أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نورالدين علوش - حوار موسع مع المفكر هاشم صالح















المزيد.....


حوار موسع مع المفكر هاشم صالح


نورالدين علوش

الحوار المتمدن-العدد: 3991 - 2013 / 2 / 2 - 17:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الأجوبة على أسئلة الأخ نور الدين علوش
(نسخة جديدة موسعة عن المقابلة)
أو استدراك لنواقص المقابلة السابقة

بقلم: هاشم صالح

الجزء الأول

ا بداية من هو الدكتور هاشم صالح؟- أنا كاتب من أصل سوري. بعد أن نلت شهادة دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بجامعة دمشق اشتغلت لعام واحد كمعيد أو مدرس مساعد في كلية الآداب بجامعة حلب. ثم نلت منحة دراسية للذهاب الى فرنسا بغية تحضير الدكتوراة في الآداب والنقد الأدبي بجامعة السوربون. وقد ناقشت أطروحة الدكتوراة عام 1982 حول موضوع: اتجاهات النقد العربي الحديث بين عامي 1950- 1975 تحت اشراف البروفيسور محمد أركون. ثم بقيت في فرنسا – باريس تحديدا- لمدة ثلاثة وثلاثين عاما متواصلة قبل أن أنتقل مؤخرا الى المغرب الجميل دون أن أقطع صلتي بفرنسا. كل وقتي أمضيه في الكتابة أو الترجمة وهما الفعاليتان اللتان أحبهما كثيرا. وبالتالي فأنا كاتب ومترجم وليس فقط كاتبا.

2 تعتبرون من ابرز المفكر ين التنويريين العرب , حدثنا عن هذ ا التيار العقلاني العربي ؟ واهم أطروحاته ورموزه؟
- أثناء اقامتي في فرنسا تعرفت على ما يدعى بفلسفة التنوير وكبار ممثليها كسبينوزا وفولتير وديدرو وروسو وكانط وآخرين عديدين. وقد أعجبت بهم جدا ورأيت في همومهم همومنا نحن المثقفين العرب في هذا العصر.ولذلك خصصت لهم الكثير من المقالات التي ظهرت في عدة كتب متلاحقة: كمدخل الى التنوير الأوروبي، والانسداد التاريخي، ومعارك التنويريين والأصوليين في أوروبا، الخ..وكلها صدرت عن "رابطة العقلانيين العرب" التي يشرف عليها الأستاذ جورج طرابيشي بدعم وتشجيع من الدكتور محمد عبد المطلب الهوني، أحد الرعاة الكبار للتنوير العربي. وقد كان لها الفضل في دعم خط التنوير في الساحة العربية. وهذا ما يفعله أيضا موقع "الأوان" الاليكتروني المرتبط بها والذي تشرف عليه الباحثة التونسية د. رجاء بن سلامة. وهي رائدة من رواد التنوير في تونس والعالم العربي. ومعلوم أن الدكتور الهوني ذو نظرة فكرية بعيدة المدى ومهموم جدا بمستقبل العرب.وبالطبع فان جورج طرابيشي هو أحد كبار العقلانيين والتنويريين العرب في هذا العصر.
أعتقد شخصيا أن الاطلاع على كتابات فلاسفة التنوير الأوروبي ومعاركهم الفكرية يساعدنا كثيرا على فهم الواقع العربي الذي نعيشه حاليا.معظم المشاكل التي واجهوها قبل مائتين أو ثلاثمائة سنة نواجهها نحن اليوم. بالطبع ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار فارق الزمن ومستجدات الفكر في هذا العصر.ولذا فالتنوير العربي الاسلامي ستكون له خصوصيته المتميزة ولن يكون نسخة طبق الأصل عن التنوير الأوروبي.سوف تكون له نكهة خاصة واضافة روحانية وأخلاقية جديدة.وأعتقد أنه لن يضحي بجوهر الدين وانما فقط بقشوره وانغلاقاته التعصبية المرعبة.وهي انغلاقات تنفجر في وجوهنا الآن كالقنابل الموقوتة على هيئة حروب أهلية طاحنة.من هذه الناحية لا يوجد أي فرق بين عصر فولتير وعصرنا نحن.فلولا التعصب الديني الذي كان سائدا في عصره والذي أشعل الحروب المذهبية الضارية بين الكاثوليكيين والبروتسانتيين لما كتب ما كتبه ولما انخرط في النضال الفكري حتى العظم.وهنا تكمن مفخرته.هذا ما بقي منه على مدار التاريخ.
لمواجهة تحديات الواقع الراهن أمامنا استراتيجيتان:
الأولى: بعث النصوص الكبرى للتنوير العربي الاسلامي الكلاسيكي أو ما يدعى بالعصر الذهبي. ينبغي اعادة نشر نصوص الكندي والجاحظ والتوحيدي و المعتزلة والمعري وابن باجة وابن رشد وعشرات غيرهم. ينبغي تبسيط نصوصهم أو "ترجمتها" اذا جاز التعبير من اللغة العربية القديمة الى اللغة العربية الحديثة. ومعلوم أن اللغة القديمة لم تعد مفهومة من قبل الجميع وانما تبدو خشنة ووعرة جدا. أقول ذلك على الرغم من أني أحبها كثيرا.تنبغي ترجمة هذه النصوص الكبرى اذن الى لغة عربية ميسرة مفهومة من قبل طالب الثانوي.وعندئذ يدرك الطالب المغربي والمشرقي أن هناك تيارا آخر في التراث غير التيار الشعبوي السائد اليوم. عندئذ يدرك أن أجداده العظام كانوا عقلانيين وتنويريين دون أن يكفوا عن كونهم مسلمين. ولكنه يدرك أيضا أن فهمهم للاسلام كان مستضيئا بنور العقل.عندئذ يدرك أن التنوير العربي الاسلامي سبق التنوير الأوروبي بعدة قرون.
والثانية: ترجمة النصوص الكبرى لفلاسفة التنوير الأوروبي كفرانسيس بيكون،و جون لوك،وديكارت، وسبينوزا،ولايبنتز، وليسنغ، وكانط، وهيغل، والفرنسيين، الخ..وذلك لأن التنوير العربي الاسلامي توقف منذ اغلاق باب الاجتهاد والدخول في عصر الانحطاط. وعندئذ انتقل مشعل النور والحضارة الى أوروبا.
ربما كان ينبغي أن نضيف استراتيجية ثالثة ألا وهي: بعث نصوص كبار النهضويين العرب للقرن التاسع عشر وحتى منتصف العشرين.فقد نسيناها وينبغي أن نذكر طلابنا بها.وهذا ما فعلته "رابطة العقلانيين العرب" أيضا.

