خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 3642 - 2012 / 2 / 18 - 10:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
!العراق طواحين الأزمات ما زالت تدور
ما نعيشه اليوم في العراق انما هو تعبير عن أزمات وليس أزمة واحدة . فمنذ فشل المشروع الوطني في بناء أمة , وهو المشروع الذي سعى نحو تحقيقه الملك فيصل الاول عام 1921 م ولغاية 2003 لم يتحقق على صعيد الواقع شيء يذكر . فما زال العراقي مغيبا عن مركز صنع القرار . والسياسيون بعامة ليس في أجنداتهم مشروع بناء دولة مدنية وعصرية نتيجة ضعف الولاء والانتماء للعراق الوطن , وخضوعهم للتأثيرات الاقليمية والدولية لقاء تطمين المصالح وتحقيق المنافع .
ان المشروع الوطني هو الوليد الشرعي لعملية المخاض السياسي العسيرة القابل للحياة , وهو البديل الموضوعي للمحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية .
صحيح ان مشروع بناء أمة في العراق قد فشل بفعل تقاطع المصالح الدولية والاقليمية والقوى السياسية الفاعلة في الداخل وفي الخارج , ولأعادة محاولة بنائه , يجب أولا وقبل كلّ شيئ اعادة بناء الأنسان العراقي لبُّ عملية التغيير وجوهرها وتأهيله ليصبح قادرا على النهوض بعملية اعادة هيكلة البناء والتغيير من خلال اعادة النظر في المناهج التعليمية والتربوية الموروثة عن العهود السابقة , واعداد مشروع ثقافي يكرّس ُ حبّ الوطن والمواطنة , والعمل على بناء المؤسسات الثقافية التي تأخذ على عاتقها تنمية الذوق العراقي وتخليصه من الكم الهائل من الغيبيات , وشعوذة الملالي . ومتى ما تفهمت القوى السياسية الحاكمة ما لها وما عليها , وأنه ليس في بناء أمة غالب أو مغلوب , اذا ذاك يمكننا القول بأننا نصنع أقدامنا على الطريق الصحيح .
ان القوى التي تتربع فوق هرم السلطة اليوم , وتلك التي تجلس تحت خيمة البرلمان , لا تمتلك مشروعا براغماتيا تستطيع من خلاله الامساك بالشارع ولملمة جراحه مؤيدا لهذا المشروع ومدافعا عنه , وما اكثر الفقراء والمسحوقين والعاطلين عن العمل في بلد كالعراق . لهذا تجذّرت نزعةُ احتكار السلطة , في ظلّ غياب التصور الكامل لمستقبل العلاقة وطبيعتها بين الحاكم والمحكوم ! وكيف يجب ان تكون ؟! فالسلطة ما تزال تخشى المواطن وترهبه .
في حالة كهذه يبرز دور النخب السياسية والاعلام المستقلّ في التصدي لها .
ان ادارة الوزارات الأمنية من قبل رئيس الوزراء وعدم تسمية وزراء لها وقد مرّ قرابة عامين على تشكيل الحكومة العرجاء , انما هو تعبير عن أزمة خانقة في منظومة الحكم القت بظلالها على مستقبل العملية السياسية , وطبيعة العلاقة بين الكتل النيابية . فجرى التغييب المتعمد للمواطن عن آليات صنع القرار . وبروز نزعة الاحتكار لدى السلطة , وتجاوز المسؤولين صلاحياتهم وتضارب التصريحات وتقاطعها , والتستر على رموز الجريمة ومنابعها . كلّ هذه الامور مجتمعة خلقت بدورها شعورا حادا بالأحباط لدى المواطن بأن صوته الذي أدلى به في الانتخابات تحت تأثيرات لاهوتية وعرقية ومذهبية وقومية هو الذي قاد الى كلّ هذه الانكسارات وتعطلّ دواليب عملية البناء والتقدم . لسنا بحاجة الى اعلام مثقل بالغيبات والعادات الوافدة والطقوس اللاهوتية الدخيلة اعلام يخفي الحقائق عن الشارع , ويعرض ما يرغب فيه هو , ويثير أمورا جانبية تلهي المواطن البسيط وتصرف ذهنه عن المطالبة بتحسين واقعة المعيشي . كلّ هذا يجري تحت غطاء ديني وصولا الى تحقيق اغراض غير معلنة ومنافع ضيقة .
فالصدريون راقص بارع في سيرك السلطة وحكومة المالكي . والشعارات التي رفعوها بانت فضفاضيتها , حتى انها لم تعدُ تساوي أثمان ما كتبت عليه ,فقد تخلّوا عن المواطن عند أول منعطف في المسيرة حين قمعت حكومة حزب الدعوة متظاهري ساحة التحرير . وللأفلات من المساءلة دعا الصدريون أنصارهم الى عدم المشاركة في الاحتجاجات , لأنهم بصدد الخروج في مظاهرة مليونية ضد تمديد بقاء القوات الامريكية , فتركوا البسطاء من المحتجين يدفعون ثمن المطالبة بتحسين الواقع الخدمي عددا من الشهداء والضحايا . وكأن الدماء التي أريقت كان لا بد منها لأن اهلها أناس خرجو ا على العرف والقانون . وللحفاظ على ماء الوجه اطلقوا تصريحات ملتهبة جاءت على لسان النائبة مها الدوري , كانت كومضة في سماء صحو .
