أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي العيدان - حقيقة ما حدث في حرب -عيد الغفران--اكتوبر1973















المزيد.....


حقيقة ما حدث في حرب -عيد الغفران--اكتوبر1973


علي العيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3867 - 2012 / 10 / 1 - 09:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




التواطؤ والخيانة على قناة السويس
حقيقة ما حدث في حرب "عيد الغفران"-اكتوبر1973
بقلم: إسرائيل شامير
ترجمة: علي العيدان

موسكو

استلمت مؤخرا وانا في موسكو ملفا ازرقا داكن اللون مؤرخ في عام 1975و يحتوي على احد الاسرار المخباة بعناية فائقة والتي تخص الشرق الاوسط والدبلوماسية الامريكية.
انه ملف سري كتبه السفير السوفياتي في القاهرة، فلاديمير م. فينوغرادوف، وهو على ما يبدو كان مسودة لمذكرة موجهة إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي يصف فيها حرب اكتوبر 1973 كمشروع تواطؤ بين قادة الولايات المتحدة، ومصر واسرائيل، ومدبر من قبل هنري كيسنجر.
إذا كنت ايها القارئ من مصر فمن المحتمل ان هذا الملف سوف يزعجك. وبالمقابل أنا، من إلاسرائيليين الذين حاربوا المصريين في عام 1973، فقد ازعجني واحزنني - ولا ازال مستفزا من هذا الاكتشاف. اما بالنسبة للقارىء الأمريكي فمن المرجح أن يكون هذا الاكتشاف بمثابة الصدمة.
وفقا لمذكرة فينوجرادوف (التي سيتم سننشرها بالكامل في الأسبوعية – Russian Expert يوم الاثنين المقبل) ، فأن أنور السادات، الحائز على ألقاب رئيس الدولة, رئيس مجلس الوزراء، رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي، الرئيس القائد والحاكم العسكري العام، كان قد دخل في مؤامرة مع الإسرائيليين، وخان حليفته سوريا ، وعّرض الجيش السوري للتدمير ودمشق للقصف، و سمح لدبابات الجنرال شارون للعبور الى الضفة الغربية من قناة السويس دون اية عوائق تذكر ، وهو في الواقع مخطط لهزيمة القوات المصرية في حرب أكتوبر- هزيمة الجنود والضباط المصريين الذين قاتلوا العدو الإسرائيلي بشجاعة ونجاح - وبنجاح اكبر لرغبة السادات الذي بدأ الحرب لكي يسمح بعودة الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط.
لم يكن السادات المتآمر الوحيد: وفقا لفينوجرادوف، فالجدة غولدا مائير وبمعرفة مسبقة ضحت بألفين من أفضل المقاتلين الإسرائيليين - ربما كانت تفكر بعدد اقل من القتلى- من أجل إعطاء السادات فرصته من المجد والسماح للولايات المتحدة بتأمين مواقعها في الشرق الأوسط. والمذكرة تسمح لتفسير جديد تماما لمعاهدة كامب ديفيد باعتبارها معاهدة قد انجزت عن طريق الخداع والغدر.
كان فلاديمير فينوغرادوف دبلوماسيا سوفياتيا بارزا ولامعا وقد عمل سفيرا في طوكيو في عام 1960 وفي القاهرة في الاعوام 1970-1974 وكان الرئيس المناوب لمؤتمر جنيف للسلام، وسفيرا في طهران خلال الثورة الاسلامية و نائبا لوزير خارجية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ووزير الشؤون الخارجية للاتحاد الروسي,وكان رساما موهوبا وكاتبا غزير الانتاج، أرشيفه يقع في مئات الصفحات من الملاحظات ومذكراته فريدة من نوعها وتغطي الشؤون الدولية، ولكن مكان الشرف في هذا الارشيف تحتله يوميات القاهرة ، المحتوية لتوصيفات للمئات من لقاءاته مع السادات ومتابعة كامله للحرب كمراقب قريب من مقر السادات حيث تم اتخاذ القرارات الحاسمة. عندما تنشر هذه الملاحظات فأنها سوف تسمح بإعادة تقييم فترة ما بعد عبد الناصر من التاريخ المصري.
