أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - تمثيلية حرب اكتوبر واللعبة الدموية القذرة والشرق الاوسط الجديد















المزيد.....


تمثيلية حرب اكتوبر واللعبة الدموية القذرة والشرق الاوسط الجديد


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 01:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد كتبت موضوعا اسمه ( لا تنخدع بما يردده اليهود عن المفاجأة فى حرب اكتوبر المجيدة ) اوضحت فيه بطلان الادعاء الاسرائيلى ان حرب اكتوبر كانت مفاجأة خادعة بالنسبة لهم هذا رابطه (http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?Action=&Preview=No&ArticleID=18079) ... من اطلق كلمة (مفاجأة) اراد ان يعطل تفكيرنا فى الامر برمته !!!واراد منا ان ننسب عبقرية وتنظيم القوات المسلحةالمصرية الى غباء وسهو الامريكان ، والى غباء وسهو الاسرائيليين … لكن الحقيقة ان قادة اسرائيل ليسوا اغبياء ، ولديهم مخابرات جيدة وهذه حقيقة لا مراء فيها....الى جانب ان الامريكان ايضا ليسوا باغبياء ويمتلكون اقوى اجهزة الاستخبارات على الاطلاق !!!لكن اذا ما نظرنا الى جميع الاسئلة المنبثقة من منطق آخر..... اي افتراض دوافع أخرى لسلوك السادات ....وكذلك لسلوك الامريكان والقيادة العليا في اسرائيل، ولم نعتبرهم من الاغبياء والسذج ، فعندئذ نحصل على صورة مغايرة… عندئذ نحصل على صورة تبعث على الرعشة والدهشة : وهي صورة وجود تواطؤ بين السادات والولايات المتحدة والقيادة العليا في اسرائيل… وكل طرف يرمي في هذا التواطؤ الى تحقيق اهدافه الخاصة… التواطؤ الذي يعرف كل طرف فيه جميع تفاصيل لعبة الطرف الآخر… السادات خان سورية في اثناء الحرب من أجل كسب ود أمريكا ، بينما ضحت غولدا مائير في هذه الحرب بحياة ألفين وخمسمائة جندي وضابط اسرائيليين دون ان يرف لها جفن .... ارضاءً لرغبات الامريكان في الهيمنة على الشرق الاوسط!!!....

كيف أمكن ان تغدو الحرب مفاجأة بالنسبة الى إسرائيل اذا ما كان القرار قد اتخذ بشأنها منذ أبريل بصورة مشتركة من قبل مصر وسورية والأردن… ألم يكن جليا للعيان ان الأردن كان يعرف ذلك ، مما يدل في الواقع على ان الولايات المتحدة – حليفة الأردن – وبالتالي إسرائيل كانتا تعرفان ذلك؟... واليكم الاسباب : كان الموعد المحدد بين السادات وحافظ الاسد هو 15 مايو ثم أُجل لعدم اكتمال نصاب بطاريات سام – 6 … الملك حسين استدعي للقاهرة في 4 سبتمبر للقاء قمة مع السادات وحافظ الاسد أعاد له ” اعتباره ” بعد قطيعة دامت 3سنوات.... مقابل افراجه عن معتقلي المنظمات الفلسطينية في سجونه .. في هذه القمة أُخطر ان التوتر على الخطوط السورية – الاسرائيلية يتصاعد .... وان احتمال هجوم اسرائيلي على سوريا يتزايد ويرتفع ...... وعليه تأمين منطقة أم كتاف حتى لا تكون معبراً لالتفاف اسرائيلي مطوِّق .... وان مصر قد تتدخل حسب مدى الهجوم ..... وحينها فعليه ان يكون جاهزاً لحماية أرضه من توسع العمليات … لم يقل له أيهما انه سيحارب قريباً … بعدها ب3 أسابيع ذهب الى لقاء جولدا مائير ليقول لها انه بربطه بين كلام السادان والاسد له وبين الحشود المصرية – السورية على الخطوط يعتقد انهما يخططان للهجوم ...ولا يقتصران على الدفاع ثم الهجوم بعده .. طمأنته جولدا مائير , وأعادته الى ضفته أقل قلقاً...

