أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نورالدين لشكر - مفهوم البدو والحضر عند بن خلدون















المزيد.....

مفهوم البدو والحضر عند بن خلدون


نورالدين لشكر
باحث

(Noureddine Lachgar)


الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 23:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تقديم
هل من جديد يمكن أن يقدمه طالب باحث حول مفهوم ما أو موضوع ما ضمن مقدمة بن خلدون؟
لقد ظل هذا التساؤل مستغرقا هذه الورقة-العرض من أول سطر إلى أخره، وكما يقول د محمد عابد الجابري: فالمقدمة"قتلت" بحثا ودرسا، بل إن الأطاريح التي قدمت في الجامعات العربية والغربية يستحيل حصرها أو إحصاؤها ناهيك عن الكتب والمقالات هنا وهناك بشتى اللغات، حتى عد البعض أن مجرد التفكير في الكتابة عن بن خلدون –أو بعضا من مقدمته- "أمرا مبتذلا" لن يثير انتباه المختصين ولا فضول المثقفين سواء الذين هم "خلدونيين" أو "المعترضين على أفكاره" أو ما يصطلح عليه اليوم بالدراسات الخلدونية.
بيد أن سؤال "الجديد" حول مقدمة بن خلدون سرعان ما يتولد عنه سؤال "فهم" المقدمة وعدم التعسف عليها و اختزالها أو الاجتزاء لبعض نصوصها، وهو ما لا يتورع عنه كثير من الكتاب حين يعمدون الى عبارة من عباراتها ينتزعونها ويتخذونها أساسا لتأويلات وشروح بعيدة عن الفكر الخلدوني. ولذلك يعتبر د علي الوردي ان ادعاء فهم بن خلدون ومقدمته هو وهم، فيقول" واعترف أنني لم استطع ان افهم مقاصد بن خلدون إلا بعد أن قرأت مقدمته عدة مرات... وفي كل مرة اكتشف وجها جديدا منها، ومن يدريني فربما كنت حتى الساعة بعيدا عن فهم بن خلدون كما هو في حقيقة أمره".
وليست المقدمة بمعزل عن الاختزال والتجزيء شأنها شان الكتب المتينة ، بل إن كتاب الله للعالمين لم يسلم من ذلك ! ولذلك ف"إن التراث كالكتاب المقدس حتى الشيطان يمكن ان يجد فيه نصوصا تؤيد ضالته" كما قال مكسيم رودنسون.
لقد كان لابد من هذه المقدمة قبل التوقف عند موضوع هذه الورقة : البدو والحضر عند بن خلدون" فبالرغم من كل ما سبق ذكره فليس لكاتب هذه السطور حصانة من هذا "الاختزال والاجتزاء" وعلى الله قصد السبيل.
البدو والحضر وأساس الاختلاف
قد يبدو الرجوع الى مفهوم البدو والحضر عند بن خلدون مجرد موقف تراثي تذكيري بمعلمة تاريخية قروسطية، لكن بقليل من الأناة والتبصر يعثر الباحث لا محالة على مفاهيم غاية في الأهمية.
فابن خلدون يحدد ان اختلاف طبيعة الأرض من حيث الخصب والجذب هي التي حددت شكل العمران فأشكال الاجتماع وأنماط التعاون تختلف بحسب أنماط تحصيل الغذاء والكسب، فأهل الأرض الجدباء يقتصرون على الضروريات وهم مضطرون الى التنقل طلبا للعشب والماء، عكس أهل الأراضي الخصبة فإنهم يتوسعون في الأقوات والملابس والتأنق وكلما زاد استقرارهم زاد توسعهم، وإذن فالعمران يتدرج من البسيط إلى المعقد بحسب خصوبة الأرض وجدبها، وهنا يتحدد مفهومين للاجتماع :الأول ينعت أصحابه بالبدو والثاني ينعت أهله بالحضر.
1– البدو نوعان، بدو رحل وبدو مغلوبون لأهل الأمصار
أ- البدو الرحل
"وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع وتوحشهم في الضواحي وبعدهم عن الحامية واٌنتباذهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم ...ويتفردون في القفر والبيداء...قد صار لهم البأس خلقا والشجاعة سجية..."
