أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زياد حميدان - المصالحة والعدالة الانتقالية في الأرض الفلسطينية















المزيد.....



المصالحة والعدالة الانتقالية في الأرض الفلسطينية


زياد حميدان

الحوار المتمدن-العدد: 3589 - 2011 / 12 / 27 - 10:26
المحور: حقوق الانسان
    


مقدمة

ما أن تم التوقيع على اتفاق المصالحة بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في القاهرة في أوائل العام 2011، حتى بدء النقاش يدور حول أهمية وضرورة تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية بعد حالة الانقسام الفلسطيني التي امتدت من العام 2007 وحتى هذه اللحظة، وما تخلل تلك الفترة من انتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، والتي ظهر وجود سياسة مدروسة تقف خلفها.
عليه؛ فإن أيّ مصالحة حقيقة لا يمكن لها أن تنجح دون التعامل مع إرث الانقسام الثقيل، وهو ما يتم من خلال تحقيق العدالة للضحايا الذين انتهكت حقوقهم خلال فترة الاقتتال وما تلاها من الانقسام، كأمر ضروري لتحقيق المصالحة ذاتها، ذلك أن أي مصالحة لا تضع نصب أعينها قضية العدالة الانتقالية ستكون منقوصة، خاصة فيما يتعلق بإنصاف الضحايا ومنع إفلات من ارتكبوا جرائم وانتهاكات جسيمة وخطرة لحقوق الإنسان وحرياته من العقاب.
ومع أن "المصالحة" تعد أمراً ضرورياً للشعب الفلسطيني، إلا انه من المهم عدم تجاهل تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية، فإذا كانت المصالحة عملية تهدف إلى " طي صفحة الماضي" أو "العفو والنسيان"، فهي لا تعني عدم إنصاف الضحايا ومحاسبة من ارتكبوا الجرائم بحقهم، وهو ما يعد أمرا غير مقبول من وجهة نظر حقوق الإنسان، لأن المصالحة الحقيقية يجب أن تكون مرتبطة بالمحاسبة والعدالة والاعتراف بالجرائم الماضية.
وقد يحاجج البعض أن احتياجات السياسية قد لا تتيح هكذا نوع من المصالحة، والتي لا يتم التطرق لها صراحة، فيما يتم التركيز على كونها الجهود الرامية إلى إرساء السلام والثقة الوطنية بين الخصوم القدامى بعيدا عن سياق من العدالة والمحاسبة.
ستحاول هذه الورقة الوقوف على مفهوم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، إضافة إلى عدد من المقاربات والمبادرات الإنسانية في هذا المجال، ومن ثم التطرق لإمكانيات تحقيق العدالة الانتقالية في الأرض الفلسطينية ارتباطا بتحقيق المصالحة بل وكمدخل لها.

لمحة تاريخية

يرجع الظهور المبكر لمفهوم العدالة الانتقالية إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن العدالة الانتقالية بدأت تظهر بشكل أكثر وضوحا في سبعينات القرن الماضي عبر ما يقارب من 25 تجربة حول العالم بدأت منذ العام 1974 في أوغندا ثم تلتها عدة تجارب باختلاف مسمياتها في بوليفيا 1982، الأرجنتين 1983، تشيلي 1990، جنوب إفريقيا 1995 تيمور الشرقية 2002 وصربيا 2004.

هذا وقد مثلت تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب في العام 2004 أول تجربة عربية ومثالا فريداً، لكونها ارتبطت بشكل أساسي بتوفر إرادة سياسية شكلت أرضية للإصلاحات التي انخرط فيها المغرب لتثبت إمكانية تحقيق العدالة الانتقالية من داخل السلطة، من أجل طي صفحة سنوات الجمر (سنوات الرصاص).

مفهوم العدالة الانتقالية

قد يعتري مصطلح العدالة الانتقالية بعض الغموض أو قد يتداخل مع مفهوم العدالة التقليدية، حيث تُعنى العدالة الانتقالية بالفترات الانتقالية التي يجري فيها مثلاً الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح إلى حالة السلم، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حكم ديمقراطي، أو التحرر من احتلال أجنبي، وفي العادة يواكب هذه المراحل بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية وسعي لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الخطيرة.)شعبان،2008).

هذا ويقتصر نطاق العدالة الانتقالية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم دولية معينة كالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والخروقات الجسيمة لقوانين وأعراف الحرب( سوتاس،2008: 90)، على أساس كونها رؤية وتمشي منهجي هدفه معالجة ماضي انتهاكات جسيمة، ومساعدة الشعوب أو الجماعات على التخلص بشكل مباشر وسلمي وغير عنيف من ثقل الماضي نحو مجتمع ديمقراطي، دون أن تكون عملية تفرض على المجتمع وبالتحديد الضحايا فرضا ارتباطا بالعفو والمغفرة، يقول مارك فريمان:" تقاس مدى شرعية آليات العدالة الانتقالية بمدى معارضة أو تأييد الضحايا لها، ودرجة قدرتهم على المشاركة بها والإفادة منها"( سوتاس،2008 : 90).
عليه، يقصد بمفهوم ”العدالة الانتقالية “ لأغراض هذه الورقة:" كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها اﻟﻤﺠتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة وقد تشمل هذه الآليات القضائية وغير القضائية على السواء، مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية ( أو عدم وجودها مطلقا) ومحاكمات الأفراد، والتعويض، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري، وفحص السجل الشخصي للكشف عن التجاوزات، والفصل أو اقتراﻧﻬما معا(UN,2004).

