أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - لطفي حداد - بحث في الأصولية الدينية















المزيد.....


بحث في الأصولية الدينية


لطفي حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1142 - 2005 / 3 / 20 - 13:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هي رفض الآخر المختلف، وادعاء امتلاك الحقيقة الكاملة وامتلاك الله.. وبسبب ذلك تبرر لذاتها الأعمال العنيفة وإنهاء الآخر بطرق قاسية لتطهير العالم من كل ما هو مختلف عن ذلك التيار الحامل للحقيقة.
ورغم الانفتاح الثقافي داخل أوروبا وأميركا إلا أن هناك تيارات أصولية مخيفة يمكن أن تدمر تلك المجتمعات. وينطبق مفهوم التيار الأصول المدمر على كل الثقافات بما فيها الهندية والصينية وبالتأكيد العربية والإسلامية.
الأصولية الشيوعية:
هيمنت على مناطق واسعة في العالم لمدة تزيد عن نصف قرن وكانت كتابات فلاديمير لينين وكارل ماركس بمثابة الكتاب المقدس للشيوعيين. وقد دعت الأصولية الشيوعية إلى الإلحاد وأغلقت المساجد والكنائس وحولتها إلى أندية.
الأصولية الرأسمالية:
ويرى مفكروها أن الحل الأمثل للمشاكل الإنسانية هو الإيمان بالقوى الاقتصادية التي تحرك الأسواق العالمية. وقد استطاعت مؤسسات عالمية كبيرة في أميركا وبريطانيا وألمانيا وكندا أن ترسم استراتيجية عمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأن تسيّر اقتصاديات دول العالم الثالث.
أصولية مسيحية، صهيونية مسيحية:
يقول ميلتون في قصيدته (الفردوس المفقود):
"إن الله سيشق لليهود طريق البحر ليعودوا فرحين مسرورين إلى وطنهم، كما شق لهم طريق البحر الأحمر ونهر الأردن عندما عاد آباؤهم إلى أرض الميعاد".
وكتب تشارلز تشرشل عام 1841م، وهو أحد أنصار الصهيونية المسيحية، رسالة إلى رئيس المجلس اليهودي في لندن يقول:
"إن استعادة اليهود لوجودهم كشعب في فلسطين أمر ميسور إذا توافر عاملان اثنان: أولهما أن يتولى اليهود أنفسهم وبالإجماع طرح موضوع العودة على الصعيد العالمي، وثانيهما أن تبادر القوى الأوروبية إلى دعمهم تحقيقاً لهذا الهدف".
وهذه الرسالة من الدعوات الأولى لقيام الصهيونية اليهودية.
* * *
عبر القرون الماضية كان هناك دائماً بين الأميركيين الإنجيليين هاجس التشبه بإسرائيل العهد القديم.. فقد اعتبروا العالم الجديد بمثابة كنعان الجديدة ورأوا في ملك بريطانيا آنذاك جيمس الأول فرعوناً جديداً يضطهدهم وهكذا فبريطانيا التي هربوا منها تشبه مصراً.. واقترح الرئيس جيفرسون اتخاذ رمز لأميركا يمثل أبناء إسرائيل تظللهم غيمة في النهار وعمود من النور في الليل (كما ورد في سفر الخروج في التوراة).
في القرن التاسع عشر كتب القس "وليم بلاكستون" (1841 – 1935) وهو من أبرز دعاة قيام إسرائيل في فلسطين، كتب كتابه "المسيح آتٍ" الذي صدر عام 1878م. وفيه يقترن مجيء المسيح الثاني أو عودة المسيح إلى الأرض بعودة اليهود إلى أرض فلسطين. واعتبره اليهود أب الصهيونية الأميركية لتشديده على عودة اليهود إلى أرضهم.