ثالثا لك علاقة خاصة بالفيلسوف الراحل الدكتور محمد اركون , فلماذا هذا الاهتمام بفلسفته ؟ وأين وصل مشروع ترجمة أعماله ؟ وما تأثير ذلك على المشهد الفلسفي العربي؟: كنت قد تحدثت مرارا وتكرارا عن علاقتي بالبروفيسور أركون وتعاليمه وفكره.سأقول باختصار شديد ما يلي: أنه في رأيي أهم مفكر مسلم ظهر في تاريخنا منذ العصر الكلاسيكي المجيد: أي منذ حوالي الألف سنة.منذ الفارابي وابن سينا وابن رشد لم يظهر مفكر في هذا الحجم. فقد استطاع تحليل التراث الاسلامي على ضوء أحدث المناهج العلمية بكل تمكن واقتدار. وسلط عليه أضواء ساطعة لم يعرفها في تاريخه كله. وشخص الاشكاليات العويصة واقترح الحلول للخروج من المأزق التاريخي الذي نتخبط فيه حاليا.فكيف تريدني ألا أهتم به؟ انه الوحيد الذي عرف كيف يحفر أركيولوجيا،أي عمقيا، على المسائل التراثية الكبرى التي تشغلنا اليوم. وقد وصل الى أعمق طبقة أوأعمق نقطة في التراث فأضاءها بشكل رائع ومقنع. وبالتالي فهو أكبر محرر لنا من العقلية التراثية القديمة دون أن يعني ذلك التخلي عن شخصيتنا التاريخية كمسلمين. الاسلام يبقى بطبيعة الحال عاليا شامخا، ولكنه في منظور أركون يصبح متصالحا مع العقل والحداثة والعصر. وهذا ما نحتاجه اليوم. أضيف بأن أركون، ككل المفكرين الكبار، يعتبر ظهورا في التاريخ،أي لا يجود به الزمان الا قليلا. انه ظهور مثلما كان ابن رشد ظهورا أو ابن سينا أو التوحيدي أو الفارابي أو المعري،أو ديكارت أو كانط الخ..ينبغي أن أضيف اليه المفكر التونسي عبد الوهاب المؤدب. فهو مهم جدا أيضا وبخاصة فيما يتعلق بتفكيك الأصولية من الداخل بشكل لبق ومحنك جدا. وكذلك ينبغي أن أضيف اليهما البروفيسور وائل حلاق الذي أنجز دراسات علمية حاسمة عن الفقه والشريعة في جامعة كولومبيا بنيويورك. وتنبغي ترجمتها فورا.في كل الأحوال فان المفكرين الكبار هم منارات الأمم الذي يضيئون لها الدياجير المعتمة عندما يطبق الظلام عليها وتنسد الآفاق.وليس كل يوم يظهر مفكر كبير في التاريخ. وكما يقول هابرماس: كلما أطبقت عتمة جديدة على الأمة اشتدت الحاجة لظهور المفكرين الكبار. أضيف بأن أركون كان مسلما بعمق ومحبا للاسلام وتراثه الروحي والأخلاقي والانساني العظيم.كل من حضر درسه الأسبوعي والعبقري الشهير في السوربون يعرف ذلك.
آخر كتاب سيظهر له قريبا عن "المركز الثقافي العربي" هو مذكراته الحياتية والفكرية اذا جاز التعبير.انه عبارة عن سلسلة مقابلات أجريت معه ولكنها لن تنشر الا بعد رحيله.وسوف يتعرف القاريء لأول مرة على أركون الانسان وليس فقط المفكر:أي سيتعرف على أصله وفصله وطفولته ومساره الحياتي في الجزائر قبل أن ينتقل الى فرنسا وبعد أن انتقل..
أركون أصبح الآن تيارا فكريا كبيرا في الثقافة العربية. وقد انتشرت أفكاره كثيرا لأنها تلبي حاجيات الثقافة العربية الاسلامية وتجيب على الأسئلة الأساسية التي تطرحها الأجيال الصاعدة.وهذا ما حدست به قبل أن أبدأ بترجمته. كنت أعرف أنه سيُحتضن من قبل الساحة العربية لأن الأرض عطشى.