وصل فينوجرادوف الى القاهرة لتشييع جنازة عبد الناصر وبقي هناك كسفير للاتحاد السوفياتي وقد وثّق للانقلاب البطيء للسادات: الرجل الاقل تألقا من رجالات عبد الناصر، الذي أصبح رئيسا لمصر عن طريق الصدفة، حيث أنه كان نائبا للرئيس عند وفاته.وفي الحال عمد السادات على اقصاء وسجن جميع السياسيين المصرين المهمين ورفاق جمال عبد الناصربالسلاح، ، وتفكيك صرح اشتراكية عبد الناصر وكان فينوجرادوف مراقبا ذكيا، وليس مجرد متابع عادي للاحداث وبعيدا عن كونه عنيد وعقائدي، كان صديقا للعرب ومؤيدا ثابتا لحقوقهم ومروج لسلام دائم وعادل بين العرب وإسرائيل، سلام من شأنه أن يلبي المتطلبات الفلسطينية، ويضمن امن الدولة اليهودية..
لؤلؤة ارشيف فينوغرادوف هو ملف يسمى العاب الشرق الأوسط- The Middle Eastern Games- . أنه يحتوي على 20 صفحة من اوراق الطباعة محررة يدويا بالحبر الازرق، وهي على ما يبدو مشروع مذكرة إلى المكتب السياسي والحكومة ومؤرخة في يناير 1975، بعد وقت قصير من عودته من القاهرة. الملف يحتوي على السر القاتل للمؤامرة التي لاحظها.والمذكرة مكتوبة بلغة روسية جميلة راقية وقابلة للقراءة ، وليس باللغة البيروقراطية bureaucratese كما كنا نتوقع. اضيفت صفحتين إلى الملف في مايو 1975، وهي تصف زيارة فينوجرادوف الى عمان ومباحثاته الغير الرسمية مع( ابو ) زيد الرفاعي، رئيس مجلس الوزراء الاردني، وتبادل الآراء مع السفير السوفياتي في دمشق. لم يكشف فينوجرادوف عن آرائه حتى عام 1998، وحتى ذلك الحين لم يتحدث بصراحة كما هو الحال في مسودة المذكرة هذه. في الواقع، عندما جرى التلميح عن تواطؤ من قبل رئيس الوزراء الأردني رفض الدبلوماسي الرزين فينوغرادوف مناقشة ذلك.
الرواية الرسمية لحرب أكتوبر تقول في 6 أكتوبر عام 1973 وبالتنسيق مع الرئيس السوري حافظ الاسد شن انور السادات حربا مفاجئة على القوات الاسرائيلية وقد عبرت القوات المصرية قناة السويس وتقدمت اميالا قليلة في سيناء المحتلة. ومع تطور الحرب عبرت دبابات الجنرال آرييل شارون قناة السويس واستطاعت محاصرة الجيش المصري الثالث . وقد ادت مفاوضات وقف إطلاق النار في النهاية إلى المصافحة بين الاعداء في البيت الأبيض .
