أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقبة بن سعد - تخريب بني هلال و تخريب الكاهنة..... هل هناك تخريب سيئ و تخريب جيد ؟!!!















المزيد.....

تخريب بني هلال و تخريب الكاهنة..... هل هناك تخريب سيئ و تخريب جيد ؟!!!


عقبة بن سعد

الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 16:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إن الإنسان بطبيعته باحث عن الحقيقة، عاشق للمعرفة، تواق للمزيد منها، كما هو مبتعد عن الباطل، كاره للجهالة، سائم ومال من شرورها، فكل الناس و منذ بدئ الخليقة مجبولون على هذه الفطرة والتي تملئ أفئدتهم، لكن ليس كل من حوى في جوارحه طباع و نواميس فاضلة سيعمل بها و يوظفها في تقييم البشر والحكم عليهم، فقلما نجد أناس لهم من الشجاعة والنزاهة ما يدفعهم لبيان ما يرونه للناس، للقول للمحسن قد أحسنت وللمسيء قد أسأت ولو بعد حين، أحيانا لسنا مجبورين لان نتصف بصفة أفضل الجهاد "كلمة حق عند سلطان جائر"، وان كانت هذه من القيم العليا، لكن هلا كنا موضوعيين و أمناء في آرائنا و في كتاباتنا عند السراء و حين الأمان و الرخاء؟ لعل التاريخ لا يطلب منا أكثر من ذلك و لعل ضمائرنا هي الأخرى لا تكلفنا أكثر من ذلك.
الكاهنة التي ملكت ربوعا من بلاد الامازيغ لما رأت من إحراز المسلمين من نجاحات في الفتوح و من كثرة ما عانى شعبها من نير الاحتلال الروماني و الوندالي و البيزنطي، أحست بأخطار تحدق بوطنها وأسرا ينتظر الفرصة ليحكم قبضته على قومها. ولعل الدعاية التي شنها الملك كسيلة من اجل إقناع الامازيغ على الثورة وقتال المسلمين الفاتحين كان لها اثر في رسم صورة سيئة لا تختلف عن الصورة التي عرفتها الكاهنة عن البيزنطيين ، جعلتها تعد العدة و تجيش الجيوش من اجل المقاومة مما أدى إلى هزيمة المسلمين بقيادة حسان بن النعمان و انسحابهم إلى القيروان، لكن الحروب كانت ولا تزال سجال، فما لبث نصرها أن ينقلب تراجع و ضعف، فلجأت هذه القائدة إلى أسلوب الأرض المحروقة فأعملت في المدائن تخريبا و حرقا و دمارا لم يعهده الامازيغ ولا العرب قبل ذلك، ظنا منها أن الفاتحين راغبون فيما يمتلكه الناس من خيرات و مساكن و أرزاق، فابتدئ مشروعها التدميري قبل هزيمة حسان بن النعمان بمدينة باغاية التي هي خنشلة حاليا فهدمتها و تركتها قاعا صفصافا، يقول المؤرخ بن عذارى :
(فدخل بجيوشه إليها وبلغ الكاهنة خبره فرحلت من الجبل في عدد لا يحصى ولا يبلغ بالاستقصاء وسبقته إلى مدينة باغاية فأخرجت منها الروم وهدمتها ) البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب ـ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 36, 35.
إن حملة الخراب و الدمار التي أطبقتها الكاهنة على بلاد الامازيغ لم تكن مقتصرة فقط على الحواضر و المدن بل تعدت ذلك إلى المزارع و الغابات، مساكن الطير والأنعام، مما يعطي لها شكلا يتجاوز بكثير الغزو المغولي لبغداد أو خراب قرطاجة على يد الرومان، يقول المؤرخ بن عذارى:
(وملكت الكاهنة المغرب كله بعد حسان خمس سنين فلما رأت إبطاء العرب عنها قالت للبربر إن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييئس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر فوجهت قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر ويهدمون الحصون ) البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب ـ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 36.
لقد دمرت هذه الملكة بلاد كانت من أغزر الأمصار خيرات وأجمل البلدان مدنا و قرى، أجهزت على ما بنته أجيال متعاقبة من نتاج الإرث البشري، حيث نتج عن هذا مأساة إنسانية و هجرات للسكان إلى شتى بلدان البحر المتوسط هربا من الأرض التي لا زرع و لا عمران فيها ,يقول المؤرخ بن عذارى:
(فذكروا أن أفريقية كانت ظلاً واحداً من طرابلس إلى طنجة وقرى متصلة ومدائن منظمة حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات ولا أوصل بركات ولا أكثر مدائن حصوناً من إقليم أفريقيا والمغرب مسيرة ألف ميل في مثله فخربت الكاهنة ذلك كله وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير يستغيثون بما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية ) البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب ـ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 37.
فلما علمت أن الذي أتى بهؤلاء الرجال الحكماء, الرجال الطيبون ,الرجال الذين غرسوا الأزهار في حدائق الإمبراطوريات, هو أعظم وأسمى من أن يطفئ نوره و تحجمه أعمال الفساد و الدمار، نصحت أبناءها على وضع أيديهم في أيدي العرب و المضي في رسم مستقبل جديد.
لكن ومن جهة أخرى، الكاهنة لم تكن مدمرة لمجرد التدمير أو كانت تعشق الخراب بكل ما تحمله الكلمة من "سادية" مقيتة، كلا ! المتمعن لهذه الخطة لا يرى منها سوى إستراتيجية عسكرية بحتة من اجل حماية الوطن والحفاظ على الملك فليس هناك ملك يتمنى زوال حكمه وهذا من طبيعة الأشياء. كما انه من المستبعد أن يكون الانتقام من العرب هو دافعها لذلك ,لأنها في الأخير تمنت لابناءها أن تكون لهم مكانة و بطانة مع القادة العرب فلا شك أنها كانت ترجوا أن تبقى البلاد عامرة لهم.
يجب على القارئ للتاريخ أن يزن الأحداث بميزان العقل وان يتحرر من أحقاد العنصرية الشعوبية وألا يكون مثل الذين يتسترون عن زلاتهم و يمعنون في التشهير بأخطاء الآخرين، الذين يحلون لأمتهم بدع و جهالات و يحرمون على الناس زلات و هفوات، عرفناهم بقناعاتهم المجانبة للحق والعدل و المرفوضة من الذوق والمنطق، جعلت الكاهنة بطلة و مقاومة، منصفتا و رحيمتا على شعبها، في حين أنهم اعتبروا قبائل بني هلال و بني سليم أقواما مخربة، أناس ليس لهم أية قيمة إلا الدمار و الفوضى، والمتصفح للتاريخ بأسلوب موضوعي و الذي يرفض أن تشحن الأحداث التاريخية بأكثر ما تتحمل من معاني، يرى بان هذه القبائل العربية كانت مدفوعتا هربا من القحط و الجفاف الذي أصاب مصر وصعيدها، على أمل أن يجدوا أناس إخوة لهم في الدين في شمال افريقية يساعدونهم، ففوجئوا بجيش جرار جهزه المعز بن باديس حاكم بني زيري 442 هجرية، فوجدوا أنفسهم أمام الموت تحت وطأة سيف أو الرجوع إلى مصر و الموت فيها جوعا و عطشا، فخاضت هذه القبائل العربية حرب اقل ما توصف بها أنها حرب الحياة أو الموت, فاضطر حكام بني زيري بعد صراع طويل لان يتعاملوا معهم بواقعية فتصالحوا معهم و اقتطعوا لهم الأراضي، فهذا الغزو لم تكن دوافعه سياسية اكثر من كونها انسانية و معيشية.
لست من خلال هذه الكلمات أدافع عن الدمار الذي خلفته الكاهنة أو أتستر عما فعله بنو هلال، لكن لاشك أن الذي يفسر تخريب الكاهنة للبلاد مقاومة وبطولة و تخريب بني هلال دمارا بامتياز، لا يعدوا انه عنصري و تفسيراته تنم عن شوفينية مكشوفة و ظاهرة، دوافعها أحقاد على العروبة، أما الناقد الشريف والنزيه فهو يرى في الكاهنة شرف المقاومة بغض النظر عما فعلته من خراب للبلاد وحرب على الإسلام، أما بنو هلال فانه يرى فيهم شيم الشجاعة و الدفاع عن الحق في الحياة بغض النظرعما فعلوه من حرب و تخريب.