4 بالرغم من مشاريع التنوير والنهضة العربية , لم ينجح مشروع التنوير في العالم العربي : فما هي الأسباب والعوائق؟- مشروع التنوير لم ينجح لأن التراكمات التراثية ضخمة جدا على مدار العصور. انها أكبر منا جميعا. ولا نستطيع تنويرها أو تهويتها أو تحييد شحنتها القمعية من أول محاولة. يضاف الى ذلك أنه لم يظهر حتى الآن مفكرون كبار قادرون على تفكيك الانغلاقات التراثية كما حصل في أوروبا.ما عدا أركون لا أعرف أحدا من الوزن الثقيل. للحق والانصاف ينبغي أن أذكر الجهود الهامة للعفيف الأخضر وصادق جلال العظم وعزيز العظمة وعبد المجيد الشرفي والعروي والجابري ومحمد سبيلا وكمال عبد اللطيف ومحمد الحداد ومحمد الوقيدي وبعض المجددين المسلمين الآخرين. ولكن عددهم لا يزال قليلا قياسا الى حجم المهام المطروحة علينا. وبشكل عام لم يظهر عندنا مفكرون تحريريون وتنويريون كبار من أمثال سبينوزا وفولتير وروسو وديدرو وكانط وهيغل وفويرباخ وماركس ونيتشه وفرويد،الخ..هؤلاء عرفوا كيف يفككون الانغلاقات التراثية المسيحية المتراكمة والمتكدسة فوق بعضها البعض على مدار القرون.وعلى هذا النحو تم تحرير الطاقات المحبوسة أو المكبوتة لدى الشعوب الاوروبية. وكان أن نهضت المجتمعات الاوروبية وانطلقت كالمارد بعد أن تخففت من الأعباء التراثية لتحقيق التقدم على كافة الأصعدة والمستويات.أما نحن فلا نزال سجناء انغلاقاتنا التراثية التي تضغط علينا وتشل حركتنا.
بالطبع الاصلاح الديني ضروري ومفيد جدا. الاصلاح سبق التنوير في التجربة الأوروبية. التنوير كان عبارة عن علمنة للاصلاح الديني. كانط هو علمنة للوثر.أما نيتشه فهو علمنة لكانط! في كل مرة كان الفكر الاوروبي يخطو خطوة اضافية باتجاه التحرر من الدين أكثر.. انه تصفية لما تبقى من نزعة مسيحية لدى كانط. انه الحاد مطلق لا يرحم ولا يساوم.ولذلك فانه يتهم كانط بأنه "مسيحي مقنع، بل وغدار خائن" للقضية الفلسفية.وهو لن يغفر له ذلك. نيتشه لا يمزح في هذه المسائل.
ولكن عندنا قد يترافق الاصلاح الديني والتنوير الفلسفي في آن معا.ولسنا مضطرين الى تبني الالحاد كما فعل نيتشه أو فويرباخ أو ماركس أو فرويد أو سارتر أو فوكو ومعظم مفكري أوروبا الحاليين ولكن ليس كلهم. أنا لست مع الالحاد المادي الكامل ولكن ينبغي التعرف عليه كلحظة أساسية من لحظات الفكر. أنا مع الاسلام المستنير.وقد حضرت مؤخرا في روما ندوة هامة حول الموضوع. وشارك فيها العديد من المثقفين العرب والغربيين برئاسة الباحث الانكليزي ستيفن أولف. وهو يشرف الآن على موقع "المصلح" الاليكتروني الذي يمشي في هذا الاتجاه.وكلهم كانوا متفقين على أن عصر الاصلاح قد اقترب.أذكر من بينهم المفكر التنويري الكبير العفيف الأخضر، والأستاذ شاكر النابلسي، والدكتور عبد الحميد الأنصاري، والدكتورة رجاء بن سلامة، والأستاذ أشرف عبد القادر،والدكتور عبد الخالق حسين والدكتور كامل النجار وآخرين عديدين.كلهم أجمعوا على ضرورة حصول الاصلاح الديني عندنا لكي تتحقق المصالحة بين الاسلام والحداثة مثلما تحققت في المسيحية الاوروبية بعد انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني الذي تجاوز لاهوت القرون الوسطى الانغلاقي التكفيري.