* * *
يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 200 طائفة داخل المذهب البروتستانتي وهم بحدود مئة مليون أميركي.. وأكثر هذه الطوائف تشدداً في مفهوم عودة اليهود (صهيونية مسيحية) هي الطائفة التدبيرية (Indispensationalism) وأشهر دعاتها بات روبرتسون المبشر التلفزيوني المعروف، وجيري فالويل، وجيم بيكر، وآخرون.. وجميعهم يبشرون بعودة المسيح بعد إعادة بناء هيكل سليمان..
وبعضهم يرسمون تلك العودة على شكل حرب عظيمة بين الخير المطلق والشر المطلق ويسمونها "هرمجدون" حيث تتعرض إسرائيل لهجوم عنيف من الشعوب المجاورة (المسلمين) ويتحول 144 ألف يهودي إلى المسيحية ينتشرون لتحويل بقية الشعوب إلى المذهب الإنجيلي، وحين تبدأ الحرب يرتفع المؤمنون فوق أرض المعركة بينما تذوب البشرية الخاطئة في أتون المعركة، بعدها ينزل المسيح ومعه المؤمنون ويسودون الأرض لمدة ألف عام حتى قيام الساعة.
طبعاً يستغرب البعض كيف يمكن لملايين الناس من الشعب الأميركي أن يصدقوا أو حتى يستمعوا لهذه الأحاديث.. للأسف إنهم يعدون بالملايين!!
وإن هؤلاء المبشرين الإنجيليين يتدخلون في السياسة الأميركية إلى حد كبير ويجمعون التبرعات لتغذية صندوق الصهيونية المسيحية.
* * *
تعد المنظمات المسيحية الصهيونية بالعشرات منها ما يهتم بتمويل بناء المستوطنات اليهودية كالمصرف الأميركي المسيحي من أجل إسرائيل The American Christian Trust for Israel أو نشر البيانات المؤيدة لإسرائيل مثل مؤتمر القيادة الوطنية المسيحية من أجل إسرائيل The National Christian Leadership Conference for Israel ومنظمة الرعويات الإنجيلية TAV Evangelical Ministiers.
لكن في الوقت نفسه هناك منظمات معارضة مثل المجلس الوطني لكنائس المسيح “National Council of the chamber of Christ” ويضم 34 طائفة وهو متعاطف مع الفلسطينيين وضد قيام إسرائيل والصهيونية المسيحية.
* * *
كان موقف الكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية واضحاً منذ البداية فبعد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 ظهر بيان كنسي يقول:
لقد مرت 1827 سنة على تحقيق نبوءة المسيح بدمار القدس أما فيما يتعلق بإعادة بناء القدس بحيث تصبح مركزاً لدولة إسرائيلية فيتحتم علينا أن نضيف أن ذلك يتناقض مع نبوءات المسيح الذي أخبر مسبقاً بأن القدس سوف تدوسها عامة الناس حتى نهاية الزمن.
وفي رسالة بعثها البابا بيوس العاشر إلى ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قال:
لا نستطيع أبداً أن نتعاطف مع هذه الحركة. نحن لا نستطيع أن نمنع اليهود من التوجه إلى القدس لكننا لا يمكن أبداً أن نقرّه.
وبعد صدور وعد بلفور صرح البابا بنديكت الخامس عشر قائلاً: لا لسيادة اليهود على الأرض المقدسة.
كما صرح البابا بيوس الثاني عشر في أيار 1948 قائلاً: "في الوقت الحاضر هناك قضية أخرى تحزننا وتدمي قلوبنا: إننا نعني بذلك قضية الأماكن المقدسة في فلسطين التي تعرضت لأحداث محزنة تؤدي يومياً إلى عمليات قتل وتدمير. فإذا كان هناك جزء من العالم عزيز على ضمير كل إنسان واعٍ ومتحضر فإن هذا الجزء هو فلسطين.
وحتى الآن لم يعترف الفاتيكان بإسرائيل اعترافاً قانونياً.
أما الكنيسة الأرثوذكسية فموقفها مشابه.. ففي بيان عن مجلس كنائس الشرق الأوسط (الذي يضم ممثلين من الطوائف الثلاث في الشرق الأوسط) صدر كرد على اجتماع الصهيونية المسيحية الدولية في بال 1985، أدان ممثلو المجلس "استثمار المشاعر الدينية في محاولة لإضفاء صبغة قدسية على إنشاء دولة" وأعلنوا الالتزام بالعدالة والسلام في الشرق الأوسط والعالم و"ليس للمسيحية أي علاقة بهذه التُّرهات أي معركة هرمجدون وعودة المسيح..".
