أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سمر أبوركبة - فلسطين و الأمم المتحدة















المزيد.....



فلسطين و الأمم المتحدة


سمر أبوركبة

الحوار المتمدن-العدد: 3961 - 2013 / 1 / 3 - 17:46
المحور: القضية الفلسطينية
    



مقدمة
بدأت الأمم المتحدة بمصافحات أيدٍ، تحدوها آمالٌ عِراضٌ في تحقيق الحلم، الذي طالما راود المجتمع الدولي، بالاتحاد لمنع الحروب، وحل مشكلات العالم بطريقة سلمية. إلا أنه، وبعد مرور ما يزيد عن نصف قرن على إنشاء المنظمة الدولية، بدا أن هناك تبايناً كبيراً في وجهات النظر، حول ما آلت إليه هذه المنظمة، وفي مدى نجاحها في تحقيق الهدف، الذي قامت من أجله.
عديد من الآراء، ترى أن الأمم المتحدة، ما هي إلا رجل البوليس المكلف، بتحقيق السلم والأمن العالميين. غير أنها لم تكن مؤثرة، في هذا السياق، على الدوام. وجهات نظر أخرى تُبَوِّئُ الأمم المتحدة منزلة الحكومة العالمية، التي تتدخل، في كثير من الأحيان، في شؤون حكومات الدول الأعضاء، بما قد يعقد الأمور أحياناً. إلا أن كثيراً من المحللين السياسيين، يرون أن الأمم المتحدة، تقوم بدورها الحقيقي، بوصفها منظمة عالمية تنشر السلام، وتقوم بحل النزاعات بطريقة سلمية.
وعلى الرغم من كل هذا التباين، وكل هذه الانتقادات، صارت الأمم المتحدة، في عصرنا هذا، واقعاً مرئياً يقتحم علينا عالمنا السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، واقعاً صامداً بين عالم مليء بالمتناقضات السياسية، وتعدد القوى والمصالح والأهواء. ومن بين نجاح وفشل، وتقارب وتباعد وتجاذب وتنافر، اتفق العالم، بكل تكتلاته السياسية، وأهوائه، وأيديولوجياته الفكرية، على ضرورة بقاء الأمم المتحدة، إن لم تكن بوصفها أداة حسم في إيقاف الحروب الدامية، وفض الاشتباكات، وحل المنازعات، فبوصفها رمزاً للأمل، وللسلام القائم على العدل، ولنصرة المغلوب على أمره، وصوتاً يعلو فوق صوت أسلحة الدمار.

المبحث الأول: ميلاد هيئة الأمم المتحدة
أولاً: ميلاد هيئة الأمم المتحدة
تركت الحرب العالمية الثانية (1939ــ1945م) ويلات لا يزال العالم يعاني من آثارها حتى الآن ، وتُعَدّ الخسائر التي خلفتها هي الأكبر في تاريخ البشرية على الإطلاق؛ إذ فقد العالم في هذه الحرب قرابة 50 مليون قتيلٍ.
وكان للفشل الذريع الذي صاحب عصبة الأمم، الأثرُ الكبير لتحرك العالم نحو تكوين هيئة دولية للمحافظة على السلم والأمن الدولييْن، فكانت "هيئة الأمم المتحدة" (United Nations). وقد مر إنشاؤها بعدة مراحل نسردها فيما يلي :

1. تصريح لندن (12 يونيه 1941):
اجتمع ممثلو أربع عشرة دولة من الدول الغربية ودول الكومنولث، في الثاني عشر من يونيه عام 1941، للتوقيع على وثيقة عرفت باسم "تصريح لندن" وقد تضمنت هذه الوثيقة حث دول العالم على التعاون لمنع الحروب ونشر السلم، ونصت على: "إن الأساس الحقيقي الوحيد الذي يرتكز عليه السلام هو التعاون الحر لشعوب حرة في عالم لا يخضع للتهديد أو العدوان، عالم يتاح للجميع فيه أن ينعموا بالأمن والاطمئنان، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. إننا عازمون على أن نعمل معا متعاونين مع الشعوب الحرة، في الحرب وفي السلم، في سبيل تحقيق هذا الهدف".

2. ميثاق الأطلسي Atlantic Charter (14 أغسطس 1941):
وقد صدر هذا الميثاق عقب اجتماع الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" (Franklin D. Roosevelt)، ورئيس وزراء بريطانيا "ونستون تشرشل" (Winston Churchill) في 14 أغسطس عام 1941 على ظهر البارجة البريطانية "برنس أوف ويلز" (Prince of Wales).
ونص ميثاق الأطلسي على: "أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والوزير الأول السير/ تشرشل، ممثلاً لحكومة صاحب الجلالة في المملكة المتحدة، بعد لقائهما، يقرران وجوب التعريف لبعض المبادئ المشتركة للسياسة الوطنية لبلديهما، وهذه المبادئ هي التي يبنيان عليها آمالهما في مستقبل أفضل للعالم كله، وتلخص فيما يلي :
أ. أن بلديهما لا تحاولان القيام بأية عملية توسعية، أو غيرها.
ب. أنهما غير راغبين في رؤية أي تغيير يجري في كيان أي بلد لا يكون متفقاً مع الإرادة الحرة للشعوب ذات العلاقة.
ج. أنهما يحترمان حق كل الشعوب في اختيار نظام الحكم الذي يلائمها، ويتمنيان عودة السيادة والاستقلال لكل الشعوب التي حرمت منها بالقوة.
د. أنهما سيبذلان كل جهودهما، مع احترامهما الفائق لالتزاماتهما القائمة، لوضع التسهيلات الكافية أمام كل الدول، كبيرها وصغيرها، المنتصر فيها والمنهزم، وعلى مستوى من المساواة في الحقوق بالنسبة للتجارة، وحقوقها في المواد الأولية الضرورية لرفاهيتها الاقتصادية.
هـ. أنهما يتمنيان إقامة أوثق تعاون اقتصادي بين كل الأمم لتوفير أحسن ظروف للعمل من أجلها جميعاً، وضمان وضع اقتصادي أكثر ملائمة وتحقيق الضمان الاجتماعي.
و. أنهما يأملان في إقامة سلام يزود الأمم كلها بوسائل العيش في طمأنينة تامة ضمن حدودها السياسية، ويوفر لسكان كل البلاد التأكيدات اللازمة للأمان من الخوف والحاجة بعد التخلص من الطغيان النازي.
ز. على مثل هذا السلام أن يسمح لكل الناس باجتياز البحار والمحيطات دون أية عقبة.
ح. أنهما يعتقدان أن على كل أمم العالم، لأسباب مادية وروحية، أن تتوصل إلى التخلي نهائياً عن استعمال القوة. علما بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلم دائم إذا بقيت الأسلحة أداة تستعمل على الأرض، أو في البحر، أو في الجو، من قبل أمم تهدد أو تستطيع أن تهدد باللجوء إلى عمليات عدوانية خارج حدودها، وهما مقتنعان ـ بانتظار إقامة نظام أكثر اتساعاً واستمراراً لتحقيق الأمن العام ـ بأن تجريد مثل هذه الأمم من السلاح هو شرط أساسي. وأنهما سيشجعان على اتخاذ كل الإجراءات التي تنتهي عمليا إلى تخفيف الأثقال المرهقة لعملية التسلح بالنسبة للشعوب المحبة للسلام".
وبعد فترة وجيزة من صدور ميثاق الأطلسي اشترك الاتحاد السوفيتي وتسع حكومات أخرى في التوقيع عليه.

3. تصريح الأمم المتحدة (أول يناير 1942) :
هو بيان صدر في مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عقب اجتماع ممثلي ست وعشرين دولة، بهدف تشكيل جبهة عالمية ضد دول المحور. وقد نص التصريح على ضرورة إنشاء منظمة عالمية في أقرب وقت ممكن لتحقيق الأمن والسلام في جميع دول العالم. والدول الموقعة على هذا التصريح كانت هي:
الولايات المتحدة الأمريكية ـ الاتحاد السوفيتي ـ المملكة المتحدة ـ الصين ـ أستراليا ـ كندا ـ بلجيكا ـ كوستاريكا ـ كوبا ـ تشيكوسلوفاكيا ـ الدومينيكان ـ بنما ـ السلفادور ـ اليونانـ جواتيمالاـ هاييتي ـ هندوراس ـ الهند ـ لوكسمبورج ـ هولندا ـ نيوزيلندا ـ نيكاراجوا ـ النرويج ـ بولندا ـ يوغسلافيا ـ جنوب أفريقيا.
وكانت هذه أول مرة يظهر فيها اسم "الأمم المتحدة". وفي خطابه الذي ألقاه في 21 أكتوبر 1942، أمام مجلس العموم واللوردات البريطانيين، اقترح الرئيس الأمريكي روزفلت، إطلاق اسم "الأمم المتحدة" على المنظمة المزمع قيامها. وقد لاقت هذه التسمية ترحيباً بين الأوساط البريطانية المسؤولة آنذاك.
وانضم في التوقيع على هذا التصريح بعد ذلك إحدى وعشرون دولة، من بينها خمس دول عربية هي: العراق، ومصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، ولبنان.

4. تصريح موسكو (30 أكتوبر 1943):
وقد صدر هذا التصريح عقب اجتماع ممثلو الدول الأربع الكبرى، وهى: المملكة المتحدة (ومَثَّلَها السياسي الشهير أنتوني إيدن Anthony Eden)، والاتحاد السوفيتي (ومَثَّله فيينشسلاف مولوتوف وزير الخارجية)، والولايات المتحدة الأمريكية (ومَثَّلها وزير خارجيتها كوردل هول Cordell Hull)، ودولة الصين (ومَثَّلها سفير الصين في موسكو). ومن النقاط المهمة التي نص عليها تصريح موسكو، ما يلي :
أ. استمرار القتال حتى تسلم القوات النازية دون قيد أو شرط.
ب. ضرورة إقامة دعائم للسلام.
ج. ضرورة إقامة تنظيم عالمي للمحافظة على السلم والأمن الدولييْن قائما على:
(1) مبدأ المساواة في السيادة بين كل الدول المحبة للسلام.
(2) أن تكون عضوية هذا التنظيم مفتوحة لجميع الدول المحبة للسلام صغيرها وكبيرها للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين.
(3) العمل على توطيد القانون والنظام القائم على ضمان العدل.
(4) أن تتشاور الدول الأعضاء عند الضرورة للقيام بعمل مشترك لمصلحة الأسرة الدولية.
(5) كما أكد التصريح رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والصين في إنشاء الأمم المتحدة والانضمام إليها.
5. تصريح طهران (أول ديسمبر 1943):
وقد صدر هذا التصريح بعد اجتماع كل من روزفلت وستالين وتشرشل بمدينة طهران في الفترة من 28 نوفمبر إلى أول ديسمبر 1943 لدراسة عدد من الموضوعات الملحة آنذاك، منها الخطط النهائية للهجوم على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، ووضع الخطوط العريضة لمرحلة ما بعد الحرب.
وقد أكد هذا التصريح على عزم هؤلاء الرؤساء على التعاون مع جميع الشعوب الراغبة في السلام في السيطرة والقضاء على الاستعباد، وعلى ضرورة إقامة نظام للسلام العالمي، وفقاً لمبادئ تصريح الأطلسي.
6. مقترحات مؤتمر دمبرتون أوكس Dumbarton Oaks Conference (7 أكتوبر 1944) (3):
عقد هذا المؤتمر بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت أن يتم التشاور لإنشاء منظمة دولية تخلف عصبة الأمم بين الدول الكبرى أولاً. وقد قامت الولايات المتحدة بدعوة كل من المملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والصين إلى الاجتماع في دار دمبرتون أوكس بضاحية جورج تاون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، ولما كان الاتحاد السوفيتي لم يعلن الحرب على اليابان، فلم يكن ممكناً أن يجتمع ممثلوه مع ممثلي الصين التي كانت في حرب مع اليابان. ولذلك فقد عُقد المؤتمر على مرحلتين، الأولى بدأت في 21 أغسطس واستمرت حتى 28 سبتمبر عام 1944، واجتمع فيها ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، ثم أعقبها المرحلة الثانية في الفترة من 29 سبتمبر إلى 7 أكتوبر عام 1944، واجتمع فيها ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والصين.
وقد مَثَّل الولايات المتحدة الأمريكية وفد تَرَأَّسَهُ إدوارد استيتينس (Edward Stettinius) نائب وزير الخارجية، ومَثَّل الاتحاد السوفيتي وفد تَرَأَّسَهُ أندريه جروميكو (Andrei Gromyko)، سفير الاتحاد السوفيتي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومَثَّل المملكة المتحدة وفد برئاسة نائب وزير الشؤون الخارجية البريطانية، أما الصين الوطنية التي انضمت في المرحلة الثانية فقد مُثِّلت بوفد تَرَأَّسَهُ "كو" (V.K. Welling Koo)، سفير الصين لدى المملكة المتحدة. وقد تضمنت مقترحات دمبرتون أوكس ما يلي :
أ. قيام تنظيم دولي يعرف باسم "الأمم المتحدة" يكون من أهدافه حفظ السلم والأمن الدولييْنْ، وتحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية. يتكون من جمعية عامة ومجلس أمن ومحكمة عدل دولية وأمانة عامة ، على أن يعمل التنظيم على تحقيق هذه الأهداف طبقاً للمبادئ الآتية:
(1) المساواة بين الدول.
(2) حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية.
(3) فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
(4) عدم استعمال القوة في العلاقات الدولية.
(5) مساعدة التنظيم الدولي، إذا اضطر إلى استعمال القوة.
(6) الامتناع عن مساعدة أي دولة يتخذ إزاءها أي عمل من أعمال القمع.


7. مؤتمر يالتا Yalta(4-11 فبراير 1945):
عقد الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، وهم: بريطانيا، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، مؤتمراً في مدينة يالتا (Yalta) على ساحل البحر الأسود بمقاطعة كريميا السوفيتية، وكان ذلك في الفترة من 4 إلى 11 فبراير عام 1945. وفيه تشكلت الصورة النهائية للهيئة الدولية. فبعد أن اتفق رؤساء الدول الثلاثة المجتمعة روزفلت (Roosevelt)، وستالين (Stalin)، وتشرشل (Churchill) على مجموعة من البنود الخاصة بإنهاء الحرب العالمية الثانية، وضعوا الصيغة النهائية لهيئة الأمم المتحدة، وتمثلت فيما يلي:
أ. دعوة الحكومات المحبة للسلام التي أعلنت الحرب على دول المحور، وقبلت تصريح الأمم المتحدة، ووافقت عليه في أول مارس عام 1945 لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو لإبرام ميثاق التنظيم الدولي الجديد على أساس مبادئ مؤتمر دمبرتون أوكس.
ب. وضع قواعد التصويت في مجلس الأمن، ومنح الدول الخمس العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن (Big Five)، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، والصين مبدأ حق الاعتراض (الفيتو Veto).
ج. فيما يتعلق بالمستعمرات والدول غير المتمتعة بالحكم الذاتي، اتفق على أن: توضع الأراضي التي كانت تحت الانتداب في ظل نظام العصبة تحت نظام الوصاية في المنظمة الدولية الجديدة، ويضاف إليها الأراضي التي سوف تنتزع من الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية، ثم المستعمرات التي توضع تحت الوصاية بمحض إرادة الدولة المسؤولة عن إدارتها.
د. اتفقت الدول الثلاث على وضع نظام لمحكمة العدل الدولية.


