أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد الكحل - ثورة تأكل الثورة والتاريخ والمستقبل















المزيد.....

ثورة تأكل الثورة والتاريخ والمستقبل


سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 14:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


.

لم يكن في حسبان أحد أن تأخذ الثورة المصرية الأبعاد الخطيرة التي تأخذها اليوم والمآلات المجهولة التي تجر الشعب المصري إليها كرها ،وهو الذي انخرط شبابه وشيبه في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي جعل من ميدان التحرير ساحة "الأغورا" حيث تقرر مصير حسن مبارك مرتين :الأولى لما طالب المحتجون برحيله وتنحية رموز نظامه بعد أن رموا بكل المبادرات التي جاء بها الرئيس وسَخِروا من كل التنازلات والوعود التي تقدم بها ، وتشمل عزمه عدم الترشح للانتخابات الرئاسية أو توريث الحكم لابنه . كل وعود الرئيس والنوايا التي أعلنها لم تغفر له خطاياه وجرائمه التي فجرت غضب الشعب وكسرت حاجز الخوف لديه . فلم يكن أمام الرئيس سوى اتخاذ قرار التنحي عن منصب رئيس الجمهورية وترك أمور تدبير الحكم بيد المجلس العسكري . المرة الثانية حين طالب المحتجون بمحاكمة الرئيس ورموز نظامه ، وكذلك كان ؛ إذ تناقلت وسائل الإعلام والفضائيات جلسات محاكمة الرئيس ونجليه أملا في تهدئة الشارع المصري من أجل الإعداد لمرحلة ما بعد مبارك . إذن ، كانت ثورة ضد الاستبداد والظلم والفساد ، لهذا تعاطف معها عموم الشعب المصري بمختلف شرائحه وعلق عليها كل آماله في الحرية والكرامة والاستقرار والديمقراطية . أما "الثورة" التي يخوضها ميدان التحرير اليوم فلم تعلن عن أهدافها ولا الأطراف التي تستهدفها . إن كانت تريد الضغط على المجلس العسكري حتى ينقل السلطة للمدنيين فهناك أكثر من وسيلة حضارية للضغط تنسجم وروح الثورة كما تبقى وفية لروح شهدائها . فالمجلس العسكري اتخذ خطوات عملية لضمان انتقال السلطة إلى قوى مدنية منتخبة تستمد شرعيتها من إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع . فالعملية الانتخابية لم تنه أطوارها بعد ، ومن ثم لم تفرز الصناديق القوة المدنية التي ستتولى إدارة الشأن العام واستلام السلطة . لهذا كان من المفروض أعطاء الوقت الكافي لإنجاز العمليات الانتخابية في جو ديمقراطي يسمح بالتأسيس لتقاليد ديمقراطية لم يألفها الشعب المصري على مدى عقود . أما اللجوء إلى أعمال العنف وإحراق المباني الحكومية فليس من الثورة في شيء . ذلك أن الثورة تكون نابعة من عمق الشعب ومعبرة عن إرادته وتطلعاته ؛ أما التي يعرفها ميدان التحرير اليوم فليست ثورة من أجل الشعب المصري ولا من أجل تطلعاته . بل هي اغتيال لآمال الشعب وانقلاب على ثورته الحقيقية . إن الشعب المصري لم يفجر ثورته من أجل تدمير مقدرات الدولة وإحراق مؤسساته الأمنية والثقافية . ومهما كان غضب المحتجين، فإنه ما كان للغاضبين أن يستهدفوا تاريخ مصر وذاكرتها وتراثها. ويتعلق الأمر بالمجمع التاريخي، الذي أنشئ بقرار من نابليون بونابرت في القاهرة في 20 آب (أغسطس) من عام 1798 إبان فترة الحملة الفرنسية على مصر. ويرجع تاريخ بناء هذا المبنى التاريخي إلى إبراهيم كتخدا، الملقب بالسناري، الذي انتقل إلى الإقامة في القاهرة آتيًا من الصعيد، ليصبح واحداً من أعيانها، بفضل قربه من الأمير مراد بك، الذي كان متحكماً في شؤون مصر، وفرغ من بناء المنزل قبل وصول الفرنسيين بسنوات قليلة. فالمبنى يجسد حقبة مهمة من تاريخ مصر . إن الخسارة ، إذن ، لا تنحصر في إحراق المبنى بحد ذاته الذي هو جزء من تراث مصر ، بل شملت المكتبة التاريخية التي يضمها المبنى ومحتوياتها القيمة التي تتمثل في مائتي ألف كتاب ،وفق من تناولته الصحف المصرية ؛والتي لا يمكن تقديرها بأي حال من الأحوال . وأهم تلك الكتب كتاب وصف مصر الذي يتكون من 20 مجلداً . وهو عبارة عن مجموعة من البحوث، أنجزتها الحملة الفرنسية في مصر. وتكمن أهميته في محتواه وطريقة إنجازه ؛ إذ دعا نابليون مجموعة من أبرز العلماء لإعداد الكتاب . وحين عودة العلماء إلى فرنسا، قام وزير الداخلية الفرنسية في ذلك الوقت أنطوان شبتال في 1802 بتشكيل لجنة تضم ثمانية أعضاء من أعضاء فريق العلماء، أوكلت لها مهمة جمع ونشر كل المواد العلمية الخاصة بالحملة الفرنسية، والتي كانت عبارة عن 10 مجلدات، بالإضافة إلى رسم لوحات غاية في الدقة للحياة اليومية المصرية، منها 74 لوحة بالألوان، وأطلس خرائط، إضافة إلى 9 مجلدات للدراسات. وهي تعتبر من أهم الأعمال التاريخية الخالدة، التي تم صنعها في الفترة من 1809 حتى 1828. وتضم المكتبة أيضا كتاب أطلس عن فنون الهند القديمة، وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752، وأطلس ألماني عن مصر وأثيوبيا يعود تاريخه إلى العام 1842، وأطلس ليسوس، وهو ليس له نظير في العالم، وكان يمتلكه الأمير محمد علي ولي عهد مصر السابق . وكلها كتب ذات قيمة تاريخية هامة امتدت إليها ألسنة اللهب وحولتها إلى رماد تدروه الرياح وتطمس آلاف الصفحات التي تضيء تاريخ مصر وتراثها ومستقبلها . ذلك أن أهداف هذا المجمع العلمي كانت تركز على الإشراك في إنجاز البحوث والدراسات ونشر الأبحاث التي تساعد على تقدم مصر العلمي، فضلا عن المساهمة في نشر العلم والمعرفة وكل ما يتعلق بأحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية. كما عرف المجمع تعديلات أدخلت بمقتضاها علوم الآداب والفنون الجميلة وعلم الآثار والعلوم الفلسفية والسياسة والفيزياء والرياضيات والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي. إنه ذاكرة مصر وتراثها . فهل قامت الثورة من أجل طمس هذا التاريخ العريق ومحو الآثار الدالة والمجسدة له ؟ إن المجمع ليس تجسيدا للسلطة ولا يرمز للأمن أو العسكر حتى تمتد إليه أيدي المحتجين الذين غضبوا لسحل فتاة في الشارع على أيدي جنود ، وهذا حقهم وواجبهم نحو كل أبناء وطنهم الذين يقعوا بين أيدي الجنود ، لكن ، في المقابل ، عليهم أن يصونوا تراث مصر ومقدراتها وكنوزها مثلما يصونون شرف بناتها ونسائها . فلا شرف لأي مواطن إذا انهار الوطن وانعدم الأمن . لهذا على كل المواطنين المصريين أن يستحضروا ما يعيشه الصوماليون بعد انهيار الدولة وتمزق الوطن، وكذلك حال أفغانستان مع الرعب وأعمال التفجير . وما تشهده مصر اليوم من أحداث وانفلات أمني وقتل الرموز وإحراق المعالم التاريخية ومقدرات الدولة ، هو مقدمة للمجهول الذي تُدفع إليه مصر دفعا . إن الثورات الناقمة والحاقدة مثلها كمثل الحريق ، نعلم بدايته ونتحكم فيها ، لكن لا أحد بمقدوره السيطرة عليه أو التحكم في مساره . فارحموا مصر من أحقاد أبنائها وضغائنهم ؛ فالأوطان لا تُبنى بالأحقاد ولا الضغائن . ولتكن التجربة الديمقراطية لتونس نموذجا للمصريين كما كانت ثورتهم من قبل .