الاقتتال الداخلي والانقسام منذ العام 2007 وحتى إتمام المصالحة في العام 2011

حين اندلعت أحداث الاقتتال الفلسطيني في العام 2007 صعق الكثيرون مما جرى وكان منهم الشاعر الراحل محمود درويش الذي خاطب الجميع قائلا : "أنت منذ الآن غيرك.. هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟"
فمع أن أحداث الاقتتال لم تستغرق وقتا طويلا نسبيا إلا أنها تسببت في سقوط الكثير من الضحايا ووقوع انتهاكات خطيرة من قبل طرفي النزاع الدامي، فيما تلا الانقسام سيل من الانتهاكات التي مست حقوق الإنسان الفلسطيني وحرياته بدءً من انتهاك حق الإنسان في الحياة وتنفيذ جرائم الإعدام خارج نطاق القانون والقضاء والتعذيب والاعتقال التعسفي والتمييز على خلفية الانتماء السياسي وقمع الحريات العامة، وإنكار ضمانات المحاكمة العدالة للمتهمين، لدرجة أن البعض ذهب إلى أن تلك الانتهاكات ترقى لجريمة الاضطهاد الذي يجري بناءً على سياسة تمييز ممنهجة تمارسها مؤسسة تتماهى كثيراً مع نظام الدولة بوليسية.
وبعد جهود ماراثونية استطاع طرفا الانقسام الفلسطيني الجلوس وتوقيع اتفاق المصالحة، فهل يمكن أن تتحقق هذه المصالحة دون أن يمنحها ضحايا انتهاكات الطرفين شرعيتها إثر إنصافهم ومحاسبة من انتهك حقوقهم؟

المصالحة الوطنية

أثمرت الجهود العربية والفلسطينية مؤخرا عن توقيع اتفاق المصالحة ما بين حركتي فتح وحماس من أجل تحقيق المصالحة الوطنية على الأرض لتلحق بركب الكثير من المصالحات الوطنية التاريخية التي شهدتها بلدان وشعوب أخرى، والتي استطاعت من خلال إحراز المصالحة الوطنية تجاوز الماضي نحو المستقبل.
يرجع مصطلح "المصالحة الوطنية" إلى الزعيم الفرنسي شارل ديجول، الذي أستخدمه ارتباطا بشكل أساسي بضرورة تحمل مسؤولية محو جرائم الماضي التي وقعت تحت الاحتلال أو أبان حرب الجزائر، ليستخدمه من بعده نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا عندما كان ما يزال قابعاً في السجن، إذ رأى أن من واجبه أن يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفو العام والمصالحة الوطنية، لأنه رأى أن البلاد ستكون عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد، وتشمل المصالحة الوطنية الإجراءات والعمليات التي تكون ضرورية لإعادة بناء الأمة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته (الفجيري وزيادة،2007).
إن الاتفاق ما بين حركتي فتح وحماس يفتح الباب واسعا أمام تحقيق المصالحة الوطنية، إلا انه ومع اللحظات الأولى للاتفاق إن لم يكن قبله، تعالت أصوات كثيرة تنادي بتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية كأحد الأسس التي لا يمكن للمصالحة أن تنجح بدونها.

أسس العدالة الانتقالية

تقوم العدالة الانتقالية على عدة أسس هي:

1. الدعاوى الجنائية: وتشمل هذه تحقيقات قضائية مع المسئولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان؛ أي المشتبه فيهم الذين يعتقد أنهم يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة أو المنهجية.
2. لجان الحقيقة: والتي تقوم بإجراء تحقيقات بشأن الفترات الكبيرة للانتهاكات التي وقعت في الماضي وإصدار تقارير عنها؛ وتقدم توصيات لمعالجة تلك الانتهاكات، ومنع تكرارها في المستقبل.
3. جبر الضرر والتعويض: وهي مبادرات تدعمها الدولة، وتسهم في جبر الأضرار المادية والمعنوية المترتبة على انتهاكات الماضي؛ وقد تشمل على تعويضات مالية واعتذارات رسمية.
4. الإصلاح المؤسساتي: وتهدف هذه الجهود إلى تحويل المؤسسات العسكرية والشرطية والقضائية، وغيرها من مؤسسات الدولة المتعلقة بها، من أدوات قمع للشعب إلى أدوات نزيهة لخدمته.
5. جهود تخليد الذكرى: وتشمل إقامة المتاحف والنصب التذكارية للضحايا، وذلك بهدف رفع مستوى الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي، من اجل الحيلولة دون تكرارها في المستقبل(المركز الدولي للعدالة الانتقالية).

