أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نافذ الشاعر - الوراثة والاكتساب















المزيد.....

الوراثة والاكتساب


نافذ الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 3781 - 2012 / 7 / 7 - 22:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قضية الوراثة والاكتساب قضية، شائكة جد شائكة، وقد حار فيها العقل قديما ولا زالت إلى يوم الناس هذا موضع حيرة وخلاف، ولا زالت قضية العلاقة بين الوراثة والاكتساب، أو دور البيئة والوراثة في الذكاء، بل إننا لازلنا نجد كثيراً من الإشكالات التي لازالت تدور حول هذا المحور مثل: ما العلاقة بين القدرات الموروثة والمكتسبة، أو هل الذكاء موروث أو مكتسب، أو هل للغذاء دخل في النمو العقلي أم لا ؟!..
فهذا السؤال هو نفسه الذي واجه الفكر الإسلامي في إبان نشأته فأحدث الخلل الرهيب في فكر المسلمين فاعتزل من اعتزل وتشيع من تشيع، وخرج على الخلافة من خرج، وأرجا من أرجأ.. فمنهم من قال بالقضاء والقدر ومنهم من قال بالجبر والاختيار.. وهذا السؤال نفسه الذي جعل أفلاطون يقول بنظرية المثل، وأن كل شيء له مثاله في عقل الباري، وهو السؤال نفسه الذي جعل أرسطو يحوره عن أستاذه أفلاطون بصيغة أخرى وهي نظرية العلة والمعلول، وهو السؤال الذي لا زال يشغل فكر الفلاسفة في العصر الحديث فتجدهم يرددون هذا السؤال بصيغة مخالفة وهو هل المستقبل موجود أم لم يوجد بعد. أم كما قال بعض الوجوديين: هل الحقيقة اكتشاف أم اختراع؟..
ويجيب على كثير من هذه الإشكالات إذا علمنا أن الله عز وجل قد جعل لكل إنسان منا طوراً لا يتعداه، ومقاماً لا يتخطاه، كما قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ}(الصافات164)، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [كل ميسر لما خلق] البخاري
ولتقريب هذه الفكرة نضرب مثلاً بالسيارة التي تُصمم لتصل لسرعة قصوى مقدارها 200كم/الساعة؛ بشرط أن تزود بنوع خاص من الوقود، وتسير على طريق معبدة.. فإن تحقق هذا الشرط وصلت السيارة لتلك السرعة المصممة بسهولة ويسر، وإن لم يتحقق هذا الشرط لم تصل السيارة لهذه السرعة. وكذلك الإنسان!..
فالمورّثات أو الجينات تضع حدوداً للإنسان لا يمكن أن يتخطاها في نموه العقلي، دون أن تضمن للإنسان الوصول إليها أو بلوغها. فعلى هذا يولد الإنسان وتولد معه كل إمكانياته كامنة في أصل نشأته. أما ما يخرج هذه الإمكانيات من الذات إلى الموضوع، أو من القوة إلى الفعل، أو من النظرية إلى التطبيق، أو من حيز الإمكان إلى حيز الوجود.. فهو الاكتساب أو البيئة الصالحة التي يعيش، والظروف المواتية التي تتوفر له.

إن التعليم لا يُدخل في عقل الإنسان ما ليس فيه، وإنما شأن التعلم أن يخرج الإمكانات التي وجدت في العقل بالوراثة، منذ أصل الخلقية والنشأة، من حيز الإمكان إلى حيز الوجود، لأن التعليم يقوم بعملية تنظيم الإمكانات الموروثة في العقل فقط؛ تماما كما يحدث لقطعة الحديد قبل أن تكون مغناطيسا؛ فقد كانت توجد فيها خاصية "المغنطة" ولكنها متنافرة في بعضها البعض في شكل خطوط متقاطعة ومتشابكة؛ وهي عبارة عن خطوط غير متناسقة، فإذا تم إمرار المغناطيس على هذه القطعة فإنه يقوم بتوحيد هذه الخطوط وتنسيقها في خطوط مستقيمة ومتوازية، فتصبح القطعة عند ذلك مغناطيسياً.
إن في نفس كل إنسان استعدادات كامنة لا تظهر إلا إذا توفرت لها شروطها، وشروطها تكون في البيئة المحيطة بالإنسان؛ فلو افترضنا أن تلك الاستعدادات موجبة، فإن شروطها تكون سالبة والعكس. وإذا التقت الاستعدادات بشروطها انجذبت إليها مثلما تنجذب برادة الحديد إلى المغناطيس. وقد أثبتت كثير من الدراسات النفسية أن الإنسان لا يولد وهو يعاني من المرض النفسي، كالفصام مثلاً، وإنما يولد ولديه استعداد لهذا المرض، ويبقى ظهور المرض وتحققه بعد ذلك متوقفاً على توفر البيئة اللازمة لهذا المرض.
وكذلك نجد كثيراً من الأشخاص يولدون وهم يحملون الاستعداد للإصابة بأمراض عضوية معينة، ويبقى المرض لديهم في طور الكمون والخفاء حتى تتحقق شروطه وتتوفر بيئته.
وكذلك الحال إذا قلنا: هل للغذاء دخل في نمو الذكاء لدى الطفل؟ فالجواب نعم. إن للغذاء دخل في نمو الذكاء، ولكن ليس نمواً لم يوضع في الحسبان، أو لم يُجبل عليه أصلاً. أو بمعنى آخر: إن الخلايا العصبية في الدماغ تختلف من شخص لآخر، بحيث تزيد لدى أشخاص وتنقص لدى آخرين. فهذه الخلايا كي تنمو فإنها تطلب الغذاء والغذاء يطلبها؛ فلو أعطينا طفلاً أفضل الأغذية لنمو العقل وقشرة الدماغ، التي هي موضع الذكاء، ثم لم يكن هناك خلايا محددة ومقررة مسبقاً له في أصل تكوينه وبدء خلقته لما انتفع بهذا الغذاء شيئاً!..