#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار لفائدة جريدة الصباح المغربية
- حوار مع شيخ متطرف (9)
- حوار مع شيخ متطرف (8)
- سعي الأقليات إلى إقامة كيان سياسي خاص طلب للكرامة و الحرية و ...
- منذ متى كان الإسلاميون يناصرون حقوق النساء ؟ !!
- مطالب الفبرايريين وعقائد العدليين .
- مستويات الصراع السياسي في المغرب .
- حوار مع شيخ متطرف(7)
- حوار مع شيخ تكفيري (6)
- حوار مع شيخ متطرف(5)
- حوار مع شيخ تكفيري متعطش إلى الدماء(4)
- حوار مع شيخ متطرف (3)
- متى يمنع المغرب مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد ؟؟
- حوار مع شيخ تكفيري متطرف (2)
- حوار مع شيخ متطرف (1)
- خطاب العرش والتغيير في إطار الاستمرارية .
- إستراتيجية جماعة العدل والإحسان واحدة بتكتيكات متعددة
- دستور مغربي يحافظ على التوازنات السياسية .
- ثماني سنوات على أحداث 16 مايو ، أين المغرب من خطر الإرهاب ؟
- الشعوب المغاربية لن تبكي مقتل بن لادن !!


المزيد.....




- كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش ...
- -لا توجد ديمقراطية هنا، هذا هو الفصل العنصري-
- -لا نعرف إلى أين سنذهب بعد رفح-
- شاهد: طلقات مدفعية في مناطق بريطانية مختلفة احتفالاً بذكرى ت ...
- باحثة ألمانية: يمكن أن يكون الضحك وسيلة علاجية واعدة
- من يقف وراء ظاهرة الاعتداء على السياسيين في ألمانيا؟
- مصر تحذر من مخاطر عملية عسكرية إسرائيلية محتملة في رفح
- ماذا تكشف روائح الجسم الكريهة عن صحتك؟
- الخارجية الروسية توجه احتجاجا شديد اللهجة للسفير البريطاني ب ...
- فرنسا تتنصل من تصريحات أمريكية وتوضح حقيقة نشرها جنودها إلى ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد الكحل - ثورة تأكل الثورة والتاريخ والمستقبل