أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شوقي إبراهيم قسيس - تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)















المزيد.....


تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)


شوقي إبراهيم قسيس

الحوار المتمدن-العدد: 4032 - 2013 / 3 / 15 - 00:30
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ملخص تنفيذي:
قد لا يختلفُ اثنان على أنّ نسبةَ العربِ الذين بإمكانِهم التّعاملُ مع اللّغة العربيّة بكفاءةٍ ودونَ أخطاءَ وتجاوزاتٍ هي نسبةٌ صغيرةٌ في مجتمعاتنا العربية، وهي نسبةٌ تتضاءلُ مع الزّمنِ بوتيرةٍ مثيرةٍ للقلق. ونجدُ العديدَ من الطّلّابِ والطّالباتِ يتخرَّجون من المدارسِ الثّانويّةِ بتفوِّقٍ في عددٍ من المواضيعِ، لكنْ بعلاماتٍ متدنيّةٍ في اللّغةِ العربيّةِ، ومعظمُهم يعبّرونَ، حين تتحدَّثُ معهم، عن كرهِهم الشَّديدِ لموضوعِ اللّغةِ العربيّةِ وعن خوفِهم منه. لذا تجدُ في حلقاتِ هذه الزّاويةِ طرحاً لأفكارٍ ورؤىً عن مشروعٍ ضخمٍ هدفُه أنْ نخرِّجَ من ثانويّاتِنا شبّاناً وفتياتٍ يعرفونَ لغتَهم ويتعاملونَ معها شفهيّاً وكتابيّاً بكفاءةٍ ودونَ أخطاءَ وتجاوزاتٍ لغويّةٍ ونحويّةٍ، وأنْ نحبِّبَ موضوعَ اللّغةِ ونقرِّبَه إلى قلبِ الطّالبِ وإلى وعيِه وإدراكِه بدلاً من أنْ نخيفَه منه ونجعلَه يكرهُه. والمحاورُ الرئيسيّةُ لهذه الأفكارِ هي:
أوّلاً، إجراءُ تغييراتٍ جذريّةً في الأساليبِ المتّبعةِ حاليّاً في تدريسِ العربيّةِ، وخاصّةً تدريسَ علومِ النّحو. تشمَلُ هذه التّغييراتُ: أوّلاً، ألإبتعادُ عن نهجِ التّلقينِ (التّبصيم) وعن أسلوبِ توضيح الواضح وتبسيط البسيط الذي تَتَّبِعُه كتبُ تدريسِ النحو. ثانياً، إجراءُ مقارناتٍ كلمّا أمكنَ مع اللّهجةِ (أو اللّهجات) العاميّةِ ومع لغاتٍ أخرى لتقريبِ موضوعِ اللّغةِ إلى قلبِ وإدراكِ الطالبِ حتى لا يشعرَ بأنّه يدرسُ لغةً جديدةً، ولإبرازِ خصوصيّاتِ وجماليّاتِ العربيّةِ. أخيراً، ألتَّشديدُ على النِّظامِ الهندسيِّ الدَّقيقِ في قوانين اللّغةِ، وعلى أنّ هذا النِّظامَ خالٍ كُلِيّاً من الفوضى الموجودةِ في لغاتٍ أخرى، وعلى أنّه موجودٌ في لغتِنا كما تكلّمَها أجدادُنا منذ وُلدوا من أرحامِ أمَّهاتِهم وقبلَ أنْ يضعَ علماءُ النّحوِ قوانينَها.
ثانياً، خلْقُ مسارَين في تدريسِ اللّغة. ألمسارُ الأولُ مبسَّطٌ وأساليبُ التّدريسِ فيه تنطبقُ على الجميعِ، وهدفُه أنْ يعرفَ الطّالبُ لغتَه لا أنْ يعرفَ عنها. والمسارُ الثّاني لمن يرغبُ في اختيارِ علومِ اللّغةِ كحقلِ تخصّصِه في المستقبل، وتُدرَّسُ فيه بعمقٍ جميعُ علومِ النّحوِ واللّغةِ. وسأتطرَّقُ في عدّةِ حلقاتٍ إلى المشتركِ والمختلِفِ بين المسارين.