5 باعتباركم من الباحثين المتميزين في الفلسفة, ماذا ينقصنا نحن العرب لننتج فلسفة نقدية تطابق زمانها؟
؟- الفلسفة عندنا ماتت منذ ثمانية قرون: أي بعد موت ابن رشد عام 1198.ولذلك فليس من السهل بعثها من جديد.لقد عشنا ثمانمائة سنة بدون فلسفة الى درجة أننا تعودنا على هذا الوضع ولم نعد نشعر بالحاجة الى التفلسف أو ممارسة الفكر النقدي الحر. من خرج من التاريخ كل هذه الفترة الطويلة لا يعود يعرف كيف يعود اليه مرة أخرى. اضافة الى ذلك فنحن نعتقد بأننا نمتلك يقينيات نهائية تغنينا عن الفلسفة. بل ان الفلسفة تبدو في مثل هذه الحالة خطرا علينا أو على يقينياتنا المطلقة المترسخة منذ مئات السنين. ولهذا السبب كفرها الفقهاء الكبار على مدار القرون بدءا من الامام الغزالي وحتى اليوم. انهم يشتبهون بها كل الاشتباه.انهم يخافون منها على العقيدة: أي على ما يدعوه أركون بالسياج الدوغمائي المغلق أو السجن اللاهوتي الكبير المحاط بالأسلاك الشائكة منذ اغلاق باب الاجتهاد والدخول في عصر الانحطاط. و لذا فان تدريس الفلسفة لا يزال ممنوعا حتى الآن في البلدان العربية المحافظة. لحسن الحظ فان هذا المنع لا وجود له عندكم هنا في المغرب.ففي المغرب – بلد ابن رشد – يجري تدريس الفلسفة ليس فقط في الجامعة وانما أيضا في الثانوي.
و اذن فالفلسفة كانت محرمة طيلة قرون وقرون بحجة أنها تهدد العقيدة وتزرع الشكوك في النفوس. ولم نعد اليها الاعتبار الا بدءا من عصر النهضة في القرن التاسع عشر. أضيف الى ذلك ما يلي: لقد حكمنا المماليك والسلطنة العثمانية طيلة خمسمائة سنة أو أكثر كما قال شاكر النابلسي في ندوة روما. وطيلة كل هذه الفترة الانحطاطية الطويلة لم يظهر كتاب واحد في الفلسفة! فكيف يمكن أن نلحق بركب الحضارة مجددا؟ يلزمنا وقت طويل لكي نستطيع استدراك ما فات..يكفي أننا نعرف كيف نترجم بشكل صحيح نصوص هيغل أو كانط أو نيتشه أو هيدغر،الخ..بل وحتى هذا ليس مضمونا.الترجمات الرديئة هي الأغلبية. و الأنكى من ذلك أن بعض المثقفين العرب يعتبرون أنفسهم عباقرة ولا ينزلون الى مستوى الترجمة! كل ما يكتبونه ابداع مبتكر أو خلق من عدم.أو هكذا يتوهمون..