8. مؤتمر سان فرانسيسكو وميثاق الأمم المتحدة (أبريل ـ يونيه 1945) :
وجهت الدعوة لحضور هذا المؤتمر، إلى جميع الدول التي أعلنت الحرب على دول المحور، وقَبِلَت تصريح الأمم المتحدة. وقد بلغ عدد الدول التي أعلنت الحرب على دول المحور آنذاك، ستاً وأربعين دولة، منها: لبنان، وسورية، والعراق، والمملكة العربية السعودية. ثم انضمت إلى هذه الدول بعد ذلك أربع دول أخرى هي: الأرجنتين، والدانمارك، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، بعد موافقة مؤتمر يالتا على تمثيل الأخيرتين بوصفهما جمهوريتين مستقلتين.
وبحضور ممثلي الدول الخمسين، عُقد مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 25 أبريل إلى 26 يونيه عام 1945. وتَكوّن المؤتمر من أربع لجان عامة، تفرعت عنها أربع لجان خاصة، وهذه بدورها تفرع عنها لجان فنية. واتُّخِذَت مقترحات دمبرتون أوكس أساساً لهذا الاجتماع. فكان يُعْرَضُ كل اقتراح من اقتراحات دمبرتون أوكس على لجنة فنية، وبعد المناقشات وإدخال التعديلات، تُصاغ هذه المقترحات من الناحية القانونية، ثم تُعرض للتصويت في عدة لجان أخرى، وبعد إقرارها من قِبَل هذه اللجان، تُعرض على المؤتمر لأخذ الموافقة عليها، حتى اكتملت الوثيقة النهائية، ووُفِق عليها بالإجماع في 26 يونيه 1945، وتلا ذلك توقيع الدول الخمسين على هذه الوثيقة التاريخية التي سميت بـ "ميثاق الأمم المتحدة". وقد احتوى هذا الميثاق على مائة وإحدى عشرة مادة، وأصبحت المنظمة حقيقة واقعة في 24 أكتوبر سنة 1945، حينما أودعت كل من: فرنسا، والصين، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وغالبية الدول الموقعة على الميثاق، وثائق التصديق على الميثاق؛ ولذا عُدّ يوم 24 أكتوبر من كل عام "يوم الأمم المتحدة".
وفي الفترة من 24 نوفمبر إلى 22 ديسمبر من عام 1945، عُقِدَت اجتماعات اللجنة التحضيرية في لندن، وشارك فيها ممثلو خمسين دولة؛ إذ بحثت اللوائح الداخلية الخاصة بالجمعية العامة (General Assembly)، ومجلس الأمن (Security Council)، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي (Economic and Social Council)، ومجلس الوصاية (Trusteeship)، ومحكمة العدل الدولية (International Court of Justice)، ومشروع المزايا والإعفاءات التي تمنح لهيئة الأمم المتحدة وموظفيها.
وقد عقدت أول دورة "للجمعية العامة" للأمم المتحدة بمدينة لندن يوم 10 يناير عام 1946، ووُفِق، في هذه الدورة، على المشروعات التي تقدمت بها اللجنة التحضيرية، كما انْتُخِب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وأعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأعضاء محكمة العدل الدولية، وكذلك انْتُخِب في هذا الاجتماع "تريجف لي" "Trygve Halvdan Lie"، أَوَّل أمين عام للأمم المتحدة، بالإجماع.
أما أول اجتماع لمجلس الأمن، فقد انعقد في نفس الشهر، وبالتحديد في 17 يناير عام 1946، وكان عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، في مجلس الأمن آنذاك، 11 عضواً.
وبتأليف مجلس الوصاية، في القسم الثاني من الدورة، في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر، من عام 1946، تكون الأمم المتحدة بذلك قد استكملت جميع أجهزتها الرئيسية.


المبحث الثاني مبادئ وأهداف وتنظيم هيئة الأمم المتحدة
أولاً: مبادئ هيئة الأمم المتحدة
تقوم هيئة الأمم المتحدة على عدد من المبادئ الهامة والمذكـورة في الميثاق. وتلتزم بهذه المبادئ كل من: الهيئة، والدول الأعضاء في علاقاتها بعضها ببعض، وهذه المبادئ هي:
1. مبدأ المساواة في السيادة:
تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على المساواة بين جميع الدول، بغض النظر عن التفاوت في إمكاناتها، من حيث الثروات الطبيعية، والبشرية، والتقدم .
وتُعَدّ كل الدول الأعضاء سواسية أمام القانون الدولي؛ إذ تطبق عليها قواعد قانونية واحدة، على أن هذا لا يعني أنها متساوية في مركزها الداخلي في الهيئة؛ إذ إن هناك بعض الدول (الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية) تتمتع بحقوق لا تتمتع بها سائر الدول الأعضاء الأخرى.
2. مبدأ فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية:
ويطبق هذا المبدأ فقط في حالة النزاعات التي تنشب بين الدول الأعضاء، حيث لا تتدخل الأمم المتحدة في المنازعات التي تحدث داخل الدولة. وقد نصت المادة (2) الفقرة (3) من الميثاق على هذا المبدأ بقولها: "يفض جميع أعضاء الهـيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعـل السلم والأمن والعـدل الدولي عرضـة للخـطر". وقد تم النص على الوسـائل التي يلجأ إليها المتنازعون حينما يَعِنُّ نزاع ما، في المادة (33) على النحو التالي:
"1- يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات، والتنظيمات الإقليمية، أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم.
2- ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من نزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك".
3. مبدأ حسن النية في أداء الالتزامات الدولية:
يُعد مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات والاتفاقات الدولية من أهم مبادئ الأمم المتحدة؛ إذ نصت المادة (2) الفقرة (2) من الميثاق على أنه "لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية، يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق".
4. مبدأ منع استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية:
ورد هذا المبدأ الهام في ديباجة الميثاق، ونصه "نحن شعوب العالم ...، اعتزمنا ...، ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة". كما نصت المادة (2) الفقرة (4) من الميثاق على أن: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
إلا أن الميثاق ترك لمجلس الأمن أن يقرر استخدام القوة في حل المنازعات الدولية، طبقاً للظروف والملابسات المحيطة بكل حالة على حدة، حيث نصت المادة (39) من الميثاق على أن "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم، أو إخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته، أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين (41، 42) لحفظ السلم والأمن الدولييْن، أو إعادته إلى نصابه".
وعلى الرغم من أن مبدأ منع استخدام القوة قد جاء ذكره في الديباجة، أباح ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في حالات معينة منها:
أولا: في حالة قيام المجلس بإجراءات القمع والقهر لحفظ الأمن والسلم الدولييْن، كما ورد في المادتين (48) و(53). فالمادة (48) من الميثاق تشير إلى:
"1- الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولييْن يقوم بها جميع أعضاء "الأمم المتحدة"، أو بعض هؤلاء الأعضاء، حسبما يقرره المجلس.
2- يقوم أعضاء "الأمم المتحدة" بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة، وبطريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها".
أما المادة (53) الفقرة (1)، فقد سمحت لمجلس الأمن أن يستخدم التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأي ذلك ملائماً. ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه، على أنه لا يجوز لهذه التنظيمات والوكالات من نفسها القيام بأي عمل من أعمال القمع.
وعندما يعجز مجلس الأمن عن العمل بسبب تعذر الحصول على إجماع أصوات الأعضاء الدائمين، فإن للجمعية العامة سلطة بحث المشكلة بصورة عاجلة، بهدف إصدار توصياتها للدول الأعضاء باتخاذ إجراءات جماعية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لحفظ الأمن والسلم الدولييْن، وإعادتهما إلى نصابهما، وذلك إعمالاً لقرار الاتحاد من أجل السلم الصادر في 3 نوفمبر 1950.
ثانياً: عند رفض إحدى الدول قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها، وفقاً لما نصت عليه المادة (25) من الميثاق، فإن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة الحق في إرغامها على قبول هذه القرارات، وتنفيذها مباشرة، أو عن طريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها، كما نصت على ذلك المادة (48) الفقرة (2) "يقوم أعضاء "الأمم المتحدة" بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة، وبطريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها".
ثالثاً: في حالة استخدام الدول الأعضاء القوة ضد دولة كانت أثناء الحرب العالمية الثانية من الدول المعادية لإحدى الدول الموقعة على الميثاق على نحو ما نصت عليه المادتان (53) و(107).
رابعاً: في حالة الدفاع الشرعي. وقد نصت عليه المادة (51) من الميثاق "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة"، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء، استعمالاً لحق الدفاع عن النفس، تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من أعمال لحفظ السلم والأمن الدولييْن، أو إعادته إلى نصابه".
5. مبدأ معاونة الأمم المتحدة في الأعمال التي تقوم بها، والامتناع عن مساعدة الدول التي تعاقبها:
وقد نصت على هذا المبدأ المادة (2) الفقرة (5) من الميثاق بقولها: "يقدم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى "الأمم المتحدة" في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق". ويتضح من هذا المبدأ، ومن نص الميثاق أنه يتحتم على الدول أن تلتزم إيجابياً بالمعاونة، وتقديم المساعدة "للأمم المتحدة" في أي عمل تتخذه، طبقاً لنصوص الميثاق، ووفقاً لأحكام الفصل السابع الذي أعطى لمجلس الأمن صلاحية اتخاذ إجراءات، وتدابير قهرية جماعية في حالة تهديد الأمن والسلم الدولييْن، أو وقوع عدوان. ومن هذا الالتزام الإيجابي أن تضع هذه الدول تحت تصرف مجلس الأمن، وبناء على طلبه، وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة، ما يلزم من القوات المسلحة، والمساعدات، والتسهيلات، ومنها حق العبور لحفظ السلم والأمن، على نحو ما أشارت إليه المادة (43) من الميثاق، كما يجب كذلك على هذه الدول أن تلتزم التزاماً سلبياً، وذلك بالامتناع عن تقديم أي مساعدة لأي دولة عضو اتخذت الأمم المتحدة ضدها عملاً من أعمال المنع أو القمع، كما نصت عليه المادة (2) الفقرة (5) "كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ "الأمم المتحدة" إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع".
6. مبدأ التزام الدول غير الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بالعمل وفقاً لمبادئها
نصت المادة (2) الفقرة (6) من الميثاق على أن "تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ، بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولييْن". وحتى الوقت الحالي لم يتم الاستقرار على رأي أو حل واحد فيما يتعلق بالتزام الدول غير الأعضاء بأحكام المادة الثانية من الالتزام بالحلول السلمية لفض المنازعات الدولية، والامتناع عن استخدام القوة في العلاقات الخارجية.
7. مبدأ عدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.
وقد نصت على هذا المبدأ المادة (2) الفقرة (7) بقولها: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق؛ على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع". ويُقصد بالاستثناء الذي ورد في هذه الفقرة ترك الحرية لمجلس الأمن في اتخاذ الإجراءات التي يراها في حالات تهديد السلم، أو الإخلال به، أو وقوع العدوان، والتي نصت عليها أحكام الفصل السابع من الميثاق، حتى لو كان هذا الإجراء تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

ثانياً: أهداف هيئة الأمم المتحدة ومقاصدها من الميثاق
تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيق عديد من الأهداف السامية، من أهمها: فض النزاعات التي قد تشكل خطراً على السلم والأمن الدولييْن، ومنع استخدام القوة، وتحقيق السلام العادل بين دول العالم. وقد جاء ذكر مقاصد الأمم المتحدة في أماكن متعددة من الميثاق على النحو التالي:
1. حفظ السلم والأمن الدولييْن:
وقد ورد هذا المقصد في عديد من الفقرات من الميثاق، لما له من أهمية خاصة، فقد ورد ذكره في الفقرة الأولى من الديباجة "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف". كما ذكرت كذلك الديباجة "وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولييْن".
وقد خَصَّت الهيئة مجلس الأمن بسلطة تحقيق السلم والأمن الدولييْن، لما يملكه من سلطات وفعاليات واسعة، وعهدت الهيئة لمجلس الأمن بتحقيقه، سواء بالطرق السلمية، أم باستخدام القوة. وعلى هذا نجد أن المجلس ينفرد بسلطة كبيرة في فرض التسويات.
2. تنمية العلاقات الودية بين الدول:
وهو مقصد ورد في ديباجة الميثاق الذي نص على "أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار". كما ورد ذكره في المادة (1) الفقرة (2) من الميثاق التي حثت على "إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام".
3. تحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية:
وقد ورد ذكر هذا المقصد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة كذلك بقولها: "وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية "، وأضافت الديباجة: "وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح"، كما ورد ذكر هذا المقصد في المادة (1) الفقرة (3) من الميثاق التي دعت إلى "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
ولما لهذا الهدف من أهمية كبرى، تضمن هيكل الأمم المتحدة جهازاً رئيسياً متخصصاً في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، هو "المجلس الاقتصادي والاجتماعي"، الذي أُنشِئ لدعم التعاون بين الدول الأعضاء لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي بينها. كما تعمل "الأمم المتحدة" على:
أ. تحقيق مستوى أعلى للمعيشة، لتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، والنهوض بعوامل التطور، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ب. تيسير الحلول للمشاكل الدولية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.
ج. أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع، بلا تمييز بسبب الجنس، أو اللغة، أو الدين، بلا تفريق بين الرجال، والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً، كما تنـص المادة (56) على أن "يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشـتركين، بما يجب عليهـم من عمـل بالتعـاون مع الهـيئة لإدراك المقاصـد المنصـوص عليهـا في المادة الخامسـة والخمسين".
4. اتخاذ هيئة الأمم المتحدة مرجعاً لتنسيق أعمال الدول الأعضاء، وتوجيهها نحو إدراك الغايات المشتركة:
وقد جاء ذكر هذا المقصد في المادة (1) الفقرة (4) من الميثاق، حيث نصت على: "جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة". ويجب ملاحظة أنه لا يقصد بهذا النص المركزية، على نحو ما كان عليه الحال بالنسبة "لعصبة الأمم"، وإنما المقصود من هذه المرجعية هو تحقيق التعاون بين الدول والمنظمات، والتنسيق بينها، حتى لا يكون ثمة تضارب وتنافر فيما بينها، وبالتالي جعل "الأمم المتحدة" بمثابة المحور الذي تدور حوله أوجه النشاطات المختلفة في مجال العلاقات الدولية، بهدف تحقيق التفاهم الدولي بين الأمم والشعوب.