بالنسبة لي، كانت حرب يوم الغفران (كما كنا نسميها) جزءا هاما من سيرتي الذاتية شاركت في تلك الحرب، كمظلي شاب، عبرت القناة، وساهمت في احتلال مرتفعات جبل (عتاقة) ، نجوت من القصف المدفعي ومن معارك المواجهة المباشرة، ودفنت رفاقي القتلى، وأطلقت النار على كلاب الصحراء الحمراء- اكلة لحوم البشر وعلى دبابات العدو . نقلت وحدتي بواسطة طائرات الهليكوبتر الى الصحراء حيث عملنا على قطع خطوط الامدادات الرئيسية بين الجيوش المصرية وقاعدتها الرئيسية، على الطريق السريع السويس - القاهرة. كان موقعنا على الكيلو 101 قد استخدم لاجراء اول محادثات وقف اطلاق النار ، لذلك أنا اعرف الحرب بالتجربة وليس بواسطة الكلام، وقد تألمت كثيرا عندما علمت بأنني ورفاقي في السلاح، كنا مجرد ادوات يسهل التخلص منها في لعبة لاتعرف الرحمة , نحن- الناس العاديون- كنا الخاسرون.
بالتأكيد انا لم أكن أعرف هذا في ذلك الوقت, فالحرب كانت مفاجأة بالنسبة لي فأنا لم اكن جنرالاً.
فينوجرادوف يستبعد فكرة المفاجأة:
من وجهة نظره، كلا العمليتين سواء عبور القناة من قبل المصريين وكذلك نجاحات شارون كانتا مخطط لها ومتفق عليها مسبقا من قبل كيسنجر والسادات ومائير وتشمل الخطة تدمير الجيش السوري أيضا. في البداية، يسأل بعض الأسئلة: كيف يمكن للعبور أن يكون مفاجأة إذا كان الروس قد اجلوا أسرهم قبل أيام قليلة من الحرب؟ وكان يمكن ملاحظة الاستعدادات للحرب من خلال تركيز القوات ولا يمكن ان يكون ذلك غائبا عن ملاحظة الإسرائيليين. لماذا لم تتقدم القوات المصرية التي عبرت القناة حيث بقيت واقفة في اماكنها؟ لماذا لم تكن لديهم خطط للتقدم؟ لماذا تركت فجوة غير محروسة بعرض 40 كم بين الجيشين الثاني و الثالث، تلك الفجوة التي سمحت لشارون بالهجوم المضاد ؟ كيف تمكنت الدبابات الاسرائيلية من التسلل الى الضفة الغربية للقناة؟ لماذا رفض السادات وقفها؟ لماذا لم تكن هناك قوات من الاحتياطي في الضفة الغربية من القناة؟
يبدو ان فينوجرادوف قد استعار من شيرلوك هولمز قوله: عندما تستبعد المستحيل فالبقية مهما بدت غير محتملة , يجب ان تكون هي الحقيقة. يكتب: هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها إذا اعتبرنا السادات وطني مصري حقيقي. ولكن يمكن الإجابة عليها بشكل كامل، إذا أخذنا في الاعتبار احتمالية وجود تواطؤ بين السادات والولايات المتحدة والقيادة الإسرائيلية - مؤامرة يتابع فيها كل مشارك أهدافه الخاصة, مؤامرة لا يعرف كل مشارك فيها التفاصيل الكاملة للعبة . المؤامرة التي حاول كل مشارك فيها كسب المزيد من الأرض على الرغم من وجود اتفاق شامل بين الجانبين .
خطط السادات
كان السادات قبيل الحرب في ادنى مستوى له من حيث القوة والشعبية وقد خسر هيبته في مصر والخارج حيث كان ألاقل ثقافة وألاقل كاريزمية من بين رفاق عبد الناصر وكان معزولا وبحاجة إلى حرب، على ان تكون حرب محدودة مع اسرائيل وعلى ان لا تنتهي بهزيمة ومثل هذه الحرب تساعد في ازالة الضغط عليه داخل الجيش وتمكنه من استعادة سلطته . وافقت الولايات المتحدة لمنحه الضوء الأخضر للحرب، وهو أمر لا يفعله الروس الذين كانوا يحمون سماء مصر ولكنهم كانوا ضد الحروب, ولهذا كان السادات يعتمد على الامريكان ويتخلى عن الاتحاد السوفياتي وكان مستعدا لعمل هذا حيث انه كان يكره الاشتراكية. لم يكن بحاجة الى النصر بل الى مجرد عدم الهزيمة وكان يريد ان يرجع سبب عدم تمكنه من النصر الى الاسلحة والتجهيزات السوفياتية وهذا هو السبب الذي يفسر لنا لماذا اعطيت للجيش مهمة الحد الأدنى: عبور القناة وحماية رأس جسر العبور حتى دخول الاميركيون الى اللعبة..