"إن التاريخ أشد تعقيداً، والحياة البشرية والمجتمع الإنساني أكثر تنوعاً وهذا التنوع هو أثمن من أن يختصر في خطة شاملة واحدة.
ومهما كان معنى الإيمان بالمسيح، فإنه لا يعني تهميش تاريخ الإنسانية غير اليهودي وغير المسيحي وتحقيره".
* *
التبشير والتنصير
إذا كان من حق أي دين أن ينشر دعوته الإيمانية في قلوب الجميع فإن هذا الحق يتوقف عند حدود الحرية الشخصية.. لذلك فإن استخدام العنف المادي أو الفكري أو العسكري أو استعمال الإغراء المجبر على التغيير كالدعم المالي أو تأمين متطلبات الحياة مقابل التحول الديني، كل ذلك يعتبر إهانة لكرامة الإنسان وتحديداً لحريته التي يجب أن لا تكون مقيدة.
عبر القرون الماضية كان هناك دائماً تجاوزات من قبل المسيحيين والمسلمين لفهم الدعوة الإيمانية وغالباً ما تحولت إلى عمليات تبشيرية عنيفة.
لن أتحدث عن الخبرات المسيحية الكثيرة المخجلة عبر التاريخ، ولن أذكر المحاولات الإسلامية لتحويل المسيحيين في الشرق أو الغرب إلى الإسلام، وسأقتصر على نموذج واحد من التبشير العنيف أو التنصير الإكراهي المرتبط بالقوى السياسية والعسكرية بشكل واضح.
ففي الجزائر بدأ الاحتلال الفرنسي عام 1830 باحترام دين الجزائريين وعاداتهم وتقاليدهم.. لكنه سرعان ما بدأ باستقبال المرشدين الدينين الذين وجدوا في الاحتلال العسكري فرصة لنشر طقوسهم على أنقاض الإسلام. وإذا كان الأسقف لافيجري يذكر بالخير من الجانب المسيحي التقليدي إلا أنه بالتأكيد من الأشخاص الذين عملوا على تغيير الحياة الثقافية والدينية في الجزائر بشكل إكراهي عن طريق المغريات المادية والمشاريع التي أسسها.
ففي عام 1874 أسس جمعية من الأخوة الذين يرتدون اللباس العربي لتأكيد انثقافهم في المجتمع الجزائري والذين سموا بالآباء البيض. وكان لافيجري يبرر مشروعه التنصيري بكون المجتمع الجزائري متخلفاً من الناحية الأخلاقية والثقافية، وسرعان ما بدأ يسعى لتوسيع عمله التبشيري إلى تونس بعد احتلالها عام 1891..
وأنشأ لافيجري قرى مسيحية أسكن فيها عائلات عملت في الزراعة والصناعات المحلية إلا أنها فشلت بسبب معارضة الإدارة الفرنسية في الجزائر خشية نشوب حرب عنيفة بين المبشرين والمسلمين، وكذلك بسبب الجزائريين المسلمين الذين عارضوا هذه المشاريع قائلين "إننا نفضل موت جميع أولادنا على تنصيرهم"..
* * *
ملاحظات عامة:
بدأت النزعات الأصولية في الدين المسيحي بالظهور منذ منتصف القرن السادس عشر بين أتباع المذهب البروتستانتي في أوروبا، وهذه اليقظة البروتستانتية الأصولية هي التي أيقظت الوعي القومي اليهودي الذي شكل الأيديولوجية الصهيونية. وانتشرت الأيديولوجية الصهيونية المسيحية اليهودية في أوروبا وأميركا مؤثرة بشكل هائل في الحياة السياسية هناك وفي منطقة الشرق الأوسط.