1. الدعاوى الجنائية
تعد الدعاوى الجنائية أحد أهم واعقد الأسس في عملية تطبيق العدالة الانتقالية، ذلك أن متابعة الدعاوى الجنائية وإجراء محاكمات لمتهمين بارتكاب جرائم حقوق الإنسان، فهي تحقق الإنصاف للضحايا ومحاسبة المجرمين، ومن جهة أخرى قد تشكل خطرا على تحقيق المصالحة بين الأطراف التي اشتركت في النزاع ( سلطة، أحزاب طوائف..الخ)، ولهذا يتم الضغط من اجل تجاهل هذه الركيزة من خلال رفع شعار مبدأ العفو العام.
فبالرغم من أسس العدالة الانتقالية السابقة الذكر إلا أن مبدأ العفو العام يعد مهما بعد أن كرسته كثير من التجارب التاريخية بهدف تحقيق العدالة الانتقالية، لكونه يجنب عملية الانتقال والمصالحة الخوض في الماضي وتهديد نجاح المصالحة، مع أن الأخذ بمبدأ العفو العام يتعارض ومبدأ المحاسبة.
فعلى مستوى المنظومة التشريعية الفلسطينية، شدد القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (10) على حماية حقوق الإنسان حيث نصت على:
1. حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام.
2. تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان.
أما المادة (42) والخاصة بحق العفو الخاص للرئيس فقد نصت على" لرئيس السلطة الوطنية حق العفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها، وأما العفو العام أو العفو عن الجريمة فلا يكون إلا بقانون"، فيما حظرت المادة (32) الاعتداء على الحريات الشخصية وحرمة الحياة الخاصة حيث جاء فيها:" كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر"، وبهذا فإن العفو العام فيما يتعلق بما ذكرته مادة (32) يتناقض بجلاء مع عدم سقوط الدعاوى الجنائية بالتقادم، ما يجعل أي قانون للعفو العام غير دستوري في الحالة الفلسطينية.
وقد يكون الاستفتاء مخرجا لإقرار العفو العام إلا أن القانون الأساسي الفلسطيني لم يتطرق لمسألة الاستفتاء، وعليه فان أي توجه لا يعمل على تطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة يتعارض دستوريا مع القانون الأساسي الفلسطيني، ولا يبقى نظريا إلا أن يتفق طرفا الانقسام على تعديل دستوري يزيل التناقض ما بين المادتين (42) و(32).
هذا ويلزم القانون الدولي كافة الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان بعد ارتكابها وفرض عقوبات على المسئولين عنها، إلا أنه ومع الوصول إلى التفاصيل تظهر عقبات وتساؤلات كثيرة من سبيل: كم شخصا من بين العدد الإجمالي للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حقوق الإنسان يجب أن يتم التحقيق معهم أو محاكمتهم؟ أو ما هو النطاق المسموح به في تقدير النائب العام في إصدار الاتهامات المتعلقة بجرائم حقوق الإنسان؟
إن أهمية المحاكمات تأتي من كونها يمكن أن تساعد على إعادة الشعور بالثقة بين المواطنين حول سيادة القانون وإرساء روادع خاصة وعامة والتعبير عن إدانة عامة الناس للسلوك الإجرامي وتوفير شكل مباشر من المحاسبة لمرتكبي تلك الأعمال والعدالة للضحايا، والمساهمة في زيادة ثقة الجماهير الناس في قدرة الدولة ورغبتها في إنفاذ القانون، إضافة إلى إعادة الكرامة للضحايا وإعادة بناء/المساعدة على إعادة بناء الثقة الضرورية بين المواطنين والمؤسسات بالدولة والتي لابد منها.
إلا أن عملية المحاكمات مسألة معقدة وبحاجة لإمكانيات كبيرة حيث يمكن أن تحول عدة معوقات أمام إطلاقها مثل قلة الموارد المالية وضعف أو فساد النظام القضائي ناهيك عن العدد من المشاكل كان يكون تعداد الضحايا والمنتهكين بالمئات أو بالآلاف، وخطر تهديد السلام الهش وتهديدات موجهة إلى الشهود ومخاوفهم والحاجة الملحة الأخرى في التعامل مع الجرائم الحالية وكذلك جميع القيود القانونية الممكنة مثل قوانين العفو وقوانين التقادم وحظر التجريم بأثر رجعي والحصانات لدى الجهازين التنفيذي والبرلماني.