خطط الولايات المتحدة
لقد خسرت الولايات المتحدة خلال مرحلة التحرر من الاستعمار موقعا استراتيجيا في الشرق الأوسط المميز بالنفط، وقناة السويس وبعدد سكانه. وحيث يستوجب تقديم الدعم لحليفتها اسرائيل ، كان العرب يزدادون قوة مع الوقت . كان على إسرائيل أن تكون أكثر مرونة، وكان لسياساتها الوحشية انعكاسات سلبية على خطط الولايات المتحدة. لذلك كان على الولايات المتحدة الحفاظ على إسرائيل كحليف لها لكن في الوقت نفسه كسر غطرستها. كانت الولايات المتحدة بحاجة لفرصة "لانقاذ" اسرائيل عبر السماح للعرب للتغلب على الاسرائيليين لفترة من الوقت. ولذلك سمحت الولايات المتحدة للسادات البدء في حرب محدودة.
إسرائيل
كان يتوجب على قادة إسرائيل مساعدة الولايات المتحدة، المورد والمساند الرئيسي لاسرائيل وكانت الولايات المتحدة بحاجة لتحسين مواقعها في الشرق الأوسط، في عام 1973 كان لديهم صديقا وحليفا، واحد فقط هو الملك فيصل(قال كيسنجر لفينوجرادوف أن فيصل حاول تثقيفه حول خبث اليهود والشيوعيين).
إذن وعندما تتمكن الولايات المتحدة من استعادة مكانتها في الشرق الأوسط، فسوف يتحسن الموقف الإسرائيلي بشكل جذري. كانت مصر حلقة ضعيفة، وكان السادات يكره الاتحاد السوفياتي والقوى التقدمية في البلاد ولذلك يمكن استمالته. اما سوريا فيمكن التعامل معها عسكريا وتحطيمها. قرر الإسرائيليون والأميركيون السماح للسادات اخذ القناة بينما يحتفظ الاسرائيليون بالسيطرة على الممرات الجبلية في متلا والجدي ، وهو خط دفاعي أفضل على أي حال وكانت هذا في الواقع خطة روجرز لعام 1971، وكانت خطة مقبولة لدى اسرائيل ولكن ينبغي أن يتم ذلك في القتال،ولا يتم التخلي عن اي شيء بدون ثمن. أما بالنسبة لسوريا فكان لا بد من ان تهزم عسكريا، تماما و هذا هو الذي جعل هيئة الأركان الإسرائيلية ترسل كل قواتها المتوفرة إلى الحدود السورية، في حين تم حرمان القناة من التعزيزات في القوات على الرغم من أن الجيش المصري كان أكبر بكثيرمن الجيش السوري. كان لا بد من التضحية بجزء من القوات الاسرائيلية في قناة السويس بحسب ما يقتضيه سيناريو هذه اللعبة، بل يجب ان يموت البعض من أجل استقدام الولايات المتحدة الى الشرق الأوسط.ومع ذلك فأن خطط الشركاء الثلاثة كانت بشكل ما قد خرجت عن مسارها بسبب العوامل الفاعلة على الارض وهي من المشاكل المعتادة في المؤامرات حيث لاشيء يعمل كما يجب فينوجرادوف يكتب في مذكرته التي ستنشر في الاسبوع المقبل كاملة في(ٌMoscow’s Expert ).