إن الاتكاء على العهد القديم من الكتاب المقدس من قبل أتباع وأصحاب هذه الأيديولوجية قد سوّغ الكثير من القتل والدم والتشريد بحجة "عودة شعب الله إلى بلده لتحقيق النبوءات وعودة المسيح ونهاية العالم".. فهناك الملايين، خصوصاً من الأميركيين تؤمن بأن هذه هي مشيئة الله وهذا هو وعده لشعبه المختار".
ازدادت الأمور تفاقماً في العقود الثلاثة الماضية بعد انهيار الأيديولوجيات الأخرى وظهور الأصوليات الدينية المسيحية واليهودية والإسلامبة.
* * *
إن الأفكار المسيحية الأصولية بدأت مع "الإصلاح اللوثري" الذي أدخل إلى المسيحية الاهتمام الشديد بالعهد القديم أو التوراة وكان لوثر نفسه يظن أن القيامة على الأبواب، وراح يقرأ التاريخ انطلاقاً من نبوءات التوراة وعلاقة الشعب اليهودي بالله... وهذه الفكرة "أي أن التاريخ أداة لتنفيذ هدف سماوي" قد تغلغلت في التفكير الغربي وأثرت في كثير من القرارات السياسية مثل وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا (1916 – 1919)، الذي كان متدنياً ويؤمن بأن المسيحية "مدينة لليهودية ديناً لا يُقدَّر"، وكان بلفور يحقق "وعد الله لإبراهيم بإعطائه أرض كنعان ميراثاً أبدياً له ولأبنائه" ناسياً أن أبناء إبراهيم هم اليهود والمسيحيون والمسلمون.
* * *
إذن بدأت الظاهرة الأصولية المسيحية في القرن السادس عشر، وفيما كانت البروتستانتية تطالب بالتحرر من تقاليد الكنيسة الكاثوليكية وسلطة روما والبابا، كانت أيضاً تدعو إلى العودة إلى حرفية الكتاب المقدس والتمسك به كسلطة عليا، ومع ترجمته إلى لغات متعددة، دخل حياة الناس العاديين أكثر وبشرح دقيق ومدروس من قبل الوعاظ البروتستانيتين فهم معظم الغرب المسيحي أن عودة الشعب العبراني إلى الأرض التي أعطيت له كميراث هي الخطوة الأولى نحو مجيء المسيح. لكن الوعد يشمل مساحة كبيرة بين نهر النيل ونهر الفرات!! وابتدأت فكرة إسرائيل.
ونمت الأفكار الأصولية مع الزمن رويداً رويداً ودخلت إلى عقول كبار المفكرين والكتاب، وبالتأكيد السياسيين والرؤساء، ونشأت مذاهب متفرقة أشدها تطرفاً مذهب البيوريتانية (التطهرية) الذي ساد في بريطانيا في القرن السابع عشر، وفي القرن التاسع عشر استولدت الظروف السياسية في المملكة البريطانية فكرة إيجاد دولة في الشرق الأوسط لحماية مصالحها هناك فكانت فكرة إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين، وكان التفكيران الديني والسياسي يلتقيان بخصوص الشعب اليهودي وقد لمعت بعض الأسماء من المسيحيين المتصهينين أمثال اللورد شافتسبري (1801 – 1885) واللورد بالمرستون (1784 – 1865)، وتشرشل (1814 – 1877).
* * *
وفي أميركا، كان الكثيرون من الرواد الأوائل يحملون الأفكار البروتستانتية الأصولية وقد انعكس ذلك على أسماء الكثير من المستوطنات التي أصبحت ولايات أميركية بعد ذلك، وفي نمو عدد من الطوائف الأصولية كالإنجيليين المتجددين، والمعمدانيين المحافظين، وحواريي المسيح، وجمعيات الله، وكنيسة المسيح، ... وهناك الآن حوالي 70 مليون أميركي من المحافظين الجدد New Conservative الذين "ولدوا من جديد" بالمسيح والإنجيل، وهم يؤمنون بلاهوت القيامة والمعركة الحاسمة بين الخير والشر في هرمجدون ويستشهدون بسفر دانيال، ونبوءة حزقيال، ورؤيا يوحنا.