العفو العام

يعّرف العفو العام بكونه:" ضمان الحصانة أو الصفح بعدم الخضوع للقانون المطبق، والذي تمنحه دولة ما لفئة معينة من الأشخاص عن فئة معينة من الجرائم"، ويمكن أن يطبق قبل المحاكمة لحماية بعض الأشخاص من المحاكمة القانونية ونتائجها، أو بعد المحاكمة لوضع حد نهائي لنتائج المحاكمة القانونية، بينما لا يطبق الصفح إلا بعد المحاكمة فقط(المركز الدولي).
يرى لويس جواني في مبادئه انه حتى المغفرة من جانب الضحية لا يمكن أن تبرئ الجاني فالضرر الذي لحق بالضحايا والمجتمع من خلال انتهاك القواعد التي تحمي الحقوق الأساسية يؤدي إلى التزام من جانب الدولة لمحاكمة الجاني ومعاقبته"( سوتاس،2008: 93)، كما يعد العفو أمراً غير مرغوبا فيه من منطلق حقوق الإنسان لكونه يخرق حق الضحايا في الإنصاف أو متناقضا مع التزامات الدولة بموجب القانون الدولي بمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، ولأنه يؤدي إلى تهرب مرتكبي جرائم حقوق الإنسان بشكل غير عادل من المسؤولية الأمر الذي يقوض فكرة الردع، فمن خلال العفو تكرس فكرة أن الجرائم الخطيرة يمكن ارتكابها دون التعرض للعقاب، ما يجعل مجرمي حقوق الإنسان أحرارا ليرتكبوا في المستقبل جرائم حقوق الإنسان أو إثارة النزاعات أو عدم الاستقرار.
وأخيرا فإن العفو قد يفقد ضحايا جرائم حقوق الإنسان الأمل بتحقيق العدالة والإنصاف ما قد يؤدي ببعض الضحايا إلى أخذ القصاص بأيديهم والقيام بأعمال خاصة للثأر لأنفسهم، ما من شانه تأجيج النزاعات من خلال الأخذ بالثأر والقصاص المضاد بين الجماعات.
هذا ويعد البروتوكول الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الاتفاقية الوحيدة التي تشجع العفو بشكل صريح في سياق نزاع مسلح داخلي، دون أن يعني ذلك مساندة العفو العام عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، فيما يتطرق تصريحان للأمم المتحدة إلى مسألة العفو فيما يخص جرائم حقوق الإنسان، هما إعلان الأمم المتحدة الخاص بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (المادة 18) ومبادئ الأمم المتحدة بشأن المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة (المبدأ 19)، ومع هذا لا يمكن اعتبار أي منهما مصدرا ملزما، ومن جهة أخرى توجد مجموعة كبيرة من قرارات الأمم المتحدة تقول إن عمليات العفو المستعملة كغطاء تعتبر خرقا للقوانين الدولية، غير أن هذه القرارات ليست ذات طبيعة ملزمة.
ونظرا إلى عدم وجود معاهدة تحظر العفو بشكل صريح في مجال جرائم حقوق الإنسان، فإن حجج القانون الدولي المناهضة للعفو تقوم بالضرورة على التزامات الدول الضمنية التي تتمثل في أن جميع الدول ملزمة بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان وإلحاق العقاب بالمسؤولين عنها، إضافة إلى التزام إيقاف الانتهاكات الجارية والحيلولة دون ارتكاب انتهاكات جديدة.
هذا وينص المبدأ 24 من مجموعة المبادئ لمكافحة الإفلات من العقاب، على أن العفو وغيره من تدابير الرأفة، عندما يكون الغرض منها تهيئة الظروف المواتية لاتفاق سلم أو تيسير المصالحة الوطنية لا يجب أن تخرج عن حدود أهمها أنه : لا يجوز لمرتكبي الجرائم الجسيمة بموجب القانون الدولي الاستفادة من هذه التدابير إلى أن تفي الدولة بالالتزامات الواردة في (المبدأ 19 المتعلق بتشكيل لجان تحقيق ومحاكمة مرتكبي الجرائم) أو يكون مرتكبو الجرائم قد حوكموا أمام محكمة لها اختصاص- سواء كان دوليا ومدولا أو وطنيا- خارج الدولة المعنية.
قد يحاجج البعض في أن العفو العام حاجة وإجراء سيساهم في إتمام المصالحة الوطنية، لكونها جزءً أساسيا من عملية سياسية تتطلب غض النظر عن كثير من الممارسات التي أقدم عليها طرفي الانقسام، كي يتم النجاح في تحقيق المصالحة، ما يجعل المصالحة في بعض السياقات بمثابة الضمانة للإفلات من العقاب، في مقابل التغاضي عن الحاجة الماسة لشفافية وصدقيه في التعاطي مع ملف الضحايا بصورة لا لبس فيها، بتساهل موضوع الاعتذار ورد الاعتبار للضحايا وجبر الضرر والتعويض، بعد أن تقدم لجان تقصي الحقائق أو لجان الحقيقة في ما تم افتراقه من انتهاكات وجرائم، ليتم تقديم العفو العام على مبدأ أساسي وهو مساءلة المنتهكين، إن العقدة تكمن في وجود إرادة سياسية لدى أطراف أي نزاع تدفع في السير في هذه العملية وعدم الالتفاف على مطلب المحاسبة.
على المستوى الفلسطيني يوجد الكثير من المتطلبات لضمان إجراء المحاكمات أولاها توافر الإرادة السياسية، ومن ثم وضع الإطار التشريعي والقانوني بإصدار قانون للعدالة الانتقالية، وجود نظام قضائي يتمتع بكفاءة في التعامل مع هذه القضايا ويحوز على بنية أساسية مناسبة قادرة على حمل أعباء هذه العملية، محققون وخبراء، فيما يجب إجراء نقاش وطني تشارك فيه جميع الفعاليات الفلسطينية من أجل الاتفاق على موقف موحد تجاه إقرار مبدأ العفو العام أو الصفح والمغفرة، إلا أن الأكثر احتمالا وقبولا هو السير في محاكمة من هم مسئولون عن الجرائم وبعد الانتهاء من تلك المحاكمات يمكن الحديث عن مبدأ الصفح والمغفرة.

