أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نافذ الشاعر - تأملات في ملة الصابئة















المزيد.....

تأملات في ملة الصابئة


نافذ الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 3764 - 2012 / 6 / 20 - 09:59
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



غالبا من يُسأل عن ديانة الصابئة يجيب بلا تردد ولا تلعثم إنها: ملة قوم يعبدون الكواكب والنجوم، أو يعبدون التماثيل والأصنام!
وهذا التعريف ربما أفضى إلى تضليلنا بدلا من تنويرنا، حيث اعتبر البعض ذكر القرآن وتنويهه بهذه الفرقة شيئا قديما لا قيمة له في العصر الحديث، مما دفع بعض الكتاب يقولوا إن هناك كثيرا من آيات القرآن يجب إزالتها من المصاحف؛ لأنها لا تصلح لهذا الزمان!
والحق لربما يعجب قارئ القرآن الكريم من تنويه القرآن في أكثر من موضع بهذه الملة، مع قلة عددها وخفاء أمرها، لكن العجب يزول عند تلمس جذور هذه النحلة وردها إلى أصلها البعيد..

ولم يحظ دين من الأديان ولا ملة من الملل باختلاف وتعدد واضطراب في تعريفه وتحديده كما حظي دين الصابئة. هذا لأن الصابئة عبارة عن سمة نفسية ونماذج عقلية لأشخاص مخصوصين لا زالوا يتكرّرون في كل زمان ومكان. فهي ليست نحلة من النحل أو ملة من الملل بقدر ما هي سلوك في الحياة وطريقة في الفكر والنظر..
فالصابئة تشترك مع جميع الديانات في شعائر كثيرة. بل إنه لا يُعرف دين من الأديان إلا أخذ الصابئة منه شيئا؛ فهم يشبهون المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والبراهمة ويشبهون الفلاسفة والحكماء والباطنية والمتصوفة..
والغريب أنهم مع مشابهتهم لجميع الملل والأديان فإنهم كذلك يخالفون جميع الملل والأديان. فهم يستهويهم تعاليم أي دين وأي نحلة وأي ملة؛ فيأخذون من كل ملة جديدة ما يروق لهم، وما ينسجم مع نفوسهم، وهذا هو معنى كلمة "الصابئة" في اللغة:
يقال: صبا الرجل إذا عشق وهوى، ويقال صبا فلان إلى فلانة: أي مال قلبه إليها[1].. ومنه قوله تعالى في شأن يوسف عليه السلام: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}يوسف33

فكأن الشخص المولع بعشق النساء عندما يرى امرأة جميلة تصبو إليها نفسه، وينشغل بها عقله وفكره، فيسعى ليتذوقها وينال منها شيئا..

وهذا هو الدافع النفسي وراء السلوك الانتقائي لملة "الصابئة" حيث إنها نموذج من العقليات التي تميل إلى تذوق العقائد والملل كلها، فتحب أن تقطف من كل بستان زهرة، ومن كل حديقة وردة، فينطبق عليهم المعنى الثاني لكلمة "صبأ" أي خَرَجَ من دِينٍ إلى دين، يعني تحول وانتقل[2]

وبسبب هذا التحول والتبدل والانتقال لهذه الملة في كل زمان ومكان لم يوجد للصابئة تعريف متفق عليه.
فقد جاء في تعريفهم: أنهم: قوم يعبدون الملائكة، وقيل هم طائفة من اليهود، وقيل من النصارى، وقيل هم من لا دين لهم ، أو هم قوم يوحدون الله وليس لهم كتاب ولا نبي ولا طقوس للعبادة، وقيل هم قوم يعبدون الكواكب Sabaism) Adorers of the heavenly bodies)[3]
وقيل هم قوم يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وقبلتهم مهب الشمال عند منتصف النهار[4].

فهذه التعريفات بقدر ما هي صحيحة بقدر ما أوقعت في البلبلة والحيرة كذلك. فهذه التعريفات صحيحة للصابئة؛ لأن من طبيعتهم أنهم لا يستقرون على دين واحد، ولا يمكثون على نحلة مخصوصة، إنما هم دائمو التبدل والانتقال والانتقاء..
فعندما يقال بأنهم قوم يعبدون الكوكب والنجوم، فليس معناه أن هذا التعريف خاطئ، إنما هو يدل على أنهم كانوا يعبدون الكواكب والنجوم في فترة من الفترات، لكن سرعان ما تركوا هذه العبادة إلى عبادة جديدة، وهذا ما تتميز به نحلتهم.