ثالثاً، إلغاءُ تدريسِ كلِّ مواضيعِ النّحوِ الّتي لا تساعدُ الطالبَ على إتقانِ لغتِه، ويكونُ الإلغاءُ في المسارِ العامِّ فقط.
رابعاً، أن تُدرَّسَ مواضيعُ النّحوِ المختلفةُ من خلالِ مناقشةِ النّصوصَ الأدبيةَ، النّثرية أو الشّعرية، بدلَ أنْ تكون هناكَ حصصٌ مخصّصةٌ لقواعدِ اللّغةِ تُتلى خلالَها قوانينُ النّحوِ بجفافٍ على مسامعِ الطُّلاّب.
خامساً، عدمُ القبولِ بأقلِّ من ستِّ وحداتٍ أو ستِّ حصصٍ في الأسبوعِ للّغةِ الأم. وما يلزمُ من وحداتٍ إضافيةٍ للُغةِ الأمِّ يكونُ على حسابِ اللّغاتِ الأجنبيّةِ.
أخيراً، تخصيصُ وقتٍ أكثرَ للكتابةِ الصحيحةِ وللتعبيرِ عن الأفكارِ كتابياً بلغةٍ سليمةٍ وواضحةٍ وعصريّةٍ، وتخصيصُ وقتٍ أكثرَ للقراءةِ الصَّحيحة ولكلامٍ شَفَهيٍّ صحيحٍ بالفصحى.
ما يقرِّرُ العددَ النِّهائيَّ لحلقاتِ هذه الزّاويةِ هو تجاوبُ القراءُ مع المواضيعِ المختلفةِ، وما يطرحونه من أسئلةٍ إضافيةٍ ومن أفكار. وسأحاولُ خلْقَ جوٍّ لطرْحِ أسئلةٍ ولحوارٍ ونقاشٍ في أمورٍ عامّةٍ تتعلَّقُ بتاريخِ وحضارةِ العربِ، مع التّركيزِ على علومِ الألسنيّاتِ عامّةً وعلومِ اللّغةِ العربيّةِ بشكلٍ خاصّ. كذلك، سأضيفُ كلَّما أمكنَ عنصراً من المتعة، وذلك بالتّطرُّقِ إلى أخبارٍ ونوادرَ من إرثِنا الأدبيِّ ومن تاريخِنا.
بعضُ المعلوماتِ قد تكونُ معروفةً للجميع، لكنْ لا بأسَ من تكرارِها لأهميَّتِها ومركزيَّتِها في الموضوعِ أو للتَّذكيرِ بها. وأكرِّرُ أنّ ما يحتاجُه العربيُّ أوّلاً وقبلَ كلِّ شيءٍ هو أنْ يجيدَ لغتَه ويكتبَها ويقولَها دونَ أخطاء؛ وبعدَ أنْ يعرفَ لغتَه يمكنُه أنْ يعرفَ عنها بأنْ ينتقلَ إلى تفاصيلِ الإعرابِ الموجودةِ في كتبِ تدريسِ قواعدِ اللّغةِ، والتي لا تدخلُ إلاّ في بابِ الفلسفةِ النّحويةِ. تبدأُ الحلقاتُ بعرضٍ لخصائصِ العربيّةِ واللّغاتِ الساميّةِ الأخرى، ثمّ أنتقلُ إلى أمورِ النّطقِ والكتابة (الإملاء) في اللّغةِ العربيّةِ، وبعدَها أدخلُ في موضوعِ الصّرفِ والنّحوِ (أو القواعد) الشّائكِ.