ثالثاً: الأجهزة الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة Principal Organs of United Nations
يتألف الهيكل التنظيمي لهيئة الأمم المتحدة من ستة أجهزة رئيسية، منها أربعة أنشئت بناءً على نص اتفاقية "دمبرتون أوكس"، وهي:
1. الجمعية العامة
2. مجلس الأمن
3. المجلس الاقتصادي والاجتماعي
4. الأمانة العامة
وتم إضافة الجهازين الآخرين بناءً على ميثاق "سان فرانسيسكو"، وهما:
5. مجلس الوصاية Trusteeship
6. محكمة العدل الدولية International Court of Justice

المبحث الثالث: الجمعية العامة General Assembly

تحتل الجمعية العامة مركزاً متميزاً بين بقية أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية، حتى أن الساسة أطلقوا عليها "البرلمان العالمي"؛ إذ تتكون من مندوبين عن كل الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وعددها 194 دولة حتى الآن عام (2005).
أولاً: تشكيل الجمعية العامة:
تتكون الجمعية العامة للأمم المتحدة من جميع أعضاء الأمم المتحدة. ويعد هذا التشكيل ترجمة حقيقية لمبدأ المساواة الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة (9) الفقرة (1) بقوله: "تتألف الجمعية العامة من جميع أعضاء "الأمم المتحدة". وبناء علي هذا التشكيل، يكون لكل عضو في الأمم المتحدة صوت واحد في الجمعية العامة على نحو ما نصت عليه المادة (18) الفقرة (1).
ثانياً: دورات انعقاد الجمعية العامة:
تنقسم دورات انعقاد الجمعية العامة إلى دورات انعقاد عادية (Regular Sessions)، ودورات انعقاد غير عادية أو استثنائية (Special Sessions)، ودورات انعقاد طارئة (Emergency Special Sessions).
وتُعَدّ دورة الانعقاد العادية (Regular Sessions) دورة سنوية تبدأ يوم الثلاثاء الثالث من شهر سبتمبر من كل عام، وتستمر غالبا إلى الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر، وعليه، تكون الدورة العامة السنوية المنعقدة عام 98-1999، هي الدورة الثالثة والخمسين من دورات الجمعية العامة.
أما دورات الانعقاد غير العادية أو الدورات الاستثنائية (Special Sessions)، فتُعقد بناءً على قرار صادر عن الجمعية العامة في دورة سابقة. وفي هذه الحالة يُحدد ميعاد انعقاد الدورة في هذا القرار، أو بناءً على طلب أغلبية أعضاء الجمعية العامة أو مجلس الأمن. وفي هذه الحالة تُعقد الدورة في خلال خمسة عشر يوماً من وصول طلب عقد الدورة الخاصة إلى الأمين العام, كما يجوز كذلك دعوة الجمعية العامة إلى دورة طارئة (Emergency Special Session)، خلال 24 ساعة، بناءً على طلب مجلس الأمن بتصويت تسعة من أعضائه، أو طلب من الجمعية العامة بموافقة أغلبية أعضائها، وذلك طبقا لقرار الجمعية العامة "الاتحاد من أجل السلام" "Uniting for Peace" الصادر في نوفمبر 1950.
ثالثاً: قرار الاتحاد من أجل السلم (Uniting for Peace)
هو من القرارات المهمة في تاريخ الأمم المتحدة، أصدرته الجمعية العامة في 3 نوفمبر 1950 بناءً على اقتراح من وزير الخارجية الأمريكية آنذاك "أتشيسون" (Acheson)، وذلك نتيجة عجز مجلس الأمن عن اتخاذ خطوات إيجابية بشأن المشكلة الكورية، بسبب استخدام الاتحاد السوفيتي لحق الفيتو. ويقضي هذا القرار بأنه "إذا أخفق مجلس الأمن، بسبب عدم توافر الإجماع بين أعضائه الدائمين، في القيام بمسؤولياته الأساسية الخاصة بحفظ الأمن الدولي، في الحالات التي يلوح فيها تهديد للسلم أو إخلال به أو عمل عدواني، تبحث الجمعية العامة الموضوع فوراً لإصدار التوصيات اللازمة للأعضاء لاتخاذ التدابير الجماعية المناسبة، بما في ذلك استخدام القوات المسلحة للمحافظة على السلم أو إعادته إلى نصابه".
وأنشأ القرار لجنتين، هما: "لجنة الإجراءات الجماعية" المختصة بإجراءات المحافظة على السلم، متضمنة الإجراءات العسكرية، و"لجنة مراقبة السلم الدولي" لمراقبة تطور النزاع في مناطق تهديد السلم والأمن الدولييْن.
كما قضى القرار بتعديل إجراءات دعوة الجمعية العامة، ليصبح للجمعية حق الانعقاد في دورة انعقاد استثنائية طارئة خلال 24 ساعة، إذا تلقى الأمين العام للأمم المتحدة طلباً في هذا الشأن من مجلس الأمن بأغلبية تسعة أعضاء، ليس من بينها بالضرورة أصوات الأعضاء الدائمين، أو بناء على طلب من الجمعية العامة، بموافقة أغلبية أعضائها.
رابعاً: لجان عمل الجمعية العامة:
لتيسير البت في القضايا المختلفة، وانسيابية المداولات، وتيسيرها، وعدم تعقيدها، أنشأت الجمعية العامة عدة أنواع من اللجان هي:
1. اللجان الرئيسية (Main Committees):
وتضم اللجان الآتية:
أ. اللجنة الأولى: نزع السلاح، والأمن الدولي Disarmament and International Security
ب. اللجنة الثانية: الاقتصادية، والمالية Economic and Financial
ج. اللجنة الثالثة: الاجتماعية، والإنسانية، والثقافية Social, Humanitarian and Cultural
د. اللجنة الرابعة: السياسية الخاصة، وإزالة الاستعمار Special Political and Decolonization
هـ.اللجنة الخامسة: الإدارية، والميزانية Administrative and Budgetary
و. اللجنة السادسة: القانونية Legal
ويتم انتخاب رؤساء اللجان على النحو التالي: اثنان من دول أفريقيا، واحد من دول آسيا، واحد من دول أوروبا الشرقية، واحد من دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، واحد من دول أوروبا الغربية ودول أخرى.
2. اللجان الإجرائية (Procedural Committees):
وتضم "اللجنة العامة" (General Committee)، ووظيفتها دراسة جدول الأعمال المؤقت للجمعية العامة، ومساعدة رئيس الجمعية العامة في وضع جدول أعمال الاجتماعات، وتنسيق كل أعمال الجمعية، ووضع الصياغة النهائية للقرارات.
كما تضم "لجنة فحص وثائق التفويض (Credentials Committee)، ووظيفتها فحص وثائق اعتماد ممثلي كل دولة.
3. اللجان الدائمة (Standing Committees):
وتضم "اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية"Advisory Committee on Administrative and Budgetary Questions (ACABQ)، و"لجنة الاشتراكات" (Committee of Contributions).
وتقوم اللجان الدائمة بالتعامل مع المشكلات التي تطرأ أثناء انعقاد الدورات العادية للجمعية العامة، وفيما بين أدوار الانعقاد، وإبداء المشورة، كلٌّ فيما هو مختص به.
4. الهيئات الفرعية والمعنية وغيرها (Subsiding, Ad Hoc and other Bodies):
وتنشئها الجمعية العامة لأداء مهمات خاصة، ومنها الهيئات واللجان ومجموعات العمل الآتية:
أ. هيئات فيما بين الحكومات (Intergovernmental Bodies):
وتضم اللجان الآتية:
(1) لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة، والخاصة بفلسطين
(2) لجنة الأمم المتحدة العلمية، والمعنية بآثار الإشعاع الذري
(3) لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي
(4) اللجنة الخاصة بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة
(5) اللجنة الخاصة المعنية بعمليات حفظ السلام
(6) اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة
(7) لجنة المؤتمرات
(8) لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح
(9) اللجنة المعنية بشؤون المحيط الهندي
(10) مؤتمر نزع السلاح
(11) لجنة الإعلام
(12) لجنة التفاوض بين الحكومات لوضع اتفاقية مكافحة التصحر
(13) اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف
(14) اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة وبتعزيز دور المنظمة
(15) مجموعة العمل المعنية بتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى
(16) لجنة العلاقات مع الدولة المضيفة
ب. مجموعات العمل المعنية بالإصلاح (Working Reform Groups)
وتضم مجموعات العمل الآتية:
(1) مجموعة العمل مفتوحة العضوية المعنية بوضع خطة التنمية
(2) مجموعة العمل رفيعة المستوى، مفتوحة العضوية، المعنية بالوضع المالي للأمم المتحدة
(3) مجموعة العمل غير الرسمية والمفتوحة العضوية المعنية بخطة للسلام
(4) مجموعة العمل رفيعة المستوى، ومفتوحة العضوية المعنية بتقوية دور منظومة الأمم المتحدة
(5) مجموعة العمل مفتوحة العضوية المعنية بمسألة التمثيل العادل وزيادة العضوية في مجلس الأمن
ج. هيئات استشارية (Advisory Bodies)
وتضم الهيئات الاستشارية التالية:
(1) المجلس الاستشاري لشؤون نزع السلاح
(2) اللجنة الاستشارية المعنية ببرنامج الأمم المتحدة للمساعدة في تدريس القانون الدولي ودراسته ونشره وزيادة تفهمه
د. هيئات متخصصة (Expert Bodies)
وتضم المجالس واللجان الآتية:
(1) مجلس مراجعي الحسابات
(2) هيئة مراجعي الحسابات الخارجيين
(3) لجنة الاستثمارات
(4) لجنة القانون الدولي
(5) صندوق المعاشات التقاعدية التابع للأمم المتحدة
(6) المحكمة الإدارية للأمم المتحدة
(7) وحدة التفتيش المشتركة
(8) لجنة الأمم المتحدة المعنية بقانون التجارة الدولي
(9) لجنة الخدمة المدنية الدولية
5. الجمعية الصغيرة:
هي إحدى اللجان المؤقتة التي أنشأتها الجمعية العامة لأداء مهام خاصة، وتنتهي بانتهاء أداء مهمتها، مثلها مثل: "لجنة المقر الرئيسي" و"لجنة كوريا"، و"لجنة النزاع العنصري بجنوب غرب أفريقيا". غير أن "الجمعية الصغيرة" تتميز بوضع خاص نظراً إلى ما واكبها من انتقادات ومعارضات من قِبَل بعض الدول.
فقد أنشأت الجمعية العامة هذه اللجنة، التي عُرفت باسم "الجمعية الصغيرة" في 13 نوفمبر 1947، بحسبانها لجنة مؤقتة لمدة عام، وكان ذلك بناء على اقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية، لضمان استمرار العمل طوال العام، وبحث ما قد يعرض من مسائل فيما بين أدوار انعقاد الجمعية العامة، وخصوصاً فيما يتعلق بالسلم والأمن الدولييْن. ويكون من حق "الجمعية الصغيرة"، التي تتكون من مندوب من كل دولة من الدول الأعضاء، دعوة الجمعية العامة إلى دورات استثنائية إذا ما ارتأت ذلك.
وفي ديسمبر 1948، قررت الجمعية العامة تجديد عمل "الجمعية الصغيرة" لمدة عام آخر، ثم جددتها في نوفمبر 1949، من دون تحديد لأجل.
غير أن الاتحاد السوفيتي وبعض دول الكتلة الشرقية اعترضوا على إنشاء "الجمعية الصغيرة"، وقاموا بمقاطعة أنشطتها، إذ لم تُعرض عليها مسألة موضوعية منذ عام 1950، لذا فإن "الجمعية الصغيرة" تُعَدّ قائمة، حتى الآن، صورياً فقط، إذ جُمد نشاطها منذ عام 1958.

خامساً: رئاسة الجمعية العامة
مع بداية كل دورة عادية للجمعية العامة، يُنْتَخَب رئيس لها، وفقاً للمادة (21) من الميثاق. ومعه عدد 21 نائباً للرئيس، ورؤساء اللجان الستة الرئيسية المختصة بالدورة العادية السنوية. ويتبلور دور الرئيس المنتخب للجمعية العامة في إدارة المناقشات، وطرح القضايا، والتوفيق بين الدول الأعضاء. وقد اتفقت الدول الكبرى على مبدأ عدم اختيار رئيس الجمعية العامة من بين رعاياها. ويراعى عند انتخاب رئيس الجمعية العامة التناوب بين المناطق الجغرافية لدول العالم المختلفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تناوب على رئاسة الجمعية العامة رؤساء من تنزانيا، وسيريلانكا، والجزائر، وباكستان، وبولندا، وإندونيسيا، والعراق، والنرويج، وأسبانيا. وتجب هنا ملاحظة أن الرئيس المنتخب للجمعية العامة يتوقف عن تمثيل دولته فور انتخابه رئيساً للجمعية، في حين يظل نواب الرئيس المنتخبون في أداء مهامهم ممثلين لدولهم.

