أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - الحس الاجتماعي في المجموعة القصصية وقع امتداده و رحل للأستاذة السعدية باحدة















المزيد.....

الحس الاجتماعي في المجموعة القصصية وقع امتداده و رحل للأستاذة السعدية باحدة


نجية جنة

الحوار المتمدن-العدد: 3868 - 2012 / 10 / 2 - 02:25
المحور: الادب والفن
    


يقول القاص عبد الله المتقي " في حديقة للأطفال التقت "سعدية" بقصة قصيرة جدا تنط فوق العشب كما السنجاب ، ابتسمت القصيصة .. انفجرت سعدية ضاحكة .. تعالى الفرح في كل الحديقة ، تصافحتا ..تعانقتا ..في أقرب مطعم ..تناولتا سنويتشا صغيرا ..شربتا فنجاني قهوة بسرعة المسافرين ..وقعتا ميثاقا غليظا .. ومعا كانتا تحملان سعادة الكون " 1

من خلال هذه الأقصوصة نكون انطباعا رومانسيا و حالما حول الأستاذة باحدة وعلاقتها بالقصة القصيرة جدا ، فحديقة الأطفال توحي بمدى براءة القص وعفويته ، و السنجاب الذي ينط فوق العشب ما هو إلا حجم القصة ، فجل القصص عبارة عن ومضات سريعة تنفلت بكل خفة وجرأة ولكنها تخلف آثارا وانفعالات كأكلة السندويتش التي تجهز وتؤكل في دقائق ولكنها تفي بالغرض .

فالقصة القصيرة جدا نوع سردي جديد لاقى في المدة الأخيرة إقبالا كبيرا لدى الكتاب والقراء و النقاد على حد سواء ، وقد تضاربت الآراء حول جنسها وتسميتها ، وقد ساهم في بروزها التطور التاريخي والمتغيرات الجديدة التي فرضها الواقع التكنولوجي .
تقول الدكتورة سعاد مسكين " لعل من بين الإشكالات التي تثيرها القصة القصيرة جدا أنها يصعب على المرء الإمساك بها ، إنها توحي دون أن تقول كل شيء ، تتلون بألف لون ، حرباء الشيء الذي يجعلنا نتساءل ، هل يمكن أن نحسم في مقاييس بنائها وأن نضع لها قوانين قارة؟ ثم كيف يسهم بناؤها في تشكيل رؤية حول العالم والذات و الآخر ، وهل هذه الرؤية تبقى طيعة وسهلة المنال بالنسبة لكل قارئ؟ 2

تعد المجموعة القصصية للسعدية باحدة "وقع امتداده.. ورحل " التي صدرت سنة 2009 عن منشورات الصالون الأدبي، ضمن هذا النوع الذي لا يسعنا إلا أن نقرأه ونعيد قراءته حتى نتمكن من فك شفرته الملغومة ، والتي أصرت الكاتبة أن تمررها بعدة طرق حتى جاءت قوية مكثفة صادمة. فالمتصفح للكتاب سيلاحظ من قراءته للإهداء أن الكاتبة منشغلة بالهم الجماعي وتندمج بكل قوتها وحواسها في بؤرته ، حتى وإن لم تلق آذانا صاغية ، فهي مصرة على مراقفها ، ولها قناعة أكيدة أن يوما ما ستستقر كلماتها وستجد منفذا وآذانا صاغية .
لقد تطرقت الأستاذة باحدة إلى موضوعات مختلفة ذات محاور دلالية تترجم لنا البعد الاجتماعي و الإنساني ومدى تداخلهما ، حتى نلامس من خلالهما بعض الأبعاد الوجودية و المفارقات النفسية التي عولجت بكل دقة وشفافية وبكل جرأة ومسؤولية ، فهي تركز على كل التفاصيل وكل الأحاسيس مهما كانت دقيقة لتقتنص من خلالها دهشة القارئ واستغرابه في نهاية كل قصة . كما أنها تقدم نماذج من الحياة في قمة العبث و المعاناة الوجودية بنبرة ساخرة و أحيانا درامية ، كما أن بعض القصص تحمل سمات الموقف الذي يغمر النفس بالعاطفة الجياشة والأحاسيس المتقدة ،وفي نفس الوقت تعبر عن رؤية الأستاذة تجاه الوضع الإنساني في شتى المواقف و الأحوال وذلك من خلال رصدها لكل الجزئيات و الحيثيات حتى وإن كانت محظورة (Taboo ) ، إن الكاتبة تنزف مع قلمها وسوف تجعل من الجمل الفعلية القصيرة والزمن المستمر ، و الأسلوب البسيط الذي يميل إلى الشعرية بلغته السهلة الشفافة ملجأ لقصصها القصيرة جدا ، والتي تبلغ ثلاثا و ثلاثين قصة ، حتى ترسم لنا صورا واقعية تشخيصية في كل المجالات سواء نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية .

تتطرق الأستاذة السعدية باحدة لعدة مواضيع اجتماعية مختلفة ، فهي تتجرع غصة المعاصرة وتحمل أوزار الحياة بكل حيثياتها ، لقد خبرت الحياة ولامست المشاكل و المآسي الاجتماعية من كل مناحيها ، تطرقت لحالة الضياع الذي يحسها الإنسان خلال مسيرته الحياتية وخلال صراعه مع الزمن منذ الطفولة حتى الكهولة ، لقد قضى جل حياته في البحث عن حياة أفضل توضح ذلك القصة " أين المفر" ص 15 و"طاحونة" ص17 و "عقارب" ص19 ثم القصة "ضياع" ص 25 حيث جانست بين موقفها الإنساني الوجودي وبين نظرتها إلى المجتمع ، بحيث يظل الفرد في صراع طول حياته ليجد نفسه في آخر المطاف لم يحصد سوى الخيبة والانتظار في مجتمع تنعدم فيه كل شروط الإنسانية .
تقول في القصة "أين المفر" تقول:
العناكب استوطنت زوايا البيت...
هو يبحث فقط ، عن زاوية لا
يقع فيها فريسة للعنكبوت

وفي قصة "طاحونة" تقول:

طاحونة
في البدء كان يدير الطاحونة
بمزاجه
الآن
بدأت الطاحونة تديره
بمزاجها

في " عقارب" تقول:
كم كانت تعجبه العقارب
كم كان يتقن الدوران في اتجاهها...
فطنت له العقارب:
لدغة ...لدغة...لدغة
صار يدور في الاتجاه المعاكس لدورانها.

أما قصة "ضياع" فتقول:

ابتلي منذ أن وعى بلم ذكرياته
وحفظها في صندوق خاص
........
انمرق العمر بسرعة من بين أصابعه...
........
منذ ذلك الحين وهو يبحث
عن طفولته المسروقة...عن شبابه الضائع...
عن فحولته المخصية...عن كهولته المنسية...
عن...عن...عن...
فالقصص قصيرة جدا ولكن مغزاها فلسفي وجودي أزلي يبين تأثير الزمن وعواقبه على الإنسان وخصوصا لما يمتزج بالإحباط والحرمان والرتابة ، فهي تجسد التمزق والمرارة الداخلية للفرد في خضم واقع مستلب لايملك الفرد فيه لا حول ولا قوة ، فمن خلال الجمل القصيرة المتزنة و المفردات الواضحة الغير المركبة جعلت القارئ ينفلت نحو زمن القصة الحيادي ويتجرع الإيحاء ويتوحد مع المواقف ، فكل منا يمكنه إسقاط الحالة على نفسه ، وهنا تكمن قوة التأثير الذي يمارسه الأسلوب بدرجات متفاوتة .

