أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - ثنائية الخوف والطمع















المزيد.....

ثنائية الخوف والطمع


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 19:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من نافلة القول إن العلاقات الإنسانية إنما تبنى على أساس المحبة وترتكز على ركيزة المودة والرحمة , فالحب والمودة والرحمة تعد بمثابة حجر الأساس الذي تنتصب فوقه صروح العلائق الإنسانية في إطارها الطبيعي والصحيح ,الحب وتبادل مشاعر الحب هو الأساس المتين والعروة الوثفى في طبيعة إي علاقة إنسانية يراد لها النجاح والاستمرار وبدون تبادل هكذا مشاعر لا يمكن لنا إن نحصل على أسرة ناجحة أو نكسب جماعة منتجة أو نحظى بمجتمع متجانس متوازن , فمما لا شك فيه أن كل مفاصل وحلقات ومشاهد المجتمعات البشرية إنما تقوم على أساس ترابط وتماسك أواصر الود والعطف والتآخي .
فغياب مثل تلك المرتكزات داخل محيط الأسرة أو المجتمع أو اضمحلالها سيؤدي حتما إلى جملة من الشروخ والتصدعات داخل محيط الأسرة أو المجتمع , فعندما تفتقر الأسرة إلى عنصر الحب سواء كان هذا الحب بين الزوج وزوجته أو بين الأبوين مع الأبناء أو مع احدهما مع الأبناء آنذاك فان الأسرة لا محالة سوف تكون عرضة للتفكك والتشرذم والانقسام والضياع بسبب ذلك الخوف الذي ربما يزرعه الأب من خلال نظراته أو عباراته أو تصرفاته وأفعاله , الخوف يهدد كيان العلاقات الإنسانية على صعيد الأسرة كما يهددها على صعيد المجتمعات البشرية عندما يكون الأب قاسيا على أبنائه فأنهم سوف يمقتونه داخل أنفسهم لكنهم سيضطرون إلى الظهور بمظهر المحب لذلك الأب خوفا من بطشه وطمعا في أبوته التي توفر لهم المأكل والملبس والمشرب وسائر الاحتياجات الضرورية الأخرى وفي مثل وسط هكذا أجواء ينشأ الأبناء متنافرين مضطربين لا يقر لهم قرار ولا يطمئن لهم بال فهم في شك دائم إزاء قدراتهم وتذبذب متواصل في توجهاتهم وهذا كله بسبب الخوف الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من طبائعهم النفسية .
وهكذا هو تأثير فعل الخوف داخل المجتمعات فالحاكم المستبد والسلطان الجائر الذي يحكم شعبه بالسيف والنار والحديد إنما يصنع بجبروته شعبا منافقا يظهر خلاف ما يبطن بسبب الخوف وما يخلفه من اثآر سيئة داخل العقل الجمعي لهذا الشعب أو ذاك. الخوف لا ينتج إي علاقة طبيعية مثمرة انه لا ينتج سوى أناس مضطربين عقليا ونفسيا وسلوكيا , الحب والخوف لا يجتمعان في مورد واحد ولا يلتقيان حول طاولة واحدة ولا يقفان على ذات الأرضية فإما إن يعتمد الحب كحجر أساس في طبيعة ما يربطنا من علاقات إنسانية واجتماعية متوازنة وآنذاك سوف نأكل من فوقنا ومن تحت أرجلنا كما يقال وإما أن يكون الخوف الذي يعد مصدر الشرور ومنبع الإمراض والآفات النفسية والاجتماعية التي تأتي على النفس البشرية لتجعلها قاعا صفصفا ولا يجتمع الحب والخوف ضمن إطار إي معادلة طبيعية متوازنة ,قد يقول قائل إن الأبناء الذين ينحدرون من إباء قساة غلاظ قد يحتفظون بشيء من الحب ويدخرون شيئا من المودة لإبائهم القساة الغلاظ مهما بلغت بهم القسوة على أبنائهم وهذا ما يبطل ما تريد قوله في هذا المورد من عدم اجتماع الحب والخوف في مورد واحد.ولا شك إن هكذا اعتراض سوف لن يغير من حقيقة الأمر شيء يذكر فالأبناء في مثل تلك الحالة قد يحتفظون بشيء من الحب لإبائهم الغلاظ الشداد بسبب أواصر الالفة وتأثير عوامل الوراثة بالإضافة إلى تأثير عوامل التنشئة الاجتماعية لكن الأمر يبقى على ما هو عليه حيث يبقى الخوف وتأثيره واضح للعيان على سلوك الأبناء وتوجهاتهم وطبيعة ما يفكرون به حتى وان احتفظ الأبناء ببعض المودة لإبائهم الغلاظ.الخوف والطمع لا يدخلان أي معادلة إنسانية إلا وأفسداها وجعلا أعزة أهلها أذلة سواء كانت تلك المعادلة بين الأب وأبنائه أو بين المعلم وتلامذته أو بين الحاكم ورعيته .