سادساً: وظائف الجمعية العامة واختصاصاتها
تتضمن اختصاصات الجمعية العامة الأنشطة والوظائف التالية:
1. عمل توصيات لدعم أسس التعاون لحفظ الأمن والسلم الدولييْن، متضمنة أساسيات نزع السلاح والتحكم في التسلح.
2. مناقشة القضايا المتعلقة بالسلم والأمن الدولييْن، باستثناء المواقف أو النزاعات التي يفصل فيها مجلس الأمن، وإصدار توصيات بشأنها.
3. مناقشة الآراء وإصدار توصيات في أي قضية داخل الإطار الذي نص عليه الميثاق، أو تلك التي تؤثر على وظائف أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة وفعالياته.
4. إنشاء الدراسات، وإصدار التوصيات، وذلك لدعم: التعاون السياسي الدولي، والتنمية، وتنظيم القانون الدولي، ومعرفة حقوق الإنسان، وأصول الحرية للجميع، والتعاون الدولي على الأصعدة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والصحية.
5. إصدار توصيات للتسوية السلمية لأي وضع، قد يعوق العلاقات الودية بين الأمم بغض النظر عن مصدره.
6. تلقي التقارير التي يرفعها مجلس الأمن، والأجهزة الأخرى العاملة في الأمم المتحدة، والنظر فيها.
7. انتخاب الأعضاء غير الدائمين بمجلس الأمن، وأعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية. وانتخاب قضاة محكمة العدل الدولية بالاشتراك مع مجلس الأمن. وتعيين الأمين العام للأمم المتحدة بناءً على توصية مجلس الأمن.
وبالنظر إلى وظائف الجمعية العامة واختصاصاتها، نجد أنها تتميز بـ /
1) مركزية الاختصاص تتمثل في وضع الجمعية العامة بالنسبة لمجلس الأمن والأجهزة الأخرى لهيئة الأمم المتحدة؛ حيث أنها تتلقى تقارير من الفروع الأخرى للأمم المتحدة وتنظر فيها ، كما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصايا يباشران مهام عملهما تحت إشراف الجمعية العامة. أما بالنسبة لمجلس الأمن فيجب على الجمعية العامة أن تسترعي نظر مجلس الأمن إلى الأحوال التي يحتمل أن تعرض السلم والأمن الدولييْن للخطر".
ب) عمومية اختصاص الجمعية العامة، فتشمل ـ بوجه عام ـ النظر في كافة المسائل التي تدخل نطاق ميثاق الأمم المتحدة. حيث تنص المادة (10) من الميثاق على أن "للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة، أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق، أو يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه، أو بوظائفه، كما أن لها فيما عدا ما نص عليه في المادة (12) أن توصي أعضاء الهيئة، أو مجلس الأمن، أو كليهما بما تراه في تلك المسائل والأمور".
إلا أن اختصاصات الجمعية العامة ليست مطلقة، ولا تمثل مباشرة قيداً على حركة مجلس الأمن، بمعنى أن لمجلس الأمن الحق في أن يباشر سلطاته في مجال حفظ السلم والأمن الدولييْن، من دون الرجوع إلى الجمعية العامة، طبقا للمادة (12) الفقرة (1) من الميثاق "عندما يباشر مجلس الأمن ـ بصدد نزاع أو موقف ما ـ الوظائف التي رسمت في هذا الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف، إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن"، والمادة (11) الفقرة (2) "وكل مسألة، مما تقدم ذكره، يكون من الضروري فيها القيام بعمل ما، ينبغي أن تحيلها الجمعية العامة إلى مجلس الأمن قبل بحثها أو بعده".
غير أنه - من جانب - هناك اختصاصات للجمعية العامة لا ينبغي إغفالها بحال، منها الحق في اتخاذ قرارات، ترتب آثاراً قانونية ملزمة. والقرارات التي تصدرها الجمعية العامة منها ما هو انفرادي، ومنها ما هو مشترك.
أما القرارات الانفرادية الملزمة، فتتميز بأنها قرارات داخلية لضمان حسن سير عمل المنظمة الدولية، مثل: اختيار أعضاء الأجهزة الرئيسية (مجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية)، وتعيين أعضاء الأجهزة الفرعية، ووضع النظام القانوني الخاص بهم، وإقرار ميزانية هيئة الأمم المتحدة، وإنشاء الأجهزة الفرعية ذاتها. كما أن قرارات الجمعية العامة فيما يتعلق بالأجهزة الأخرى التي تقع تحت إشرافها، لها قيمة ملزمة.
أما القرارات المشتركة، فتتطلب أن تصدر عن كل من الجمعية العامة، ومجلس الأمن مجتمعين، حتى يتسنى لها سريان آثارها الملزمة مثل: اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، ووقف أو قبول أو طرد دولة من الدول الأعضاء في المنظمة، واختيار قضاة محكمة العدل الدولية.
وكذلك نجد أن للجمعية الحق في إصدار التوصيات. وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. فعلي سبيل المثال لا الحصر، اختصت الجمعية العامة بتوصية أعضاء الهيئة، أو مجلس الأمن، أو كليهما معاً، بما تراه في الأمور المتعلقة بالميثاق. وكذلك للجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير اللازمة لتسوية أي موقف، مهما يكن سببه، تسوية سلمية. إذا رأت الجمعية العامة أن هذا الموقف قد يضر بالرفاهية العامة، أو يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم. على أن هذه التوصيات في النهاية غير ملزمة، ولا يترتب عليها، بالتالي، أي التزام يقع على عاتق من توجه إليه، إلا بحسبانها وسيلة لممارسة الضغط الدولي على الأطراف المعنية، ولا تُعَدّ هذه التوصيات ملزمة إلا بعد قبولها من هذه الأطراف. كما يجب ملاحظة أن لكل دولة حرية قبول التوصية أو رفضها، استناداً إلى واقعها العملي أو ظروفها الخاصة، أو إلى حجج وأسانيد قانونية تؤيد رؤيتها. وبالتالي لا تُعَدّ الدول المعنية ملزمة بالخضوع لها، ولا يترتب على عدم الالتزام بها خروجاً على الشرعية الدولية. غير أن التوصية تظل في النهاية محتفظة بأهميتها، بوصفها وسيلة ضغط دولي للحث على عمل أو الامتناع عن آخر.
ومما هو جدير بالذكر أن هناك تطورات طرأت على اختصاص الجمعية العامة، نتيجة للخبرة العملية التي حصلتها على مدار سنوات عمرها. فمن هذه التطورات صدور قرار "الاتحاد من أجل السلم" (Uniting for Peace)عام الذي منح للجمعية العامة سلطات أوسع، ويعد تعديلاً للميثاق في النواحي الآتية:
1. السماح للجمعية العامة باستخدام سلطة استعمال القوة المسلحة، وكان هذا من اختصاص مجلس الأمن وحده.
2. أوصى الدول بأن تخصص عناصر من قواتها، لإمكان الاستفادة منها ضمن الوحدات العسكرية للأمم المتحدة، وكان مثل هذا الإجراء من قبل يُعد من اختصاص مجلس الأمن فحسب.
3. أعطى هذا القرار للجمعية العامة سلطة الدعوة إلى عقد إلى دورة طارئة مستعجلة، خلال 24 ساعة، للنظر في تطبيق قرار "الاتحاد من أجل السلم"، بناءً على طلب من مجلس الأمن بموافقة تسعة من أعضائه، أو من الجمعية العامة بأغلبية أعضائها.
وعلى هذا نجد أن قرار "الاتحاد من أجل السلام" قد طور من اختصاص الجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدولييْن.
من التطورات التي طرأت - كذلك - على اختصاصات الجمعية العامة، تغير النظرة إلى التوصيات التي تصدرها. فعدم إلزامية هذه التوصيات، لا يعني بالتالي، أنها لا تتضمن أية قيمة قانونية. فهذه التوصيات في النهاية تمثل رأي الأغلبية، فضلاً عن أنها مبادئ واجبة الاحترام قد صيغت في صورة توصيات صادرة عن الجمعية. كما لا ينبغي إغفال أن مغزى هذه التوصيات هو استعادة لالتزاماتٍ وواجباتٍ سابقة تمت الموافقة عليها في الميثاق. وعلى هذا، فإذا كانت التوصيات ذاتها غير ملزمة، فإن المبادئ التي تشملها هذه التوصية يجب أن تلتزم بها الدول، لأنها تتأسس على نصوص الميثاق.

سابعاً: نظام التصويت في الجمعية العامة
يجرى التصويت في الجمعية العامة في مراحل إجرائية مختلفة، ابتداءً من إقرار جدول الأعمال وانتهاء بالتوصيات والقرارات. ويتم التصويت في الجمعية العامة بنظام الأغلبية. على أنه يجب التفرقة بين نوعين من الأغلبية:
1. أغلبية الثلثين: ويجب فيها الحصول على أصوات ثلثي الجمعية على الأقل، ويتم التصويت بأغلبية الثلثين في المسائل الآتية:
أ. حفظ السلم والأمن الدولييْن.
ب. انتخاب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين.
ج. انتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
د. انتخاب أعضاء مجلس الوصاية.
هـ.قبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة.
و. وقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية، والتمتع بمزاياها.
ز. فصل الأعضاء.
ح. المسائل المتعلقة بسير نظام الوصاية.
ط. المسائل الخاصة بالميزانية.
ي. مسائل تعديل الميثاق.
ك. الدعوة إلى عقد مؤتمر لإعادة النظر في الميثاق.
2. الأغلبية البسيطة (المطلقة):
ويجب فيها الحصول على أصوات نصف عدد الأعضاء، مضافاً إليها صوت واحد. وتشمل المسائل والمواضيع المختلفة، وغير المشار إليها تحت بند أغلبية الثلثين.
عضوية الأمم المتحدة
بلغ عدد الدول الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة 50 دولة، وهي الدول التي اشتركت في مؤتمر سان فرانسيسكو (من 25 أبريل إلى 26 يونيه عام 1945)، وأعلنت عن عزمها الاشتراكَ في هذه المنظمة، ثم وقعت بعد ذلك على الميثاق، وصدقت عليه. وقد بلغ عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حتى يوليه 1998 (185) عضواً، ثم أصبحت (191) عضواً بنهاية عام 2004.
هذا وقد شرحت المادة الرابعة من الميثاق شروط قبول العضوية في الأمم المتحدة "العضوية في "الأمم المتحدة" مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه".
يتم قبول أية دولة من هذه الدول في عضوية "الأمم المتحدة" يتم بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن.
أما المادة الخامسة فبينت شروط وقف العضوية، "أنه يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبله عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا.
والمادة السادسة أجازت فصل دولة عضو في الأمم المتحدة، "إذا أمعن عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن".

المبحث الرابع
مجلس الأمن Security Council
يُعَدّ مجلس الأمن من الأجهزة التي لها أهمية خاصة دون مختلف أجهزة الأمم المتحدة. وتنبع أهميته من المسؤوليات الملقاة على عاتقه، من قِبَل الهيئة، في المحافظة على السلم والأمن الدولييْن، والصلاحيات الواسعة المٌخَوَّلة له لتحقيق هذه المسؤولية.
أولاً: عضوية مجلس الأمن:
يتشكل مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة منها 5 أعضاء دائمين، هم: "جمهورية الصين، وفرنسا، وروسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية".
أما بقية الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن (الدول العشرة غير الدائمة العضوية)، فينتخبون من قبل الجمعية العامة لمدة سنتين، كما في المادة (23) الفقرة (2). "ينتخب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين لمدة سنتين ... والعضو الذي انتهت مدته لا يجوز إعادة انتخابه على الفور".
ويراعى في عملية الانتخاب التوزيع الجغرافي العادل؛ حيث توزع مقاعد الدول الأعضاء العشرة غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن على النحو التالي:
1. خمسة مقاعد للدول الأفريقية والآسيوية.
2. مقعدان لدول أمريكا اللاتينية.
3. مقعدان لدول غرب أوروبا والدول الأخرى.
4. مقعد لدول أوروبا الشرقية.
ثانياً: إدارة مجلس الأمن
يعقد مجلس الأمن اجتماعات دورية ويُمَثل كُل عضو من أعضائه بمندوب واحد. ولتحقيق الفاعلية والسرعة في أداء مهامه يتواجد مندوبو مجلس الأمن، بصفة مستمرة، في مقر المنظمة في نيويورك. وذلك لتحقيق مبدأ "الاستمرارية" الذي يُعَدّ المحرك الرئيسي لإدارة مجلس الأمن، طبقاً لما ورد في المادة (28) الفقرة (1) "يُنَظَّمُ مجلس الأمن على وجه يستطيع معه العمل باستمرار". ويتم اجتماع المجلس بناءً على دعوة من رئيسه. ويختار مجلس الأمن في كل شهر رئيساً للمجلس بالدور، طبقاً للحروف الأبجدية لأسماء الدول الأعضاء. وعلى رئيس المجلس التنحي عن الرئاسة إذا عُرِضَ على المجلس نزاع تكون دولته طرفاً فيه. ويحضر الأمين العام اجتماعات المجلس (المادة 98) التي تُعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، إلا أن للمجلس أن يعقد اجتماعاته في غير مقر الهيئة، إذا كان ذلك سيؤدى إلى تسهيل مهمته، كما ورد في المادة (28) الفقرة (3) من ميثاق الأمم المتحدة "لمجلس الأمن أن يعقد اجتماعا في غير مقر الهيئة، إذا رأى أن ذلك أدنى إلى تسهيل أعماله". وقد حدث ذلك عدة مرات بالفعل، حيث عَقَدَ المجلس اجتماعات في فرنسا عامي 1948، و1951، وفي أثيوبيا عام 1972، وفي بنما عام 1973.
ثالثاً: اللجان التابعة لمجلس الأمن:
قرر الميثاق حق المجلس في إنشاء ما يراه ضرورياً لأداء وظائفه، بنص المادة (29) من الميثاق، لذا فقد أنشأ المجلس عديداً من اللجان، منها:
1. اللجان الدائمة Standing Committees
وتتكون من ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وتضم اللجان التالية:
أ. لجنة الخبراء المعنية بالقواعد الإجرائية:
وتتكون من قانونيين متخصصين، للنظر في قواعد الإجراءات، وتفسير نصوص الميثاق، وتقديم المشورة إلى المجلس.
ب. اللجنة المعنية باجتماعات المجلس خارج مقر الأمم المتحدة.
ج. اللجنة المعنية بقبول أعضاء جدد.
2 - لجنة أركان الحرب (Military Stuff Committee)
وقد نصت عليها المواد (45، 46، 47) من الميثاق. وتتكون من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو من يقوم مقامهم. وتكون مهمة هذه اللجنة هي إسداء المشورة إلى مجلس الأمن، ومعاونته في جميع المسائل المتصلة بالأمور العسكرية، ومده بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدولييْن، ولاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها، وتنظيم التسليح، ونزع السلاح.
3 - اللجان ذات الصلة (Ad Hoc Committees)
وهي لجان ينشئها المجلس لمتابعة قرارات مجلس الأمن المتعلقة بقضايا أو عقوبات في مسائل محددة، مثل اللجنة المعنية بقرار مجلس الأمن رقم (661) الخاص بالعراق، واللجنة المعنية بقرار مجلس الأمن رقم (748) الخاص بليبيا. وتتألف هذه اللجان من جميع أعضاء مجلس الأمن، وتجتمع في دورات مغلقة.
كما أن للمجلس إرسال "قوات حفظ السلام" إلى مناطق التوتر والنزاع في العالم، لنزع فتيل المعارك، وفرض الأمن، ومراقبة الهدن، (انظر قوات حفظ السلام). وتتبع المحاكم الدولية لمجرمي الحرب كذلك، مجلس الأمن، كما في حالة "المحكمة الجنائية الدولية لرواندا"، ومقرها أروشا بتنزانيا، و"المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة"، ومقرها هولندا.


رابعاً: اختصاصات مجلس الأمن
تُعَدّ الاختصاصات الممنوحة لمجلس الأمن من أوسع الاختصاصات وأشملها، مقارنة بأجهزة هيئة الأمم المتحدة الأخرى. ومن أهم هذه الاختصاصات:
1. المحافظة على السلم والأمن الدولييْن، وفقاً لأسس الأمم المتحدة ومقاصدها.
2. بحث أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى خلاف دولي.
3. التوصية بطرق تسوية هذا النزاع، أو شروط التسوية.
4. صياغة خطط لوضع نظام لتنظيم التسلح.
5. تحديد ما يمكن أن يمثل تهديداً للسلم، أو يكون عملاً من أعمال العدوان، والتوصية بما يجب اتخاذه تجاه هذا التهديد أو العمل العدواني.
6. دعوة الأعضاء لفرض عقوبات اقتصادية، وإجراءات أخرى لا تتضمن استخدام القوة، لمنع أو إيقاف العدوان.
7. استخدام القوة العسكرية ضد المعتدي.
8. التوصية بقبول أعضاء جدد.
9. ممارسة مهام الوصاية للأمم المتحدة في المناطق الإستراتيجية.
10. توصية الجمعية العامة بتعيين "الأمين العام"، وانتخاب قضاة محكمة العدل الدولية، بالاشتراك مع الجمعية العامة.