2. لجان الحقيقة
أن أهم ما يمس الضحايا والمجتمع هو كشف الحقيقة، فعلى الرغم من أن منح التعويضات أمر مهم إلا انه دون عملية كشف للحقيقة، قد يجعل الضحايا ينظرون إلى تلك التعويضات "كأموال ملطخة بالدماء" أو محاولة لشراء صمتهم، عليه كانت لجان الحقيقة من أهم أسس العدالة الانتقالية وأولها في كثير من الأحيان، حيث تتميز لجان الحقيقة بكونها هيئات وطنية مؤقتة، وتعمل غالبا لمدة سنة أو سنتين، محدثة بمقتضى قانون في نطاق صلاحيات رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو البرلمان، ويتم تشكيلها غالبا في مرحلة من مراحل الانتقال السياسي، سواء من الحرب إلى السلم أو من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية؛ وهي تركز على الماضي، وتحقق حول نماذج من الانتهاكات الخاصة المرتكبة خلال مدة من الزمن، وليس فقط حول حدث خاص بعينه، كما وتستند لجان الحقيقة إلى منظومات مرجعية مشتركة من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمنظومات الإقليمية والمحلية والأفكار والآراء المتبلورة حول قضايا السلم والعدالة الانتقالية، (بنيوب،2088: 22).
كما وتتميز بكونها هيئات غير قضائية تتمتع بنوع من الاستقلال القانوني، وهي تعطي الأولوية لحاجيات الضحايا والإصابات؛ وتنهي في معظم الأحيان عملها بتقديم تقرير نهائي يتضمن الاستنتاجات والتوصيات؛ وهي تركز على انتهاكات حقوق الإنسان وفي بعض الأحيان على انتهاكات المعايير الإنسانية كذلك(المركز الدولي).
يجدر الإشارة إلى وجود عدة أشكال من اللجان التي تتشابه مع لجان الحقيقة، يذكر منها اللجان التاريخية والتي تقوم بتحقيقات حول انتهاكات الدولة التي ارتكبت منذ عدة سنوات أو عقود، لتعمل على توضيح الحقائق التاريخية وإبداء التقدير للضحايا غير المعترف بهم سابقا أو لخلفهم دون أن يكون لها ارتباط بمراحل انتقالية، كما وتتميز هذه اللجان عن لجان الحقيقة في أنها لا تحقق عموما في قضايا القمع السياسي الواسع الانتشار ولكن تركز على الممارسات التي أثرت على مجموعات خاصة إثنية أو عرقية أو مجموعات أخرى، ومن الأمثلة على ذلك (اللجنة الملكية الكندية الخاصة بالسكان الأصليين).
شكل آخر من اللجان هو لجان تقصي الحقائق وهي تتميز بمحدودية نطاقها أو سلطتها، وكونها أقل استقلالا من العمليات السياسية أو يتم العمل بها فقط كبادرة نحو إنشاء لجنة للحقيقة بكل معنى الكلمة، ومن بين الأمثلة على هذه اللجان:" اللجان البرلمانية المتنوعة لتقصي الحقائق التي تؤسسها الأجهزة التشريعية في جميع أنحاء العالم، والتحقيقات المنجزة من طرف مفوض ضحايا أيرلندا الشمالية في أواخر التسعينيات، والتحقيق المنجز من طرف المفوض الوطني لحقوق الإنسان في هندوراس في 1993 فيما يخص الاختفاءات التي عرفها هذا البلد، أو محاكم التحقيق الخاصة بالوقائع المختلفة التي تنشأ عادة في بلدان الكومنولث" (المركز الدولي للعدالة الانتقالية:2011).
إلى ذلك تعد لجان تقصي الحقائق الأممية من اللجان الهامة والأكثر ديمومة والتي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان وتحقق فيها وتعد تقارير عنها، وهي تتضمن آليات الأمم المتحدة المختلفة مثل: مكاتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمبعوثين الخاصين للأمين العام أو المفوض السامي لحقوق الإنسان، وهيئات معاهدات حقوق الإنسان، والمقررين الخاصين والخبراء المستقلين المعينين من طرف لجنة حقوق الإنسان حول مواضيع خاصة أو مهام خاصة ببعض البلدان. وتشمل كذلك آليات إقليمية موازية لتقصي الحقائق تحت سلطة أنظمة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية أو OAS أو الاتحاد الأوروبي.
ورغم القيمة الفائقة جدا لهذه الأنواع المختلفة من آليات تقصي الحقائق، فإن الآلية الأوسع انتشاراً والأكثر تطبيقا، والتي تعتبر الأقرب اتصالا مع العدالة الانتقالية، نظريا وعمليا، هي لجان الحقيقة، ورغم أن مفهوم لجنة الحقيقة مرتبط غالبا بالنموذج الأكثر شهرة وهو لجنة جنوب إفريقيا للحقيقة والمصالحة – فذلك العمل كان نوعا غير معتاد من اللجان من حيث عدة أوجه، وعلى سبيل المثال، كانت هي لجنة الحقيقة الوحيدة إلى الآن التي كان لها سلطات منح العفو(المركز الدولي).
يذكر انه إلى جانب لجان الحقيقة الرسمية توجد آليات لتقصي الحقائق لها نفس الفاعلية يتم إنشاؤها من طرف مجموعات المجتمع المدني، وهي تقوم بجهود مماثلة للجان الرسمية والتوثيق والمحاكمات الصورية.