ويشكل الإنجيليون الجدد الجناح المحافظ للكنيسة البروتستانتية.
ومن المبشرين المشهورين في الجماعات الأصولية نذكر المبشر وليم بلاكستون، والقس بيلي غراهام، والقس هال ليندسي، والقس جيري فالويل.. وإن سماع أو قراءة مواعظهم عن "المسيح الآتي" يجعل أي إنسان "إنساني" أو "مؤمن" من أي دين ولو لم يسمع بالمسيح، يشك بهذا المخلص الآتي. فبالنسبة لهم سيدمر المسيح الأرض ويحرق السكان وسيموت ملايين بل مليارات الناس و"سيبلغ الدم شكائم الخيل لمسافة 200 ميل من القدس" وستنمحي بلاد بكاملها.. وبعدها سيعتنق المسيحية ثلث اليهود المتبقين (لأن ثلثيهم سيقتل في معركة هرمجدون) وهم 144 ألف شخص. وهكذا تقرأ الأصولية آيات من كتب عمرها أكثر من ألفي عام.. فهؤلاء الوعاظ يرتكزون على نبوءة حزقيال خصوصاً الفصلين 38 و39 ويقرأونهما كوصف لحرب نووية تفني أهل الأرض وتبقي على "المختارين".
تصل أصوات هؤلاء الوعاظ إلى الملايين من الشعب الأميركي وهم يشكلون الثقافة الدينية الشعبية لدى ثلث أو نصف الأميركيين.
الأصولية المسيحية مخيفة تماماً كبقية الأصوليات، وهي تحرم الناس حب الحياة والفرح بها وتملأ حياتهم بالخوف والترقب والتزمت، وكذلك تفقدهم الرحمة تجاه أنفسهم والآخرين.. لأن اليوم قريب جداً !!، والحقيقة التي تؤمن بها المسيحية هي الانفتاح والفرح والحياة بحرّية والعمل بمشيئة الله في القلوب والسعي للازدهار والنمو...!!
إن ارتباط هذه الأصولية أيديولوجياً بالأصولية اليهودية واعتبارهما أن الشعب اليهودي "شعب الله المختار" الذي أعطيت له الأرض المقدسة بحسب التوراة المقدسة، وأن العمل المشترك لكلا المجموعتين سيؤدي إلى تعجيل مجيء المسيح ونهاية الكون. أقول إن هذا الارتباط قوي وله العديد من المؤسسات الاجتماعية والثقافية التي تدعمه، وهي منتشرة في كل أنحاء العالم وغنية جداً وتقدم أموالاً طائلة لدعم "الشعب الذي عاد إلى بلده.. إننا لا نتعامل مع هجرة لكن مع عودة". كما أن هناك معابد للصلاة من أجل دولة إسرائيل ونجاحها، ومؤتمرات عالمية كان أولها "المؤتمر الصهيوني المسيحي الأول" الذي عقد عام 1985 في المدينة السويسرية "بال" في القاعة ذاتها التي عقد فيها هرتزل المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، وقد حضره 589 شخصاً من 27 دولة مختلفة ويقول البيان الصادر عن المؤتمر:
"نحن الوفود المجتمعين هنا، من دول مختلفة، وممثلي كنائس مختلفة، في نفس القاعة الصغيرة التي اجتمع فيها منذ 88 سنة ثيودور هرتزل مع وفود المؤتمر الصهيوني الأول والذي وضع اللبنة الأولى لإعادة ميلاد دولة إسرائيل. وقد جئنا معاً للصلاة وإرضاء الرب ولكي نعبر عن ديننا الكبير ومحبتنا العظيمة لإسرائيل ولكي نعبر عن التضامن معها. وإننا ندرك اليوم وبعد المعاناة المريرة التي تعرض لها اليهود، أنهم ما زالوا يواجهون قوى حاقدة ومدمرة مثل تلك التي تعرضوا لها في الماضي".