6 باعتباركم من المترجمين الكبار في مجال الفلسفة المعاصرة ,لماذ لا تهتمون بترجمة كتابات انطونيو نغري واغامبيو و هونيث وهابرماس.؟- يا أخي الكريم لا أستطيع أن أترجم كل شيء. اني أحترم المفكرين الذين ذكرتهم وبخاصة هابرماس الذي أعرفه أكثر من غيره. ولكني عاجز عن ترجمة كل شيء. هناك مترجمون آخرون في العالم العربي، وسوف يهتمون بهم حتما. دعنا نتفاءل بالأجيال الصاعدة من المترجمين مغربا ومشرقا على حد سواء.

الجزء الثاني


7 اسمح لي سيدي أن انتقل بكم إلى المجال السياسي , فما دور المثقف بعد الربيع العربي؟
- دور المثقف بعد الربيع العربي هو أن يشرح أبعاد هذا الحدث الكبير من كل جوانبه اذا أمكن.ينبغي أن يوضح للناس ماذا يحصل بالضبط ولماذا يحصل.وقد شرحت ذلك بالتفصيل في كتابي الصادر مؤخرا عن "دار الساقي" في بيروت تحت عنوان: "الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ". ولا أستطيع أن أعيد هنا كل ما قلته هناك.

8 هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في المقابل لا نجد مراكز مختصة في الفلسفة. إلى ما ذا تعزو في نظرك هذا الغياب؟ - لا لست متفقا معك بشأن هذه النقطة. هناك جمعيات فلسفية عديدة في المغرب وتونس ومصر ولبنان الخ..وبالتالي فالفلسفة تنتعش مجددا ولها المستقبل. هناك جوع الى الفلسفة، عطش الى الفلسفة، بعد كل هذا الغياب..أما مشاريعي المستقبلية فتتمثل في نشر مخطوطاتي العديدة المتراكمة التي لم تنشر بعد. عندي مخطوطة بعنوان: "كتب ومراجعات". وهي تحتوي على قراءاتي لمجموعة من الكتب الفرنسية على مدار السنوات.وربما تشتمل على عدة كتب وليس كتابا واحدا. وهناك مخطوطة في النقد الأدبي. وهي تحتوي على قراءاتي لبعض الروايات العربية المتميزة، و كذلك للمجموعات الشعرية التي صدرت في الآونة الأخيرة.. وعندي أيضا مخطوطة بعنوان: "الكتابة على حافة الهاوية.نصوص متقطعة". وهي تحتوي على نصوصي الشخصية الوجودية الحميمية. حتى الآن لم أنشر نصوصي الأدبية. حتى الآن لا يعرفني القاريء الا كمترجم لأركون،أو كمقدم للتيارات الفكرية الاوروبية. بمعنى آخر فانه لا يعرفني الا كمفكر أو كناقل للفكر. في الواقع أن هناك شخصا آخر يقف وراء كل ذلك. لولا العيب لقلت بأني لست مفكرا ولا حتى مثقفا،أنا مجرد كاتب عابر،أو عاشق ولهان. مثلي الأعلى مجنون ليلى، أو جميل بثينة، هذا ناهيك عن ذي الرمة ومعبودته مي. هل هناك اسم في العالم أجمل من هذا الاسم: مي؟ حرفان فقط، وتنبجس الحياة! مي شعاع من النور في دياجير الأمة العربية..بعض النقاد السطحيين يستهزئون بهم معتبرين أنهم ضعفاء الشخصية أو أشخاص هامشيين أو حتى مجانين..ماذا؟ شخص يكرس حياته لحب امرأة؟ أهذا رجل؟ عيب! في الواقع أنهم يجسدون في شخوصهم النزعة الانسانية العربية في أرقى تجلياتها. بحياتهم كلها لم يصل العرب الى هذا المستوى من الصفاء والنقاء، هم المتهمين بأنهم أجلاف، غلاظ القلوب. اضافة الى ذلك فقد جسدوا العبقرية العربية في أعلى ذراها تألقا.أنا أفتخر بالانتماء الى أمة أنجبت مثل هؤلاء "الشعراء الملائكة"، هؤلاء العشاق الكبار، الذين كانوا مفعمين بالمطلق الذي يستعصي على المنال.صحيح أنهم خسروا الحبيبة ولكنهم ربحوا الحب في نهاية المطاف، ربحوا الأبدية والخلود. لقد كانوا الشاهد الأكبر على أن العرب ليسوا أمة تافهة بلا قلب..
في الاخير ما هي مشاريعكم المستقبلية ؟
