أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هاشم حسين ناصر المحنك - أسواق الكوفة في العهد الراشدي















المزيد.....

أسواق الكوفة في العهد الراشدي


هاشم حسين ناصر المحنك

الحوار المتمدن-العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 01:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


للأسواق التجارية الأهمية البالغة لبناء الاقتصاد الوطني ، فمن خلالها يتم الاتصال بالمستهلك لإشباع حاجاته المباشرة وغير المباشرة ، وستكون لنا وقفة على ما يخص الأسواق في الكوفة ، وفي دراسة قادمة ومكملة إن شاء الله على ما يخص التداول النقدي ..
فالأسواق قبل الإسلام كانت قائمة وبشكل فاعل في الحيرة ، لوجود التجارة الداخلية والخارجية لدولة المناذرة ، فضلاً عن كون قيام صناعات متنوعة فيها ؛ كالسجاد الفاخر مثلاً ..
وتتُعد الحيرة محطة تجارية كبرى بين بلاد فارس والهند وبين الشام وبلاد الروم ، وأخذت الحيرة شهرتها في تاريخ العرب وأدبه تَنمُّ عن مكانتها التجارية ، ولقريش رحلات إلى أسواق الحيرة ، وفيها حتى تعلموا الكتابة ، ومنها انتشرت في العرب ..
وبعد انتشار الإسلام وما تم من فتوحات ، وبعدها ما تم من تمصير الكوفة في عهد عمر بن الخطاب ، فأول شيء خط بالكوفة ، المسجد الكبير ( مسجد الكوفة ) الذي قام بجواره الأسواق ، وكان وجودها قبل اختطاط المسجد ، وبطبيعة الحال لا تُقام الأسواق التجارية إلاّ إذا كان هناك حركة اقتصادية ؛ من بيع وشراء وتبادل تجاري وصيرفي ، ويذكر الشيخ الحموي في معجم البلدان ، بأنّ الدهاقين قد أسهموا في نصح المسلمين وأقاموا لهم الأسواق .
وأخذت الأسواق ، في بداية تكوينها ، شكلاً وتطوراً ، حيث أول ما ظهرت في المدينة ، لكن لم يسمح ببنائها إلاّ بمرور ردح من الزمن ، وقد أثنا ( المقدسي ) على أسواق الكوفة لسعتها وتنظيمها ونشاط الحركة التجارية فيها ، فضلاً عن إنها ملتقى القوافل التجارية .
ويذكر الطبري بأنها كانت على شبه المساجد ، مَنْ يسبق إلى مقعد فهو له حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من بيعه ، وأخذ طابعه هذا بالخصوص في عهد الخليفة عمر ، وبمرور الزمان أصبحت مغطاة بالحصير ، وعلى عهد خالد القسري ، تم عقده بالحجارة ، حتى كان في هذه الأسواق " محكمة للقضاء " ، يجلس فيه المحتسب ، وتشمل الأسواق حتى الصيارفة والمُسلفون ، وفيها دكاك العبيد ومحلات المراهنين على الحيوانات يجمعونها في الكناسة ؛ والكناسة تقع من ناحية البادية بين مسجد الكوفة ومسجد السهلة ..
وأخذت الأسواق في الكوفة ، الطابع التخصصي لها ، وهو ما توضحه كتب التاريخ ، فكانوا التمارين وأصحاب الصابون وغيرهم ، وهو ما كان يُسهِّل مهمة الإشراف الحكومي عليهم ، كما إنّ التاجر الجشع لا يستطيع أن يرفع سعر السلعة ، خشية من منافسة التاجر المجاور له ، فضلاً عن محدودية حدوث الاحتكار أو أي ارتفاع غير طبيعي في أسعار السلع ، ويكون للمشتري فرصة اختيار الأنسب والأجود لِما هو بحاجته ..
ولأهمية الأسواق وعلاقتها بالحركة الاقتصادية والاجتماعية ، فقد ظهرت الحسبة بظهور الإسلام وانتشاره ، ومن خلال مهام الحسبة ومتابعتهم ، يتم مراقبة الغش في الطعام والأثمان والمكاييل والموازين .. والرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد استعمل سعيد بن سعيد بن العاص لرقابة السوق في المدينة ، أي إنها كانت نظام الحسبة من أيام الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتواصل إتباعه حتى من بعد الخلفاء الراشدين لحماية الناس والمستهلك ، وحماية انسيابية الحركة التجارية ، وتقويم سلوكية التجّار ، وحماية التجّار من جشعهم ..
وفي كتاب أخبار القضاة ؛ ( وكيع – محمد بن خلف ) ، كان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتفقد بنفسه أسواق الكوفة أبان خلافته ، ويحث التجار على أن لا يظلموا الناس ولا يغشوهم ولا يُدلِّسوا عليهم ، ومن خلال هذا الجانب يتضح بأنّ الإمام علي (عليه السلام) كانت رقابته على الأسواق رقابة مركزية ومباشرة ، ويتم توجيه التجار على ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم وما ينفع الناس ، وما يبني عامل الثقة والعلاقات الإنسانية والمنفعة المتبادلة ، والحيلولة دون استغلال المشتري والمستهلك ..
وأخرج أبو عبيد في الأموال عن الأصبغ بن نباتة قال : خرجت مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى السوق ، فرأى أهل السوق قد تجاوزوا أمكنتهم فقال : ما هذا ؟ قالوا : أهل السوق قد جاوزوا أمكنتهم ، فقال : أليس ذلك إليهم سوق المسلمين لمصلّى المصلين ؟ من سبق إلى شيء فهو له يومه حتى يدعه . ويذكر أيضاً بأنّ الإمام علي (عليه السلام) قد خرج من القصر وعليه قبطيتان أزار إلى نصف الساق ورداء مشمر إلى قريب منه ومعه درة له يمشي بها في الأسواق ويأمر الناس بتقوى الله وحسن البيع ، ويأمر أهل السوق أن يوفوا الكيل والميزان وأن لا ينفخوا اللحم ..
ويُضاف إلى ما تقدّم بأنه (عليه السلام) كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويأمر أن يبيعوا ولا يحلفوا ، فإنّ اليمين ينفق السلعة ويمحق البركة ، وعندما رأى خادم لا أمر له ، يريد إعادة ما اشتراه من تمر إلى بائع ويأبى البائع ذلك ، حكم لمن أمر له ( الخادم ) ، وأمر البائع إعادة ما باع الخادم من تمر .
وموقف آخر للإمام علي (عليه السلام) يبين كيف يكون نشاط السوق ، وكيفية علاج ذلك الموقف ، حيث يذكر ابن كثير في كتاب البداية والنهاية : بأنّ الإمام علي (عليه السلام) يمشي في الأسواق وحده وهو الخليفة يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ ( تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) سورة القصص ، ثم يخبرهم (عليه السلام) بأنها نزلت في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة على سائر الناس ..
ويأمرهم بالتفقه لكي لا يقع التاجر أو البائع في إشكال شرعي وفي غير مواقع التجارة ، فيكون مرابياً أو محتكراً أو غاصباً لحقوق الآخرين ، سواء كان بقصد أو بغير قصد ، ويوعيهم بأنّ ( مَنْ اتجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا ) .. ويأمرهم بأن يطعموا المساكين لينمو كسبهم الدنيوي والأخروي ..
وعموماً فإنّ الأسواق في الكوفة ، كانت تتصف في عهد الخلفاء الراشدين (رض) بأمور منها الآتي :
1- كونها – أي الأسواق – لم يُبنَ لها بنياناً خاصاً بها ، إلاّ في العهد الأموي وبولاية خالد القسري .
2- وجود صفة التخصص فيها ، فهناك سوق التمارين وأصحاب الصابون والقصابين وسوق الكرابيس ( الملابس ) ... وغيرهم .
3- كانت الأسواق قبل أن يختط المسجد الجامع في الكوفة ، بالشكل الذي تم تحديده لاحقاً ..
4- كانت مقاعد الباعة كشبه المساجد مَنْ يسبق إليها أخذ موضعه ، فهو له حتى يقوم منع إلى بيته أو يفرغ من بيعه ..
5- وجود رقابة مركزية ولا مركزية على الأسواق متمثلة بإدارتها إمّا بالخليفة نفسه أو الوالي أو المحتسب ..
6- يعتمد السوق في بضاعته على الإنتاج المحلي أو ما يتم بالتبادل التجاري بين الكوفة والمدن المجاورة للكوفة والبعيدة عنها ..
7- يتم حماية المشتري والبائع على حد الحق والعدالة والمساواة ، وما يتوجب حق كلا الطرفين بحسب ما جاء في الشريعة الإسلامية أو ما لا يتعارض معها ..
8- الاهتمام بأخلاقية العمل ، ودعم ذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدقة بالأوزان والمكاييل والمقاييس ...
وينبع اهتمام الخليفة بالأسواق والحركة التجارية بشكل مباشر ، أو بشكل غير مباشر عن طريق الولاة أو الحسبة ، لكون هذه الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية ، لها الأهمية البالغة في حماية الناس والنظام الاقتصادي وكل ما يؤثر على بقية الأنظمة داخل الدولة من اجتماعية وسياسية وتربوية .. وغيرها من العوامل والأنظمة الداعمة لقيام الدولة والمجتمع ، بما فيه من الحقوق المتبادلة بين كل مكونات الدولة والمجتمع ...