فالإنسان يوجد في تكوينه كل إمكانياته المقدرة له، وما يخرج هذه الإمكانات من حيز القوة إلى حيز الفعل هو العلم. فالعلم لا يدخل في عقل الإنسان ما ليس فيه، وإنما جل همه أن يخرج ما في الإنسان من حيز القوة إلى حيز الفعل، وقد ورد في الأثر: (العلم مجعول في قلوبكم فتأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين، وتخلقوا بأخلاق الصديقين أظهر العلم في قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم)
وبإدراك هذه الحقيقة نتخلص من إشكالات كثيرة، فبهذا يمكننا تعليل المواهب والفنون، وبهذا يمكننا تعليل تأثر بعض الناس بنوع من الفلسفة لا يتأثر بسواها.
أما عندما يسلك الشخص سلوكا ما بسبب ظروف طارئة، فهذا يؤدي إلى سرعة رجوع الشخص عن هذا السلوك، أو كما قال الشاعر:
وأسرع مفعول فعلت تغيرا.... تكلف شيء في طباعك ضده

ونستعين لفهم هذه الحقيقة بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال؛ ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة..) فكانت نتيجة هذا العلم أن زادهم العلمُ نورا على نور.
ومعنى الحديث أن الوصايا ألأخلاقية لم تؤثر في تلك القلوب التأثير الطيب إلا لوجود الأمانة في صميم قلوبهم أصلا، لذا فإن الوصايا الأخلاقية وقعت في قلوب كانت مستعدة لقبولها، وبالتالي فإن الوصايا الأخلاقية تبحث عن تلك القلوب، وتلك القلوب تبحث عن الوصايا الأخلاقية، لأن كل منها يطلب صاحبه ويجد في الطلب، فمتى تم اللقاء عرف كل منهم صاحبه معرفة اليقين، وحدث الوئام الذي ما بعده خصام!
أو كما قال الإمام علي:
رأيت العقل عقلين مطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع

وهناك قضية على نفس الشاكلة وهي قضية المنهج عند ديكارت، الذي وضعه للتفكير حتى يصح إن سار عليه. ففي هذا المقام لا ينبغي أن نسأل كم إنسان قرأ هذا المنهج، أو إلى كم لغة ترجم؟.. بل الأجدر أن نسأل كم إنسان قرأ هذا المنهج وانتفع به أو استفاد منه؟!
لماذا هذا السؤال، لأن ديكارت عندما وضع منهجه كان يحكي لنا سيرة ذاتية، ولكنها ليست سيرة ذاتية كالمعتاد في السير الذاتية، وإنما سيرة ذاتية لفكره وليس لحياته، ففلسفة ديكارت ما هي إلا استبطان لمراحل الفكر عنده، ولذلك يتضح لنا الأمر لو أجبنا على هذا السؤال:
هل ديكارت اتبع منهجا معينا فصح عنده الفكر، أم صح عنده الفكر بادئ ذي بدء فانبثق منه هذا المنهج انبثاقا؟
فكم هو شائع البون بين عقل يتدفق بالحيوية من كل جانب، فيتنسم الريح قبل هبوبها، ويحصي الخطى قبل مسيرها، وبين عقل حظه من الفكر الإقتداء والاستئناس، وطلب المدد والعون عندما تختلط عليه الأمور وتتشابك الخطوب، فيكون حاله كما قال الشاعر:
لا يتقون الشر حتى يصيبهم..... ولا يعرفون الأمر إلا تدبرا..



#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة المصرية
- رشة عطر وقصص أخرى (نقد)
- انتهى عصر المعجزات
- الخرافة في الأديان
- يأجوج ومأجوج
- الإسراء والمعراج إشارات علمية ونبوءات مستقبلية
- ساعة بيولوجية تدق للصلاة
- الإنسان وحرية الإرادة
- مفهوم -اللوح المحفوظ- في ضوء العلم الحديث
- تأملات في ملة الصابئة
- ما هي الروح


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نافذ الشاعر - الوراثة والاكتساب