هناك جانب آخر من عملي يتخذ أهمية قصوى بالنسبة لي هو: الجانب الأدبي أو الكتابة الابداعية "الانفلاشية" اذا جاز التعبير.نموذجي الفكري هم شخصيات من نوعية التوحيدي أو المعري أو جان جاك روسو أو نيتشه الخ..رولان بارت كان يفرق بين الكتابة المنفعية التي لا تعبأ بالاسلوب اطلاقا/ والكتابة الابداعية التي يهمها الشكل مثل المضمون بل وأكثر.ربما كان كانط أكبر فيلسوف في التاريخ البشري أو من أكبرهم على الأقل. ولكنه ككاتب شخص عادي جدا ووعر، بل وممل متعب مثل هابرماس. من هذه الناحية نيتشه أعظم منه بألف مرة.أنا أسكر عندما أقرأ نيتشه: أقوم وأقعد..(كيف استطعنا أن نُفرغ البحر؟ من الذي أعطانا اسفنجة لكي نمسح الأفق كله؟). لا أحد يستطيع أن يكتب مثل نيتشه.عيب أصلا أن نكتب بعد نيتشه.المقصود كيف استطاعت أوروبا أن تحيل المقدس الأصولي القديم على التقاعد بعد أن كانت تسبح باسمه صباح مساء،وبعد أن كان يتحكم بها من المهد الى اللحد أو من العمادة الى القبر. كيف استطاعت أن تخرج من المسيحية بعد أن كانت مغموسة بها من أعلى رأسها الى أخمص قدميها طيلة ألفي سنة متواصلة!حدث جنوني، قطيعة مطلقة لا تكاد تصدق."شرب البحر" كان أسهل من احداث هذه القطيعة مع قدس الأقداس، مع تراث الآباء والأجداد.نيتشه كان يعرف عم يتحدث لأنه ابن قس بروتستانتي وذو تربية دينية صارمة.لقد دفع ثمن فتوحاته الفكرية باهظا. ولم يكن من السهل عليه أن يتخلص من المسيحية التي تشربها مع حليب الطفولة والتي كانت تسري في عروقه ودمائه.الفكر لم يكن بالنسبة له مجرد شهادات عليا أو مناصب جامعية وانما مسألة حياة أو موت.أقول ذلك على الرغم من أني لست نيتشويا فيما يخص أشياء كثيرة أساسية. أنا أقرب الى كانط فكريا من نيتشه.أو قل ان عقلي مع كانط وقلبي مع نيتشه.فلا أقبل اطلاقا بهجومه على الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان،الخ..نيتشه يخيفني أحيانا.
أحيانا أموت من الضحك عندما أقرؤه وبخاصة عندما يصفي حساباته مع الفلاسفة الآخرين..نيتشه يمكن أن يصفّي فيلسوفا كبيرا أو قديسا مسيحيا ضخما بعبارة واحدة! شيء مخيف. وأحيانا أخرى أشعر بقشعريرة فلسفية، بصدمة هائلة تكاد تخرجني عن طوري.نيتشه يهزني هزا، يحررني.وكذلك فولتير..ولكني أخاف من نيتشه أحيانا على توازني النفسي كما ذكرت آنفا. وعندئذ ألجأ الى كانط العاقل الحكيم لكي يحميني، لكي يطمئنني.كانط لا يتقدم بك الا خطوة خطوة الى الأمام، ولكن بثبات ورجاحة عقل منقطعة النظير.وهو أبعد ما يكون عن الشطحات الجنونية النيتشوية.في صحبته أنت واثق أنه لن يقودك الى حافة الهاوية أو لن يقذف بك في داهية.ولذلك فاني أعطيه ثقة شبه مطلقة وأنام قرير العينين.في الواقع أني بحاجة الى قمة العقلانية وقمة الجنون لكي أستطيع أن أتوازن. اني بحاجة الى هذا التذبذب أو التأرجح بين قطبين متضادين لكي أشبع حاجتي الملحة الى عقلانية الفلسفة/ وجنون الشعر في آن معا. وقل الأمر ذاته عن المعري في "رسالة الغفران" مثلا.اني أقرؤها الآن للمرة العاشرة دون أن أمل أو أتعب.وفي كل مرة أفهم أشياء جديدة كانت قد فاتتني في القراءة السابقة.مع المعري أنت تحلق في سماء الأدب العالمي وليس فقط العربي.انه ذروة الآداب العربية قاطبة.المعري فنان كبير لأنه تحت غطاء من الجدية الكاملة والوقار المصطنع فانه يصفي حساباته مع الخرافات الأكثر رسوخا في تاريخنا.وهو أيضا يضحكني بل ويكاد يميتني من الضحك لأنه ماكر كبير على عكس ما توحي به المظاهر. انه يصفي حساباته بطريقة فنية عبقرية تجعله يحلق عاليا فوق كل المبدعين العرب دفعة واحدة. انه (يتقدم مقنعا) كما كان يقول ديكارت. وهل في الأمر حيلة؟ نفس الشيء ينطبق على جان جاك روسو في "الاعترافات"، أو ميشيل فوكو في "تاريخ الجنون"، و"الكلمات والأشياء". وقس على ذلك..هؤلاء هم مجانين الكتابة، الكتابة بالنسبة لهم عبادة.انها ليست مجرد أداة لتوصيل الأفكار، وانما غاية بحد ذاتها،وأكاد أقول غاية الغايات.محمد شكري يقترب من هذا الجو أيضا.انه يعرف معنى الكتابة.وكذلك محمد زفزاف وآخرون. أنا أتيت الى الفكر من جهة الأدب وليس العكس. الأدب هو ديدني، هو حياتي، وليس الفكر الناشف ،البارد، أو العلوم "اللاانسانية" كما يقول روجيه غارودي. أنا لا أستطيع أن أنام أو أستيقظ بدون أن أترنم بأبيات من الشعر العربي، قديمه والحديث..ولذلك فعندما أنشر نصوصي الشخصية، أو مقالاتي عن بودلير ورامبو وريلكه وهولدرلين وسواهم فربما تعرف القاريء على شخص آخر غير وقور جدا..