كيف اصبح الهجوم المصري والسوري مفاجأة و الاتحاد السوفيتي أجلى اسر رعاياه السوفيت العاملين في مصر وسورية قبل عدة ايام من 6 أكتوبر ؟!! حيث أجلي السوفيت من مصر فقط خلال فترة قصيرة جدا 2700 شخص ليس في رحلات جوية خاصة فقط بل وبواسطة سفن نقل الركاب وسفن الاسطول البحري – الحربي السوفيتي … هل ان هذا الأمر كان من الممكن ان يتم اخفاءه عن عيون العملاء السريين الأمريكيين والإسرائيليين؟ زد على ذلك ان الصحافة الغربية نشرت أنباء إجلاء الأفراد هذا بصورة جماعية.....الخروج الجماعي للعائلات السوفييتية من مصر يوم 4 اكتوبر كان قراراً سوفييتياً علنياً تزامن مع ابلاغ حافظ الاسد لنورالدين محي الدينوف يومها ان الحرب بعد يومين .... وان الجيش السورى سيجتاح الجولان في يومين و أريد منكم قراراً من مجلس الامن بوقف النار في الاماكن القائمة يوم 8 اكتوبر : قصدت موسكو القول لواشنطن ان اي انفجار هو مسؤولية أصحابه المباشرين , وأيضاً لعل واشنطن تبطل ضرورة الحرب بارسال تطمينات فورية لمنتوي الهجوم انها ستضغط على اسرائيل للوصول لتسوية مرْضية....

كانت القوات المسلحة المصرية تجرى سنويا في تلك الفترة مناورات الخريف التى استخدمت كتغطية لحشد جميع القوات المسلحة المصرية عمليا من أجل عبور قناة السويس… فهل لم يلاحظ ذلك الامريكان واسرائيل ؟ فقد لاحظ ذلك حتى الأهالي وعامة الشعب المصرى ….. مما لاشك فيه ان الولايات المتحدة كانت تقوم بعمليات إستطلاع مستمرة بإستخدام الطائرات التي تحلق على ارتفاعات عالية والأقمار الصناعية… وكان لابد ان يتم رصد حشد القوات المصرية قبل يومين او ثلاثة أيام من بدء العمليات القتالية....الجدير بالذكر ان مناورات الخريف المصرية السنوية الروتينية نجحت كخدعة لتحشيد قوات الهجوم !!!...لماذا لم يحذر السادات الاتحاد السوفيتي من العمليات الحربية القادمة؟ فقد كان من المفيد بالنسبة له الحصول على الدعم السوفيتي مسبقا .... لأن مصر كانت تعتمد كليا على إرساليات المعدات الحربية والذخائر وقطع الغيار السوفيتية ؟..كيف يدخل حرب وليس لدية مخزون طوارىء استراتيجى من السلاح وقطع الغيار والذخائر ؟!!! السادات كان واثقاً ان السوفييت لن يتركوه في العراء : لأسبابهم وليس ولعاً به لذلك أوكل هذه المهمة لحافظ الاسد ضمن تقسيم العمل بينهما : لي الخليج ولك السوفييت....

لب التواطؤ والحبكة الدرامية الدامية : التوقف غروب يوم 8 اكتوبر وعدم الانطلاق الى الممرات فيما الطريق شبه خال هنا يبرز التواطؤ والخيانة الساداتية .. مهما تحجج سعد الشاذلي بقصور الدفاع الجوي زوراً… المشكلة أن قادة الحرب العسكريين كانوا إمعات فى يد السادات فلعب بهم الاستغماية!!!لماذا لم تواصل القوات المسلحة المصرية بعد عبور القناة الزحف الى عمق سيناء .... بالرغم من عدم وجود قوات اسرائيلية في هذا الإتجاه قادرة على إبداء مقاومة جدية!!!؟....لماذا لم تتوفر لدى القوات المسلحة المصرية الخطط لمواصلة الهجوم في العمق في حالة نجاح العبور ؟!! الجميع يعلم ان الخطط كانت موجودة وبعلم ومشاركة السوفييت , ولكن بقيت في الأدراج ..... كما ذكر السفير السوفيتي السابق فلاديمير فينوغرادوف (عمل في فترة 1970- 1974 في القاهرة) في مذكرته الموجهة الى القيادة السوفيتية ....لماذا لم يتم اطباق اجنحة الجيشين الثاني والثالث المصريين في سيناء مما يعتبر خطأ فاحشا حتى بالنسبة للضباط من المرتبة المتوسطة ، ناهيك عن القادة الكبار وجنرالات غرفة العمليات الرئيسية ؟!.... ثم كيف أمكن ان تعبر أولى الدبابات الاسرائيلية من الضفة الغربية للقناة “دون ان تلاحظ”… فهل لم توجد لدى الجيش المصرى دوريات ومفارز استطلاع بسيطة مثل التي توجد لدى قوات حرس الحدود؟!! ....