ان لعبة السادات الملتوية كانت فاسدة منذ البداية وأفتراضاته تفتقد الخبرة وعلى عكس توقعاته ، ساند الاتحاد السوفياتي الجانب العربي، وبدأ على الفور عملية نقل جوي ضخمة لاحدث انواع معداته العسكرية و اقترب السوفيات من خطر المواجهة مع الولايات المتحدة؛ وكان السادات لا يعتقد ان السوفيت سوف يتصرفون بهذا الشكل لأنهم كانوا يقفون بكل قوة ضد الحرب، قبل أن تبدأ. مشكلة السادات الثانية، وفقا لفينوجرادوف، كانت هي النوعية المتفوقة للاسلحة الروسية التي كانت في أيدي الجنود المصريين - كانت أفضل من الأسلحة الغربية في أيدي الإسرائيليين- كجندي اسرائيلي في ذلك الوقت لا بد لي من تأكيد كلام السفير.كان لدى المصريون البنادق الهجومية الاسطورية كلاشنيكوف AK-47، أفضل بندقية في العالم، في حين كان لدينا بنادق معركة FN الغير ملائمة للرمل والماء.كنا نرمي بنادقنا FNS لنلتقط AK-47 في أول فرصة. صواريخ ساغرالمضادة للدبابات، المحمولة ,الخفيفة والدقيقة، والتي يحملها جندي واحد.دمرالمصريين بواسطة Saggers بين 800 و 1200 دبابة اسرائيلية. كان لدينا قاذفات قديمة عيار 105 ملم عديمة الارتداد محمولة على سيارة جيب ،كل أربعة رجال على قاذفه واحدة (في الواقع، مدفع صغير) لمكافحة الدبابات. تداركت الولايات المتحدة هذا الاختلال في التوازن بشحنة من الأسلحة الأميركية الجديدة .
لم يتوقع السادات ان القوات المصرية التي تدربت على ايدي الاختصاصين السوفيات سوف تتفوق على عدوهم الإسرائيلي – ولكن هذا ما فعلوه .لقد عبروا القناة اسرع بكثير مما كان مخططا له وبخسائر اقل مما كان متوقعا. العرب انتصروا على الاسرائيليين- كان هذا خبرا سيئا بالنسبة للسادات. وقد بالغ السادات في افساده . وهذا يفسره وقوف القوات المصرية بعد العبور ساكنة لاتتحرك كما الشمس فوق جبل جبعون ينتظرون الاسرائيليين بينما كان الجيش الاسرائيلي في ذلك الوقت مشغول بالحرب ضد السوريين. لقد شعر الا سرائيليون نوعا ما بالامان من جانب السادات فارسلوا جل جيشهم الى الجبهة السورية وبسبب هذا تلقى الجيش السوري الضربة الكبرى من قبل الجيش الاسرائيلي وبدأ بالتقهقر. لقد طالب السوريون السادات بالتقدم لتخفيف الضغط على الجيش السوري ولكن السادات رفض وابقى جيوشه واقفة ولم يحركها رغم عدم وجود جيش اسرائيلي بين القناة والممرات الجبلية. وكان الرئيس السوري حافظ الاسد واثقا في ذلك الوقت من ان السادات قد غدر به وقد قال ذلك صراحة للسيد محيتدينوف السفير السوفياتي في دمشق أنذااك والذي مرر بدوره هذه المعلومة الى السيد فينوغرادوف.وكان فينوغرادوف خلال لقاءته اليومية بالسادات قد سأله في ذلك الوقت لماذا لم يتقدم جيشكم؟ وقد تلقى اجابة غير منطقية حيث تمتم السادات انه لايريد ان يجري بطول سيناء وعرضها باحثا عن الاسرائيليين ، انهم عاجلا ام اجلا سيأتون اليه.