كما تعري الأستاذة باحدة الواقع في بعده الاقتصادي الاجتماعي ، فالظروف التي يفرضها الواقع تجعل الفرد رهين حياة مأساوية ، يجتر الخيبة والفقر والديون ، إنها مشكلة العالم الثالث بسبب العولمة ، و الإكراهات الاقتصادية التي تدفع بالفقراء لتشغيل بناتهن الصغيرات فيتعرضن للعنف الجسدي والنفسي والحرمان العاطفي والإقصاء من جميع الحقوق تقول القصة " حياة أفضل " ص 29 بيديها الصغيرتين تعد المائدة .. ترصفها بالصحون،
تزينها بما لذ وطاب...
تعرف أنه لا يحق لها حتى الاشتهاء ...تبعد منخارها
وعينيها وأحاسيسها خارج الدائرة الكبيرة
تمسح المائدة، تغسل الأواني، تنكس البلاط، لتجلس مرهقة إلى صحنها المملوء والمكدس ببقايا ما عافته الأصابع ومجته العيون
تنظر بحسد إلى صينية الكلب ...مرتبة وشهية..
......
ذات صباح ....فتشوا ...نقبوا...
في بيت الكلب كانت نائمة.

ياااااه يا لها من سخرية لاذعة ومن موقف تراجيدي يغمر النفس بالألم والشجن ، إنها روعة التصوير وقمة المفارقة المأساوية التي من خلالها تصور الكاتبة تأثير الفقر على المجتمع ، وعلى الطفولة بالخصوص بحيث يؤدي عجز ميزانية الأسر الفقيرة إلى إلقاء فلذات كبدهم في هذا الموقف المأساوي .

نفس الموقف المأساوي نجده في قصة"حبلى وحبل " ص 27 تتطرق إلى موضوع العصر استغلال الأبناك للوضع الاقتصادي لبعض الأسر المحدودة الدخل ، فتغرقهم بالديون الريباوية فتستنزف طاقاتهم وتصير حياتهم ضنك ومآس
تقول القصة : هي امرأة حامل تحمل على ظهرها أوزار السنين
التي تعجل بالفناء، وتحمل في أحشائها بذرة حياة..
حرضت زوجها على اقتناء شقة بالتقسيط المري...ب
...... هي الآن لا تحتاج إلا لحبل غسيل ، فضلت أن يكون قريبا منها ..رجل في المطبخ ورجل في البلكونة..
ثبتت المسمار...وأحكمت شد الحبل ...
لم تطق البلكونة الثق...ل
لفظت الحبلى ، واحتفظت بالحبل .
إنه الاستغلال البشع والغش الذي تمارسه شركات المقاولات ، زيادة على الأبناك ليزيد الطين بلة ، تظل الأسرة تعاني الحرمان وفي الأخير تجد نفسها داخل شقة ينعدم فيها الأمان ، ياله من مواقف قوية ومؤثرة تسردها الكاتبة لتعري واقع مجتمعنا البئيس .