التواطؤ يظهر بوضوح بسبب أصر السادات على عدم الرغبة في إتخاذ أية تدابير حاسمة من أجل سد ثغرة الدفرسوار الاسرائيلية .... بالرغم من انه كان يعرف بها بل تلقى نصائح مباشرة من الجانب السوفيتي بشأن ضرورة تصفية الثغرة فورا بالوسائل المتوفرة و كيفية القيام بذلك !!! حيث زاره كوسيجن في القاهرة يوم 16 اكتوبر , واطلعه على صور بدايات الثغرة ونصحه بالقضاء عليها في المهد .... ثم قبول وقف اطلاق النار فوراً إثره .... ولم يقم السادات بأي من الأمرين !!!... لم يرغب السادات في سد الثغرة لأنه تلقى في أغلب الظن تحذيرا من الامريكان بأن الحدث الذي يتحكم به الامريكان ضروري من اجل تبرير التدخل الامريكي في لعبة الشرق الاوسط ...من باب جر الشكل ومن اجل البعد عن المجال المغناطيسى السوفيتى طلب السادات من الاتحاد السوفيتي بغتة وبصورة ” عاجلة” التعويض عن الخسائر من الطائرات فقط بعد انتهاء العمليات الحربية في 26 اكتوبر..... وأبدى إلحاحا غير مفهوم بشأن توريدها فورا .... ثم أعلن بعد عدة أيام ان الاتحاد السوفيتي قد غير سياسته كما يبدو حيال مصر؟ فقد كانت لدى السادات الفرصة لمراقبة تحركات الاتحاد السوفيتي ، الذي ساعد مصر في المرحلة الابتدائية في كسب المعركة ، ومن ثم انقذها من الهزائم؟!! من هنا دخل السادات فى الشرق الاوسط الجديد بادخاله اللاعب الامريكى فى المنطقة عن طريق الافلات من المجال المغناطيسى السوفيتى والارتماء فى حضن الحية الامريكية !!! لتشكيل الشرق الاوسط الجديد !!!..كان توجيه الطلب المفاجئ بالحصول على الطائرات بمثابة ” حجة واهية” بالنسبة الى السادات… وكان ذلك السبب الذي استخدمه مستقبلا لتبرير سلوكه حيال الولايات المتحدة..… وهذا ما جرى في الماضي ايضا… بعبارة أخرى انه استخدم الاسلوب المألوف – هذا لو ان السوفييت لبوا طلبه بالموافقة على تقديمها لوجد حجة آخرى مماثلة !!!