#عقبة_بن_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفتوح الاسلامية لشمال افريقيا بين دراسة الباحثين و تشويه ال ...


المزيد.....




- طيور وأزهار وأغصان.. إليكم أجمل الأزياء في حفل -ميت غالا 202 ...
- حماس تصدر بيانًا بعد عملية الجيش الإسرائيلي في رفح وسيطرته ع ...
- التعليم حق ممنوع.. تحقيق استقصائي لـCNN عن أطفال ضحايا العبو ...
- القاضي شميدت يتحدث عن خطر جر بولندا إلى الصراع في أوكرانيا
- فيتنام تحتفل بمرور 70 عاماً على نهاية الاستعمار الفرنسي
- نشطاء مؤيدون للفلسطينيين يحتلون باحة في جامعة برلين الحرة
- الأردن: إسرائيل احتلت معبر رفح بدلا من إعطاء فرصة للمفاوضات ...
- باتروشيف: ماكرون رئيس فاشل
- روسيا.. الكشف عن موعد بدء الاختبارات على سفينة صاروخية كاسحة ...
- الإعلام العبري يتساءل: لماذا تسلح مصر نفسها عسكريا بهذا الكم ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقبة بن سعد - تخريب بني هلال و تخريب الكاهنة..... هل هناك تخريب سيئ و تخريب جيد ؟!!!