أللغات السامية:
هي لغاتٌ أربع: العربية، الآرامية، العبرية، والأمعرية (أو الأمهرية). والأخيرة هي لغةُ الكثيرين من أهلِ الحبشة. أمّا بالنّسبةِ للّغاتِ الثّلاث الأخرى، فقد سمعتُ مراراً مَن يقولُ إنّ العربيّةَ هي أمُّ اللّغاِت الساميّة، أو الآراميّة هي اللّغة الأمّ، وهذا خطأٌ شائعٌ، إذ لا توجدُ لغةٌ يمكنُ اعتبارُها اللّغةَ الأمّ لبقيّةِ اللّغات السّاميّة. ويمكنُ تصوُّرُ ما حدثَ على أنّه في البدءِ كانت هذه اللّغاتُ مجرّدَ لهجاتٍ مختلفةٍ انتشرت بين الشّعوب الساميّة في شبهِ جزيرةِ العربِ وفي بلادِ الرافدين وفي سورية الكبرى، ومع مرورِ الزَّمنِ ازدادتِ الفروقُ بين هذه اللّهجاتِ، فتبلورت كلٌّ منها إلى لغة مستقلّة. حافظت هذه اللّغات على خصائص لغويّة أساسيّة مشتركة بينها لتبرّرَ ضمّها في عائلة لغوية واحدة، لكنّها اختلفت في خصائصَ أساسيةٍ أخرى تجعلُ كلّاً منها لغةً مستقلّة.
تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ العربيّةَ بقيت مستعمَلةً وسائدةً بين فئةٍ كبيرةٍ منَ النّاسِ دونَ انقطاعٍ لأطولَ فترةٍ زمنيّة. أمّا الآراميّة (أو الكنعانيّة)، وكانت هناكَ آراميّةٌ غربيّةٌ في بلادِ الشّامِ وآراميّةٌ شرقيّةٌ في بلادِ الرّافدين، فقد سيطرَت لفترةٍ طويلةٍ في العصورِ القديمة، وكانتِ اللّغةَ السّائدةَ في بلادِ الرّافدين وسوريا الكبرى، لكنّها تقلَّصتْ في العصورِ المتوسِّطة والحديثةِ لتنحصرَ كلغةٍ للطُّقوسِ الدّينيّةِّ وكلغةٍ بيتيّةٍ في بعضِ القرى الأشوريةِ والسّريانية[1] في سورية والعراق. أمّا العبريّة فلم تستعملْ إلا لفتراتٍ قصيرةٍ ومتقطِّعةٍ عندَ بعضِ القبائلِ العبرانيّةِ في العصورِ القديمة، ثمّ في الأندلس تحتَ حكمِ العرب؛ وحدثتْ لها عمليّةُ بعثٍ في أواخر القرنِ التّاسعِ عشر تبنّاها "إليعزر بن يهوذا"، فأنتجتْ جهودُ هذا اليهوديّ الأوروبيّ لغةً هجينةً تعمُّها الفوضى والتّناقضات. ومن اللّافتِ للنّظر أنّ القبائلَ العبرانيّةَ في فلسطين أيّامَ السَّيِّدِ المسيح استعملَتِ اللّغةَ الآراميّةَ لا العبريّة كلغةِ الخطابِ السّائدة.
إضافةً إلى تشابهِ مفرداتٍ كثيرةٍ وإلى تشابهِ تصريفِ الأفعالِ (بأزمانها) والأسماء مع الضّمائرِ، يميِّزُ اللّغاتِ السّاميةَ كعائلةٍ لغويةٍ معالمُ رئيسيّةٌ ثلاثة: تُكتبُ من اليمينِ إلى اليسار. لغاتٌ اشتقاقيةٌ. لغاتٌ صوتيةٌ مقارنةً بٱللّغاتِ ٱللّاتينيةِ.
لغةٌ اشتقاقية: نعني بلغةٍ اشتقاقية أنّ مفرداتٍ عديدةً فيها مشتقَّةٌ من جذرٍ ثلاثيٍّ مكوَّنٍ من ثلاثةِ حروفٍ صوتيّةٍ بترتيبٍ معينٍ، فيتجمَّعُ حولَ كلِّ جذرٍ مفرداتٌ يوجدُ بينَها ما هو مشتركٌ في المعنى أو التَّعبير. مثلاَ، الجذرُ العربيُّ (ع ل م) مختصٌّ بالعلمِ والمعرفة، والجذرُ [ع م ل]، وهو مكوَّنٌ من نفسِ الحروفِ بترتيبٍ آخَرَ، مختصٌّ بالعمل. والجذر [ج م ع] مختصٌّ بكلِّ ما يتعلَّقُ بالجمع، وهو جذرٌ غنيٌّ تجدُ حولَه مفرداتٍ كثيرةً:
ألأفعال (بأزمانها الثلاثة): جَمَعَ، أَجْمَعَ، جَمَّعَ، جامَعَ، تَجَمَّع، إجْتَمَعَ، واستجمع.