لقد كانت الولايات المتحدة تعرف بالعمليات الحربية المتوقعة ووافقت عليها وسعت الى ” غض النظر ” عن الانباء الواردة من الأردن وفي أغلب الظن من مصادر أخرى...انطلاقا من عدم توفر النية لدى السادات لتحرير الاراضي المحتلة من قبل الاسرائيليين باستخدام العمليات العسكرية.... بل فقط ” ممارسة لعبة” بموافقة الولايات المتحدة ، ولم تكن لديه أية مسوغات لجر الاتحاد السوفيتي إليها : اذ كان يعرف موقف الاتحاد السوفيتي الجاد من قضايا الحرب والسلم ، وتنبأ مسبقا بأن الاتحاد السوفيتي سيسعى الى ايقاف الحرب ، اي منعه من ممارسة اللعبة… علما ان الذخيرة كانت غير كافية لديه لممارسة لعبة الحرب.....حيث لم تواصل القوات المصرية الهجوم في عمق سيناء لأن هذا لم يكن يتفق مع خطة السادات – في ان يبدأ الحرب فقط ثم ينتظر تدخل الولايات المتحدة… علما ان هجوم الجيش المصرى فى عمق سيناء كان يمكن ان يؤدي الى هزيمة اسرائيل ، وهو ما لم يدخل أبدا في خطط الولايات المتحدة....لم يكن لدى السادات نية او خطة للزحف الى عمق سيناء… وفي أقصى الاحوال كان السادات مستعدا للإكتفاء بالحفاظ علي أي رأس جسر خلال فترة من الزمن ، لأن المسألة كانت فقط تظاهرة عسكرية....لهذا السبب قدم الامريكان طلائع القوات الاسرائيلية في سيناء بموافقة القيادة العليا الاسرائيلية، قربانا لأهداف ” السياسة العليا” او ادخال الامريكان لترتيب الشرق الاوسط الجديد ... حيث كان بوسع الولايات المتحدة ،طبعا، منذ الأيام الاولى ،وقبل ان يبدأ الاتحاد السوفيتي في تقديم المساعدة الى العرب، مساعدة اسرائيل بنشاط ....لكن في هذه الحالة كانت ستنهار فكرتهم الاساسية في الحفاظ على المصالح الامريكية نفسها ، ألا وهو خلق إنطباع بأن الولايات المتحدة أنقذت اسرائيل…... ووجب على الاسرائيليين إراقة شئ من الدماء من أجل ضمان المصالح الامريكية او قربانا لأهداف ” السياسة العليا” ... التدخل الامريكى فى الشرق الاوسط هو سر اللعبة كلها لذلك لم يرغب السادات في وقف اطلاق النار منذ الايام الاولى لأن اللعبة لم تكن قد أنجزت بعد : إذ وجب طبقا لقواعد اللعبة أن يوجه الضربات الى الاسرائيليين… لكن ” خانته” الجودة العالية للسلاح السوفيتي والروح الوطنية لدى الجنود والضباط فى القوات المسلحة المصرية !!!...

ليس من قبيل المصادفة ان يعرف القارىء انه ليس من مصلحة السادات البتة ان يدفع الامريكان نحو الاتحاد السوفيتي .... لأن هدف السادات الرئيس كان التعاون مع الامريكان بدون الاتحاد السوفيتي… أي أن غياب الاتحاد السوفيتي كان الشرط الرئيس للتدخل الامريكي.... وهنا يظهر سر طلب السادات ارسال مبعوث سياسي امريكي الى القاهرة ... حيث كان ذلك اجراءا مدبرا مسبقا للخطوة المقررة من قبل حول اقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة..... وليس من قبيل الصدف ان أشار -السادات لدى استفسار السفير السوفيتي حول السبب الذي جعل مصر تعجل في اعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة - الى انه اقترح منذ فترة العمليات الحربية حضور مبعوث سياسي امريكي الى القاهرة!!!....ان غياب المعلومات حول خطوات السادات مع الامريكان تنطبق تماما مع سياسته في الانعطاف باتجاه الولايات المتحدة… فماذا كان سيقول للسوفييت؟ هل سيبلغهم بأنه يعتزم مع الولايات المتحدة تقليص العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وتقليص دوره فى المنطقة ؟!! لذلك أوقف السادات المشاورات مع الاتحاد السوفيتي بصدد مؤتمر جنيف لأنه اقتنع( أو علم) ان الولايات المتحدة لا تريد هذا المؤتمر ، انها ليست بحاجة اليه ، اذ سيرى هناك بشكل ساطع دور الاتحاد السوفيتي ، أي ان هذا يتعارض تماما مع هدف الامريكان الرئيس المتمثل فى دخول الشرق الاوسط بمساعدة السادات!!!....وهنا يقفز الى الذهن سؤال خطير لماذا رفضت سورية فجأة المشاركة في مؤتمر السلام؟!!!..في اغلب الظن عندما علمت ان مصر و الولايات المتحدة لا تعتزمان المشاركة فيه… لذلك فى سورية علموا بنوايا مصر والولايات المتحدة في التواطؤ على اجراء صلح انفرادي ، وسيدفع ثمنه السوريون كما كانت الحال في الايام الاولى للحرب!!!....

