أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شاكر الناصري - سيرة حرب.......2 ، قسوة تل الخراء















المزيد.....

سيرة حرب.......2 ، قسوة تل الخراء


شاكر الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 4331 - 2014 / 1 / 10 - 22:55
المحور: سيرة ذاتية
    


قسوة تل الخراء

ليس ثمة متر مربع واحد لم تسقط عليه قذيفة ، هكذا كانت ارض قمة جبل (كرده كو ) أو تل الخراء ، ارض حرثتها القذائف وكأنها قلبت عاليها سافلها . في بوابة الجحيم تلك تناسينا ما كلفنا به وسيكون همنا الاساس النجاة من موت يلاحقنا لحظة أثر أخرى. نبحث عن خندق او ملجأ او حفرة للارتماء فيها لكنها أختفت وتلاشت بفعل القصف المتواصل. ثمة ملجأ شعرت اول الامر إنه فاره الأمان . لكن الدخول اليه كان يحتاج الى وقت كثير في حسابات من ينتظر موته ما بين لحظة وأخرى . ثمة جندي وعلى ظهره جهاز لاسلكي كبير يجلس على دكة باب الملجأ وقد أعطانا ظهره . الجهاز يعمل وثمة أصوات ووشوشة تصدر عن الجهاز .

- ابو خليل : بدون زحمة طريق...

- ابو خليل : يمعود القصف ما ينجرع ، أدخل وخل ندخل وياك.....

كانت وشوشات جهاز اللاسلكي تتحفنا ما بين الفينة والاخرى .ب 33 أجب ، لكن لا أحد يجيب!!!! .........

الجندي حامل الجهاز لايجيب ولايتحرك من مكانه وكنا نشعر ان ثمة قذيفة تسابق صوتها المرعب ستدك باب الملجأ.

- ادفعه ...ما تكلي هذا شبيه مو رب ربنه أحترك ؟ قالها الجندي (عباس قاسم ...أبن مدينة سوق الشيوخ ) الذي كان يرافقني في البحث عن الأمان في هذا الملجأ ولكنه لم يتوقف عن الكفران في أية لحظة.

دفعت الجندي لكنه لايتحرك الى الامام لان جزءا من الجهاز اللاسلكي الكبير كان محشورا في أكياس الرمل.

- جره ليورا أشتعل دينه ..كررها عباس ..سحبت صاحب الجهاز فسقط الى الخلف ، فتقافزنا بفزع وذهول ،كان جسده سالما تماما لكنه بدون وجه وكأن الشظية التي أصابته كانت تعرف كيف تزيل وجهه تماما...

أشتعل ربك شاكر ،شصاير بيه هذا ...قالها عباس وهو يقفز الى داخل الملجأ -

.كلنا راح نصير مثله عباس ،قلت له-
............................................................................................
في آيار من عام 1986 صدرت الأوامر للواء المشاة 807 بالتحرك من قاطع العمارة الى قاطع أربيل والى المناطق القريبة من قاطع حاج عمران ، الى هناك حيث تدور معارك طاحنة على قمة جبل (كرده كو... تل الخراء )هذه القمة التي لاتنتمي الى عالم الجبال . قمة تغطيها رمال خفيفة لكنها مليئة بالقمل . القمة اللعينة تم أحتلالها من قبل القوات الأيرانية منذ فتروة ليست بالقصيرة وتمكنت من تشييد تحصيناتها ومراصدها فيها ويجب أستعادتهما ،رغم كل الخسائر الكبيرة التي تحدث في كل مرة.

كان الطريق من العمارة الى أريبل ومنها الى المناطق القريبة من حاج عمران مرورا بشلال كلي علي بك قاسيا خصوصا حين تكون في شاحنة عسكرية كبيرة محشوة بالجنود و(اليطغات ) والاسلحة، ننام ونصحو لكن الطريق طويل جدا.

ثمة أرتال تسير مسرعة ، وكلما أقتربنا كانت وجوه جنود سريتنا تصفر وشفاههم تذبل، كانوا يشعرون بما ينتظرهم هناك في تلك القمة المجهولة
بقينا ننتظر يوما أو يومين لحين أكتمال وصول وحدات لواء المشاة العتيد.

العريف المطوع فاضل يهمهم في أذن ابن مدينته : كون الله وعلي ونطلع سلامات هلمرة...!!!!

في منتصف اليوم التالي ، صدرت أوامر الحركة والشروع بالهجوم لأستعادة القمة العالية ، 2450 متر وكانت تتوسط بين جبال حصاروست و كرده مند . كنا في الوادي فكان لابد من الصعود حتى مسافة معينة بواسطة سيارات الإيفا التي لم تتمكن من مواصلة الصعود ،حيث لاطريق يمكن ان تسير عليه ، الطريق الوحيد كان قد استحال الى حفر متلاصقة بفعل القصف أضافة الى العجلات المحترقة التي تعرقل المسير.

أصدر آمر السرية الملازم (رياض جواد كاظم ) الذي كان معنا في الإيفا ،أمره للجميع ، ترجل بالعجل ....
ترجلنا او تقافزنا من باطن الإيفا ، تحركوا ، انتشروا بسرعة ، أعاد امر السرية أمره مجددا
تفرقنا كل في مكان ولكن كلنا كنا بأتجاه الطريق الى قمة كرده كو.

لعل امر السرية كان يشعر بما ستتعرض له سريته . فدفعهم للترجل من الإيفا ، صرخ : انبطحوا .. ثم أختفى صوته وسط ضجيج مرعب.