كما أن الكاتبة لم تنس المجالات التي ترتبط بالمجتمع ارتباطا وثيقا ، والتي بدونها لن يكون هناك لا تقدم ولا تطور ولا وعي ولا حياة سليمة إنهما مجالي التعليم والصحة تقول في قصة "معلم جديد" ص 75
هرع المدير ناحية الرجل الأنيق القادم
يسلم عليه بحفاوة:
أأنت المعلم الجديد؟
- عفوا ؟ أنا أبو التلميذ...
مندهشا التفت المدير إلى الكاتبة:
ألم يأت بعد المعلم الجديد؟
- بلى ، حضر باكرا لكنك أمرته بالانتظار مع طاقم المنظفين
تستعمل الكاتبة أسلوب السخرية لتفضح الواقع الاقتصادي المزري الذي يعاني منه رجال التعليم ، فالمعلم يهمل مظهره نتيجة دخله المحدود ، رغم أنه هو العمود الفقري الذي يسند المجتمع ، فميزانية التعليم تضيع في الإصلاحات العشوائية والمتتالية والتي لم ولن تجدي التعليم شيئا كما في القصة "الحكامة الج ..."ص 50
فالحذف التي اعتمدته في العنوان يوحي بالفراغ والصمت ،و من خلاله سيتولى القارئ المهمة التي تتغياها له الكاتبة ألا وهي كشف المستور الذي يظل يتردد في الذهن فيمكن للقارئ أن يكمل المفردة المحذوفة بما يراه يتماشى مع الواقع المعاش، الحكامة الجوفاء / أو الجامدة /أو الجيدة أو.... إنها كتابة ذكية تعتمدها خاصية الإيماض فالحذف والبياضات أي الفراغ الذي تعتمده الكاتبة في جل قصصها مقصود تقول سعاد مسكين : "فالقصة القصيرة جدا عليها ألا تقول كل شيء ، تضمر أكثر مما تفصح، توجز في الألفاظ قصد تمديد حدود المعاني ، وفي الإيجاز تعمد إلى إجراء الحذف الذي يدفع إلى تقديم معاني جديدة "3
في قصتها " الحكامة الج..." تقول : ينظر مليا إلى رسم كاريكاتوري على جريدة ويبتسم "جاء حذاء الوزارة على رأس النيابة، حذاء النيابة على رأس المدرسة ، حذاء المدرسة على رأس الأب ..."فإذا بحذاء الأب يكاد يقتلع رأسه: "نوض تحفظ ألمسخوط...." فالإصلاحات التي تملى من فوق من دون مراعاة وضعية الأسرة ولا التلميذ تبقى عقيمة ، يتجرع نتائجها الآباء والأبناء على حد سواء .والتعليم في وضعيته المتردية دائما.
لقد لامست عدة مواضيع حساسة في ومضة سريعة ذات مغزى ذكي .

أما في قصة "خيبة" ص 33 فتطرقت إلى المجال الصحي بأسلوب فكاهي ساخر استعانت بالحيوانات كرموز إيحائية تقول : أصيبت البقرة بإعياء شديد ...هرعت إلى الطبيب ...وجدت الطبيب مصابا بجنون الأرانب ... فتشت جيوبها، لم تعثر إلا على مليمات ...عادت إلى زريبتها تلوك خيبتها .إنه بشاعة الوضع الصحي المزري بالبلاد ، ولغلاء الفواتير التي أصبح الأطباء يفرضونها على حساب الآلام و الأمراض والمآسي ، في غياب التعبئة الصحية في المجتمع .

لقد تأثرت العلاقة الجدلية بين المرأة والرجل في عصر انعدمت فيه الأخلاق و القيم الدينية والعادات الأصيلة ، فقدت معها المرأة أنوثتها واحترامها واستقرارها ، فأدى ذلك إلى بروز جيل جديد في المجتمع ألا وهو الأطفال المتخلى عنهم والنساء العازبات وتفشى العنف والبؤس وكل أنواع الرذيلة ، في قصة "غصة" ص 37 تقول :
مر أمامها نظر في عينيها
نظرت في عينيه
مرت من أمامه
ابتسمت له ، فابتسم لها...
لم يعد يمر من أمامها..
تحسست بطنها بيدها فأيقنت أنه وقع امتداده ورحل...

إنها مشكلة العصر ، الشباب والعزوف عن الزواج ، والذي مصدره الواقع الاقتصادي المزري .كما نلاحظ أيضا ظاهرة استفحال الانتحار في القصة "الهلع" ص 47 التي تطرقت لعنف الرجل ضد المرأة ،" ...أتعبها ركلا وقذفا، رمت نفسها تحت العجلات ..." كما نلاحظ في قصة "وساخة" ص 31 حيث تفضح تأثير الأنترنيت السلبي على المجتمع ، لقد تغلغل تأثيرها حتى غزا العلاقة الزوجية ، تقول :