القيادة الاسرائيلية كانت قلقة: الحرب لم تسر حسب تواقعاتهم .كانت هنالك خسائر كبيرة على الجبهة السورية, السوريين قد تراجعوا ولكن على كل متر كان هنلك قتال ضاري, كان موقف السادات السلبي هو الوحيد الذي انقذ اسرائيل من الهزيمة. ان خطة الهزيمة الكاملة للجيش السوري قد فشلت ولكن السوريون فقدوا القدرة للقيام بهجوم مضاد فعال.
وجاء الوقت المناسب لمعاقبة السادات: جيشه على درجة من الكفاءة ، تقدمه كان سريعا جدا وسيئا
واعتماده على السوفيات كان نما فقط بسبب الجسر الجوي. الاسرائيليون اوقفوا تقدمهم الى دمشق وتحولت قواتهم جنوبا إلى سيناء. وفي ذلك الوقت كان الاردنيون قادرون على قطع الطريق بين الشمال و الجنوب وقد اقترح الملك حسين ذلك على السادات والأسد. وقد وافق الأسد على الفور، ولكن السادات رفض قبول العرض. وأوضح لفينوجرادوف أنه لا يثق في قدرات الاردنيين القتالية وإذا دخلوا الحرب، فإن على مصر تقع مسؤلية انقاذهم.
وقال في أوقات أخرى أنه من الأفضل أن يخسر كل سيناء ولا يفقد ياردة مربعة في الأردن: تصريحات غير صادقة وحمقاء من وجهة نظر فينوجرادوف. وهكذا نقلت القوات الاسرائيلية جنوبا دون عائق . كان الاسرائيليين خلال الحرب يعلمون بأن السادات لو تقدم لحصل على كل سيناء في اقصر وقت. وقد افترضنا عدة فرضيات حول عدم تقدم الجيش ولكنها بقيت غير مقنعة ولكن فينوغرادوف شرح ذلك بوضوح: السادات نفذ دوره وبقي منتظرا تدخل الولايات المتحدة .ولكن الذي حصل اثناء ذلك هو الاختراق العميق الذي نفّذه الجنرال شارون,
كان اختراق القوات الاسرائيلية الى الضفة الغربية للقناة هو الجزء الابشع من الحرب كما كتب فينوغرادوف. سأل فينوغرادوف قادة جيش السادات: لماذا تركتم فجوة بعرض 40كم بين الجيش الثاني والثالث؟ وقد اجابوا بأن هذا كان توجيه السادات. لقد تركت الفجوة من غير حراسة. وقد كان تركها مفتوحة بهذه الصورة يمثل بوابة خلفية مفتوحة لحصان طروادة .
لم يعر السادات اي اهتمام لهجوم شارون وكان غير مبال لهذا التطور الدرامي، طلب منه فينوغرادوف التعامل مع الحدث منذ عبور الخمس دبابات الاولى للقناة ولكن السادات رفض ذلك قائلا :
انه ليس هنالك اي اهمية عسكرية لهذا الاختراق انه مجرد (خطوة سياسية) ، ومهما يكن ذلك يعني فقد كرر السادات ذلك لفينوغرادوف في وقت لاحق عندما تطور موقع القدم الاسرائيلي غرب القناة ليصبح راس جسر كبير. لم يستمع السادات لنصيحة موسكو وهو بذلك قد فتح ابواب افريقيا للاسرائيليين.
ان هذا يسمح لتفسيرين اثنين كمايقول فينوغرادوف : الاول وهو الذي يفترض جهل المصريين الكامل بالنواحي العسكرية وهذا هو المستحيل، والثاني وهو نوايا السادات ويمثل هنا غير المحتمل الذي يكتنف الحقيقة حسب ملاحظات شيرلوك هولمز.
لم يوقف الامريكيون التقدم الاسرائيلي على الفور, يقول فينوغرادوف لانهم ارادوا امتلاك وسيلة للضغط على السادات حتى لايغير رأيه حول كافة فصول الخطة . وعلى مايبدو فأن بناء الفجوة كان لهذا الغرض, حتى ان فكرة فينوغرادوف عن(مؤامرة) تشير الى وجود تواطؤ ديناميكي على غرار التواطؤ بين الحركة الصهيونية وشرق الاردن كما وصفه اّفي شلايم: كانت هناك بعض المبادىء
التوجيهية والاتفاقات ولكنها كانت عرضة للتغيير، وهذا يتوقف على قوة الجانبين.