• اللجنة الفلسطينية المستقلة للتحقيق وفقا لتقرير غولد ستون

على إثر العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 قامت الأمم المتحدة بإرسال بعثة تقصي حقائق للنظر في صحة الانتهاكات التي شهدتاه تلك الحرب وكان من توصيات اللجنة التي رفعت تقريرها لمجلس حقوق الإنسان الذي قدمه بدوره إلى للجمعية العامة والتي تبنت بتاريخ 5 تشرين الثاني 2009 قرارا يحمل رقم 10/64/A حثت فيه الجانب الفلسطيني" تماشيا مع توصية البعثة بعثة على تقصي الحقائق على أن يجري في غضون ثلاثة شهور تحقيقات مستقلة وذات مصداقية بما يتفق مع المعايير الدولية في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنسان الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي أوردتها بعثة تقصي الحقائق في تقريرها بهدف ضمان المسائلة والعدالة"(لجنة غولدستون).

وفي 25 يناير 2010 صدر مرسوم رئاسي عن رئيس السلطة الفلسطينية يقضي بتشكيل لجنة فلسطينية مستقلة للتحقيق في ما ورد حول انتهاكات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة.

وبالفعل تم تكوين اللجنة التي أعدت نظاما أساسيا حددت فيه صلاحياتها ومهامها، حيث ركزت عملها حول الانتهاكات المتعلقة بما يلي:"بالاعتقال التعسفي والتعذيب، وانتهاك حرية تكوين الجمعيات، وانتهاك الحريات الصحفية وحرية التجمع السلمي، والتمييز في التعيين على أساس الانتماء السياسي في الضفة الغربية. في حين تشمل ولاية اللجنة في قطاع غزة، أي المناطق الخاضعة لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس، الانتهاكات المتعلقة بالقتل والاعتقال التعسفي، والتعذيب وسوء المعاملة في قطاع غزة" (تقرير لجنة غولد ستون).

إن المطلوب في الحالة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق المصالحة، أن يتم إقرار قانون للعدالة الانتقالية يتضمن تشكيل لجنة تقصي حقائق لها صلاحيات تمكنها من العمل في الأرض الفلسطينية لتحديد الانتهاكات والضحايا والأضرار التي نجمت عن حالة الانقسام، وتقدم تقريرا مانعاً ليقف الجميع أمام مسئولياتهم.


3. جبر الضرر والتعويض

يشمل مفهوم جبر الضرر تعزيز العدالة بالانتصاف في انتهاكات حقوق الإنسان، فيما يجب أن يكون جبر الضرر متناسبا مع جسامة الانتهاك والأذى الناجم عنه ( بنيوب،2008: 31)، أما أشكال جبر الضرر فهي الاسترداد والتعويض ورد الاعتبار والضمانات بعدم التكرار.

فبحسب (المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 2005 (الدورة الستون ـ 60) فإن للضحايا الحق في جبر ما يتكبد من ضرر، بحيث يكون الجبر متناسبا مع فداحة الانتهاكات والأضرار المترتبة عليها. كما ويجب أن توفر الدولة، وفقا لقوانينها المحلية والتزاماﺗﻬا القانونية الدولية، الجبر لضحايا ما تقوم به أو تمتنع عنه من أفعال تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمتمثلة في الرد والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم التكرار.
واستناداً للمبادئ فإنه ينبغي دفع التعويض عن أي ضرر يمكن تقييمه اقتصاديا، حسب الاقتضاء وبما يتناسب مع جسامة الانتهاك وظروف كل حالة، ويكون ناجما عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، من قبيل ما يلي:
1. الضرر البدني أو العقلي؛
2. الفرص الضائعة، بما فيها فرص العمل والتعليم والمنافع الاجتماعية؛
3. الأضرار المادية وخسائر الإيرادات، بما فيها خسائر الإيرادات المحتملة؛
4. الضرر المعنوي؛
5. التكاليف المترتبة على المساعدة القانونية أو مساعدة الخبراء والأدوية والخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية
عليه؛ فإن التعويض فيكون ماديا أو معنويا وكذلك فرديا أو جماعيا، كما يمكن أن يتم التعويض المادي عن طريق منح أموال أو حوافز مادية، أو أن يشمل تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والإسكان، أما التعويض المعنوي فيكون مثلا عبر إصدار اعتذار رسمي، أو تكريس مكان عام (مثل متحف أو حديقة أو نصب تذكاري) أو إعلان يوم وطني للذكرى.
هذا ويشمل الحق في جبر الضرر الضحايا المباشرين وغير المباشرين مثل أسرة شخص تعرض للاختفاء القسري أي من هم الضحايا الذين يجب حبر الضرر الذي وقع لعيهم، فيما الضرر هو أي انتهاك لأي حق من حقوق الإنسان ينطوي على تعرض الشخص للضر سواء كان بدنيا أو عقليا أو اقتصاديا( اللجنة الدولية للحقوقيين،2009: 33).
أما فيما يتعلق بالاسترداد فتذهب المبادئ إلى أنه ينبغي، متى أمكن ذلك، إعادة الضحية إلى وضعها الأصلي قبل وقوع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما ويتضمن الاسترداد ، حسب الاقتضاء، ما يلي : استرداد الحرية، والتمتع بحقوق الإنسان، واسترداد الهوية، والحياة الأسرية والمواطنة، وعودة المرء إلى مكان إقامته، واسترداد الوظيفة، وإعادة الممتلكات.
وبالنسبة لإعادة التأهيل فينبغي أن تشمل الرعاية الطبية والنفسية فضلا عن الخدمات القانونية والاجتماعية، كما وينبغي أن تتضمن الترضية، كلما أمكن، عددا من الأمور نذكر هنا منها:
1. اتخاذ تدابير فعالة لوقف الانتهاكات المستمرة؛
2. التحقق من الوقائع والكشف الكامل والعلني عن الحقيقة على ألا يسبب هذا الكشف المزيد من الأذى أو التهديد لسلامة أو مصالح الضحية أو أقارب الضحية أو الشهود أو الأشخاص الذين تدخلوا لمساعدة الضحية أو لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات؛
3. إصدار إعلان رسمي أو قرار قضائي يعيد الكرامة والسمعة وحقوق الضحية والأشخاص الذين تربطهم ﺑﻬا صلة وثيقة؛
4. تقديم اعتذار علني، بما في ذلك الاعتراف بالوقائع وقبول المسؤولية؛
5. فرض عقوبات قضائية وإدارية على الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات؛
6. إحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم؛
7. تضمين مواد التدريب والتعليم في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، على جميع المستويات، وصفا دقيقا لما وقع من انتهاكات.