قد يقول قائل ان السادات وطنيا حقا في بلاده ، ولم يقدم على عقد صفقات قذرة مع خصومه السياسيين !!! ...اقول له : لا يمكن ان ننسب النصر الى عبقريته اوتنظيمه للقوات المصرية .... كما يستحيل ان ننسب نصر اكتوبر الى غباء وسهو الامريكان، والى غباء وسهو الاسرائيليين …فقادة اسرائيل ليسوا اغبياء ولديهم مخابرات جيدة ..لكن اذا ما نظرنا من منطق آخر ، اي افتراض دوافع أخرى لسلوك السادات ، وكذلك لسلوك الامريكان والقيادة العليا في اسرائيل، ولم نعتبرهم من الاغبياء والسذج ، فعندئذ نحصل على صورة مغايرة… عندئذ نحصل على صورة تبعث على الرعشة والدهشة : وهي صورة وجود تواطؤ بين السادات والولايات المتحدة والقيادة العليا في اسرائيل… وكل طرف يرمي في هذا التواطؤ الى تحقيق اهدافه الخاصة… التواطؤ الذي يعرف كل طرف فيه جميع تفاصيل لعبة الطرف الآخر… التواطؤ الذي يسعي فيه كل طرف الى خداع الطرف الآخر...كما يمكن للمرء ان يتصور وضع وسلوك بعض اطراف هذه اللعبة الدموية؟...واذا ما افترضنا ذلك نحصل على صورة عجيبة… فأننا سنجد الاجوبة المنطقية والوحيدة عن جميع الاسئلة الغريبة التي لا توجد لها اجوبة ....

ففى مصر لم يفلح السادات في تنفيذ وعوده وشعاراته حول الأعوام ” الحاسمة”… ومضت الأعوام ولم تنجز اي حلول للنزاع مع اسرائيل… وتدهور الوضع الاقتصادي كثيرا بعد أن أقصى حكومة صدقي ، آخر المدافعين عن الناصرية في الاقتصاد ، لأن البرجوازية المصرية تريد الانتقام لجميع ما عانته في السابق ...أثار القلق البالغ تراجع مكانة السادات في العالم العربي !!...فالرئيس السوري حافظ الاسد لا يثق به ...والرئيس الليبي معمر القذافي شعر بالمهانة للغاية من سلوك السادات الذي لم يسمح لمسيرة تتألف من 100 ألف ليبي للزحف الى القاهرة من أجل تسليم الرئيس المصري عريضة موقعة بالدم تتضمن المطالبة باندماج ليبيا مع مصر فورا....والملك السعودي فيصل ” العبقري الشرير ” ينظر بامتعاض الى مواقف السادات .. لان فيصل غير راض عن ترددالسادات في التوجه نحو الولايات المتحدة… و فيصل يمثل الاموال الكثيرة جدا … والملك يهبها متى ما رغب في ذلك ، وبسخاء !!! ....والرئيس الجزائري هواري بومدين كان ينظر الى السادات بشئ من الريبة منذ وقت بعيد!!!وكان لدى بومدين مفهومه حول كيف وجوب ممارسة دور الزعيم… لكن السادات ليس الشخصية المناسبة لذلك فهو من عيار آخر...