والبدو هم ساكنو البادية التي هي في اصطلاح القدماء الصحراء والأرض القاحلة.
إن هذه الظروف القاسية التي استرسل صاحب المقدمة بأسلوبه الرائع انعكست بالضرورة على طباع أهلها وأخلاقهم ونمط سلوكهم فطباعهم تنفر من العمران ومناقضة له و"أرزاقهم في رماحهم" بسبب جدب الأرض فهم يمدون أيديهم إلى ما في أيدي الناس.
بيد أن بن خلدون وهو يقدم لنا صورة عن البدو فهو كان موضوعيا إلى أقصى درجة، فبالرغم مما نعتهم به من غلظة الطباع والجفاء والتوحش ... إلا انه قال عنهم " فهم أحسن حالا ، فألوانهم أصفى وأشكالهم اتم وأحسن وأخلاقهم ابعد عن الانحراف وأذهانهم اثقب في المعارف والإدراكات...فهم أقرب إلى الفطرة الأولى..." وسرعان ما تغلب صفاتهم الحميدة على طباعهم الذميمة من غلظة وجفاء و اخشيشان، خاصة إذا وجدوا من يعيدهم إلى فطرتهم الأولى"فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، ويذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق، ثم اجتماعهم وحصل لهم التغلب والملك"ج2 ص465
ب - بدو مرتبطون بالمدن
يقدم لنا صاحب المقدمة صنف آخر من البدو وهم الفلاحون من توقف إنتاجهم الزراعي على استعمال الآلات والأدوات وهي توجد بالحضر ومن اختصاص المدن، فهؤلاء اقرب إلى التحضر رغم أنهم لم يبلغوا درجة الترف والتفنن في العيش غير" أنهم إن لم يحصل لهم ملك" كانوا مغلوبين خاضعين.
وهنا يحدد لنا ايف لاكوست نوعين من البدو المستقرين الذين يدخلون تحت اسم "قبائل"
* قبائل خاضعة منقادة وضعيفة التلاحم وفاقدة للعصبية.
* قبائل قائدة مسيطرة شديدة الاندماج، بالتالي ذات عصبية فاعلة في التاريخ ومحركة للتطور المجتمعي، تستمر في إلحاق القبائل بها فإن هي تمكنت من تشكيل قوة تعادل او تفوق قوة الدولة او أدركتها في طور انحدارها تبادر للاستيلاء على الملك ثم الاستقرار بالمدينة. بيد أن قبائل قليلة من اتسمت بهذه الصفة بحسب علي اومليل. إذ الغالب هو أن الوضع الاجتماعي لهؤلاء النوع من البدو هو أشبه بوضع سكان المدن البعيدون عن الجاه والسلطة كما يقول الجابري.
2– مفهوم الحضر
لكن كيف ينظر بن خلدون إلى الحضر؟
الحضارة كما يعرفها صاحب النص هي: "التفنن في الترف و استجادة أحواله، والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه.." وأهل الحضارة أيضا "يقعد أفرادها عن العمل ويفر أصحاب الأموال بأموالهم وتغادر القبائل أراضيها ومراعيها... و يكثر الهرج وينقسم أهل العاصمة على أنفسهم كل يتحزب ويتعصب لنفسه وقريبه..." وهذا الوصف هو الذي أدى بابن خلدون لان يقول كلمته الشهيرة : "الحضارة مفسدة للعمران" .
"واهل الحضر القوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة وانغمسوا في النعيم والترف ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم والحاكم الذي يسوسهم، ...وتنزلوا منزلة النساء والولدان الذين هم عيال على أبي مثواهم". "فالحضارة مقرونة بالملك، فهي من توابع الترف، والترف من توابع الثروة والنعيم، والثروة والنعيم من توابع الملك(ج2 ص492