وقد أصاب ابن القيم كبد الحقيقة عندما قال: "وأصل دين الصابئة- فيما زعموا- أنهم يأخذون بمحاسن ديانات العالم ومذاهبهم. ويخرجون من قبيح ما هم عليه قولا وعملا، ولهذا سموا صابئة، أي خارجين؛ لأنهم خرجوا عن تقيدهم بجملة كل دين وتفصيله، إلا ما رأوا فيه من الحق[5].
ولهذا فإن القرآن قد نوّه على هذه الفرقة مع قلة عددها وخفاء أمرها، وذكرها في أكثر من آية من القرآن الكريم، يقول تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)البقرة62

وقيل إن اسمهم مأخوذ من (السابحة) وهم قد سموا به لكثرة الاغتسال في شعائرهم[6]..
وهذه تسميه صحيحة، لكن تعليل التسمية ليس في محله، فالسابحة لم تسم بها الصابئة لكثرة الاغتسال في شعائرهم فحسب؛ بل لأن اسم (السابحة) يتفق أيضا مع معنى كلمة "صبأ و يصبو" في حب السبح والتطواف والسياحة في العقائد والأفكار؛ فكأنها سابحة في المذاهب والملل،أو سائحة في العقائد والنحل..

وقيل أن (صبا) مأخوذة من الكلمة العبرية (إتْصباع) ، فهي معناها صبّاغ، أو صابغ، أو ملّون ، ..فهذا يدل على أن الصابئة يلونون عقيدتهم دوما، فهم مرقعون أو مخلطون في عقائدهم يلونون عقائدهم من شتى الملل والنحل..

فعندما نأخذ بكل هذه التعاريف نخرج بصورة كاشفة تلقي الضوء على جميع فكر الصابئة:
فعندما نقول أن الصابئة من ( صبا) يعني عشق فلان فلانة، فهذا يدل على أن الصابئة يعشقون كل ملة يسمعون بها، كما يعشق الرجل المحب للنساء كل امرأة جميلة يراها، فيحب أن يقترب منها وينال حظوة لديها..

وعندما نقول أن (صبا) الرجل يعني تحول من دين إلى دين، فهذا يدل على كثرة تحول الصابئة من ديانة إلى ديانة؛ لأنهم يجدون الثانية أفضل من الأولى فيتركوها، ويلتزموا الثانية.

وعندما نقول أن (صبا) مأخوذة من الكلمة العبرية צבע (إتْصباع) ، فهي معناها صبّاغ، أو صابغ، أو ملّون ، ..فهذا يدل على أن الصابئة يلونون عقيدتهم دوما ، فهم مرقعون أو مخلطون في عقائدهم يلونون عقائدهم من شتى الملل والنحل..

أما عندما نقول أن كلمة صابئة مأخوذة من السباحة فهم يدل على أن الصابئة قوم يسبحون في كل العقائد والملل وينتقون من هنا وهناك لا يمنعهم مانع..
وهكذا ننظر إلى جميع التعاريف التي وردت في شأنهم فنجد كل تعريف يضيء لنا جانبا من جوانب فكر الصابئة فتكتمل الصورة لدينا!

وأشبه الفرق والملل بهذا النحلة في عالمنا اليوم هي النحلة البهائية..
فالمتأمل اليوم في فكر البهائية يجد أنهم يشبهون المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والبراهمة ويشبهون الفلاسفة والحكماء والباطنية والمتصوفة..