لم يقل رجل الدين القابع في ايران وقتها شيئا وهو يعلم قبل غيره أن ايران وراء تسمية المالكي لرئاسة الحكومة , وان الاحتجاج على سياسة البطش لحكومة المالكي انما هو احتجاج على وليّ النعمة ايران . فلزم الصمت . وللصمت ثمنه ايضا . فالصدريون شركاء في حكومة السرّاق واللصوص والجهلة والاميين كما انهم شركاء الملالي في ايران بسكوتهم عما يتعرض له العراق من تدخلات الحرس الثوري في شأنه الداخلي واحتلال آباره النفطية المشتركة وتجفيف منابع الانهار حين غيرّت مجرى واحد واربعين نهرا كانت تصب في العراق , وتحولت ارضه الى صحراء , وزحف التصحر واليباس حتى اكل الاخضر وترك اليابس لفقراء العراق .
سيدي مقتدى الصدر ! أنت مدين للوجود الامريكي بموقعك الذي انت فيه اليوم .
فلولا هذا الوجود , لبقيت نكرة في النجف الاشرف مغمورا عديم الجدوى والاهمية , كما كان يرى فيك ذلك صدام . ان الخطأ في صعود نجمك يعود الفضل فيه للسيد بريمر , فلو أنه أشركك في مجلس الحكم وقتها لأسقط في يدك اسباب تشكيل جيش المهدي بحجة مقاومة الاحتلال من السوقة واللصوص وقطاع الطرق وأشبال صدام . فعاث في الارض فسادا . الا أنه كان يعرف أنك سيدي وراء اغتيال السيد الخوئي , فرفض اشراكك او مشاركتك في مجلس حكمه .
لو كنت حصيفا سيدي , ووطنيا صادقا وليس ايراني الولاء , لأمرت هذه القوات أن تُعيد بناء الوطن الذي هدّمته , والجيش الذي حلّته , كما فعلت في اليابان وكوريا الجنوبية والمانيا بعد الحرب , ثم تطلب اليها أن تغادر بعد اتمام الاعمار غير مأسوف عليها . لكنك لم تفعل ذلك , لان ايران تريد تصفية حساباتها مع الولايات المتحدة على الساحة العراقية , وجيش المهدي هو اليد الضاربة لايران الملالي .
ان الازمات الطاحنة التي تمرّ بالعراق , وتسحق كقطبي الرحى المواطن المسحوق اصلا , لم تجد من يتصدى لها ويدعو السلطة - لا يغازلها - لعلاجها , وفي عدمه يكون الشارع هو الحكم الفصل . عندها سيلتفّ الشارع كله تحت عباءتكم مطالبا بالاصلاح في موقف تتوجب فيه التضحية من جميع الاطراف , وان كان احدها الانسحاب , او التهديد بالانسحاب من حكومة عرجاء مشلولة يسنّدُها الملالي في ايران , وذلك عار ما بعده عار . ولكن هذا لم يحدث , لانه يثير غضب ايران فترفع يدها عن دعم جيش المهدي . لان الملايين التي صُرفت على تجهيزه بالملابس الاستعراضية على نمط وطريقة حزب الله في لبنان , والسلاح هي في حقيقتها اموال ايرانية وليست من مالكم الخاص وقد كانت كافية لمساعدة الاف الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم , فيكون بذلك لكم حسنة وثواب .
ازاء وضع كهذا , نحن بحاجة الى اعلام حرّ ونزيه غير منحاز الا للحقيقة يأخذ على عاتقه فضح ما يجري خلف الكواليس واروقة السلطة , ونقل معاناة العراقيين الى منظمات المجتمع المدني في الخارج وحقوق الانسان والمحاكم الدولية ودعوتها لفضح ما يجري هنا على يد قيادات حزب الدعوة ومدّ يد العون للمواطن العراقي وطلب ارسال بعثات تقصيّ الحقائق لتبقى في العراق فترة تستطيع من خلالها جمع ما يكفي من الوثائق والادلة التي تستند اليها في مُقاضاة النظام الشمولي لحزب الدعوة والدكاكين الاخرى المساندة له .
كما يقع على السياسيين بناء نظام نزع فتيل الازمات , وليس تهدئة الفورات وارضاء الخواطر , واغماض العين على واقع مُزر , أو رؤيته بعين نصف مغمضة .
واخيرا اهمس في اذن الجميع من المالكي الى اصغر صنم وبيدق في السلطة ومسؤول فيها , فأقول : سيستفيق الجميع كما استفاق هتلر يوما على رنين مدافع الكاتيوشا وهي تدقّ اجراس برلين فتجعلها خرابا ينعق بها البوم .
الناصرية : خليل الفخري
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