أما ضمانات عدم التكرار فينبغي أن تشمل، كلما أمكن، أيا من التدابير التالية التي ستسهم أيضا في الوقاية، أو جميع هذه التدابير:
1. ضمان فرض رقابة مدنية فعالة على القوات المسلحة وقوات الأمن؛
2. ضمان التزام جميع الإجراءات المدنية والعسكرية بالمعايير الدولية للمحاكمة حسب الأصول والإنصاف والنزاهة؛
3. تعزيز استقلال السلطة القضائية؛
4. حماية الأشخاص العاملين في المهن القانونية والطبية والصحية ووسائط الإعلام وغيرها من المهن ذات الصلة، والمدافعين عن حقوق الإنسان؛
5. توفير التثقيف في ميدان حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي لجميع قطاعات اﻟﻤﺠتمع والتدريب للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، فضلا عن القوات المسلحة وقوات الأمن، وذلك على سبيل الأولوية وعلى أساس مستمر؛
6. التشجيع على التزام موظفي الدولة، ومنهم الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين وموظفو السجون ووسائط الإعلام والخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية والأفراد العسكريون، فضلا عن المؤسسات الاقتصادية، بمدونات قواعد السلوك والمعايير الأخلاقية، ولا سيما المعايير الدولية؛
7. استحداث آليات لمنع ورصد الصراعات الاجتماعية وإيجاد حلول لها؛
8. مراجعة وإصلاح القوانين التي تسهم في وقوع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي أو تفسح اﻟﻤﺠال أمام وقوع هذه الانتهاكات.
أما على صعيد التشريعات الفلسطينية فقد جاء في المادة (32) من القانون الأساسي "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضر".
عليه فإنه من المهم في السياق الفلسطيني أن تقوم أطراف الانقسام بإعادة الحقوق القانونية أو الأموال والممتلكات للضحايا، حيث يجب إعادة إدماج الموظفين الذين فصلوا من وظائفهم العمومية، وإعادة تصويب أوضاع الجمعيات إلى ما قبل الانقسام، كذلك إعادة الممتلكات والأموال التي صودرت، ناهيك عن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
إلى ذلك فإن الاعتراف الرسمي بما جرى من انتهاكات وتحمل المسئولية وتقديم الاعتذار للضحايا والمجتمع أمر رغم كونه رمزيا يعد غاية في الأهمية لرد الاعتبار ورفع معنويات الضحايا إضافة لكونه امرأ ممكنا وسهل التطبيق.
يذكر أن تقرير لجنة غولد ستون أوصى بتعويض وٕإنصاف السلطة الوطنية الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، لجميع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته على اختلاف درجاتها وجسامتها، غير أن الحاجة للجنة تشكل لتقصي الحقائق ومن ثم النظر في كل حالة على حده أمرا لا مفر منه.

4. الإصلاح المؤسسي

من المهم العمل على إصلاح مؤسسات الدولة التي كانت لها يد في الانتهاكات في المرحلة الماضية، ما يدلل على الالتزام الرسمي بمراجعة الهياكل المؤسسية التي ساندت أو ارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان.
التدريب وإعادة هيكلة الأجهزة وزيادة وعي الجمهور وأفراد الأمن وتطهير الأمن من العناصر التي ارتكبت المخالفات والانتهاكات. لا أن يتم اقتسام الأجهزة بعد إنهاء الانقسام، ما يعزز سلبيات كثيرة مستقبلا.

5. تخليد الذكرى

تزخر الذاكرة الفلسطينية بالذكريات الأليمة وأحداث اقتتال تخللها التاريخ الوطني المعاصر خاصة ما بين فصائل العمل الوطني، إلا أن ما يميز الاقتتال والانقسام الأخير هو في كونه تم بسياسة مدروسة تأسست يوما بعد يوما من قبل الطرفين وعلى الأرض الفلسطينية بأيادي فلسطينية وهو الأمر الذي كان له وقع صاعق على الجميع .
ولذلك فإن تخليد ضحايا الانقسام يعد امرأ مهما كي يبقى الحدث ماثلا كأحد ضمانات تكرار ما حدث.