هي تجيد جبك الحكايات...ممثلة بارعة
هو يثقن نصب الشبكات ...صياد محنك
ذات موعد وفي مكان اللقاء
سبقته بلحظات
رأت زوجها بجانب أخرى .
لقد ناقشت الكاتبة كل المواضيع المحظورة بكل شفافية ومسؤولية ، فالمرأة والطفولة مصدر كل المشاكل التي سوف تؤدي بالمجتمع إلى الانهيار و التخلف ، إنها طاحونة العصرنة و العولمة التي سحقت الإنسان وأدت إلى تفشي البغاء والمخدرات والتمزق و المرض النفسي .
وأما الشباب فأصبح يعاني الاستلاب الذي تصوره قصة "نزعة قردية" ص 63
تحكي الكاتبة : هو كتكوت خرج للتو من بطن البيضة ، رأى على سطح الماء انعكاس صورته ، لم تعجبه ، قرر رسم لوحة لمظهر يروق له ...أطل على الضفة الأخرى ، رأى الديك الرومي نافشا ريشه .. انهمك بحنكة في نفش شعر رأسه ،...رفع بصره ...وجد بومة تتكحل للتو محا حاجبيه وأسبل رموشه وأبرز وجنتيه ولين ملمسهما، وغير استدارة شفتيه .....ابتاع خواتم لأصابعه، ودملجا لمعصمه....وقرطا لأذنه وآخر للسانه و آخر..... أثارت انتباهه مؤخرة قرد سافرة، بسرعة أرخى الكتكوت حزامه وترك سرواله ينسرب من فوق ردفيه . ...قطع أواصره وتمرد على انتمائه ، فبدل لهجته وحركاته ، ومشيته ونظراته، وعقيدته واهتماماته و...و...و...

إنه واقع رسمت صورته بوضوح ، لامست المحظور في واقعنا ، الشباب الضائع المغترب يعاني من التمزق النفسي فبدل أخلاقه وجنسه وهويته ، في مجتمع ذات مرجعية دينية إسلامية ولكن ينخره الفساد وتنتشر فيه الرذيلة وتعمه الفوضى في كل مناحيه .


لم تغفل الأستاذة باحدة الجانب السياسي أيضا ، لقد سخرت من كل المفارقات باستعمال أسلوب فكاهي الذي لا يخلو من دلالات رمزية ، في قصتها "قارض" ص 53 تطرقت إلى الشخصية السياسية الانتهازية التي تستغل ضعف الناس و سذاجتهم وبالتالي ثقتهم حتى تكدس الأموال وتزداد أطماعها مع ازدياد المسؤولية تقول : هو جرد من فصيلة القوارض ، أصيب بالنهم ...أخذ يقرض...يهرش....يقضم...ينهش...يقرض ليل نهار ، خوف أن تطول أسنانه فتصير أكبر من هيئته ، إلى أن أصيب بالغثيان ، صار يتقيأ على موائد الجماعات و الجمعيات و التجمعات .... هو الآن يمارس إفراغ حمولته في مراحيض الإذاعات الشاشات و الساحات العمومية ...لكي يظل يقرض.

في مجموعتها القصصية القصيرة جدا لم تغفل الأستاذة باحدة أي حالة من الحالات التي يقع تأثيرها على المجتمع ، في قصتها "متقاعد" ص 71 تستعرض وضعية المتقاعدين بواسطة الإيحاء المكثف تقول : في حوار صحافي طلب منه أن يعطي نبدة عن حياته قال : مقعدي الأول كان مقاسي
مقعدي الثاني كان نحاسي
مقعدي الثالث من همه أصبحت أقاسي ...
فالمتقاعدون يعانون من هزالة الراتب الذي يتقاضونه فتصبح حياتهم عرضة للفقر و التهميش والمرض دون مراعاة لما أسدوه من خدمة للوطن خلال خدمتهم .