كما يُلاحظ سعي البهائية الدءوب لإزالة الفوارق وشطب كل العقائد التي، حسب ظنهم، هي سبب الخلاف بين البشر، فإذا كان البشر يختلفون بسبب تفضيل دينهم أو نبيهم عن سواه من الأديان والأنبياء، فليس في البهائية دين أحق من دين، فكل الأديان واحدة، وكل دين أدى مهمته في العصر الذي جاء فيه وبالتالي لكل عصر دينه الذي يناسبه، وكلمة الإسلام لا تختص بالدين الإسلامي وحده، فكل من أقر بوجود خالق للكون فهو مسلم، وبهذا فإن اليهودي والنصراني والمجوسي والزرادشتي يعتبروا مسلمين.
وإذا كان هناك خلاف سيقع بين الرجال والنساء بسبب الحقوق والواجبات، فليس في البهائية فرق بين الرجل والمرأة من ناحية الحقوق والوجبات.
وإذا كان هناك خلاف سينشأ بين البشر بسبب الجنس والعرق فليس في البهائية فرق بين الأجناس والأعراق وإنما تدعو إلى وحدة الجنس البشري.
وإذا كان الخلاف سببه زواج الرجل بأكثر من واحدة، فلا يجوز الزواج باثنتين إلا للضرورة، لئلا يحدث الخصام والشقاق بين الأخوة غير الأشقاء..
وإذا كان الخلاف سيقع بين الناس بسبب اللغة، وكل إنسان قد يتعصب للغته، فلا بد من إيجاد لغة عالمية مشتركة تحل عن اللغات المحلية.
أما المحارم التي لا يجوز للرجل أن يتزوجها، فلا يذكر كتابهم (الأقدس) إلا زوجة الأب. أما باقي المحارم فمرجع تحريمها أو تحليلها هو (بيت العدل) الذي يقرر في الموضوع حسب ظروف كل إنسان على حدة، وإن كان الأفضل للرجل أن يبتعد عن الأقارب ما أمكن.
أما فيما يختص بالغيبيات من حشر ومعاد، فليس في البهائية قيامة للأموات، وإنما القيامة تعني مبعث نبي جديد إلى أمة من الأمم فهذا هو قيامتها، وليس للدنيا أجل تقف عنده، وإنما هي مستمرة إلى أبد الآبدين، ورسالات الله مستمرة كذلك ولن تتوقف، وكل عصر سوف يأتيه نبي بالرسالة التي تناسبه. أما الجنة والنار فلا وجود حقيقي لهما، وإنما هما تعبيران رمزيان فقط، فالجنة هي قربك من الله، والنار هي بعدك عن الله!

وعلى هذا فالبهائية هي الصائبة قد جاءت في ثوب جديد، فكأنها خمر قديمة جاءت في زق جديدة.

أما قول بعض الباحثين بأن الصابئة يوجدون في جنوب العراق.. فهذا صحيح ولكنها صابئة جنوب العراق صائبة قديمة متحجرة في طريقها للزوال والاندثار، وليس لها أي وزن أو ثقل أو طموح، وقلما يعرف احد عن عقائدها شيئا..

وعندما نوّه القرآن الكريم في أكثر من موضع على دين الصابئة، وذكرها جنبا إلى جنب مع ديانات أهل الكتاب فليس هذا الذكر عبثا لنحلة لا وزن لها ولا وجود، إنما هذا إعجاز من إعجاز القرآن الكريم الذي يشير إلى أن الصابئة ستبقى نحلة أقوام إلى آخر الزمان، فهي موجودة في كل ملة وكل دين، وقد تكون اعتقادا واحدا لجماعة من الناس، كما أنها قد تكون اعتقادا فرديا لبعض الناس دون الجهر بهذا الاعتقاد. فالصابئة سمة نفسية وانعكاس لبعض النماذج الإنسانية والعقول البشرية.

فالصائبة نموذج من العقول البشرية التي تميل إلى الانتقائية العقلانية، وهم من طبيعتهم ذوي استقلالية غير ميالين لتقبل الوصايا من أحد، وهم في تطلع دائم إلى الجديد لتحديث ملتهم ومذهبهم..
وهذه السمة الملازمة لهم هي ما ذكرها المؤرخون عن ميل الصائبة إلى العقلانية الشديدة..
فقد نعتهم ابن القيم قائلا: ".. وأكثرهم فلاسفة يأخذون من كل دين- بزعمهم- محاسن ما دلت عليه عقولهم. وعقلاؤهم يوجبون إتباع الأنبياء وشرائعهم، وبعضهم لا يوجب ذلك ولا يحرمه. وسفهاؤهم وسفلتهم يمنعون ذلك.. وهم فرق: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون، وصابئة فلاسفة، وصابئة يأخذون بمحاسن ما عليه أهل الملل والنحل من غير تقيد بملة ولا نحلة. ثم منهم من يقر بالنبوات جملة ويتوقف في التفصيل، ومنهم من يقر بها جملة وتفضيلا ومنهم من ينكرها جملة وتفصيلا. وهم يقرون أن للعالم صانعا فاطرا حكيما، مقدسا عن العيوب والنقائص"[7]

---------------------------------------------------------------------
[1] تهذيب اللغة: الأزهري: باب صبا
[2] المخصص لابن سيده: كتاب الأضداد
[3] معجم لغة الفقهاء: محمد رواس قلعجي وكتاب مفاهيم إسلامية: مجموعة من المؤلفين
[4] العين: الخليل بن أحمد: باب صمى
[5] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان : ابن القيم 15/325
[6] إبراهيم أبو الأنبياء: عباس العقاد، ص 88
[7] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان : ابن القيم 15/325



#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الروح


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نافذ الشاعر - تأملات في ملة الصابئة