ألأسماء (بما فيها المصادر): ألْجَمْعُ، ألْجِماعُ، ألْإجْماعُ، التَّجميعُ، ألْمُجامعةُ، ألتَّجَمُّعُ، ألْإجتِماعُ، علم الْإجتماع، ألْجماعةُ، ألْجميعُ، جميعاً، ألْجُموعُ، ألْمجموعُ، أَلْمُجَمَّعُ، ألْمُجْتَمعُ، ألْمَجْمَعُ، ألْجامِعُ، ألْجامعةُ، ألْجُمُعةُ (يوم).
نجدُ في لغاتٍ أخرى مفرداتٍ متقاربةً في اللَّفظِ وفي المعنى، وقد تكوَّنَت باشتقاقِ واحدةٍ من الأخرى. ففي الإنجليزيّة نجدُ كلماتٍ مثلَ (People, Population, Popular). لكنّ الغالبَ في اللّغاتِ اللّاتينية هو التركيبُ المزجيُّ للكلماتِ (Automobile) من (Auto + Mobile)، أو خلْقُ كلماتٍ مختلفةً لمعانٍ متشابهةٍ (Factory, Manufacture) وكلماتٍ متشابهةً لمعانٍ مختلفةٍ (Write, right). والاشتقاقُ في هذه اللّغات، عندما يحدثُ، لا يكونُ حسبَ نظامٍ معيَّنٍ ومحدَّدٍ، ومن جذرٍ مشتركٍ، كما هو الأمرُ في اللّغاتِ السّاميّة. وأكتفي بمثالين من العربيّة:
ألأوَّلُ يدلُّ على (تخصُّصِ) وزنٍ معيَّنٍ من أوزانِ الفعلِ لاستعمالٍ معيَّن، فأفعالُ وزنِ [فاعَلَ]، نحوَ [قابَلَ وعامَلَ]، جميعُها تحملُ معنى القيامِ بالعملِ من طرفٍ واحد، بينما أفعالُ وزنِ [تَفاعَلَ]، نحوَ [تَقابَلَ وتَعامَلَ]، فيها مشاركةُ الأطرافِ في القيامِ بالعمل. فنقولُ مثلاً: [عامَلْتُ الأَسيرَ مُعامَلةً ليِّنةً، ومُعامَلتي لِلْأَسيرِ كانَتْ ليّنةً]، بينما نقولُ: [تَعامَلْتُ مَع رِفاقي بِأَدَبٍ، وتَعامُلُنا مَع بَعْضٍ كانَ بِأَدَبٍ]. كذلكَ نقولُ: [خاصَمْتُ صَديقي]، مقابلَ [تَخاصَمَ الْأَصْدِقاءُ]. ونقول: [قابَلْتُ الْمُديرَ]، مقابلَ [تَقابَلَ الْمُديرُ والْأُسْتاذُ]. ثُمَّ إنّ أوزانَ [فَعَّلَ] و [أَفْعَلَ] مِّزتُها الرّئيسيّة هي تعديةُ وزْنِ [فَعلَ] إذا كانَ لازماً، نحوَ: [شَجُعَ أَخوكَ، وشّجَّعْتُ أَخاكَ. حَضَرَ الْوَلَدُ، وأَحْضَرْتُ الْوَلَدَ]، أو زيادةُ مفاعيل [فَعلَ] إن كان متعدِّياً، نحو: [دَرَسَ الطّالِبُ عُلومَ الْحاسوبِ، و دَرَّسَ الْأُستاذُ الطّالِبَ عُلومَ الْحاسوبِ].
والمثالُ الثّاني هو اشتقاقُ المصادرِ من أوزانِ الأفعالِ المختلفة، فمصدرُ الثلاثي [فعلَ] هو "أَلْفعلُ" بتشكيلاتٍ مختلفةٍ للفاء والعين في الفعل وفي المصدر [ضَرَبَ – أَلضَّرْبُ، لَعِبَ – أَللَّعِبُ، عَمِلَ – أَلْعَمَلُ]، ومصدر [فاعَلَ] هو [أَلْمُفاعلةُ] نحو [عامَلَ – مُعامَلةً، قارَنَ - مُقارَنةً]، ومصدر [فَعَّلَ] هو [أَلتَّفْعيل] نحو [دَرَّسَ – تَدريساً]، ومصدر [تَفَعَّلَ] هو [أَلتَّفَعُّلُ] نحو [تَقَدَّمَ – تَقَدُّماً]، ومصدر [تَفاعَلَ] هو [أَلتَّفاعُلُ]، و [إنْفَعَلَ] هو [أَلْإنْفِعال] نحو [إنْكَسَرَ - إنْكِساراً]، ومصدر [إفْتَعَلَ] هو [إفْتِعال]؛ ولا يجوزُ غيرُ ما ذُكِر.
