكاملة بالكتاب ، والإلمام بكل تمفصلاته التاريخية ، والسوسيولوجية ، ثم موضعته ضمن خارطة تاريخ الفنون الأدبية ، كاشفين عن الوشائج التي تربطه بباقي النصوص الأدبية من حيث الصياغة والموضوع.

المنهج والأخطاء:

يقر لانسون بأن كل العمليات التي سلف ذكرها معرضة للوقوع في الخطأ ، غير أن هاجس الوقوع في الخطأ هو ما يقوي طريقة البحث عند لانسون :" ونحن عرضة في كل العمليات التي وصفتها إلى الخطأ دائما . وخشية الخطأ باستمرار هي طريقتنا الحقيقية ، بل طريقتنا في القيام بأعمال علمية"(17). ويمكن إجمال الأخطاء التي تتربص بالمنهج عند لانسون فيما يلي:
1_الجهل بأعمال السابقين والنتائج التي بلغوها ، الأمر الذي يؤدي إلى قيام معرفة ناقصة بالوقائع.

2_التعجل ، والثقة العمياء في التفكير ، والذي يعد خداع في العلوم التاريخية ، بحسب قول لانسون.

3_الإسراف في تقدير الوقائع ، وذلك بتمديد معنى الوقائع والنصوص في حين ينبغي تضييق معنى هذه الوقائع لتحقيق أكبر قدر من الأمانة.
تقسيم العمل :
تستدعي عملية تفسير النصوص الأدبية تفسيرا تاريخيا ، واستيعاب أبعادها وخلفياتها ، الإلمام بكل المراجع السابقة عليها تاريخيا ، باعتبار أن هذه المراجع تشكل الأرضية الابستمولوجية التي ينطلق منها أي نص في بناء عناصره الداخلية و الخارجية على حد سواء ، يقول لانسون :" من الواجب أن نعرف كل ما سبقنا الغير إلى عمله وأن نبدأ من النتائج التي انتهوا إليها . ومن ثم يتضح أنه من المستحيل أن نصل إلى شيء بدون معرفة جيدة بالمراجع."(18).
وبعد هذا ، تأتي مرحلة تقسيم العمل في الدراسات الأدبية ، وقد أكد لانسون على هذه المرحلة قائلا:" إن تقسيم العمل في الدراسات الأدبية هو وحده التنظيم العقلي المنتج."(19) . وفي هذه المرحلة يضطلع كل باحث بعمل يتناسب مع قدراته وذوقه ،" فهناك باحثون ينصرفون إلى تهيئة المواد الأولية والكشف عن الوثائق ونقدها ، وإعداد وسائل العمل . ويخصص آخرون للمؤلفين ولأنواع الأدب المختلفة أبحاثا منفردة ، كما يحاول البعض التأليف في المسائل الكلية. وأخيرا يتولى نفر أمر تبسيط النتائج التي تصل إليها الأبحاث الأصيلة وإذاعتها ."(20)

يكفي المنهج أن يثبت ويحقق:

إن البحث عن مقاربة نقدية تاريخية ، تروم بلوغ الحقيقة المطلقة في دراستها للنص الأدبي ، أمر ينطوي على كثير من العبث ، لهذا نجد لانسون يركز على أهمية البحث عن الحقيقة ، أكثر من اهتمامه بالوصول إلى الحقيقة ، بتعبير آخر ما يهم لانسون ليس هو الحكم على الأثر الأدبي ، بل مراحل البحث عن الحقيقة العائمة في هذا الأثر المتسم بخاصية النسبية ، ومراحل البحث وإن تكن نسبية ناقصة ، إلا أنها تَحْجمُ الباحث من الانزلاق في الدجل و النفاق ، والركون إلى الأهواء والمعتقدات الخاصة.
وعليه فالالتزام بمراحل البحث ، هو السبيل الكفيل بتثبيت المنهج ، ومن ثم تصير رؤيتنا للظاهر الأدبية أعمق ، ويغدو بإمكاننا ارتياد آفاق جديدة لم نكن نتصور بلوغها في تفسير الظاهرة الأدبية ، لنخلص في الأخير إلى نتائج تنم عن تفكير حصيف ، وتحليل عميق.