يرى فون كريمر أن بن خلدون كان ذا "نزعة تشاؤمية " بسبب أن الحضارة لفظته الى إحدى القلاع البدوية، وهو ما اثر بالضرورة في تحليلاته وتفسيراته لمفهوم الحضر والحضارة عموما. بينما يرى لاكوست وهو من أهم الدارسين للمقدمة ان بن خلدون انتقد سكان المدن لكونهم عجزوا عن تشكيل " طبقة بورجوازية" تمكن من مقاومة هجمات "الارستقراطية القبلية". ومن جانبه يرى محمد عزيز الحبابي أن "مؤاخذات وتهجمات" بن خلدون على الحضر إنما هي استثارة لهم للنهوض من سباتهم كي يحققوا حلمه بتأسيس دولة قوية أمام تحرشات البدو. لكن د الجابري يعتبر أن بن خلدون لم "ينتقد" ولم "يتحامل" وإنما "حلل" ظروفا اجتماعية وسياسية خاصة.
خلاصة
إن الانتقال من البداوة إلى الحضارة هو بالضرورة عند صاحب المقدمة انتقال من الخشونة إلى الترف ومن مجتمع شظف العيش والحرمان الذي هو أساس التضامن من اجل البقاء إلى مجتمع تطغى عليه صفة الفردانية والنزوع نحو الجاه والمال، وبحسب د المختار الهراس هو "انتقال من المصلحة المشتركة الى النزعة الفردية"
إن التمييز بين البدو والحضر في المقدمة هو في اختلاف طرق الكسب ، المعيشة، الطباع، والسلوك وكذا تأثير المناخ والخصب والجدب. و كل إيغال في التفنن في العيش والبذخ والترف هو استدراج بالضرورة نحو فساد العمران ونهايته، فهو نعي مقدم لحضارة الاستهلاك!
و ختاما
شدد ريمي لوفو على أن "المخزن" استفاد كثيرا من المعرفة السوسيولوجية الكولونيالية التي جعلته يتحكم في البادية المغربية، إذ جعل الفلاح - صانع التغيير عند بن خلدون عند كل فساد للعمران- حاميا لعرشه وبعيدا عن كل الصراعات السياسية ، و لا يخفى أن ريمي لوفو يلتقي أحيانا مع بن خلدون فيما يتصل بتبعية البادية للحضر أو تبعية رجل البادية لرجل السلطة!
يتساءل د المختار الهراس عن جدوائية الأسئلة "ما قبل النظام الاستعماري"؟ طارحا سؤالا آخر وهو: هل خرجت مجتمعات المغرب العربي حاليا عن "الزمن الخلدوني"؟
ختاما نتساءل بدورنا إلى أي مدى يمكن التمسك بمفهومي البدو والحضر الخلدونيين في زمن تتلاشى فيه الحدود بين ما هو حضري وبدوي؟ ألا توجد كيانات ومجتمعات موسومة بعلامات أخرى غير ما هو حضر وبدو؟ أين تنتهي كل من البادية والمدينة؟ وخاصة في زمن المسيرات والوقفات الاحتجاجية ل"بدو" و"سلاليات" وأهل مداشر نائية و"مغلوبة" في زمن عولمة القيم والتواصل و"الربيع العربي" الذي كسر الدائرة المغلقة التي يتهم بها البعض صاحب المقدمة.

المراجع
عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، دار الجيل، بيروت
المختار الهراس، القبيلة والسلطة، المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني، مطبعة الرسالة
محمد عابد الجابري، العصبية والدولة، مركز دراسات الوحدة العربية، ط7، بيروت
ريمي لوفو، الفلاح المغربي المدافع عن العرش، وجهة نظر، ط2011
مكسيم رودنسون، الإسلام والرأسمالية، ترجمة نزيه الحكيم، بيروت، دار الطليعة،1968
علي الوردي، منطق بن خلدون، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، 1962



#نورالدين_لشكر (هاشتاغ)       Noureddine_Lachgar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقة مقتضبة حول مفهوم التربية


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نورالدين لشكر - مفهوم البدو والحضر عند بن خلدون