* * *
التبشير العنيف
من الظواهر الجديدة في العقدين الماضيين ظاهرة التبشير التلفزيوني على مدى واسع يصل إلى ملايين الناس وبعشرات اللغات. وعادة فإن المبشرين سواء بالمسيحية أو بالإسلام يتخذون الجانب المتطرف ولا يتورعون عن استخدام الكلمات الجارحة في وصفهم الوضع الروحي للمؤمنين بالله من أديان أخرى فكلمات مثل الكفار والإرهابيين والنازيين صارت مألوفة، وسأورد هنا مثالين عن التطرف المسيحي الذي يصل إلى مفهوم "التبشير العنيف" والذي يحطّ من قدر الدين الآخر ويربط الإسلام بالعنف والإرهاب.
قال الواعظ التلفزيوني الأميركي بات روبرتسون في تشرين الثاني /12/2002 متحدثاً إلى أكثر من 180 بلداً في العالم بـ 71 لغة: "آمل أن يستيقظ اليهود في أميركا وأن يفتحوا أعينهم ويقرأوا ما يقال عنهم بشأن إبادتهم".
"إن هؤلاء المسلمين هم أسوأ من النازيين. كان هتلر سيئاً لكن ما يريد المسلمون أن يفعلوه باليهود أسوأ".
وفي الشهر السابق لذلك التاريخ تكلم القس الأميركي المتطرف جيري فالويل عن الإسلام ورسوله بطريقة سيئة جداً ناعتاً النبي بالإرهابي والداعية إلى الحرب: "أعتقد أن محمداً كان إرهابياً، لقد قرأت من الكتاب المسلمين وغير المسلمين ما يكفي لمعرفة أنه كان رجلاً عنيفاً.. رجلاً يدعو إلى العنف".
وأضاف مؤيداً إسرائيل:
"عددنا 70 مليوناً في أميركا ولا شيء يمكن أن يثير سخط المسيحيين في هذا البلد على الحكومة مثل تخليها عن إسرائيل أو معارضتها في مسائل أساسية". وقد أثارت هذه التصريحات الكثير من الغضب والحقد وحتى أعمال العنف (كالاشتباكات بين الهندوس والمسلمين في غرب الهند وأسفرت عن مقتل تسعة أشخاص..).
* * *
الأصولية الإسلامية
الأصولية الإسلامية أو الإسلاموية، والسلفية والرجعية كلمات ومفاهيم جديدة ظهرت في العقدين الماضيين خصوصاً مصطلح الأصولية الذي ازداد استعماله في السنين القليلة الماضية وارتبط بالعنف والإرهاب حتى أصبح كشتيمة سياسية.. وسأتطرق في هذا القسم إلى نشوء الأصولية وأسبابها ومواقف المستشرقين من أيديولوجيتها، وموقف العرب بشكل عام منها. يقول الأستاذ رضوان السيد:
"اعتقد كثير من المراقبين لحركية الفكر الإسلامي في العقود الأربعة الماضية أن اتجاهات التأصيل أي العودة إلى الأصول قد تشبه ما عرفته البروتستانتية من رجعة إلى الأصل، وتخلّ عن المؤسسات التقليدية، وعن التقليد والرتابة. لكن الفارق بين تأصيل المسلمين اليوم، والتأصيل البروتستانتي أن ذاك كانت مشكلته مع المؤسسة الكنسية وحسب، فأمكن له أن يفيد من سائر الحقل الثقافي والحضاري الماضي والمحيط به فيما عدا ذلك. أما حركة التأصيل الإسلامي فقد بدأت بتنحية وإزالة التجربة التاريخية الإسلامية كلها باعتبارها تقليداً وانحرافاً، ثم اعتبرت العصر كله جاهلية وضلالاً لتتجه بعد ذلك إلى القرآن والسنة لاستنطاقهما مباشرة وبدون أدوات ووسائل مناسبة. ومن هنا سوء الفهم على المستوى الثقافي بين الفكر الإسلامي والعالم. ومن هنا حالة الحصار التي وضع فيها ذلك الفكر نفسه حتى منتصف الثمانينات.