وهذه مقارنةٌ لغويةٌ بسيطةٌ بين العربيةِ والعبريةِ والآراميةِ من حيثُ الجذورِ والإشتقاق وتشابهِ التّصريف:
أوّلاً، تشتركُ العبريةُ والآراميةُ في استعمالِ الهاء كأداةٍ لتعريفِ الأسماء. وإذا تذكَّرْنا أنّ الهاءَ والهمزةَ يوجدُ بينهما استبدالٌ بينَ لغةٍ ساميّةٍ وأخرى، وجدْنا أنّ الهاء كأداةٍ للتعريف هي نصفُ أل التعريف (ألهمزة) العربية. وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ همزةَ الإستفهامِ العربيةَ تقابلُها هاءُ الاستفهام (ה‘ השׁאלה) العبريةُ، مثلاً: "هَشومير أَحي إنوخي، השומר אחי אנוכי?" ("أحارسُ أخي أنا؟"، تكوين، 4/9).
ثانياً، لنأخذِ الجذرين ِ[ك ت ب] و [س ف ر]. ألجذرُ الأوّلُ مشتقّةٌ منه كلماتٌ في اللّغتين العربيّة والعبريّة متعلّقةٌ بالكتابة. ففي العربيّةِ نجدُ مشتقّاً منه كلماتٍ كثيرةً مثل: كَتَبَ (بأزمانه الثّلاثة)، كِتابٌ، مَكْتَبٌ، مَكْتَبةٌ، وكاتِبٌ. وفي العبرية نجدُ أيضاً الفعلَ كَتَبَ (كَتاڤ، כתב) بأزمانِه الأربعة (ماضٍ وحاضر ومستقبل وأمر)، ونجدُ كلماتٍ مثلَ مكتوبٌ أو رسالةٌ (مِخْتاڤ، מכתב)[2] وخَطٌّ (كْتاڤ وكْتيڤ، כתב و כתיב) وإملاءٌ (هَكْتَڤاه، הכתבה). أمّا كلمات عبريّة مثل: كِتابٌ (سيفِر، ספר) ومدرسةٌ (بيت سيفر، בית ספר، وتعني بيت الكتاب) ومكتبةٌ (سِفْرِياه، ספריה) فنجدُها مشتقّةً من الجذر [س ف ر]، وهو في العربيّة جذرٌ لمفرداتٍ تتعلّقُ بالسُّفور وبالسَّفَر، وفي العبريّة هو جذرٌ آخرُ لكلماتِ الكتابة. وفي العربيّة "سِفْرٌ" (بكسر السّين) هي كتابٌ أو كتابٌ كبيرٌ أو جزءٌ من التّوراة.
ثالثاً، لننظرْ إلى كلمة "شَهْر" العربيّة (جمعُها "أَشهر" كجمع قِلّه، أي من ثلاثة إلى عشرة، و"شُهور" كجمع كثرة، أي فوق العشرة). لقد استعملتِ العبريّةُ هذه الكلمةَ لتشيرَ إلى الهلال (ساهَر، סהר)[3]، بينما تقولُ العبريّةُ عن الشّهر (حودِشْ، חודש)، وكلمةُ (حَدَش، חדש) بالعبريّة معناها جديدٌ أو حديثٌ. أمّا الآراميةُ فتقولُ عن الشّهر "يَراح"، وهذه الكلمة في العبريّة (يَرِيَح، יריח) تعني القمر.