لقد ذاب الثلج وبان المرج ان السادات قد أوضح موقفه من الاتحاد السوفيتي بأنه ليس صديقا لهم : فقد فقد أودع في السجون رفاق عبدالناصر ، وطرد الخبراء العسكريين السوفيت مجللين بالعار ، ورفض تسديد الديون بشكل استعراضي ، وكذلك اقصى حكومة صدقي ...الى جانب الاقوال الجارحة والصادمة التي اوردها السادات بحق القادة السوفيت – وقد فعل هذا كله بغية ان تصل احاديثه ورسائله الى موسكو بأنه ليس صديقا لهم .... لدرجة انه في عام 1973 رفض استقبال رئيس الدولة السوفيتية ... كما طلب ان يأتي الى القاهرة رئيس لجنة أمن الدولة السوفيتي كما لو انه يجب ان يقدم تقريره اليه وهلم جرا ...كما كان يبث الاشاعات بين فترة وأخرى بصدد رغبته في إلغاء معاهدة الصداقة السوفيتية – المصرية، وخلق المضايقات للسفن الحربية السوفيتية في الاسكندرية… وكذلك نشر افراد حاشيته بإيعاز منه مقالات معادية للسوفيت وغير ذلك....لقد كان السادات واثقا بأن الاتحاد السوفيتي يهتم باقامة علاقات طيبة مع مصر ، أكثر من إهتمام مصر بإقامتها مع الاتحاد السوفيتي ...ومعنى ذلك انه قررباختياره الى اى جهة او معسكر سينضم بمحض ارادته !!..

من ناحية اخرى لم يكن السادات يتمتع بمكانة في الغرب ، ولوحظ ذلك من سلوك البلدان حياله… وكانت البلد الوحيدة التي غالبا ما تخاطبه وبكل احترام هي الولايات المتحدة وقادتها… وعندما اعلن هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الجديد صراحة ان الهدف الرئيس لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط هو ابعاد الاتحاد السوفيتي من المنطقة ...عندها شعر السادات ان هناك قوة واحدة فقط يمكن ان تساعده في البقاء في السلطة… انها قادة الولايات المتحدة.... فهم وحدهم يتمتعون بالامكانية الضغط على اسرائيل اذا ارادوا… ولا ينتظر ذلك من الروس الذين اعترفوا أكثر من مرة ، بأنه لا تتوفر لديهم الوسائل لآجبار اسرائيل على تغيير سياستها… الروس كانوا يعنفون الولايات المتحدة مشيرين الى ان سياسة الولايات المتحدة بالذات تحول دون احلال السلام العادل في الشرق الاوسط : لأن الولايات المتحدة تتمتع بامكانية ممارسة الضغوط على اسرائيل ، لكنها لا تريد ذلك...… ومعنى ذلك ان الروس يعترفون بان الولايات المتحدة قادرة على الضغط على اسرائيل ، أي مساعدة السادات....ويتبقى أمل واحد هو اقامة العلاقات مع الولايات المتحدة…. بيد ان سمعة الولايات المتحدة مشينة في العالم بأسره ....ناهيك عن منطقة الشرق الاوسط… اذن ما العمل اذا لا يوجد مخرج آخر؟ ألا يمكن عقد صفقة والتوصل الى حل وسط مع الولايات المتحدة ؟ يجب امعان الفكر في هذه المسألة لانها هى اصل اللعبة كلها ....

لقد كان السادات بحاجة فقط الى ذريعة جيدة جدا من اجل القيام بالانعطاف السافرنحو امريكا … الذريعة التي تكون مقنعة لشعبه ولحكام الاقطار العربية الاخرى وشعوبها ، لأنه يجب ان يعاد تكوين هالة حول رئيس مصر باعتباره زعيم الأمة العربية بأسرها....وهكذا أتخذ القرار: من اجل تعديل مكانته المتزعزعة ( والتي كان الشعب يتحدث عنها بصراحة) في داخل البلاد وفي الخارج بمساعدة الولايات المتحدة… لكن يجب ان يكون السيناريو محبوكا ... لذلك وجب القيام بذلك بواسطة تظاهرة علنية ، امام سمع وبصر الجميع ، وبغية صعود المنصة ، اوبعبارة مجازية ” المجئ على صهوة جواد”...فقد قال السادات نفسه ذات مرة في نوبة صراحة غير مفهومة ( او ثرثرة؟): ” اذا ما تم تحرير الاراضي العربية بدون حرب ، ولو بدون حرب صغيرة ، فسيكون ذلك أسوأ من مواصلة احتلال العدو للأرض”....ومعنى ذلك لا بد من خوض العمليات العسكرية… وليس الحرب ، بل العمليات التي لن تقود الى الهزيمة ، بل تساعد على حفظ الكرامة..… لكن من يعرف كيف سيكون سلوك الاسرائيليين ؟!!... اذ يمكن ان يوجهوا ضربة عنيفة تعادل الهزيمة… من هنا نستخلص الاستنتاج التالي: انه يجب العمل على ألا يحدث ذلك… ولا يمكن بلوغ ذلك إلا عبر الامريكان ....اذن كانت خطة العمل واضحة بالنسبة للسادات : يجب خوض العمليات العسكرية التى ستساعد على ” تخفيف الضغط” في داخل الجيش المصرى … ويجب ان تظهر قدرات القوات المسلحة المصرية، ويقصد بذلك طبعا اظهاره نفسه بصفته القائد الاعلى ( اذ يكسب الحروب دائما القادة الكبار) على افضل وجه … ويجب ألا يراد من هذه العمليات تحقيق نصر كبير ، فلا حاجة اليه ، بل انه حتى غير ممكن – اذ يقول الجميع ان القوات المسلحة المصرية مجهزة بأسلحة سوفيتية من نوعية غير جيدة...