الآراء في الأصولية ونشأتها وأسبابها:
لغوياً تعني الأصولية الكلام والتصرف والتفكير حسب الأصول الدينية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية والقانونية والالتزام بها دون تحريف، وبهذا المعنى فالمؤمنون الحقيقيون والمفكرون الصادقون ورجال العلم والقانون كلهم أصوليون.. لكن اصطلاح الأصولية غربي مشتق من كلمة Radicalism التي تعني (أصل، جذر Radical) العودة إلى الأصول والجذور والتمسك بها..
لكن المصطلح الغربي يحمل معنى العنف والتطرف والإرهاب لارتباطه بالحركات السياسية الشوفينية والعرقية التي قاومت وجود العناصر الغريبة في بلادها.. وهكذا فالمعنى اللغوي معاكس للمعنى الاصطلاحي..
إن هذه الظاهرة عالمية لا تقتصر على العالم الثالث أو البلاد الإسلامية بل تنتشر في أميركا بشكل واضح مع الأصولية الإنجيلية، والتطرف اليهودي.. لكنني أدرس هنا الإسلاموية (كما يسميها جاك بيرك) أو التطرف الأصولي الإسلامي وقد تكلمت عن الأصوليات المسيحية والصهيونية اليهودية في قسم آخر..
يجمع المفكرون والمستشرقون على أن السبب وراء الأصولية الإسلامية هو الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية التي يعيشها العالم الإسلامي ، كما أن فساد الطبقات الحاكمة وتدهور حقوق الإنسان بالإضافة إلى البطالة وأزمة السكن، والفقر والبؤس، والإحباط النفسي والاجتماعي، وأزمة الهوية الثقافية، وتبني الأهداف الأوروبية كالديموقراطية والاشتراكية دون وجود جذور وتربة لاستقبالها.. كل تلك العوامل، بالإضافة إلى فشل الأيديولوجيات الأخرى في حل مشاكل الناس، أدت إلى ظهور العنف الإسلاموي المسلح كوسيلة لحماية الشخصية والهوية من العولمة والأمركة الطاغيتين.
وإذا كان المفكرون والمستشرقون يتفقون في الأسباب فإنهم أيضاً يتفقون في النتائج وينظرون نظرة سلبية جداً للتطرف المسلح: فالرأي العام هو:
* أن الأصولية الإسلامية تشكل تهديداً للغرب بالقدر الذي كانت تشكله الشيوعية، حيث إن هذا الرأي يتكرر على ألسنة كثيرة بما فيها كتاب صدام الحضارات لصموئيل هنتيغتون.
إلا أن بعض المستشرقين يميّز بين الأصولية الإسلامية الفقهية والتعصب المسلح، ومنهم من يلصق الإرهاب باليقظة الإسلامية بشكل عام.
يقول روجيه غارودي في كتابه "الإسلام":
المشكلة المحورية التي تطرحها "الإسلاموية" في أيامنا هذه ناشئة من التباس أساسي في دلالة مفهوم "الشريعة".
إن تطبيق "الشريعة" هو شعار كل أشكال الحركة الإسلامية، مقابل التشريعات ذات المصدر الاستعماري الإنجليزي أو الفرنسي التي لم تكن تأخذ بالحسبان هوية الشعوب الخاضعة، ولم تكن على وجه الخصوص قائمة على أي معنى للحياة.
بالمقابل فإن "تطبيق الشريعة الإسلامية"، بالنسبة للغرب، هو قطع يدي السارق وفرض الحجاب الأسود على النساء من الرأس إلى القدمين..
لكن كلا الجانبين لا يطرح السؤال الأولي: ما الشريعة؟!
لا يبحث المسلمون عن التمييز بين ما يقتضيه القرآن الكريم وما يقتضيه التقليد. ولا يرى الغربيون في الشريعة سوى نقيض ما يسمونه "الديموقراطية".



#لطفي_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملف الأدب العربي المهجري المعاصر - جون عصفور
- ملف الأدب العربي الأميركي المعاصر
- ليلة عشق


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - لطفي حداد - بحث في الأصولية الدينية