أخيراً، لننظرْ إلى الجذرِ [ل ح م]، وهو جذرٌ مختصٌّ في جميعِ اللُّغاتِ السّاميّةِ باللُّحْمة والإلتصاق، ومن مفرداتِه في العربيّةِ نجدُ كلمةَ "لَحْمة" أو لُحوم، والّتي تلتصقُ بالعظمِ في بناءِ الجسم. أمّا في العبريّةِ فمنَ الكلماتِ المشتقّةِ من هذا الجذرِ نجدُ الكلمةَ التي معناها خُبْز (لِحِمْ، לחם). فلماذا اشتقَّ العربُ كلمةَ "لحمة" بينما اشتقّ العبريّون كلمةً "خُبْز" من جذرِ اللُّحْمةِ؟ إذا تمعنّا في معيشةِ القبائلِ العربيّةِ والقبائلِ العبريّةِ في شبهِ الجزيرةِ نرى أنّ الأولى اعتمدتْ بالأساس على الصَّيدِ، بينما اعتمدتِ القبائلُ العبريّةُ على الفلاحةِ، كمصدرٍ رئيسيٍّ للغذاء. فاشتقّتِ القبائلُ العربيّةُ أهمَّ مصدرٍ للطَّعام، وهو اللَّحمة، واشتقّتِ القبائلُ العبريّةُ أهمَّ مصدرٍ للطّعامِ، وهو الخبز، من جذرِ الإلتحام. أمّا كلمةُ "لَحمة" فقد عبّرتِ العبريّةُ عنها بكلمةِ (بَسَر،בשר)، ويقابلُها في العربيّةِ كلماتٌ مثل (بَشَر وبَشْرة). ومن مفرداتِ [ل ح م] في العبريّةِ نجدُ الكلمةَ التي تعني حَرْباً (مِلْحَمَهْ، מלחמה)، والْمَلْحمة في العربيّة هي الحربُ ذاتُ القتلِ الشَّديدِ أو الوقعةُ العظيمةُ؛ ونجدُ أيضاً الكلمةَ التي تعني حربة أو سَيْف (حِرِڤ، חרב). أمّا جذرُ الحروبِ [ح ر ب][4] العربيُّ فقد اشتقَّ العبريّون منه الكلماتِ المتعلّقةَ بالخراب، والخَراب بالعبرية هو (حورْبَنْ، חורבן)، فيقولون عن خرابِ هيكلِهم (حورْبَن هَبَيِتْ) أو خرابُ البيت.
ألتّصريف مع الضّمائر: تجدُ في قائمة 1 أدناه تصريف الفعل (كَتَبَ) وتصريف الاسم (بَيْتٌ) مع الضّمائر في العربيّة والعبريّة، وذلك لتقف على التّشابه الشّديد في تصريف الأفعال والأسماء في اللّغتَين. إنتبهْ إلى الأمور التّالية في القائمة: أوّلاً، لا يوجدُ ضميرٌ (منفصلٌ أو متَّصل) للمثنّى في العبرية. ثانياً، صيغة المضارع العربية تُستعمل في العبرية للتّعبير عن الزّمن المستقبل، أمّا المضارع فقد عبّرت عنه العبرية بصيغة اسم الفاعل. ثالثاً، كتبتُ الكلمات العبريّةَ بالضّبط كما تُكتَبُ (وليسَ بالضّرورةِ كما تُلفَظُ) بتلك اللّغة لكنْ بأحرفٍ عربيّةٍ. رابعاً، تُلفظُ الباء (V) في جميع كلمات "كَتَبَ" العبرية، أمّا الباء في "بيت" العبرية فهي في أوّل الكلمة، ولذا تُلفظُ باءً لا (V). خامساً، تُلفظُ الكافُ العبريّةُ كافاً عندما تكون أوّلَ حرفٍ في الكلمة، وتُلفظُ خاءً في غيرِ ذلك. لذا فالكاف في صيغِ المستقبل من (كَتَبَ) والكاف كضميرٍ متّصلٍ بالاسم، تُلفَظان خاءً. أخيراً، كتبتُ جميعَ الكلماتِ في القائمة مشكَّلةً تشكيلاً كاملاً وعصريّاً، و "تشكيلٌ كاملٌ وموحَّدٌ وعصريٌّ" هو موضوعُ الحلقة السّادسة.