طبعا ان الاتحاد السوفيتي سيدعو صارخا مجددا الى السلام وسيعمل كل ما في وسعه من أجل ايقاف اطلاق النار ( اذ ليس من مصلحتهم – أي السوفيت – الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة )… واذا فضح الاتحاد السوفيتي نفسه فسيكون من الاسهل بالنسبة له اقامة العلاقات لاحقا مع الامريكان ، اذ سيكون مطلق اليدين و حرا في العمل… وسيلقى اللوم في جميع الاخفاقات والهزائم العسكرية وغيرها على السلاح السوفيتي السئ، وقلة الارساليات والموقف السياسي للأتحاد السوفيتي الذي يمكن اتهامه بأنه انتزع النصر من ايدي العرب....لهذا وضع السادات أمام القوات مهمة الحد الأدنى وهي عبور قناة السويس والاستيلاء على رأس جسر – لا يهم كم ستكون مقاييسه – والاحتفاظ به اطول فترة ممكنة بغية بدء اللعبة السياسية .... بمعاونة الامريكان الذين يجب استدعاؤهم الى الشرق الاوسط لترتيب اوضاعه وادارة شئونه ....الولايات المتحدة
ابعدتها رياح حركة التحرر الوطني عن الشرق الاوسط ...... لكن هذه المنطقة هامة جدا بالنسبة لامريكا : فهناك أضخم احتياطيات للنفط في العالم ، وفيها قناة السويس الاستراتيجية ، كما توجد هناك المشارف الجنوبية القريبة من الاتحاد السوفيتي ، ويوجد هناك أسوأ شئ – الا هو مركز الصراع ضد الاستعمار والامبريالية ، ولذلك فان نفوذ الاتحاد السوفيتي السياسي هناك كبير جدا.... وتوجد هناك اسرائيل – القلعة الامامية للولايات المتحدة !!! لذلك كان يجب على اسرائيل ابداء مرونة أكبر… ان سياستها متشددة وفظة ، وهي تسئ الى سمعة صديقتها وحاميتها الولايات المتحدة.... وتعرقل مساعي امريكا في اقامة العلاقات مع البلدان العربية.... كما يعنى ذلك ان لدى الولايات المتحدة مهمة مزدوجة حيال اسرائيل ... وهي عمل كل ما يمكن من اجل الحفاظ على دورها كسند لها ، والعمل على تخفيف عجرفتها قليلا ، وارغام الاسرائيليين على التنازل قليلا لخدمة مصلحتهم انفسهم من اجل المحافظة على الشئ الرئيس....فى وجوب الحصول على امكانية ” انقاذ” اسرائيل ، حين تواجه المصاعب .... لكن يجب “انقاذها” بصورة دراماتيكية وجلية للعيان .... بغية ان يرى ذلك في اسرائيل وان يظهر بصورة منطقية بالنسبة للعرب – فهم اعتادوا على اعتبار ان الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل في كافة الاحوال… وفي الوقت نفسه يجب ان يبين للاسرائيليين إنهم يجب أن يقدموا شيئا من التنازلات وبهذا يتولد انطباع مؤثر لدى العرب بغية ان تنتشر الاقاويل حول”تغير” موقف الولايات المتحدة من الدول العربية....