وبالنظر إلى هذه الوظائف نجد أن اختصاصات مجلس الأمن تنقسم إلى نوعين:
1. الاختصاصات المنفردة لمجلس الأمن:
وتشمل ما يلي:
أ. مباشرة جميع وظائف الأمم المتحدة المتعلقة بالمواقع الإستراتيجية، كما نصت المادة (83) الفقرة (1) "يباشر مجلس الأمن جميع وظائف الأمم المتحدة المتعلقة بالمواقع الإستراتيجية. ويدخل في ذلك الموافقة على شروط اتفاقات الوصاية وتغييرها أو تعديلها".
ب. تحديد الشروط التي يجوز بمقتضاها لسائر الدول الأخرى أن تتقاضى أمام محكمة العدل الدولية، كما نصت المادة (35) الفقرة (2) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وفيها: "يحدد مجلس الأمن الشروط التي يجوز بموجبها لسائر الدول الأخرى أن تتقاضى إلى المحكمة، وذلك مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة في المعاهدات المعمول بها، على أنه لا يجوز بحال وضع تلك الشروط بكيفية تخل بالمساواة بين المتقاضين أمام المحكمة".
ج. تسليح الأمم المتحدة؛ إذ تنص المادة (26) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: "يكون مجلس الأمن مسؤولاً، بمساعدة لجنة أركان الحرب المشار إليها في المادة (47)، عن وضع خطط تعرض على أعضاء الأمم المتحدة لوضع منهاج لتنظيم التسليح".
د. تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية، بحيث "إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن. ولهذا، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يقدم توصياته، أو يصدر قرارا بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم" المادة (94) الفقرة (2) من ميثاق الأمم المتحدة.
2. الاختصاصات المشتركة لمجلس الأمن
وهي الاختصاصات التي تستلزم مشاركة مجلس الأمن مع الجمعية العامة للأمم المتحدة في اتخاذها، مثل:
أ. اختيار الأمين العام للأمم المتحدة:
ب. قبول أعضاء جدد في هيئة الأمم المتحدة:
ج. وقف العضوية من هيئة الأمم المتحدة:
د. الفصل من الهيئة:
هـ. انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية:
و. تحديد شروط انضمام الدول غير الأعضاء في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية .

خامساً: التدخل غير المباشر
يقوم مجلس الأمن بالعمل على حل النزاعات، أو تهيئة المناخ لحل النزاعات، من دون أن يكون تدخله ملزماً لأطراف النزاع. ويقوم المجلس بالتدخل غير المباشر في حالة ما إذا كانت المبادرة من مجلس الأمن ذاته (المادة (34))، أو من خلال جهات أخرى، كالجمعية العامة (المادة (11) الفقرة (3)) أو الأمين العام (المادة (99))، أو الدول الأعضاء (المادة (35) الفقرة (1))، أو حتى الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة (المادة (35) الفقرة (2)). وفي هذه الحالات يقوم المجلس بدعوة أطراف النزاع بإحدى الطرق المنصوص عليها في (المادة (33)) من الميثاق عن طريق المفاوضات، أو التحقيق، أو الوساطة، أو التوفيق، أو التحكيم، أو التسوية القضائية، أو أن يلجئوا إلى الوكالات الإقليمية، أو غيرها من الوسائل السلمية.

سادساً: التدخل المباشر
وفيه يتدخل مجلس الأمن - في حالة حدوث ما يهدد السلم والأمن الدولييْن طبقاً للمادة (39) ـ باتخاذ الإجراءات المناسبة. وفي هذه الحالة يتدخل المجلس تلقائياً دون الحاجة إلى عرض الوضع من قِبَل الأطراف المعنية، أو من قبل الجهات المختصة، مثل الجمعية العامة، أو الأمين العام للأمم المتحدة. وتُعَدّ حالات تأزم الوضع، التي تستلزم تدخل مجلس الأمن تدخلاً مباشراً، من المسائل الموضوعية التي يلزم لإقرارها صدور قرار بالأغلبية، شاملاً الموافقة الجماعية للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. وبإقرار حدوث ما يهدد السلم والأمن الدولييْن بهذا التصويت، يقوم المجلس باتخاذ قرارات ملزمة للدول الأعضاء، وذلك بعد موافقة الأغلبية، بما فيها الدول الدائمة العضوية، وذلك طبقا للمادة (48) الفقرتان (1،2) اللتان تنصان على أن:
1- الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولييْن يقوم بها جميع أعضاء "الأمم المتحدة"، أو بعض هؤلاء الأعضاء، حسبما يقرره المجلس.
2- يقوم أعضاء "الأمم المتحدة" بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة وبطريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها". نصت المادة (49) كذلك على أن: "يتضافر أعضاء "الأمم المتحدة" على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير التي قررها مجلس الأمن"، وكذلك المادة (25) "وفيها يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق"، والمادة (2) الفقرة (5) "يقدم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق. كما يمتنعون عن مساعدة أي دولة تتخذ "الأمم المتحدة" إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع".

سابعاً: نظام التصويت في مجلس الأمن:
يُعَدّ نظام التصويت المتبع في مجلس الأمن من الخصائص المميزة لهذا الجهاز عن غيره من أجهزة "الأمم المتحدة"؛ إذ يترتب على هذا التصويت أن تتوقف كل فعاليات الأمم المتحدة. لذا، فلا عجب أن نجد في الميثاق ما يحدد الأسس الواجب اتباعها، كما ورد في المادة (27) الفقرة (3)، إذ يشترط المجلس في قراراته وتوصياته الحصول على الأغلبية (تسعة أصوات) متضمنة الموافقة الإجمالية للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لإمكان إصدار القرار. ويترتب على عدم تحقيق الموافقـة الإجمالية للدول دائمة العضـوية، واعتراض أحدها فقط (حق النقض أو الفيتو) عدم صدور القرار. وقد استخدم أول (فيتو) في تاريخ مجلس الأمن من قِبَل الاتحاد السوفيتي في 16 فبراير عام 1946، ضد القرار الصادر بشأن مباحثات سحب القوات الفرنسية والبريطانية من سورية.
ويستخدم حق النقض في مجلس الأمن فقط، في حالات المسائل الموضوعية، لا المسائل الإجرائية. وقد اتفقت بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في بيان مشترك على اعتبار المسائل الآتية من المسائل الإجرائية، وهي:
أ. تمثيل أعضاء مجلس الأمن تمثيلاً دائماً في مقر المنظمة.
ب. وجوب عقد اجتماعات دورية لمجلس الأمن.
ج. عقد اجتماعات مجلس الأمن في غير مقر المنظمة.
د. إنشاء أجهزة فرعية تابعة للمجلس.
هـ.وضع لائحة الإجراءات.
و. اشتراك عضو من أعضاء الأمم المتحدة، بدون تصويت، في مناقشة أية مسألة تعرض على المجلس، إذا تأثرت بها مصالح العضو بصفة خاصة.
ز. كما أن دعوة أية دولة تكون طرفاً في نزاع معروض على المجلس، لبحثه في المناقشات المتعلقة بهذا النزاع، دون أن يكون لها حق التصويت، يُعَدّ كذلك من المسائل الإجرائية.
وتصدر القرارات الخاصة بالمسائل الإجرائية بأغلبية تسعة أعضاء، بصرف النظر عن موافقة أو اعتراض الأعضاء الدائمين.
وعدا هذه المسائل، يكون مجلس الأمن هو المختص بتمييز المسائل الموضوعية من عدمها، وذلك بصدور قرار بأغلبية الأعضاء، متضمناً الدول الدائمة العضوية، لإمكان صدور قرار في هذه المسألة.


المبحث الخامس : المجلس الاقتصادي والاجتماعي
أنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموجب ميثاق الأمم المتحدة كجهاز رئيسي لتنسيق الأعمال الاقتصادية والاجتماعية وما يتصل بها، التي تضطلع بها وكالات الأمم المتحدة المتخصصة الـ 14، واللجان الفنية، واللجان الإقليمية الخمس. كما يتلقى المجلس تقارير من 11 صندوقا وبرنامجا تابعا للأمم المتحدة. ويعمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمثابة منبر رئيسي لبحث المسائل الاقتصادية والاجتماعية الدولية، ولصياغة التوصيات المتعلقة بالسياسات الموجهة إلى الدول الأعضاء ومنظومة الأمم المتحدة. وهو مسؤول عما يلي:
1. تعزيز رفع مستويات المعيشة، والعمالة الكاملة، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي؛
2. وتحديد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية الدولية؛
3. وتيسير التعاون الثقافي والتعليمي الدولي؛
4. وتشجيع الاحترام الشامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ويتمتع المجلس بصلاحية إجراء دراسات ووضع تقارير أو الشروع فيها بشأن هذه المسائل. كما يتمتع بصلاحية المساعدة في إعداد وتنظيم المؤتمرات الدولية الرئيسية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية وما يتصل بها وتيسير القيام بمتابعة منسقة لهذه المؤتمرات. وباتساع ولاية المجلس فإن صلاحياته تشمل أكثر من 70 في المائة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة الأمم المتحدة بأسرها.

آلية عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي:
يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي بولايته، بالتشاور مع الأكاديميين، وممثلي قطاع الأعمال التجارية، ومع أكثر من 2100 منظمة غير حكومية مسجلة. كما يعقد المجلس دورة موضوعية لمدة أربعة أسابيع كل تموز/يوليه، في كل من نيويورك وجنيف، بالتناوب. وتضم الدورة الجزء الرفيع المستوى، والجزء المتعلق بالتنسيق، والجزء المتعلق بالأنشطة التنفيذية، والجزء المتعلق بالأنشطة الإنسانية، والجزء العام.
والجزء الرفيع المستوى هو بمثابة منتدى للوزراء والرؤساء التنفيذيين للمؤسسات الدولية وكبار المسؤولين، وكذلك لممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص، وذلك لبحث المسائل الرئيسية الواردة في جدول الأعمال الدولي في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ومن المعالم الجديدة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، التي أقرها مؤتمر القمة العالمي لعام 2005، الاستعراض الوزاري السنوي ومنتدى التعاون الإنمائي. وفي نهاية الجزء الرفيع المستوى، يعتمد بيان وزاري، يقدم فيه إرشاد للسياسات وتوصيات من أجل التنفيذ.
مجالات السياسات الرئيسية للمجلس خلال السنوات الأخيرة:
نظم المجلس خلال الجزء الرفيع المستوى لعام 2008 منتداه الأول للتعاون الإنمائي، الذي يعقد مرة كل سنتين، والاستعراض الوزاري السنوي الثاني. وركز الاستعراض الوزاري السنوي على موضوع ’’ تنفيذ الأهداف والالتزامات المتفق عليها دوليا فيما يخص التنمية المستدامة‘‘، الذي أسفر عن اعتماد إعلان وزاري. وقد وصف رئيس المجلس، السيد ليو ميروريس، الدورة الموضوعية لعام 2008 بأنها ’’تاريخية‘‘ نظرا لتنفيذها المهام الجديدة للمجلس تنفيذا كاملا.
فقد واكب الجزء الرفيع المستوى لعام 2007 الاستعراض الوزاري السنوي الأول (AMR) والشروع في منتدى التعاون الإنمائي (DCF). وخلال الاستعراض الوزاري السنوي، استعرض المجلس التقدم المحرز في تنفيذ الهدف 1 من الأهداف الإنمائية للألفية، بما في ذلك من خلال العروض الوطنية التي تطوعت بها ستة بلدان نامية، هي بنغلاديش، وبربادوس، وكمبوديا، والرأس الأخضر، وإثيوبيا، وغانا. وباعتماد الإعلان الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ، يكون المجتمع الدولي قد أكد من جديد التزامه بالعمل جاهدا على القضاء على الفقر والجوع حتى التاريخ المستهدف المتفق عليه وهو عام 2015.
كما ركز الجزء الرفيع المستوى لعام 2006 على مسائل العمالة الكاملة والمنتجة والعمل اللائق، وأثر ذلك في التنمية المستدامة. وقد حدد الإعلان الوزاري الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عام 2006 عددا من الخطوات العملية من أجل المضي في تنفيذ ما دعا إليه مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 من جعل العمالة الكاملة والمنتجة والعمل اللائق هدفا رئيسيا من أهداف السياسات الوطنية والدولية.
وشكل الجزء الرفيع المستوى لعام 2005 ، إلى جانب الجزء المتعلق بالتنسيق، إسهاما رئيسيا في مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 فيما يتعلق بالتقدم المحرز في تنفيذ إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية، بما في ذلك الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا والشراكة العالمية المطلوبة من أجل تحقيقها.
وقد ركز الجزء الرفيع المستوى لعام 2004 على أقل البلدان نموا وتعبئة الموارد وتمكين البيئة من أجل القضاء على الفقر. وكان من شأن الحوار الرفيع المستوى الذي أجراه المجلس إبراز المشاكل المحددة لأقل البلدان نموا. كما أدى ذاك الحوار إلى الشروع في مبادرة ريفية في بنن.
وأدى الجزء الرفيع المستوى لعام 2003 المتعلق ”بتعزيز نهج متكامل إزاء التنمية الريفية في البلدان النامية من أجل القضاء على الفقر ومن أجل التنمية المستدامة“، إلى تجديد الاهتمام بهذه المسألة والشروع في مبادرة ذات صلة بشأن مدغشقر.
واعتمد الجزء الرفيع المستوى لعام 2002 قرارا مبتكرا بشأن مساهمة الموارد البشرية في التنمية، ولا سيما في مجال الصحة والتعليم.
وأسفر النظر في التنمية الأفريقية في الجزء الرفيع المستوى لعام 2001 عن أول إقرار دولي رسمي للشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (NEPAD).
واقترح الإعلان الوزاري الصادر عن الجزء الرفيع المستوى في عام 2000 اتخاذ إجراءات محددة لمعالجة الفاصل الرقمي، مما أدى بشكل مباشر إلى إنشاء فرقة العمل المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) في عام 2001.
وأصدر الجزء الرفيع المستوى لعام 1999، "البيان المتعلق بالفقر"، الذي توقع، من نواح كثيرة، وضع الأهداف الإنمائية للألفية التي أقرت في مؤتمر قمة الأمم المتحدة للألفية في نيويورك.
وبغض النظر عن الدورات الموضوعية، فقد شرع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عام 1998 في تقليد يدعو إلى الاجتماع في كل نيسان/أبريل مع وزراء المالية الذين يرأسون لجانا رئيسية في مؤسسات بريتون وودز. وقد شرعت هذه المشاورات في تعاون بين المؤسسات مهد الطريق أمام نجاح المؤتمر الدولي لتمويل التنمية ، الذي عقد في آذار/مارس 2002 في مونتيري، بالمكسيك، واعتماد توافق آراء مونتيري. ففي ذلك المؤتمر، أُسند إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي دور رئيسي في رصد وتقييم المتابعة لتوافق آراء مونتيري. وقد ساعدت تلك الاجتماعات في تعميق الحوار بين الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والتجارية الدولية، وعززت شراكاتها في سبيل تحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا، بما فيها الأهداف الإنمائية للألفية التي انبثقت عن المؤتمرات العالمية التي تم عقدها منذ منتصف عقد التسعينات. وقد اتسع نطاق المشاركة في هذه الاجتماعات منذ انعقاد الاجتماع الأولي في عام 1998. وبالإضافة إلى رئيس اللجنة الإنمائية في البنك الدولي ورئيس اللجنة النقدية والمالية الدولية في صندوق النقد الدولي، يشترك الآن أيضا المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية ومجلس التجارة والتنمية في الأونكتاد في هذا الاجتماع.