الخلاصة
-لقد "انقذت" الولايات المتحدة مصر بايقافها تقدم القوات الاسرائيلية .وسمحت لاسرائيل وبدعم سلبي من السادات بضرب سوريا بكل قوة .

- ان دور الولايات المتحدة التفاوضي في اتفاقيات فك الارتباط مع استقدام قوات الامم المتحدة للفصل بين القوات ضمن سلامة اسرائيل لسنوات قادمة.
( في وثيقة مختلفة ومهمة " ملاحظات على كتاب هيكل- الطريق الى رمضان" يرفض فينوغرادوف فرضية حتمية الحروب بين العرب واسرائيل: وهو يقول طالما بقيت مصر اسيرة للولايات المتحدة فأن مثل هذه الحروب تبقى غير محتملة الحدوث. وفي الحقيقة لم تحدث حرب كبيرة منذ 1974 , ماعدا العمليات الاسرائيلية في لبنان وغزة )
- لقد "انقذت" الولايات المتحدة اسرائيل وامدتها عسكرياً. وبفضل السادات عادت الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط ونصبت من نفسها الوسيط الوحيد والنزيه في المنطقة.
لقد بدأ السادات حملة عنيفة ضد السوفيات والاشتراكية ،وقد كتب فينوغرادوف ملاحظاته حول محاولة تشويه سمعة الاتحاد السوفياتي واتهم السادات بنشر العديد من الاكاذيب والتضليل لتشويه سمعة الاتحاد السوفياتي في عيون العرب: ان الاتحاد السوفياتي لايقدر ولا يريد مساعدة العرب في تحرير ارضهم بينما الولايات المتحدة تقدروتريد وقد فعلت ذلك.
وأوضح فينوجرادوف في مكان آخر أن الاتحاد السوفياتي كان ولا يزال ضد الحروب العدوانية، ومن بين أسباب كثيرة فأنه يعتقد بأن نهاية هذه الحروب غير اكيدة . ومع ذلك فأن الاتحاد السوفياتي على استعداد لقطع شوط بعيد في الدفاع عن الدول العربية من أجل التحرير، وقد أثبتت السنوات منذ عام 1973 أن الولايات المتحدة لا يمكن أو لن تقدم هذا، إما فيما يخص عودة سيناء إلى مصر مقابل الحصول على سلام منفرد كان هذا ممكنا دائما، ومن دون حرب .
لقد تحسن وضع السادات بعد الحرب تحسنا كبيرا. وقد احتفى به كبطل، واخذت مصر مكان الشرف بين الدول العربية. لكن في غضون سنة واحدة فقط اصبحت سمعة السادات في حالة يرثى لها مرة أخرى وانحدرت مكانة مصر إلى أدنى مستوى لها، كما كتب فينوجرادوف .
لقد ادرك السوريون لعبة االسادات في وقت مبكر جدا ففي 12اكتوبر 1973 قال الرئيس حافظ الاسد للسفير السوفياتي في دمشق أنه واثق من ان السادات كان يخون سوريا بصورة مقصودة وقال ايضا ان السادات سمح عمدا بلاختراق إلاسرائيلي للضفة الغربية من قناة السويس لكي يعطي فرصة لهنري كيسنجر كي يتدخل ويفرض خطتة الخاصة بفك الارتباط. وكذلك اوضح رئيس الوزراء الاردني زيد الرفاعي الذي قال لفينوجرادوف خلال وجبة إفطار خاصة في منزله بعمان, الأردنيون يشكون أيضا بأن السادات قد لعب لعبة ملتوية ومع ذلك، رفض فينوجرادوف الخوض في هذه المناقشة على الرغم من أنه كان يرى أن الأردنيين قد "قراؤا أفكاره".