#نورالدين_علوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع المفكر هاشم صالح
- حوار مع الاكاديمي الطاهر سعود
- حوارمع الاستاذ الباحث عبد العزيز ركح
- الجزئ الثاني من الحوار مع المفكر الاسلامي حيدر حب الله
- حوار مع المفكر الاسلامي حيدر حب الله
- حوار مع الناقد المغربي الدكتور محمد الداهي
- حوار خاص مع الاكاديمي المغربي الدكتور عبد الحي ازرقان
- حوار مع الدكتور حمدي عبد الرحمان حسن
- حوار مع الدكتور محمد عثمان الخشت حول الثورات العربية
- حوار مع الناقد المغربي الدكتور محمد بوعزة
- حوار مع المفكر السياسي الدكتور عصام عبد الشافي
- حوار مع الاكاديمي التونسي محسن الخوني
- حوار مع الدكتور منير كشو
- حوار مع الناقد المغربي الدكتور فريد الزاهي
- حوار مع الدكتور رحال بوبريك
- حوار مع الاستاذ الباحث سمير بلكفيف
- حوار مع البروفسور موسى معيرش
- حوار خاص مع الدكتور احمد الطريبق
- حوار مع الدكتور مراد قواسمي
- حوار مع الاكاديمية التونسية ام الزين المسكيني


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نورالدين علوش - حوار موسع مع المفكر هاشم صالح