إصلاح المجلس الاقتصادي والاجتماعي
منذ إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، ما برح المجلس الاقتصادي والاجتماعي هدفا للعديد من الاقتراحات الداعية للإصلاح. وقد أُخذ ببعض هذه الاقتراحات، كما هو الحال بالنسبة لقراري الجمعية العامة 197/32 و 227/50 ، اللذين كانا استجابة لاقتراحات أعدتها أفرقة من الخبراء في عامي 1975 و 1988، على التوالي. وقد أسفرت هذه الإصلاحات عن توسيع نطاق العضوية وعن اتخاذ إجراءات جديدة لزيادة فعالية المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وفي السنوات الأخيرة، ما برح الدعم الدولي يتزايد من أجل تعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي ضمن نظام إدارة الأمم المتحدة وكذلك ضمن إدارة الاقتصاد العالمي. وجرت جولة أخرى من الاقتراحات الهامة خلال دورة الجمعية العامة السابعة والخمسين أدت إلى إنشاء الفريق العامل المخصص المعني بالتنفيذ والمتابعة المنسقين المتكاملين للمؤتمرات الرئيسية ومؤتمرات القمة التي تعقدها الأمم المتحدة والتي أفضت إلى اعتماد الجمعية العامة القرار 270/57 باء. وقد أسند القرار للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ولأجهزته الفرعية دورا هاما في التنفيذ والمتابعة المتكاملين والمنسقين لنتائج المؤتمرات الرئيسية ومؤتمرات القمة التي عقدتها الأمم المتحدة في عقد التسعينات.
ورغم التقدم المحرز الذي أحرز خلال السنوات الأخيرة في تعزيز كفاءة المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفعاليته وفي تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي كهيئة مركزية لتنسيق منظومة الأمم المتحدة، ما برحت الدعوات مستمرة من أجل مزيد من التعزيز للمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وفي مؤتمر القمة العالمي لعام 2005، استجاب رؤساء الدول والحكومات لهذا النداء. فقد دعوا في الفقرتين 155 و 156 من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي إلى المضي في تعزيز مهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحالية وإلى تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن طريق إسناد مهام جديدة هامة إليه.
وعلى وجه الخصوص، وفي الفقرتين 155 و 156 من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي فوض قادة العالم المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالقيام بعدة أمور، منها ما يلي:
إجراء استعراض موضوعي وزاري سنوي (AMR) لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ نتائج المؤتمرات الرئيسية ومؤتمرات القمة التي عقدتها الأمم المتحدة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بما في ذلك الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا
العمل بمثابة منبر جيد للاشتراك في السياسات والاتجاهات العالمية في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والإنساني وعقد منتدى التعاون الإنمائي مرة كل سنتين لاستعراض الاتجاهات في مجال التعاون الإنمائي الدولي.
ومتابعة لمؤتمر القمة، اعتمدت الجمعية العامة القرار 61/16بشأن ”تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي“ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، وذلك نتيجة مشاورات غير رسمية جرت في الجلسة العامة برئاسة سعادة السفير يوهان فيربيك البلجيكي وسعادة سفير مالي الشيخ سيدي ديارا. وقد تضمن هذا القرار العناصر الخمسة الرئيسية التالية:
مهد الطريق أمام الاستعراض الوزاري السنوي (AMR) الذي يقوم باستعراض التقدم المحرز في تنفيذ خطة الأمم المتحدة الإنمائية، بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية.
كما يأذن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بأن يعقد منتدى التعاون الإنمائي مرة كل سنتين من أجل استعراض الاتجاهات والتقدم في التعاون الإنمائي الدولي، أي، المسائل المتعلقة بجودة المعونات وكميتها، وأن يقدم الإرشاد بشأن السياسات المتعلقة بالتدابير العملية وخيارات السياسات بشأن كيفية تعزيز تماسكه وفعاليته.
وقد واكبت الدورة الموضوعية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لعام 2007 المعقودة في جنيف في تموز/يوليه أول استعراض وزاري سنوي (AMR) والشروع في منتدى التعاون الإنمائي (DCF) الذي يعقد كل سنتين. وفيما بعد، وابتداء من عام 2008، سيعقد منتدى التعاون الإنمائي (DCF) مرة كل سنتين في نيويورك.
كما أُذن للمجلس بعقد اجتماعات مخصصة بشأن حالات الطوارئ الإنسانية على النحو المطلوب وعند الطلب.
كما كان القرار رسالة واضحة إلى لجنة بناء السلام لكي تستفيد من خبرات المجلس في مجال بناء السلام بعد النزاع ومن النجاح الذي لاقته الأفرقة الاستشارية المخصصة.
وفي أعقاب اعتماد الجمعية العامة هذا القرار مباشرة، اعتمد المجلس المقرر E/2006/274 الذي يقدم مزيدا من التفاصيل بشأن وسائط اشتراك الآليات الفرعية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في إعداد الاستعراض الموضوعي الوزاري السنوي الأول لعام 2007 ومنتدى التعاون الإنمائي. ولا يزال الاتفاق متوقعا بشأن اتخاذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي قرارا بإصلاح المجلس بشكل شامل، الذي يُتوقع أن يقدم مزيدا من التفاصيل بشأن القرار 61/16 ومقرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي 2006/206 بشأن تكييف وسائل عمله.




المبحث السادس : محكمة العدل الدولية
أولاً: محكمة العدل الدولية :
1. تشكيل محكمة العدل الدولية:
تُعد محكمة العدل، ومقرها هاج (The Hague) بهولندا، الجهاز القضائي للمنظمة الدولية، وأحد أهم الأجهزة الرئيسية فيها. وتبرز أهميتها في أنها الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وذلك ما نصت عليه المادة (92) "ويُعد أعضاء "الأمم المتحدة"، بحكم عضويتهم في الهيئة، أطرافاً رئيسية في النظام الأساسي للمحكمة، ويجوز للدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة الانضمام إلى محكمة العدل الدولية طبقا للشروط التي تحددها الجمعية العامة، وطبقاً لظروف كل حالة على حدة، وبناءً على توصية مجلس الأمن. كما يجب على كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن يقبل، وينفذ حكم محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفاً فيها، طبقاً للمادتين (93 و94) من الميثاق.

2. عضوية محكمة العدل:
تتشكل هيئة المحكمة من 15 قاضياً مستقلاً. وتقوم الجمعية العامة بانتخابهم من بين الأشخاص المتمتعين بأخلاق حميدة، والحائزين على درجات أكاديمية في القانون، تؤهلهم للتعيين في أعلى المناصب القضائية، أو من بين المشرعين ورجال القانون المشهود لهم بالكفاءة في القانون الدولي. ويكون اختيار القضاة بغض النظر عن جنسياتهم. ولا يجوز أن يكون ثمة أكثر من قاضٍ واحد، من دولة واحدة، أعضاء في المحكمة في وقت واحد، وفقاً للمادة (3) الفقرة (1) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
ويُنتخب أعضاء المحكمة من قِبَل كل من الجمعية العامة، ومجلس الأمن، كل على حدة، وذلك من بين قائمة تضم أسماء المرشحين من الشُعب الأهلية في محكمة التحكيم الدائمة.
وللبدء في اختيار قاضٍ لمحكمة العدل، ينبغي على الأمين العام، قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخاب، أن يتقدم بطلب كتابي إلى الدول الأعضاء في المحكمة، وإلى أعضاء الشُعَب الأهلية، يدعوهم إلى ترشيح عدد من رجال القانون المؤهلين، ليكونوا قضاة في المحكمة، ويستطيعوا تحمل أعباء عضوية المحكمة، طبقاً للمادة (5) الفقرة (1) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، ثم ترفع هذه القائمة إلى الجمعية العامة، ومجلس الأمن.
ويقوم كل من: الجمعية العامة، ومجلس الأمن، بانتخاب أعضاء المحكمة من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في هذه القائمة، بنظام الأغلبية المطلقة. كما يقضي نظام المحكمة بعدم التفريق بين أصوات الدول؛ الدائمة، وغير الدائمة، عند التصويت. وتقدر مدة العضوية في محكمة العدل الدولية بتسع سنوات، ويجوز التجديد بالانتخاب. وضماناً لعدم تغيير القضاة دفعة واحدة، يُقترع على إنهاء ولاية خمسة قضاة بعد ثلاث سنوات من انتخابهم، ثم إنهاء خمسة قضاة آخرين بعد ست سنوات، وفقاً للمادة (13) الفقرتين (1 و2) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
وتنص المادة (9) من النظام الأساسي، على أنه يراعى، في الاختيار، أن يكون ممثلاً للمدنيات الكبرى، والنظم القانونية الرئيسية في العالم، فضلاً عن أن يضم في داخله التمثيل الجغرافي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بحيث "ينبغي أن يكون تأليف الهيئة في جملتها كفيلاً بتمثيل المدنيات الكبرى، والنظم القانونية الرئيسية في العالم"، وتتمثل في: النظام الأنجلو-سكسوني، والنظام اللاتيني، والشريعة الإسلامية، والنظام الاشتراكي، ونظام أمريكا اللاتينية وآسيا.
ولا يجوز لقضاة محكمة العدل الدولية شغل أي مناصب إدارية، أو سياسية، أو أي وظائف عامة في بلدانهم. كما أنه لا يجوز لهم الاشتراك في فصل أي قضية سبق لهم القيام بدور في إجراءاتها، قبل انتخابهم قضاة في محكمة العدل الدولية.
3. المتقاضون أمام المحكمة:
وفقاً للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإن للدول وحدها الحق في أن تتقاضى أمام المحكمة، ويُعد جميع الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بحكم عضويتهم في الهيئة. إلا أنه وفقاً للمادة (93) الفقرة (2) من الميثاق "يجوز لدولة ليست من الأمم المتحدة أن تنضم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناءً على توصية مجلس الأمن". كما أن الدول، التي لا تتمتع بعضوية الأمم المتحدة، ولا تشترك في النظام الأساسي للمحكمة، يجوز لها أن تتقاضى أمام المحكمة، وفقاً للشروط التي يحددها مجلس الأمن. أما الأفراد، فلا يجوز لهم المثول أمام محكمة العدل الدولية، وتتم حماية مصالح هؤلاء الأفراد وفقاً لقواعد الحماية الدبلوماسية.
4. التسوية القضائية:
تتميز التسوية القضائية لأي نزاع دولي بإلزامية الحلول، التي يُتوصل إليها، من خلال جهاز متخصص ومستقل عن الأطراف المتنازعة، عن طريق التحكيم والقضاء. وبناءً على هذا، فإن التسوية القضائية تختلف عن الإجراءات الدبلوماسية لحل النزاعات والتي تتراوح من مفاوضات إلى مساعٍ حميدة ووساطة، أو إنشاء أجهزة خاصة للتحقيق والتوفيق. وتتميز التسوية القضائية للنزاعات بنفاذية قراراتها وحلولها، وإلزامياتها لجميع الأطراف المتنازعة. ذلك بأنها تصدر عن جهاز مستقل. كذلك تتضمن التسوية القضائية إجراء مداولات ومناقشات على أساس قانوني لتأكيد العدالة بين الأطراف المتنازعة، وضمان الحصول على الحقوق محل النزاع. وتُعد محكمة العدل هي الجهة القضائية الدولية الرئيسية، وإن كان هذا لا يمنع من وجود قضاء نوعي أو إقليمي.


