أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم اغا - العمل الابداعي ومقياس الاشتباك















المزيد.....

العمل الابداعي ومقياس الاشتباك


سمير عبد الرحيم اغا

الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 19:03
المحور: الادب والفن
    


العمل الإبداعي ومقياس الاشتباك
قراءة في مجموعة ( حربيات ) لمشتاق عبد الهادي*
سمير عبد الرحيم أغا


" من أفضل القصص القصيرة جدا تلك التي تشتبك مع قارئها ذهنيا ووجدانيا وحركيا وذلك عبر مجموعة من العمليات التفاعلية، كالإدهاش والإبهار، والإرباك والمفاجأة والحيرة، والتركيز على الوقع الجمالي، والتحكم في المسافة الجمالية، ومراعاة أفق التلقي وتأسيسه من جديد "*
قد يبدو للبعض معاناة كاتب القصة القصيرة جدا المطالب بشروط ومواصفات عديدة لانجاز عمله فليس هينا أن تكون كاتبا وبالأحرى صانعا لقصص قصيرة جدا ( غير متشابهة كل منها تحمل جزء يسيرا او كبيرا من فيمنا الإنسانية لننفث بعضها بوخز غير مبرح في جسد المتلقي هذا الوخز جعل منها قصة سوداء قاتمة لا ترى سوى الجزء الفارغ من الكأس ، ونحن نادرا ما نعثر على نصوص تحاول السباحة عكس هذا التيار ،والعمل الإبداعي (نصاً كان أم لوحة أم مشهداً..) الذي لا يستثير في المتلقي ردوداً متنوعة ويفتح ذهنه على أكثر من احتمال يفقد الكثير من عناصر الإبداع. أما النص أو العمل الذي لا يعطي أكثر من إجابة مهما كانت دقيقة فهو لا يمتلك سمات إبداعية كافية. العمل الإبداعي يضع المتلقي داخله فيشارك في صنع الصور واقتراح الحلول والمسارات ويفسح لـه في المجال للتنبؤ والاستشراف.. لذلك فإن النص المفتوح يظل نصاً محرضاً للقدرات العقلية ومنشطاً لها ومحفزاً.
ان هذا الفن الذي افرز علامات مميزة وظواهر يجب فهمها ودراستها ، أنها ملامح القصة الجديدة في سعيها التخيلي ... ركبت موجة التجريب فاتشحت بسمات أجناس تعبيرية مجاورة وجعلت الومضة رسولها المضمر إلى القارئ لالتقاط النواقص والحيرة التي تسم التردد العارم لدى القوى الفاعلة ، هذه الكتابة الدقيقة والخطيرة في نفس الوقت لن تأتي للجميع لأنها مشروطة بحكمة الكاتب ورشاقته وحدقته أمر سيجعل الجزء المتبقي في كاس إبداعه ، وهذا التجريب لا يتأتى للكل بل لأقلية ترى أن الاستمرار في الكتابة على منوال معين ضمن قيود محددة أمر فيه جور وظلم كبير وتقييد الذات الكاتب وروحه الإبداعية ليبدأ في التحليق
لعل الكتابة القصصية لمشتاق عبد الهادي بقدر ما تحمل في طياتها مكونات الكتابة وعناصرها وشروطها هي كتابة تنزع نحو التنظير وهو أمر يبرر من خلال ما تحكيه النصوص من أفكار جريئة تستحق الدراسة والتحليل والاهتمام الجدير بها وبصاحبها
لقد خصب الكاتب مشتاق منظوره القصصي وبالتالي أسلوبه الخاص على مساحات من البياض بدء بالانتقاء الرشيق للعتبات مرورا بالدقة في بناء النص وصقل الفكرة المراد إبلاغها للقارئ سواء عبر تناص تقابلي كما في ومضات قصصية " العباس " ص 29 و"سكينة " ص 29 و أخوة العباس " ص 31 .
انها قصص او ومضات تنزع نحو الاستئثار بتقديم ورشة كتابة قصصيه مفتوحة على التنوع والتعدد ففي نص " اختباء " يؤشر العنوان على أبدية ومطلق سيحدده النص من خلال اللعب على تكرار منطقي لنفس الفكرة لكن مع اختلاف في المنظور والرؤى وزوايا الالتقاط وهو ما يختزل اللغة إلى سلسلة من نقط الحذف .
" عندما صحا من النوم اخبر الجميع بأنه قد مر الليلة الفائتة بكابوس مخيف حين حلم بأنه يتمتع بكامل قواه العقلية " ص 18
" عندما وطئت قدماه لغما قفازا تأكد من انه سيسمع بعد الانفجار الأولي صرخة أمه المخدوعة " ص 8
" سقطت كل احتمالات النصر والهزيمة بعد أن حسمت السماء أمرها وأمطرت عسلا مر " ص 9
" لم تفرحه أخبار انتهاء الحرب بقدر ما فرح بإتمام قصيدته المهزومة " ص 12
تراجع أخيرا عن فكرة كتابة ( لا ) بعد أن انبعثت من مكبرات الصوت أغنية ( لا تلعب بالنار ) " ص 35
" عندما فجر أنبوب النفط التأمت جراحات الأرض لذلك عرف إن النفط دواء لجراحات الوطن " ص 50