من هنا فان الخوف والطمع يكونان أكثر سلبية واعم ضررا عندما يعترضان طريق العلاقة بين الفرد وربه إذ إن مثل تلك الصلة يجب إن تكون أرقى من إن يدنسها الخوف بهواجسه أو ان يفسدها الرعب بخيالاته وأوهامه إن دخول عامل الخوف على طبيعة هكذا علاقة يراد لها إن تكون بعيدة كل البعد عن مشاعر غاية في السلبية لا شك إن هكذا أمر يؤشر وبوضوح تام على خلل بنيوي واضح في طبيعة هكذا علاقة فعندما يحل الخوف ويحضر الطمع يغيب الحب الحقيقي ليحل محله الحب المصطنع المتكلف الذي يصبح عبئا ثقيلا على كاهل الفرد ويكون ضريبة يؤديها على غير رضا منه وقبول عندما يدخل الخوف والطمع من باب فان الحب والاحترام سوف يغادرا من الشباك,فأنت عندما تحب شخصا ما يكون أهلا لذلك الحب فان علاقتك به سوف تكون علاقة وطيدة على خلاف تلك العلاقة التي تبنى على أساس من الرهبة والرغبة , الخوف مرفوض في كل الموارد وهذا عين ما تؤكده. العلوم النفسية والتربوية والاجتماعية الحديثة عندما تشير إلى أن اغلب المصابين بالإمراض النفسية والعقلية والعصبية هم في الحقيقة أناس يعيشون وسط أجواء يلفها الخوف ويحيط بها القلق ، ويحذر هؤلاء العلماء من تلك الأضرار الناجمة من الخوف والتي سرعان ما تتكيس داخل نفسية الفرد لتكون عصية على التفريغ والمعالجة إذا ما أخذنا (الطمع )بشكل منفرد الطمع غير المقرون بالخوف فقد يكون مثل هذا الطمع مفيدا نافعا على أكثر الصعد كأن نرصد جائزة مالية لمن يقدم أكثر من غيره مثل هكذا أمر لاغبار عليه شريطة أن يخلو الأمر من الخوف ليحل محله عامل الرغبة الصادقة والمنبعثة من داخل الذات لغرض التمتع بذلك الإحساس الإنساني العالي الذي يسعد به الفرد ذاته كما يسعد به أبناء جنسه لكن حضور عامل الخوف ضمن هكذا مورد سوف يفسد كل شيء .
إذا كانت طبيعة العلاقة بين الفرد والسماء قد خضعت لمعادلة الخوف والطمع في زمن من الأزمان يوم كانت المجتمعات البشرية بجانب عال من الغلظة والجفوة فان مثل تلك المعادلة يجب أن تصاغ اليوم مجددا ليصار إلى ترميمها وترصينها بما يواكب ويوائم ويوازي طبيعة العلاقة الجديدة التي تربط الفرد بالسماء على ضوء معطيات معاصرة والتي تعتمد في جوهرها على أسباب الحب وعوامل الاحترام المتبادل بين العبد وخالقه .
إن ثنائية الخوف والطمع والتي حكمت العلاقة بين الفرد والسماء على امتداد قرون يجب أن تستبدل بمعادلة أخرى أكثر نضجا وأعم فائدة ,وإذا ما كانت تلك المعادلة قد صلحت وسط بيئة صحراوية قاحلة تتسم بطابع القسوة حيث درجات الحرارة العالية وانعدام المساحات الخضراء مع شحة المياه والاعتماد على مياه الأمطار المتساقطة من موسم إلى اخر لينعكس كل ذلك على طبيعة وسلوك الأفراد الذين يستوطنون هكذا بيئة متطرفة في تطرفها وتحجرها مما يجعلهم يمتازون بالقوة الجسدية والعضلية ويشتهرون بحدة طباعهم وسرعة غضبهم وشدة تعلقهم بقيم السيف والغلبة والتفاخر بالأمجاد الغابرة للإباء والأجداد ,مثل هكذا أناس سوف لن يتحركوا إلا ضمن دائرة الخوف والطمع لكننا اليوم نعيش داخل مجتمعات لا تعير اهتماما كبيرا لما كان يعيره أولئك الذين كانوا يسكنون الصحراء قبل أكثر من أربعة عشر قرنا بل على العكس من ذلك فقد تحولت قيم الصحراء اليوم إلى قيم متخلفة لا تصلح وقيام المجتمعات الحديثة لذلك فان معادلة الخوف والطمع ما عادت تصلح كآلية وكخطاب يوجه للأفراد والجماعات في سبيل إصلاح شؤونها وضمان عملية سيرها في الطريق القويم .
لذا يجب استبدال تلك المعادلة بتلك التي بشرت بها الصوفية العابدة (رابعة العدوية )بمقولتها الشهيرة (الهي عبدتك لا خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني عبدتك لاني وجدتك أهلا للعبادة ) لا شك إن هكذا معادلة تصلح أن تكون بديلا مناسبا لثنائية الخوف والطمع التي درجنا على السير وفق سياقاتها على ما هي عليه من سلبية وهشاشة ,حيث تعتمد هكذا معادلة على الحب الصادق بين الفرد وخالقة وترتكز على المعرفة المتكاملة إزاء ما يتوجه به الفرد نحو ما يراه أهلا للعبادة مثل هكذا معادلة سوف تقدم لنا أنموذجا رفيعا لطبيعة العلاقة بين الفرد والخالق علاقة تتخذ من الوعي والتماهي والذوبان داخل بودقة الذات العليا سبيلا للعبادة والوصول لمرضاة الله بعيدا عن الخوف والطمع الذي لن يقدم لنا سوى أناس غير متوازنين في أخلاقهم تصرفاتهم وتعاملاتهم وعباداتهم إلا ما رحم ربي .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موتانا وموتاهم
- النص والمرأة
- مطر السوء
- القوم الكافرون
- أضغاث أحلام
- الإنسان أم الأديان
- هل يمتلك العراقيون دينا خالصا
- طقوس كربلاء من منظار اخر
- ما هو المطلوب من رجال الدين تحديدا؟
- شيوخ العطب والهلاك


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - ثنائية الخوف والطمع