5. اختصاصات محكمة العدل الدولية :
نصت المادة (36) الفقرة (1) من النظام الأسـاسي لمحكمة العدل الدولية على أن "تشمل ولاية المحكمة جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، كما تشمل جميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق "الأمم المتحــدة"، أو في المعاهدات والاتفاقات المعمول بها"، وعلى هذا يشمل اختصاص المحكمة -وفقاً لهذا النص- جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، أو جميع المسائل المنصوص عليها في الميثاق أو المعاهدات والاتفاقيات. وهناك نوعان من الاختصاصات:
أ. الولاية الاختيارية للمحكمة:
وتكون وفقاً للنظام الأساسي الذي يشير إلى أن انعقاد ولاية المحكمة يتوقف على رضاء جميع المتنازعين بعرض هذا النزاع على المحكمة للفصل فيه. فإذا عُدِمَ هذا التراضي فلا يحق عرض هذا النزاع على المحكمة.
ب. الولاية الإلزامية للمحكمة:
وهي تكون في حالة من الحالات الآتية:
(1) وجود اتفاقيات عامة بين الطرفين محل النزاع، وتتطلب تحديداً أو تفسيراً، الأمر الذي يقتضي عرضها على محكمة العدل الدولية لإبداء الرأي.
(2) قبول الولاية الإلزامية من قِبَل الأطراف المعنية لمحكمة العدل الدولية، وذلك وفقاً للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الذي يعطي للدول الأعضاء الحق بإقرار المحكمة على ولايتها الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية التي تنشأ بينها، وبين دولة تقبل الالتزام نفسه في المسائل القانونية. وتتضمن هذه المسائل تفسير المعاهدات، أو التحقيق في واقعة من وقائع الخرق للالتزام الدولي، أو قضايا التعويضات المترتبة على وقائع الخرق.
ويجب ملاحظة أنه سواءً أكانت الولاية اختيارية أم إلزامية، فإنها تعتمد في كلتا الحالتين على قبول الدول التقاضي أمام المحكمة.
5. حكم محكمة العدل الدولية:
تفصل محكمة العدل الدوليـة في القضايا التي تُرفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، ويتم هذا بتطبيق المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي تنص على أن:
1- وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي .
2- لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف، متى وافق أطراف الدعوى على ذلك".
وبعد إتمام الإجراءات تصدر المحكمة الحكم بأغلبية القضاة الحاضرين، أما إذا تساوت أصوات القضاة، فإن جانب الرئيس، أو من يقوم مقامه، يَرجَح الجانبَ الآخرَ، طبقاً للمادة (55) من النظام الأساسي. ويجب أن يلحق بالحكم الأسباب التي بُني عليها وأسماء القضاة الذين اشتركوا في إصدار هذا الحكم وفقاً للمادة (56) من النظام الأساسي. وإذا لم يكن حكم المحكمة صادراً بإجماع القضاة، فمن حق كل قاض اشترك في القضاء أن يصدر بياناً يتضمن رأيه الخاص، وقد يكون هذا الرأي موافقاً أو معارضاً للحكم النهائي، وذلك طبقاً للمادة (57) من النظام الأساسي.
6. تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية:
تُعد أحكام محكمة العدل الدولية نهائية، وغير قابلة للاستئناف، وتسري على جميع أطــراف النـزاع، كما ورد في المادتين (59، 60) من النظام الأساسي، ويسـتثنى من هذا ما نصـت عليه المادة (61) الفقرتان (1 و2) من النظام الأساسي في شأن إعادة النظر في الأحكام الصادرة من قبل محكمة العدل الدولية، وجاء فيها:
"1- لا يقبل التماس إعادة النظر في الحكم، إلا بسبب يكشف واقعة حاسمة في الدعوى، كأن يجهلها ـ عند صدور الحكم ـ كل من المحكمة والطرف الذي يلتمس إعادة النظر، على ألا يكون جهل الطرف المذكور لهذه الواقعة ناشئاً عن إهمال منه.
2- إجراءات إعادة النظر تفتتح بحكم من المحكمة تثبت فيه صراحة وجود الواقعة الجديدة، وتستظهر فيه صفاتها التي تبرز إعادة النظر، وتعلن به أن الالتماس بناءً على ذلك جائز القبول".
ويكون ذلك قبل السير في إجراءات إعادة النظر، كما دلت المادة (61) الفقرة (3) من النظام الأساسي.
ومن الشروط الواجب توفرها في التماس إعادة النظر، أن يقدم خلال ستة أشهر من تكشف الواقعة الجديدة التي تؤثر في الحكم، على أن يكون إعادة النظر بعد انقضاء عشر سنوات من تاريخ الحكم، كما نصت المادة (61) الفقرتان (4 و5).

المبحث السابع مجلس الوصاية
1. تشكيل مجلس الوصاية :
هو أحد أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية. ووظيفته الإشراف على تنفيذ نظام الوصاية الدولية. وهو نظام قررته المادة (75) من الميثاق للوصاية الدولية على بعض الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، التي تضعها الدول التي كانت تقوم بإدارتها، بمقتضى اتفاقات خاصة، تحت إشراف الهيئة. ويُعد هذا النظام، امتداداً لنظام الانتداب الذي وضعته عصبة الأمم، من أجل الإسهام في حل مشاكل بعض الأقاليم غير المستقلة على نحو يحقق الارتقاء بها، فتحصل على الحكم الذاتي أو الاستقلال من ناحية، ويحفظ السلم والأمن الدولييْن من ناحية أخرى.
ويتألف مجلس الوصاية وفقاً للمادة (86) الفقرة (1)، من الميثاق من:
أ. الدول الأعضاء التي تتولى إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية، وهي "استراليا، بلجيكا، فرنسا، نيوزيلندا، إنجلترا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا".
ب. الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التي لا تتولى إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية، مثل: الصين، وروسيا الاتحادية.
ج. أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات (قابلة للتجديد). ويراعى في اختيار الأعضاء المنتخبين إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة داخل المجلس.
وطبقاً للمادة (86) الفقرة (2)، "يُعَيِّن كُلُّ عضو من أعضاء مجلس الوصاية من يراه أهلاً بوجه خاص لتمثيله في هذا المجلس".
وينعقد مجلس الوصاية مرتين كل عام في دورتين عاديتين؛ أولاهما: في شهر يناير، وثانيتهما: في شهر يونيه من كل عام. وقد يجتمع في دورة غير عادية، بناءً على طلب أغلبية أعضائه، أو طلب الجمعية العامة، أو مجلس الأمن، أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إذا وافق أغلبية أعضاء مجلس الوصاية. ولكل عضو من أعضاء مجلس الوصاية صوت واحد، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين والمشتركين في التصويت.
2. نظام الوصاية:
نصت المادة (75) من الميثاق على أن "تنشئ الأمم المتحدة، تحت إشرافها، نظاماً دولياً للوصاية، وذلك لإدارة الأقاليم التي تخضع لهذا النظام بمقتضى اتفاقات فردية لاحقة وللإشراف عليها. ويطلق على هذه الأقاليم فيما يلي من الأحكام اسم الأقاليم المشمولة بالوصاية".
مع الوضع في الاعتبار أن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، ولا ينطبق عليها نظام الوصاية، تخضع لمجموعة من الحقوق والالتزامات، التي تقع على كاهل الدول المنوطة بها إدارتها، طبقا لنص المادة (73)، وفيها: "يقــر أعضاء "الأمم المتحدة" الذين يضطلعون في الحال، أو في الاستقبال بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا كاملا من الحكم الذاتي، بالمبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول ويقبلون، أمانة مقدسة في عنقـهم، الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق نظام السلم والأمن الدولييْن الذي رسمه هذا الميثاق ولهذا الغرض:
أ. يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والتعليم. كما يكفلون معاملتها بإنصاف، وحمايتها من ضروب الإساءة، كل ذلك، مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب.
ب. ينمون الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونوها على إنماء نظمها السياسية الحرة نمواً مطرداً، وفقاً للظروف الخاصة لكل إقليم، وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة.
ج. يوطدون السلم والأمن الدولييْن.
د. يعززون التدابير الإنشائية للرقي والتقدم، ويشجعون البحوث، ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق المقاصد الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية المفصلة في هذه المادة تحقيقاً عملياً، كما يتعاونون أيضا لهذا الغرض مع الهيئات الدولية المتخصصة كلما تراءت لهم ملائمة ذلك.
هـ. يرسلون إلى الأمين العام بانتظـام، يحيطونه علما بالبيانات الإحصائية، وغيرها من البيانات الفنية المتعلقة بأمور الاقتصاد، والاجتماع، والتعليم في الأقاليم التي يكونون مسؤولين عنها، عدا الأقاليم التي ينطبق عليها أحكام الفصلين الثاني عشر، والثالث عشر من هذا الميثاق، كل ذلك مع مراعاة القيود التي تستدعيها الاعتبارات المتعلقة بالأمن، والاعتبارات الدستورية".
3. أهداف نظام الوصاية:
يهدف نظام الوصاية إلى عدة مبادئ سامية حددتها المادة (76) وهي:
أ. توطيد السلم والأمن الدولييْن.
ب. العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة، والاجتماع، والاقتصاد، والتعليم، واطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال، حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات الشعوب التي تعرب عنها بـملء حريتها، وطبقاً لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية.
ج. التشجيع على احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع، بلا تمييز بسبب الجنس، أو اللغة، أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من تقيد بعضهم بالبعض.
د. كفالة المساواة في المعاملة في الأمور الاجتماعية، والاقتصادية، والتجارية لجميع أعضاء "الأمم المتحدة" وأهاليها، والمساواة بين هؤلاء الأهالي أيضا فيما يتعلق بإجراء القضاء، وذلك مع عدم الإخلال بتحقيق الأغراض المتقدمة، ومع مراعاة أحكام المادة (80).
ومما سبق يتضح أن نظام الوصاية يُعد نظاماً انتقالياً، يهدف إلى الوصول والانتهاء بالاستقلال بشرط توفر الظروف المناسبة لذلك.
4. وظائف مجلس الوصاية واختصاصاته:
أ. النظر في التقارير التي ترفعها السلطة القائمة بالإدارة.
ب. قبول العرائض، وفحصها بالتشاور مع السلطة القائمة بالإدارة.
ج. تنظيم زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية في أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة بالإدارة.
د. وضع اتفاقات الوصاية التي يصادق عليها مجلس الأمن (المناطق الإستراتيجية)، أو الجمعية العامة (المناطق غير الإستراتيجية).
هـ. طرح مجموعة من الأسئلة عن تقدم سكان كل إقليم مشمول بالوصاية في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، والنظر في التقارير السنوية المرفوعة من قبل السلطة القائمة بالإدارة إلى الجمعية، والمحتوية على بيان هذه الأسئلة.
5. الأقاليم المشمولة بالوصاية
يسري نظام الوصاية على الأقاليم التي يوقع بشأنها اتفاق وصاية بين "الأمم المتحدة" والدولة التي تتولى الإدارة، كما نصت المادة (77) من الميثاق، على أن تكون من الأقاليم الآتية:
(أ) الأقاليم التي كانت مشمولة بالانتداب.
(ب) الأقاليم التي تقتطع من دول الأعداء نتيجة الحرب العالمية الثانية.
(ج) الأقاليم التي تضعها تحت الوصاية بمحض اختيارها دولة مسؤولة عن إدارتها.

المبحث الثامن : نشاط هيئة الأمم المتحدة في حفظ السلام
السلام العالمي هو الغاية الكبرى التي من أجلها أُنشئت هيئة الأمم المتحدة. وذلك، على نحو ما ورد في ديباجة الميثاق، وفيها: "أن نضم قوانا كي نحافظ على السلم والأمن الدولييْن"، وتتضمن جهود الأمم المتحدة، للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ثلاث مهام رئيسية، هي: صنع السلام، وحفظ السلام، وفرض السلام.
أولاً: صنع السلام .
ثانياً: حفظ السلام .
ثالثاً: فرض السلام .

بعض الأمثلة لنشاط الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدولييْن:
1. الصراع في كشمير .
2. الصراع في كوريا .
3. أزمة الكونغو .
4. اليمن .
5. الأزمة الكوبية .
6. مشكلة قبرص .
المبحث التاسع : فلسطين والامم المتحدة
منحت الامم المتحدة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بعد تصويت تاريخي في الجمعيةالعامة، وصوتت لصالح الطلب الفلسطيني 138دولة فيما عارضته 9 دول وامتنعت 41دولة عن التصويت.
اصبحت فلسطين دولة مراقبا في الامم المتحدة وذلك بعد عملية تصويت تاريخية في الجمعية العامة للامم المتحدة هلل اثرها الفلسطينيون في رام الله وغزة وعارضتها الولايات المتحدة واسرائيل اللتين حذرتا من تداعيات هذه الخطوة
وباغلبية 138 دولة مقابل 9 ضد وامتناع 41 دولة عن التصويت وافقت الجمعية العامة للامم المتحدة على رفع التمثيل الفلسطيني الى صفة "دولة غير عضو مراقب" بعدما كان حتى الان "كيانا" مراقبا.
إقامة دولة فلسطين مستقلة وذات سيادة هو حق طبيعي وتاريخي وقانوني للشعب الفلسطيني يكفله القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وبحسب القانون الدولي فإن للشعوب الحق السيادي في إعلان الاستقلال وإقامة الدولة. اعتراف الأسرة الدولية، ممثلة بالأمم المتحدة، بحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره هو موقف دولي رسخ في قرارات عدة من ضمنها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (3236) و (2649) و (65/455) والتي أكدت أن حق الفلسطينيين في تقرير المصير هو حقٌ غير قابل للتصرف، وأن من حق الشعب الفلسطيني إقامة دول " مستقلة وذات سيادة". كما أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (2672) على أن احترام حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف يشكّل جزءًا حيوياً من التوصل إلى سلامٍ عادلٍ ودائمٍ في الشرق الأوسط. وفضلاً عن ذلك، أقرّت محكمة العدل الدولية في فتواها الاستشارية الصادرة في العام 2004 بشأن تشييد جدا
الاعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967 هو استثمار في السلام وهو قرارٌ سياديٌ لكل دولةٍ بعينها. وتعترف 128 دولة بدولة فلسطين على حدود 1967 بما فيها 9 من أصل العشر دول ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم. شعوب هذه الدول مجتمعة تشكل 75% من إجمالي سكان العالم. ويرسخ الاعتراف بدولة فلسطين ودعم انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة عدم أحقية إسرائيل بأي جزء من الأرض التي احتلتها في العام 1967 وهذا يتفق مع قرار مجلس الأمن 242 والذي أكد على عدم أحقية الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. تأييد فلسطين في طلبها يمثل خطوة سلمية تساهم في تطبيق القانون الدولي وتعيد التأكيد على التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين.