صوت القذيفة التي أنقضت على الإيفا التي ترجلنا منها قبل لحضات كان كافيا لأخراس الجميع.

ملازم رياض مات ، صرخ عريف فاضل وهو يسرع بأتجاهنا ،

لالالا ، نعله على ربك صدام ، أشتعل دينك ودين الأيرانيين الجياف ، الا ملازم رياض ،ما يستاهل .ثمة دمعة كبيرة في عيون عباس قاسم الجاحظة .

لم يكن آمر السرية وحده ،بل كانت معه مجموعة لم تتمكن من الترجل من الإيفا فحصدتهم القذيفة الأيرانية.
رشقة متواصلة من القذائف التي جعلت الجميع يتلمس وجه الموت ويشم رائحته المنبعثة من الجثث التي احترقت للتو.

رشقة كانت كافية لان تفقد وحدتنا العديد من جنودها وضباطها، لكن ما فعله (حمدي الحلاوي ) كان نوعا من خيال أو فنطازيا غريبة عصية على الفهم في لحظة موت جماعي، شظية كبيرة من القذائف التي سقطت على وحدتنا أصابت حمدي في يده فقطعتها؛ حمدي الحلاوي هذا كان صاحب نكتة وكان يتعامل بشراسة مع الذين معه وقت المزاح، لايتردد في ضرب أي واحد منهم حين يختلف معهم ولايتردد عن شتم الضباط، كان يرقص بمناسبة أو بدونها.
ها هاي فلتت ولك ماجد ، كان يلوح بيد مقطوعة الكف لصديقه (ماجد حسين علي ، أبن مدينة الزبير ، الخباز وعازف الكاسورة المحبوب )، فلتت بعد ما اموت ، ظلوا ، كلكم راح تجيفون هنا. لم يتمكن أي من أفراد المفرزة الطبية من اللحاق به، كان يركض باتجاه الوادي وكأنه يعلم ان بقاءه لحضات أخرى سوف تجعله في خبر كان ، كنا جميعا نتمنى لو كنا شركاءه في تلك الركضة المجنونة.

. - من حرة صوابه ،تسودن ، قالها عريف فاضل ، شضل بينه بعد ، يله خل نتحرك من هذا المكان، أذا نضل نكظي هنا

تحركنا بأتجاه القمة، الطريق اليها عسير عسير جدا والخطى تتثاقل ، ليس ثمة أقدام يمكنها الوصول الى الموت.
الجثث متناثرة طوال الطريق وكلما تقدمنا نحو الأعلى نكتشف حجم الكارثة التي حلت بالجنود ، أشلاء محروقة ، ارجل أو بقايا أجساد مزقتها القذائف تنتشر في كل مكان ، جنود يختبئون في حفر صغير او بين الصخور يتطلعون الينا وكأن دواخلهم تنطق بصمت ، الى أين تذهبون ؟

أحد الوية المغاوير كان قد وصل قبلنا الى قمة الجبل وتمكن من السيطرة عليها ، لكن من تبقى من أفراده يعدون على أصابع اليدين.
الشمس بدأت رحلتها نحو الغروب خلف قمم الجبال العالية ، حين وصلت انا وعباس قاسم الى ذلك الملجأ.

لم يسلم عريف عباس ولم تنفعه دعواه المتواصلة بالبقاء والسلامة، لم تنفع نذور يونس في كل مرة نصد فيها هجوما أيرانيا، فلم نبق على قمة تل الخراء تلك سوى ثلاثة أشهر، تمكنت بعدها القوات الايرانية من أستعادتها ، عريف عباس ومن معه من أفراد سريتنا قتلوا او أسروا ، نحن الذين تمكنا من الهرب سالمين من تلك القمة نعد بسهولة ، كنا مجموعة من الجرحى او الذين أصيبوا بكدمات أو الذين يشعرون بهزة نفسية عميقة جدا ، نهذي أو نبكي ، هكذا كنا حين شرعوا بأعادة تنظيم وحدات لواءنا ، خيمة صغيرة واحدة كانت كافية لأن تضم المتبقي من أفراد سريتنا.



#شاكر_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الإيمو والحرية وكراهية الحياة
- سيرة حرب ...1 .حين أضعت الطريق الى بيتنا
- قراءة في مشاهد أعتقال وقتل دكتاتور
- المالكي ومجالس الإسناد : حكاية التاريخ المستعاد
- الإعتقالات و الإتهامات لا تحجب الحقيقة يا حكومة نوري المالكي
- عدو ما بعد القتل : عن صور جثة بن لادن
- البديل السياسي في العراق : مقاربة أولية
- حكومتنا وحكوماتهم: الأختلافات والتشابهات
- درعا في مواجهة الأسد
- بوتين والقرضاوي : فجر أوديسا أم الحرب الصليبية ؟
- إزالة الدوار أم إزالة الرمز ؟
- لنحارب المحاصصة أولا
- التجمعات والتظاهرات في العراق بين الأمل والأحباط
- ثورة أم أصلاح ؟.. حول ما يحدث في العراق .
- حزب البعث لايستحق شرف الدفاع عن مطالبنا
- نفحات فاشية ، خطاب القذافي نموذجا
- الحركات الأحتجاجية و المطلبية في العراق، شعاراتها وآفاقها
- لاتدنسوا بغداد بهذه القمة
- الثورة التونسية في عيون قذافية
- زين العابدين بن علي : دكتاتور آخر يتهاوى


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شاكر الناصري - سيرة حرب.......2 ، قسوة تل الخراء