لغة صوتيّة: أوّلُ ما نعني بقولِنا "لغة صوتيّة" هو أنّها على الغالب تُكتبُ كما تُنطَقُ بٱلضّبط. وقدِ امتازتِ ٱلعربيّةُ عن أخواتِها من ٱللّغاتِ ٱلسّاميّةِ بأنّها التزمتْ بقوانين الصَّوتيّات التزاماً كاملاً ومطلقاً. بالمقابل، فإنّ العبريّةَ هي أقلُّ اللّغاتِ السّاميةِ التزاماً بقوانينِ الصَّوتيّات. وابتكارُ الأبجدياتِ الصَّوتيّةِ (الهجائية) هو موضوعُ الحلقةِ الثّانية.
قائمة 1
تصريف فعل واسم مع الضّمائر في العربيّة والعبريّة
ألضّمير ألضّمير ماضي ماضي مضارع مستقبل بَيْتٌ بيتْ
ألعربيّة ألعبريّة ألعربيّة ألعبريّة ألعربيّة ألعبريّة ألعربيّة ألعبريّة
هُوَ هو كَتَبَ كَتَبْ يَكْتُبُ يِكْتُبْ بَيْتُهُ بيتو
هُمْ هِمْ كَتَبوا كَتْبو يَكتُبونَ يِكْتِبو بَيْتُهُمْ بيتَمْ
هِيَ هي كَتَبَتْ كَتْبَهْ تَكْتُبُ تِكْتوبْ بَيْتُها بيتَهْ
هُنَّ هِنْ كَتَبْنَ كَتْبو يَكْتُبْنَ يِكْتِبو بَيْتُهُنَّ بيتَنْ
أَنْتَ أَتَّه كَتَبْتَ كَتَبْتَ تَكْتُبُ تِكْتُبْ بَيْتُكَ بيتْكَ
أَنْتُمْ أَتِّمْ كَتَبْتُمْ كَتَبْتِمْ تَكْتُبونَ تِكْتِبو بَيْتُكُمْ بيتْكِمْ
أَنْتِ أَتْ كَتَبْتِ كَتَبْتْ تَكْتُبينَ تِكْتِبي بَيْتُكِ بيتِكْ
أَنْتُنَن أَتِنْ كَتَبْتُنَّ كَتَبْتِنْ تَكْتُبْنَ تِكْتِبو بَيْتُكُنََ بيتْكِنْ
أَنا أَني كَتَبْتُ كَتَبْتي أَكْتُبُ إكْتوبْ بَيْتي بيتي
نَحْنُ أَنَحْنو كَتَبْنا كَتَبْنو نَكْتُبُ نِكْتوب بَيْتُنا بيتِنو
هوامش:
1. سمعتُ من يقولُ "اللغة السريانية" أو من يقول "اللغة الأشورية" حين يتحدثون عن السريان أو الأشوريين ولغة طقوسهم الدينية. في الواقع، لا توجدُ لغةٌ سريانيةٌ مستقلةٌ ولا لغةٌ أشورية، وما يستعملُه السريانُ هذه الأيام في كنائسِهم وبيوتِهم هي اللغةُ الآرامية أو تحريفٌ لها.
2. يُستعملُ حرفُ الكاف في العبريةِ للتعبيرِ عن صوتَين، صوتِ الكاف وصوتِ الخاء، ويُستعملُ حرف الباء للتعبيرِ عن صوتِ الباء وصوتِ (V). أما حرفُ الفاء فيستعملُ أيضاً للتعبيرِ عن صوت (P).
3. ألشّكل أو الحرف (ש) هو لحرفِ الشّين العبري، لكنّه يُستعملُ في كثيرٍ من الكلمات لصوت السّين أيضاً. أما الشكل أو الحرف (ס) فهو الذي يشير إلى حرف السين في الأبجدية العبرية.
4. ألتّشابه بين جذر الحرب [ح ر ب] وجذر الخراب [خ ر ب] واضح؛ وكما قال أبو تَمّام في قصيدة "فتح عموريّة":
لَمّا رَأى الْحَرْبَ رَأْيَ الْعَيْنِ تَوْفِلِّسٌ
وَالْحَرْبُ مُشْتَقَّةُ الْمَعْنى مِنَ الْحَرِبِ



#شوقي_إبراهيم_قسيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شوقي إبراهيم قسيس - تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)