هذا ويشكل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره أحد القواعد الآمرة التي يتعيّن على الدول احترامها وهو حقٌّ يشمل الناس أجمعين، ممّا يُلزِم أعضاء الأسرة الدولية الاحتكام إليه والاسترشاد به في أفعالها. هذا وقد اعترفت الأمم المتحدة تكراراً أن للشعب الفلسطيني الحق في حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة. ولهذا يجب إتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني وتمكينه من " تقرير وضعه السياسي وحريته في السعي لتحقيق نمائه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي"، وذلك على نحو يتفق مع المادة الأولى المشتركة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمواثيق الدولية الأخرى.
تعترف 128 دولة بدولة فلسطين وهذا العدد يتزايد كلَّ يوم. وجاءت معظم الاعترافات بعد إعلان المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية استقلال فلسطين في عام 1988. في ذلك الوقت، أكدت منظمة التحرير الفلسطينية بشكل لا يترك مجالاً للشك أن هذا الإعلان لا يؤثر أو يغير من الحقوق المشروعة للاجئين الفلسطينيين أينما كانوا، بما في ذلك العودة والتعويض أو وضع القدس الشرقية المحتلة أو أي حق آخر.
وتتمتع فلسطين بالعضوية الكاملة في عديد من الهيئات الإقليمية والدولية فهي عضو كامل العضوية في جامعة الدول العربية وتمثيلها في هذه الهيئة هي لجميع الفلسطينيين. وتتمتع فلسطين أيضاً بالعضوية الكاملة في حركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة ال 77. وتمثل فلسطين حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني في جميع هذه الهيئات.
الأمم المتحدة هي المنظمة الدولية التي تمثل المجتمع الدولي. ومنذ العام 1974، كان الشعب الفلسطيني مُمثلاً في هذه المنظمة من خلال ممثلهم الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكن هناك في أي وقت من الأوقات تقسيم أو تمييز في تمثيل الشعب الفلسطيني في هذه المنظمة حيث كانت وستبقى جميع شرائح وتجمعات الشعب الفلسطيني – من يرزح تحت الاحتلال والتجمعات في مخيمات اللجوء وأولئك الذين يعيشون في المنافي ممثلةً في الأمم المتحدة عبر منظمة التحرير.
وبهذا، يكون الحصول على تأكيد على الاعتراف القائم بفلسطين متماشياً مع موقف منظمة التحرير الفلسطينية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
في 15 نوفمبر / تشرين الثاني، أعلن المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو أعلى سلطة تشريعية في المنظمة استقلال فلسطين على الأرض التي احتلتها اسرائيل في العام 1967. وقد اعتبر هذا الاعلان تاريخيا حيث أنه جسد قبول المنظمة بحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. هذا وقامت حوالي 100 دولة بالاعتراف بدولة فلسطين في حينه.
فلسطين تستوفي كافة الشروط المنصوص عليها في معاهدة مونتفيديو للعام 1933 عن حقوق وواجبات الدول فشعبنا الفلسطيني هو الشعب الذي أقام بشكل دائم على أرضنا وقد اعترفت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً بحقه في تقرير مصيره وكذلك محكمة العدل الدولية في عام 2004.و يعترف العالم بحقنا بأرضنا على حدود عام 1967 رغم الاحتلال الإسرائيلي لها. وكذلك لدينا القدرة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى ولدينا سفارات وبعثات دبلوماسية في أكثر من 100 دولة.
دولة فلسطين تستوفي أيضاً شروط العضوية في الأمم المتحدة فهي دولة محبة للسلام وملتزمة بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة ولديها القدرة والرغبة بتطبيق هذه الالتزامات. ولا توجد شروط أخرى للعضوية في الأمم المتحدة ويمكن لفلسطين أن تكون عضواً في الأمم المتحدة بالرغم من وجودها تحت الاحتلال.
مع أن الحصول على العضوية في الأمم المتحدة لن تزيل الاحتلال العسكري الاسرائيلي عن الأرض الفلسطينية بشكل فعلي، يؤمن الفلسطينيون أن هذه خطوة حيوية وستساهم بشكل مباشر في إنهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق الفلسطينية. ويشكل التوجه الى الأمم المتحدة للحصول على العضوية نقلة نوعية تعيد الاعتبار للقانون الدولي كعنصر أساس في مساعي السلام في المنطقة وستنهي أي نقاش أو تشكيك فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية وحدودها.


بل على العكس، فالاعتراف الدولي وعضوية الأمم المتحدة تقرب الفلسطينيين من الحرية وترسخ الحل على أساس الدولتين وهي الصيغة التي يتفق المجتمع الدولي أنها السبيل للسلام في المنطقة. وتعزز هذه الخطوة فرص الوصول إلى حل عادل وشامل على أساس المرجعيات الدولية المتفق عليها من خلال التأكيد على القرارات الدولية ذات العلاقة مثل قرار مجلس الأمن 242. وتنسجم هذه الخطوة أيضاً مع مبادرة السلام العربية، والتي تم تبنيها من قبل مؤتمر التعاون الإسلامي، التي تعد بالاعتراف العربي بإسرائيل وعلاقات دبلوماسية طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل حال إنهاء احتلالها للأراضي العربية الذي بدء عام 1967 والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين. وبهذا، سيشكل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ترسيخاً لهذه المرجعيات وحماية لحل الدولتين.

الحراك الفلسطيني من أجل الحصول على اعتراف دولي وعضوية في الأمم المتحدة لا يؤثر على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك ، فإن هذه الخطوة لا تؤثر على قدرة المنظمة في تعزيز الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني وحمايتهم. اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين لا يمكن ولن يغير في حد ذاته القوانين الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وحده الشعب الفلسطيني الذي يملك شرعية تحديد الكيفية التي سيحكم بها نفسه. وخيار الشعب الفلسطيني وقيادته هو الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها صاحبة الولاية في الحكم. وحده الشعب الفلسطيني الذي يختار مصيره وعلاوة على ذلك، فان الشعوب هي التي تمتلك حرية تحديد الهياكل السياسية للحكم. هذا هو حق الشعب الفلسطيني وقراره ولهذا السبب، لا يمكن لأي مبادرة في الأمم المتحدة تتعلق بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة الفلسطينية أن "تنهي" منظمة التحرير الفلسطينية.
تجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين حافظوا على مكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية عندما قام الذراع التشريعي، ممثلا بالمجلس الوطني الفلسطيني، بإعلان استقلال فلسطين في عام 1988 وأنشأت منظمة التحرير الفلسطينية في حينه الحكومة المؤقتة لفلسطين.

هذا وقد أكد ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وإعلان استقلال فلسطين عام 1988 وعلى حماية الحقوق الوطنية الفلسطينية ودور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثل الشعب الفلسطيني، سواء داخل الأرض الفلسطينية المحتلة (بما في ذلك ما يقرب من 2 مليون لاجئ مقيمين في الأرض الفلسطينية المحتلة نفسها بين الضفة الغربية ، بما في ذلك القدس الشرقية ، وقطاع غزة) أو في الشتات.
وبالرغم من تغيير مسمى منظمة التحرير ووضعها التمثيلي في الأمم المتحدة في العامين 1988 و 1989 إلى "فلسطين"، لم يكن هناك أي شك في أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المنظمة التي تمثل كل الفلسطينيين، أينما كانوا، في المنظمة الدولية في المنظمة الدولية وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن التشريع في السلطة الوطنية الفلسطينية (السلطة الفلسطينية) يؤكد أن السلطة الفلسطينية هي سلطة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وتستمد شرعيتها وولايتها من منظمة التحرير الفلسطينية. وبالتالي، لا يمكن للسلطة الوطنية الفلسطينية أن تحلَّ محل منظمة التحرير الفلسطينية كممثل لدولة فلسطين ولا تستطيع السلطة الفلسطينية حل أو تغيير منظمة التحرير الفلسطينية، تماما مثلما لا يمكنها أن تفترض أدواراً ووظائف لم تُمنح لها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية.

أي ادعاء بأن المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة ستغير بأي شكل من الأشكال أو تلغي حقوق اللاجئين لا أساس لهه من الصحة. الحق في تقرير المصير وهو في صميم الطلب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، هو واحد من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية وغير القابلة للتصرف. بالإضافة إلى ذلك، فنيل أحد الحقوق الوطنية لا يلغي الحقوق الأخرى. إن حق الشعب الفلسطيني في العودة هو حق فردي وجماعي منصوص عليه في عديد من قرارات الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن الحق في الاستقلال وتقرير المصير هو حق وطني وسيادي وغير قابل للتصرف وقد كرسته العديد من قرارات الأمم المتحدة ونصوص القانون الدولي. وينطبق الشيء نفسه على جميع الحقوق الوطنية والإنسانية الأخرى.


ولا ينفي الاعتراف بدولة فلسطين الحقوق أو الوضع القانوني أو مطالبات اللاجئين الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتراف بدولة فلسطين لا ينفي الحاجة إلى التوصل إلى حل عادل وشامل لقضية اللاجئين. هذا غير ممكن. إن التوصل إلى حل عادل ودائم على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولا سيما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194. وتشكل قضية اللاجئين أمراً جوهرياً بالنسبة للشعب الفلسطيني وأولوية على الصعيد الإقليمي تخص الدول المجاورة لفلسطين التي استضافت اللاجئين الفلسطينيين منذ أكثر من ستة عقود، لا سيما الأردن ولبنان وسوريا.

أخيراً، يجدر التذكير أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أكدوا مرارا وتكرارا على حقوق الشعب الفلسطينية غير القابلة للتصرف بما فيها حقه في تقرير المصير وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض طوال أكثر من ستة عقود من التشريد والتشتت الفلسطيني. ويتم التأكيد على هذه الحقوق في أكثر من 14 قرارا يتم تبنيهم بغالبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل سنوي.

إن الاعتراف بدولة فلسطين يتماشى مع جوهر الأسس التي تستند إليها إعلان المبادئ واتفاقية أوسلو الانتقالية، بما يشمل مبدء حل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرارين 242 و338. وقد قامت إسرائيل بتقويض هذه المرجعيات والأسس من خلال خطواتها الأحادية، بما فيها تواصل البناء غير الشرعي في المستوطنات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة وخاصة في القدس الشرقية.

على العكس من ذلك تماماً فالذهاب إلى الأمم المتحدة، وهي التي تمثل صوت العالم، هي خطوة جماعية بامتياز. فلسطين ذهبت إلى العالم لإشراكه في إيجاد حل يحمي السلام في المنطقة. من هنا، لا يمكن اتهام الفلسطينيين باتخاذ خطوة أحادية.
ولكن الواقع يؤكد أن إسرائيل – القوة القائمة بالاحتلال - هي من يسعى إلى تغيير الوضع القانونيّ والفعليّ للأرض الفلسطينية المحتلة من خلال خطواتها غير القانونية المتمثلة باستمرار الاستيطان غير الشرعي على الأرض الفلسطينية المحتلة بالإضافة إلى الجدار غير الشرعي وضم الأراضي الفلسطينية وغيرها من السياسات والإجراءات الأحادية. هذا وقد تضاعف تعداد المستوطنين الإسرائيليين من 236,000 مستوطنٍ في العام 1993 إلى ما يربو على 500,000 مستوطنٍ في أيامنا هذه. ومن الشواهد الأخرى التي تتجلّى فيها المحاولات التي تبذلها إسرائيل لتغيير وضع الأرض الفلسطينية المحتلة ضمّ القدس الشرقية والأراضي والمنطقة الحرام وإغلاق منطقة الأغوار والبحر الميت ومنع المواطنين الفلسطينيين من الوصول إليهما. وتعتبر الأسرة الدولية كل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير قانونية وعقبات أمام السلام.

الكثير من الدول التي تعترف بدولة فلسطين، مثل جمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية تعترف أيضاً بإسرائيل وتقيم معها علاقات متينة. وقد اعترف الفلسطينيون بإسرائيل في العام 1993 ولكن إسرائيل لم تبادلهم الاعتراف حتى الآن.
في المقابل، تعتبر الأسرة الدولية سياسات إسرائيل الاحتلالية العدوانية والأحادية الجانب غير شرعية ولا تعترف بها أو بما نتج عنها من تغييرات على الأرض. ويبدو جلياً للفلسطينيين أن سياسات وممارسات إسرائيل على الأرض منذ أربعة وأربعين عاماً من الاحتلال ترتقي إلى الضم الفعلي للأرض الفلسطينية وهذا أيضاً إجراء غير شرعي.

يدرك الفلسطينيون أن إنهاء الصراع يتطلب من الطرفين التوصل إلى اتفاق سلام شامل يعالج كافة القضايا العالقة بما يشمل حق اللاجئين في العودة والأمن والمياه وغيرها حالما يتوفر شريك إسرائيلي جدي.
المفاوضات ليست هدفا بحد ذاتها ولكنها الطريقة السلمية التي تتفق الدول الحضارية بما فيها فلسطين أنها الأسلوب الصحيح لحل النزاعات والصراعات. فلسطين ملتزمة التزاما مبدئياً بالتوصل لحل نهائي للصراع بشكل سلمي.

بدأت أعمال الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول وعليه، يشكل أيلول بداية عملية نيل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. ويتعين التنويه أنه لا توجد فترة زمنية محددة لعملية الحصول على العضوية حيث تمكن بعض الأعضاء من الحصول على العضوية بعد أيام من تقديم الطلب بينما تطلب إكمال الإجراءات فترة أطول بكثير في حالات أخرى.
فلسطين لديها خيارات كثيرة، بما في ذلك تكرار عملية طلب العضوية العديد من المرات. هذا ينسجم مع سوابق عدة في الأمم المتحدة. في الواقع، كان العديد من أعضاء الأمم المتحدة الحاليين قد اضطروا إلى تكرار طلب العضوية عدة مرات قبل الحصول على موافقة مجلس الأمن. في بعض الحالات ، مثل اليابان وايرلندا والبرتغال والأردن، استعمل حق النقض ضد طلب انضمامه مرارا.


المصادر والمراجع
أولاً: المراجع العربية
1. "الأمم المتحدة والنظام الدولي" السياسة الدولية، العدد (84) أبريل 1986.
2. إبراهيم شلبي، "التنظيم الدولي- النظرية العامة والأمم المتحدة"، الدار الجامعية، 1987.
3. إبراهيم نصر الدين: ناميبيا وقضية الاستقلال الصعب، السياسة الدولية، العدد 94، أكتوبر 1988.
4. إسكندر الديك، "اليونسكو والصراع الدولي حول الإعلام والثقافة"، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت، 1993.
5. ألفت أغا، وآخرون، "الأمم المتحدة في خمسين عاماً"، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 1996.
6. الأمم المتحدة والفصل العنصري 1948-1994، سلسلة الكتب الزرقاء، المجلد الأول، إدارة شؤون الإعلام، نيويورك، 1995.
7. بطرس بطرس غالي، الحكومة العالمية، دار المعارف (كتاب أكتوبر) القاهرة، 1992.
8. بطرس غالي: ملحق لخطة السلام: ورقة مقدمة من الأمين العام بمناسبة الاحتفال بالذكري السنوية الخمسين لإنشاء الأمم المتحدة (3 يناير 1995)، ملحق السياسة الدولية، إبريل 1995.
9. حسن نافعة، "الأمم المتحدة في نصف قرن- دراسة في تطور التنظيم الدولي منذ 1945"، سلسلة عالم المعرفة 202، أكتوبر 1995.
10. حسن نافعة، "العالم الثالث في التنظيم الدولي"، السياسة الدولية، العدد (80)، أبريل 1985.
11. حسن نافعة، "العرب واليونسكو" سلسلة عالم المعرفة 135، مارس 1989.
12. طلال محمد نور عطار، "هيئة الأمم المتحدة منذ النشأة وحتى اليوم"، الطبعة الأولى، جدة، 1993.
13. عبدالله الأشعل، "الأمم المتحدة والعالم العربي في ظل تحول النظام الدولي"، القاهرة، 1997.
14. كشاف الأمم المتحدة ومنظماتها، الإدارة العامة للشؤون السياسية الدولية، إدارة المنظمات الدولية، جامعة الدول العربية، 1998.
15. محمود سلام زناتي، "حقوق الإنسان- مدخل تاريخي"، 1992.
16. مصطفى سلامة حسين، "الأمم المتحدة، الأسس- الهيكل التنظيمي- النشاطات"، شركة دار الإشعاع للطباعة، القاهرة، 1986.
17. مفيد شهاب، "المنظمات الدولية"، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة العاشرة، 1990.



#سمر_أبوركبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة ...-الدولة والانتصار-
- أرحموا قضيتنا من صراعاتكم
- الصمت العربي يدمر القدس
- حركة فتح ومسيرة النظال
- مبروك فلسطين- دولة مراقب غير عضو-
- عولمة حقوق الإنسان والهندسة السياسية


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سمر أبوركبة - فلسطين و الأمم المتحدة