الروح التاريخية أداة السلام:

للروح التاريخية والمنهج النقدي أهمية بالغة في إقرار السلام ، ومن ثمة الإسهام بشكل بارز في النشاط العلمي ، يقول لانسون :" إن الروح التاريخية و المنهج النقدي أدوات السلام ." (21)
ومن خصائص هذه الروح التاريخية ، إقرارها بالبعد الكوني والإنساني للعلم ، فليس هناك علم فرنسي ، وعلم ألماني ... بل كل ما تحقق حتى الآن ، يدخل ضمن الجهود الإنسانية المبذولة للارتقاء بالعقل البشري في سلم الحضارة ، وفي هذا الصدد يقول لانسون :" ليس هناك علم قومي وإنما هناك علم إنساني . وكما أن العلم يحقق الوحدة العقلية في الإنسانية ، فهو يحققها في الأمم المختلفة."(22)

خاتمة:

وختاما ، يمكننا القول إن مقالة غستاف لانسون " منهج البحث في تاريخ الآداب" شكلت نقطة مفصلية في تاريخ النقد الأدبي ، وذلك من خلال إسدالها الستار عن مجموعة من القضايا النقدية الشائكة ، ثم محاولة تفسير هذه القضايا انطلاقا من رؤية علمية متوازنة ، تستلهم من الروح التاريخية بعض مقوماتها ، وتستمد من الروح العلمية ، تلك الحرقة اللاهبة في بلوغ الحقيقة ..
إننا هنا بإزاء منهج ، يحاول مقاربة وتفسير النص الأدبي على غرار ما فعلته الوضعية ، في تفسير تاريخ المجتمع الإنساني ، ففكرة تقسيم العمل في الدراسات الأدبية عند لانسون مثلا تتقاطع بشكل واضح مع التقسيم التاريخي للمجتمع الإنساني ، الذي قام به أوكست كونت حين قسم التاريخ الإنساني إلى ثلاث مراحل كبرى وهي (المرحلة اللاهوتية ، المرحلة الميتافيزيقية ، والمرحلة الوضعية ) ، ناهيك عن تقاطعات أخرى من قبيل الروح التاريخية ، و الروح العلمية والتي يضيق بنا العرض على ذكرها كلها.

وفي الأخير، حري بنا أن نقول بأنه رغم النجاح الذي استأثر به المنهج اللانسوني في تفسير الظاهرة الأدبية ، إلا أنه لم يسلم من انتقادات عديدة ، من أبرزها الانزلاق في سراديب تتبع المسار الدياكروني للعمل الأدبي ، و خلفياته التاريخية ، وإغفاله عن تحليل البنية الإستطيقية التي يحبل بها النص الأدبي ، ومقاربة هذا النص مقاربة نصية تميط اللثام عن الشبكات العلائقية التي تحكم النص الأدبي من الداخل.


الهوامش:

(1) النقد المنهجي عند العرب ، محمد مندور ، مقالة "منهج البحث في تاريخ الآداب" ، بقلم غستاف لانسون ، ص 395.
(2) نظرية الأدب ، ريني ويليك و أوستين وران ، ترجمة محي الدين صبحي ، دمشق ، ص 13.
(3) النقد المنهجي عند العرب ، محمد مندور ، مقالة " منهج البحث في تاريخ الاداب" ، بقلم غستاف لانسون ، ص 406.
(4) النقد المنهجي عند العرب ، محمد مندور ،مقالة "منهج البحث في تاريخ الآداب" بقلم غستاف لانسون ، ص 396.
(5) نفسه ، ص 396.
(6) نفسه ، ص 396.
(7) نفسه ،ص 396.
(8) نفسه ، ص 397.
(9) نفسه ، ص 397.
(10) نفسه ، ص 402.
(11) نفسه ، ص 402.
(12) نفسه ، 402.
(13) نفسه ، 403.
(14) نفسه ، 406.
(15) نفسه ،406.
(16) نفسه ، 406.
(17) نفسه ، 414.
(18) نفسه ، 420.
(19) نفسه ، 420.
(20) نفسه ، 420.
(21) نفسه ، 425.
(22) نفسه ، 426.



#عبدالرحيم_داودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرَّاهبُ المَخْنُوقُ
- رَسْمٌ عَلَى المَاءِ
- الْإِحْتِرَاقُ البَطِيءُ
- الْعَزفُ الْمَكْسُورُ


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحيم داودي - مَنْهجُ البحثِ فِي تَارِيخِ الادابِ