إنها كتابة تؤشر على توظيف تقنيات أكثر من جنس أدبي تسارع إلى إقحام المتلقي في الموضوع القصصي دون الخضوع لمقدمات ما يجعل النص يقتطع صوره الآسرة انطلاقا من مكوناته الداخلية التي بدورها تنتمي للوحة فسيفسائية كبيرة . ، فزمن الكتابة في المجموعة زمن معروف من خلال العنوان في كثير من الأحيان ما يجعل لوقع الخبر على نفسية المتلقي كبيرا لأنها تعلمه بالقادم وما لا يخطر على باله أمر تكرر في نصوص متعددة مع خطاب موجه مباشرة نحو المتلقي " " حب ، زواج ، موت ، حكم ، خياط "
من هذه الناحية تلتقي القصة القصيرة جدا بقصيدة النثر باعتبار كلتيهما مما يحتفل بهذا الجانب ولكن ليس دائما وفي قصص مشتاق عبد الهادي هناك رمزية تتعالى كثيرا على الواقع المعاش ، الكاتب يغير في البناء والعبارة والتركيب والقفلة من قصة إلى أخرى كما يغير في النظر ورؤيا والتخيل .. حتى يستشف ما وراء الواقع فيما هو يحضن الواقع ، ربما سبب طرح هذه مرده إلى نص أثار انتباهي يحمل عنوان " عصافير " طرح من خلاله الكاتب احتمالات عدة على لسان احد شخوصه : يقول السارد
يعرف جيدا إن العصافير لا توقفها المعابر الحدودية أو أي نوع من أنواع التحصينات ، لذلك قام بتفخيخ أعداد كبيرة منها وأطلقها في فضاءات مترعة بالبراءة .
انها محنة حقيقية للقارئ الذي سيجد نفسه عوض الاستمتاع بالقراءة مطالبا بالكتابة او تخيل نهاية أو التفكير في وضع مماثل ما يجعلها قصصا إشكالية ، من هنا نجدها قصصا بنهايات مفتوحة تحول القصة القصيرة جدا إلى قصة واقعية سهلة الهضم وغير سهلة الترويض ، فمشتاق عبد الهادي لا يفتأ يقدم تنويعات وتطريزات على جسد القصة القصيرة جدا التي لم تكتف بالعب على نمط أحادي بقدر ما رامت توظيف مشاهد جمالية ذات صور شفافة ، إنها نصوص تحمل في طياتها أسئلة حابله بالهم الإنساني تمرر بسلاسة وهي تحاول من خلال السؤال التأكيد على أن الإنسان هو اكبر القضايا على الإطلاق في نص " أمي " نلمس هذا الطرح : يقول السارد " ولأنه قروي ولا يجيد الكتابة قام بوضع الإشارة على كلمة ( نعم ) التي حفظ شكلها من خلال النظر إلى اللافتات التي علقت على واجهات المباني المنتشرة في المدينة "
ص 37
ويتكرر الأمر لكن هذه المرة مع انزياح غرائبي في نص " سفر " /" حين قرر أن يسافر دس في الحقيبة ملايين الأفواه الجائعة " ص 87 ، فالقاص يكتب واضعا احتمالات عدة أمام القارئ لتغدو القصة بؤرة احتمالات ملتهبة بالممكن والمستحيل على السواء ، فالقصة أضحت ذات أبعاد كونية وغير مقيدة بالمحلية ، أننا هنا نلمس القاص مشتاق عبد الهادي يسوق شروطا واليات جديدة تتوخى تحديد بعض المقاييس أو ربما تروم أعطاء بعض المشروعية للقصة القصيرة جدا ، يقول في نص آخر " نقاش " ص 42
" الجميع يناقشون جدول انقطاع التيار الكهربائي ويتركون الخوض في الحديث عن أنوار الحقيقة والخلاص. لقد تحول الكلام من الاحتمال الأول إلى احتمالات متعددة او إلى الاحتمال الثاني الذي يضع ضمن أهدافه سارد النص وهو ترصد ناتج عن سياسة الخوف ، فالقصة هنا تمارس استباقية حدسية في ومضة خاطفة بأسلوب ساخر يريد ان يلخص تجربته ويختار اقل واصغر ما في وجوه التعبير السردي ( القصة القصيرة جدا ) ممعنا في الاختصار والإيجاز وفي ذلك تلميح أن الاختصار ليس لعبة سهلة يمارسها كل من اراد ذلك وبخاصة الاختصار الذي يتضمن تجربة إنسانية ، في نص " قصيدة " يقول السارد " لم تفرحه أخبار انتهاء الحرب بقدر ما فرح بإتمام قصيدته المهزومة " ص 12 ، هذا النمط من الكتابة التي تخاطب الوجدان وتكشف الغيب... هي ما جعلت نصوص مجموعة " حربيات " تكتسب خصوصياتها المميزة .
قصص مشتاق عبد الهادي تجمع بين المتعة والفائدة.. تحمل في طياتها أسئلة كثيرة وقضايا إنسانية شائكة .. هي تنويعات وتطريزات رقيقة على رقعة عراقية شفافة حيث يتداخل فيها تكوين الكاتب وثقافته و قراءته واطلاعه وحنكته ككاتب يمزج بين الخلق والابتكار .
....................................................................................
* مشتاق عبد الهادي " حربيات " ومضات قصصية ، دار الينابيع الطبعة االأولى 2011 ، دمشق
* أركان القصة القصيرة جدا ومكوناتها الداخلية ، جميل حمداوي ،



#سمير_عبد_الرحيم_اغا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة الذكر الخالد .. البناء والرؤيا
- ( اربعون قصيدة عن الحرف ) للشاعر اديب كمال الدين


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم اغا - العمل الابداعي ومقياس الاشتباك