واجه فينوغرادوف عندما عين رئيسا مناوبا لمؤتمر جنيف للسلام الموقف الامريكي – المصري الموحد الرامي لتعطيل المؤتمر, في حين ان الاسد رفض حتى المشاركة به. عندما سلّم فينوغرادوف بيان الموقف الخاص بالمؤتمر سأل فينوغرادوف الرئيس الاسد فيما اذا كان البيان مقبولا من قبل سوريا وقد اجاب الاسد نعم بأستثناء سطر واحد وعندما استفسر فينوغرادوف عن ذلك السطر اجاب الاسد: السطر الذي يقول:" ان سوريا قد وافقت على المشاركة في المؤتمر." والحقيقة ان المؤتمر لم يسفر عن شيء مثله مثل بقية المؤتمرات والترتيبات الاخرى.
بالرغم من ان الشكوك التي عبر عنها فينوجرادوف في وثيقته السرية كانت قد طرحت من قبل مختلف الخبراء العسكريين والمؤرخين، لكن لم يسبق ابدا ان قدمت من قبل أحد المشاركين في الأحداث، وهو شخص ذو منصب سام وذو معرفة وحضور في اللحظات المهمة. ملاحظات فينوجرادوف تسمح لنا بفك التشفير وتتبع تاريخ مصر: التصنيع المخرب، والفقر، والصراعات الداخلية، والحكم العسكري المرتبط بقوة مع حرب 1973 الزائفة
. لقد تم اغتيال السادات بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب وبدأ تابعه حسني مبارك حكمه الطويل، تلاه مشارك آخر بحرب أكتوبر وهوالجنرال طنطاوي. ان معاهدة كامب ديفيد للسلام التي انجزت بالكذب والخيانة،لا تزال تحرس المصالح الاسرائيلية والاميركية. الآن فقط، ونظام مرحلة ما بعد كامب ديفيد في مصر على وشك الانهيار، يمكن للمرء أن يأمل في التغيير. ما زال اسم أنور السادات في هيكل أبطال مصر في امان حتى الآن ولكن في النهاية، فأن الشفافية ستكشف جميع الاشياء التي عملوا على اخفاءها.

ملاحظة: في عام 1975، لم يكن فينوجرادوف يتوقع أن حرب عام 1973 والمعاهدات اللاحقة من شأنها أنت تغير العالم. لقد حددت مصير الوجود السوفياتي وتميزه في العالم العربي، وعلى الرغم من تدمير بقايا هذا الوجود من قبل أمريكا بعد ذلك بكثير : في العراق عام 2003 وفي سوريا يجري العمل على تقويضه الآن. لقد قوضوا قضية الاشتراكية في العالم، التي بدأت سقوطها الطويل. وخسرالاتحاد السوفياتي، الدولة الأكثر نجاحا لعام 1972، في الحرب الباردة، بعد ان اوشك ان يربحها . وبفضل السيطرة الأمريكية على مصر، وتشكيل خطط البترو دولار، ، تعافى الدولار الذي بدأ تراجعه في عام 1971 بعد خسارته لقيمته القياسية من الذهب وأصبح مرة أخرى عملة احتياطي عالمي كاملة. وأصبح النفط الذي تنتجه السعودية والمشيخات الخليجية الذي يباع بالدولار شريان الحياة الجديدة للإمبراطورية الأمريكية.
إذا نظرنا إلى الوراء متسلحين بأوراق فينوجرادوف
، يمكن أن نؤشر بثقة على الاعوام 1973-1974 كنقطة تحول حاسمة في التأريخ المعاصر.



#علي_العيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموقف السعودي من الفلم المسيءللمسلمين


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي العيدان - حقيقة ما حدث في حرب -عيد الغفران--اكتوبر1973