من المراجع
1- ابن الأثير / الكامل في التاريخ / مج 2 + مج 8 / دار الفكر / بيروت / 1978 .
2- ابن خلدون / تاريخ ابن خلدون / مج1 / القسم الرابع (4) / دار الكتاب اللبناني / بيروت / 1960 .
3- ابن منظور / لسان العرب / مج 3 / دار لسان العرب / بيروت .
4- أبو يوسف / الخراج / المطبعة السلفية / القاهرة / ط3 / 1382 هـ .
5- سعيد الأفغاني / أسواق العرب في الجاهلية والإسلام / دار الفكر / دمشق – سوريا / ط2 / 1960 .
4- الطبري / تاريخ الطبري / ج3 / دار القلم / بيروت .
5- لويس معلوف اليسوعي / المنجد في اللغة والأدب والعلوم / ط5 / المطبعة الكاثوليكية / بيروت .
6- هاشم حسين ناصر المحنك / أوضاع الكوفة الاقتصادية في عهد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) / دار أنباء للطباعة والنشر / النجف الأشرف – العراق / 2003 .
7- هاشم حسين ناصر المحنك / تمصير الكوفة وعمرانها حتى نهاية العهد الراشدي / دار أنباء للطباعة والنشر / النجف الأشرف – العراق / ط2 / 2010 .
8- ياقوت الحموي / معجم البلدان / مج 4 / دار إحياء التراث العربي / بيروت .
9 – اليعقوبي / تاريخ اليعقوبي / ج2 / مطبعة الغري / النجف الأشرف – العراق / ط1 / 1960 .



#هاشم_حسين_ناصر_المحنك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استذكار خطط الكوفة


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هاشم حسين ناصر المحنك - أسواق الكوفة في العهد الراشدي