آليات إضافية

يشار إلى أن هناك عددا من الآليات كنماذج فض النزاع الذي يدخل ضمن الفئة العامة للعدالة وإصلاح الضرر، مثل الوساطة بين الضحية والمجرم ودوائر صنع السلام / إصدار الأحكام ولجان التعويضات ولوائح الضحايا.
وتشمل عناصر عدالة إصلاح الضرر النظر إلى الجرائم أولا على أنها نزاع بين الأفراد تنتج عنه إصابات للضحايا والجماعات والمجرمين أنفسهم وفي المرتبة الثانية كمجرد ضرر يصيب الدولة، وذلك من اجل إحلال السلام في المجتمعات من خلال مصالحة الأطراف وإصلاح الأضرار الناتجة عن النزاع.
هذا وتساعد هذا العملية على المشاركة النشيطة بين الضحايا والمجرمين وفي بعض الأحيان بمجتمعاتهم كذلك، بهدف إيجاد حلول للنزاع، وتتضمن آليات المحاسبة الأخرى التي تنتمي إلى نفس النوع ما يلي: استعمال "غاكاكا" في رواندا والأشكال الأصلية أو التقليدية المشابهة في حل النزاعات والمستعملة في أماكن أخرى، وإقامة ما يسمى بالمحاكم الشعبية للبت في الحالات بطريقة غير رسمية ولكن بصفة رمزية أمام عامة الناس. وثمة مثال جيد عن النوع الأخير وهو محكمة النساء الدولية الرمزية لجرائم الحرب التي نظرت في ديسمبر/كانون الثاني 2000 في حالات تتعلق بالاستعباد الجنسي من طرف الجيش الياباني للنساء في البلدان المجاورة المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية.
في السياق الفلسطيني يمكن لجهات الإصلاح والقضاء العشائرية أن تلعب دورا مهما على صعيد الإصلاح، دون أن يمس ذلك جوانب من حقوق الضحايا.

خلاصة

وفيما يتعلق بالحالة الفلسطينية فقد يكون القتل والتعذيب من أكثر المخالفات والانتهاكات الجسيمة التي شهدتها الأرض الفلسطينية خلال الاقتتال والانقسام، فعلى الرغم من أن كلا من طرفي الانقسام أكدا رفضهما لجريمة التعذيب إلا أن ما تم توثيقه حول التعذيب يفيد بوقوع الكثير من عمليات التعذيب بل انه تم توثيق عدد من الحالات التي توفيت تحت التعذيب، وسواء كان التعذيب سياسية أو أفعالا فردية فيجب محاسبة مرتكبيه ولا يجب أن يشمل مرتكبيها العفو على الأقل لحين محاكمتهم وإدانتهم، حيث يمكن أن يتم الصفح في أعقاب الانتهاء من محاكمة المتهمين باقتراف الجرائم في حال إدانتهم امرأً مقبولا سياسيا، لتسهيل عملية الانتقال والمصالحة فيما يوصم المجرم في النهاية بالعار ويشعر الضحايا بأنهم انصفوا على نحو ما.
ووفقا لأسس العدالة الانتقالية سابقة الذكر فانه من الممكن والمتاح أمام طرفي الانقسام في الضفة وغزة اتخاذ أولى الخطوات من خلال إقرار قانون للعدالة الانتقالية في فلسطين ينسجم مع المعايير الدولية وحقوق الإنسان ويستفيد من التجارب الإنسانية السابقة، ليتلوها تشكيل لجنة تقصي حقائق يؤسس ما تتوصل له من نتائج وحقائق لعملية تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية كالاعتذار ورد الاعتبار وجبر الضرر وتعويض الضحايا، إصلاح المؤسسات والأجهزة الأمنية، تخليد ذكرى الضحايا ليبقى الانقسام حاضرا في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني من اجل ضمان عدم تكرار أحداث مماثلة مستقبلا، وصولا إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والاتفاق على كيفية تطبيق مبدأ العفو العام أو الصفح والمغفرة .


المراجع

1. المركز الدولي للعدالة الانتقالية: http://www.ictj.net/arabic
2. سوتاس، إريك، 2008. العدالة الانتقالية والعقوبات، المجلة الدولية للصليب الأحمر، مجلد 90، عدد870، http://www.icrc.org
3. تقرير اللجنة الفلسطينية المستقلة للتحقيق وفقا لتقرير غولدستون في الانتهاكات المدعى بارتكابها من الفلسطينيين، 2010.
4. د. عبد الحسين، شعبان،2008 "العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا"، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، http://www.dctcrs.org
5. رضوان زيادة ومعتز الفجيري. العدالة الانتقالية مدخل لإعادة تأسيس شرعية الدولة العربية، صحيفة الحياة 16/09/2007.
6. بنيوب، احمد،2088. الأسس النظرية لمذهب جبر الضرر، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومؤسسة فريدريتش ايبريت، المغرب.
7. الجنة الدولية للحقوقين،2009. الحق في الانتصاف وجبر الضرر، سويسرا.
8. المجلس الاقتصادي والاجتماعي، 2044. تقرير الخبيرة المستقلة ديان أورنتليتشر المعنية باستيفاء مجموعة المبادئ لمكافحة الإفلات من العقاب.




#زياد_حميدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين الثورات العربية والثورات المضادة إسلام سياسي “علماني”


المزيد.....




- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زياد حميدان - المصالحة والعدالة الانتقالية في الأرض الفلسطينية