لقد صدق الأستاذ مصطفى لغتيري في تقديمه للمجموعة القصصي للسعدية باحدة حيث قال " في قصصها القصيرة جدا تلامس السعدية باحدة مواضيع شتى...تلتقط تيماتها من الحياة ، تركز على التفاصيل الدقيقة التي لا تكاد تشغل بالنا ، والأحاسيس المفرطة في الصغر ، تقتنص المفارقات الوجودية و النفسية : ضالة القصة القصيرة جدا ، فتنسج منها نصوصا لامعة ، تفجر الدهشة في نفس المتلقي ، فلا يلبث أن يفغر فاه عند نهاية كل قصة " ص 9 - 4

رغم قدم القصة القصيرة وتشابهها مع الأجناس الأدبية الأخرى إلا أنها في العصر الحديث امتازت بتوصيفات محددة لابد من تواجدها في القصة القصيرة جدا لكي يتم لها التفوق فهي " تمتاز بقصر الحجم و الإيحاء المكثف و النزعة السردية الموجزة والمقصدية الرمزية و التلميح و الاقتضاب و التجريب والجمل القصيرة الموسومة بالحركة و التوثر وتأزم المواقف و الأحداث ....فضلا عن إيقاع الزمن السريع " 5 فالأستاذة باحدة جمعت في قصصها كل هاته المقومات فجاءت قصصها نابضة بالحياة ، ذات حبكة ذكية وجمل قصيرة مكثفة ذات دلالة يغلب عليها طابع الإيحاء و التلميح ، تجمع بين القص الطويل كما في قصة "نزعة قردية "و "نيولوك" و "سلة الذنوب" وبين القص المقتضب في جل القصص وبين الومضات السريعة كما تميل بعض القصص إلى الأسلوب الشعري كما في قصة "انتكاس" و"حركة دمار" ، أما الشخصيات فجاءت بصيغة ضمير الغائب ، مما جعلها توحي بالشمولية داخل فضاء عام ، صوت السارد جاء ليصور المواقف والأحداث بصور ساخرة تارة وصور فكاهية تارة أخرى ، رغم الطابع التراجيدي الذي يترك أثرا في نفسية المتلقي وامتدادا لاشعوريا لديه ، وبلجوئها للحذف والفراغات المتكررة في جل القصص تعطي للقارئ فرصة المشاركة في عوالمها المتخيلة التي تنبض بالإثارة و الجاذبية و الدهشة . إن الكتابة السردية اكتفت بالوصف الخارجي ورصد الحالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بلغة سلسة واضحة ، كما أن الكتابة راعت علامات الترقيم فجاء أسلوبها رصينا متزنا.


إن النزعة الإنسانية للكاتبة وغيرتها على وطنها جعلاها تتخذ مواقف من الصراع الجدلي بين كل المكونات ،وقد جاء ت مواقفها هادئة متزنة ، فهي توظف الفكاهة و السخرية بذل السخط ، والعقل بدل العاطفة ، فالكاتبة خبرت الحياة واندمجت في المجتمع لذلك جاءت كل قصصها تفيض بالحياة والمسؤولية .

الهوامش :
1 –" عود ثقاب " عبد الله المتقي – غلاف المجموعة القصصية "وقع امتداده ...ورحل " السعدية باحدة منشورات الصالون الأدبي 2009
2- القصة القصيرة جدا في المغرب تطورات و مقاربات د . سعاد مسكين مطبعة التنوخي ص: 75
3- د . سعاد مسكين ص 92 نفس المصدر
4- تقديم الأستاذ مصطفى لغتيري ص 9 "وقع امتداده...ورحل" للسعدية باحدة
5- مجموعة القصصية "وقع امتداده... ورحل" للسعدية باحدة عن منشورات الصالون الأدبي 2009 ص 15 -17 -19 -25-27-29-31-33-37-47- 50-63-71-75



#نجية_جنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على شفاه اللوعة بكى القمر
- التكثيف الدلالي للرموز الطبيعية في قصيدة - ريح الفلوات تعانق ...
- الأسلوب الرومانسي للكشف عن خبايا الذات في -وحي ذاكرة الليل- ...
- الآلام والآمال في قصيدة -عاشقة الثريا - لنعيمة خليفي
- الانزياح الدلالي و البعد الرمزي في شعر رشيدة بورزيكي قصيدة - ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - الحس الاجتماعي في المجموعة القصصية وقع امتداده و رحل للأستاذة السعدية باحدة