ومن هنا يبرز الحل المحتمل : يجب منح السادات امكانية توجيه الضربات الى اسرائيل – ضربات غير عنيفة بإسلوب يتم التحكم به إن جاز القول .... والتضحية ب ” عدد ما ” من الاسرائيليين من اجل ” إنقاذ ” اسرائيل لاحقا....ومعنى ذلك ان المعلومات التي وردت الى الامريكيين عبر المخابرات حول الاستعدادات العسكرية في مصر اتاحت لهم فرصة إقامة اتصال مع السادات ..... والتلميح له بان الولايات المتحدة موافقة على العمليات العسكرية – طبعا اذا لم تجاوز الاطر اللازمة والمعدة سلفا… وهذا سيساعد الولايات المتحدة على ” ادارة وجهها نحو مصر” ، ويبرر افعال الحكومة الامريكية امام الرأي العام....ولسخرية القدر ان ما حدث هو ان الولايات المتحدة علمت بالتحضير للعمليات العسكرية ، وألمحت الى السادات بأنها لاتعارض البتة في شن عمليات عسكرية ” محدودة”.....والشئ الرئيس هو انه في حالة دخول الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط فمعنى ذلك تقلص نفوذ الاتحاد السوفيتي فيه… فكل شئ يستثني الآخر....وسيعني ذلك تقلص الايديولجية التقدمية ، وتحول الانظمة الداخلية بإتجاه اقامة دول رأسمالية الطراز....والرأسمالي يجد لغة مشتركة مع الرآسمالي دائما وبشكل أسرع من المعتاد عليه .....فالمال عديمة الرائحة ولا يفرق بين الناس طبقا للون البشرة او المعتقدات....اذن ان تقوية نفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي مفيد لاسرائيل نفسها, بل يجب ان تمد اسرائيل يد العون لامريكا لانه فى النهاية يصب فى مصلحة اسرائيل نفسها … ولذلك تم اخراج التمثيلية وحبكها دراميا حتى تدخل امريكا الشرق الاوسط لتعربد فيه وحدها وكما يحلو لها ... ألم اقل لكم انها تمثيلية حرب اكتوبر واللعبة الدموية القذرة التى كانت اللبنة الاولى فى الشرق الاوسط الجديد بزعامة امريكا واسرائيل !!!

حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقابة الصحافيين الالكترونيين المصرية وجبهة الدفاع عن صحافيى ...
- الثورة المصرية والثورة الرومانية على نفس الدرب سائرون
- متى تفهمين سيدتى بأن قلبى ليس كأى قلب
- الانقلاب الاخوانى المسلح فى العباسية يريد احلال الجماعة محل ...
- هل جماعة الاخوان تحمل الخير لمصر ام تحمله من مصر!!
- فكرعبدالمنعم ابوالفتوح الاخوانى يخطط للاستيلاء على الدولة ول ...
- مؤسسة رئاسة ام مؤسسة نخاسة
- لماذا اعتذر حمدين صباحى للاخوان وهم من لوث وشوة تاريخ عبدالن ...
- هيام العشق
- الثورة لا تلدغ من جحر الحية الاخوانية مرتين
- المجلس العسكرى والتسليح والديمقراطية الامريكية
- نعم اعرف من تكونى
- نصيحة اليك ياصاحبة العيون القاتلات
- كيف يترشح حازم ابواسماعيل وهو مسيلمة العصر
- لن اعطيك هذا الشرف
- الانقلاب الربيعى او شم النسيم
- حمار الرئاسة
- عمر سليمان قد ينجح بالتزوير والاساليب الرخيصة ولكنه لن يحصل ...
- الاخوان المفلسون يمارسون الكذب والارهاب الفكرى لتضليلنا
- الى الاخوان المفلسين : خونوا تحكموا ولكن الثورة مستمرة


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - تمثيلية حرب اكتوبر واللعبة الدموية القذرة والشرق الاوسط الجديد