أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هاشم صالح - الفقر أم المشاكل كلها















المزيد.....

الفقر أم المشاكل كلها


هاشم صالح

الحوار المتمدن-العدد: 234 - 2002 / 9 / 2 - 03:45
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

الشرق الأوسط، 30/2002
منذ قديم الازمان كان الفلاسفة يحلمون بتحقيق المدينة الفاضلة على هذه الارض. ولكن الحلم لم يتحقق حتى الآن! هذا أقل ما يمكن ان يقال. وربما لم يشهد العالم ظلماً فادحاً كالظلم الذي يشهده اليوم. فالتفاوت بين الاغنياء والفقراء، بين الشمال والجنوب، وداخل كل دولة على حدة، يزداد اتساعاً بدلاً من ان يتناقص..
وآخر الاحصاءات تقول بانه يوجد في العالم الآن مليار شخص او اكثر ممن لا يستطيعون التوصل الى مياه الشرب. ويوجد اكثر من مليار شخص ممن يعيشون باقل من دولار في اليوم. وتوجد حتماً ملايين اخرى ممن يعيشون على حافة الفقر المدقع. فماذا تبقى اذن؟ من يعيش حقا في عالم اليوم؟ سكان اوروبا واميركا وكندا واستراليا واليابان بشكل اساسي. ولكن ليس كلهم. فالمجتمعات الصناعية المتقدمة تفرز الان طبقة هامشية منبوذة لا يستهان بها. وتصل الوقاحة ـ او الواقعية ـ ببعض المنظرين الاقتصاديين الى حد القول بان وجود هذه الطبقة اجباري بل وضروري لكي تنعم اغلبية المجتمع بالرفاهية والطمأنينة!
ويعيش ايضا اغنياء العالم الثالث وسلطاته وانظمته ومن يدور في فلكهما. وهي شريحة بسيطة لا تتجاوز العشرة في المائة من عدد
السكان. واما اغلبية الشعب فمهددة بالفقر والجوع وانعدام اي افق للتغيير او الخلاص. وذلك لان الطبقة الوسطى تقلصت كثيراً ولم يعد لك في مجال الا ان تكون فوق او تحت.. والشاطر هو الذي يعرف كيف يدبر نفسه، وعلى الآخرين العناء.. وبالتالي فينبغي ان نعيد الاعتبار الى الطبقة الوسطى لان وجودها في الغرب هو الذي يحمي المجتمع من الانفجار.
ربما قال قائل: ولكن العالم كان دائماً هكذا. فالقوي يأكل الضعيف. ولا يمكن تغيير قانون العالم والتاريخ. الم يقل الفيلسوف الانكليزي هوبز بان الانسان ذئب لاخيه الانسان؟ الم يقل بان العالم هو غابة من الذئاب، واذا لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب؟! ولكنه قال ايضا بانه ينبغي تنظيم المجتمع بطريقة عقلانية من اجل تحجيم هذه النزعة الوحشية الموجودة في اعماق الانسان، ومن اجل التوصل الى مجتمع مدني، متحضر.
كل احلام فلاسفة الحداثة بدءا من هوبز وانتهاء بكانط وجان جاك روسو وهيغل وماركس.. كانت تتمثل في التوصل الى هذا المجتمع العادل المتمدن. ولا ريب في ان احلامهم تحققت الى حد ما، ولكن بالنسبة لمجتمعات الغرب المتقدمة فقط. وهذا شيء لا يستهان به بالطبع، وهو ينقض النظرة المتشائمة التي خيمت على بداية هذا المقال. فالتقدم حقيقة ملموسة، وهو ناتج عن التفكير العلمي والعقلاني لفلاسفة اوروبا. هذا شيء لا يستطيع أحد ان ينكره. ولكن مجتمعات اوروبا واميركا الشمالية واستراليا واليابان لا تتجاوز المليار شخص على اكثر تقدير، فماذا نفعل بالخمسة مليارات المتبقية؟
هل نمر عليها مرور الكرام؟ واين هي اذن النزعة الانسانية التي تجلت لدى كبار فلاسفة الغرب؟ ضمن هذا المعنى يمكن ان نقول مع هابرماس بان «الحداثة مشروع لم يكتمل». فهي لا تزال محصورة بسدس البشرية وربما اقل. وبالتالي فينبغي ان نواصل مشروع الحداثة لكي يشمل جميع شعوب الارض. ينبغي ان تسود دولة الحق والقانون جميع دول العالم وليس فقط دول اوروبا واميركا.. وضمن هذا المنظور يسقط مصطلح «ما بعد الحداثة» ويبدو مراهقاً، متهوراً، سطحياً. المشروع الوحيد الذي له معنى بالنسبة للجنس البشري هو: تقليص شرائح الفقر والبؤس الى اقصى حد ممكن وادخال الخمسة مليارات الاخرى من البشرية في جنة الحداثة، والا فان القلاقل والاضطرابات سوف تستمر في مناطق شتى من العالم ولن يرتاح العالم المتمدن المتحضر لانه ستصيبه حتماً منها شظايا.. واكبر دليل على ذلك كارثة 11 سبتمبر. في الماضي كانت اميركا تعتقد انها بعيدة عن مراكز القلق ومحمية بالمحيطات والبحار. ولكن التجربة المرة اثبتت لها مؤخراً عكس ذلك. وبالتالي فمن مصلحتها ان تنخرط في شؤون العالم اكثر، ولكن في الاتجاه الصحيح الذي يؤدي الى حل المشاكل بدلاً من تعقيدها..
بما ان العالم تحول الى قرية كبيرة مترابطة الاجزاء في عصر العولمة فانه من مصلحة الدول الغنية الا يتجاوز فقر العالم الثالث الخط الاحمر. فهنا قد يحصل الانفجار، والفقر كافر كما يقال. من مصلحتها الا تستسلم لجشع شركاتها العملاقة المتعددة الجنسيات والتي تمد اخطبوطها الآن لكي تسيطر على اقتصادات العالم كلها. ولكن الشيء الذي نلاحظه هو ان نسبة المساعدات التي خصصتها لتنمية العالم الثالث تناقصت في الآونة الاخيرة بدلاً من ان تتزايد. وهي نسبة ضعيفة اصلاً ومن المخجل ان نذكر الرقم الذي يدل عليها! فهو لا يتجاوز الصفر فاصل ثلاثة او اربعة في المائة من ثرواتها.. هنا نلاحظ وجود ازمة حقيقية في فلسفة الحداثة أو في حضارة الغرب لكي نكون اكثر وضوحاً. وبهذا المعنى يمكن ان نقول ايضاً بان الحداثة مشروع لم يكتمل. ولكننا نلفظ العبارة هذه المرة بالمعنى النوعي وليس الكمي فقط. فمشروع الحداثة الذي كان يهدف اساساً الى انقاذ الجنس البشري من الجوع، والكوارث الطبيعية، والحكومات التعسفية والاعتباطية، والنزعات الظلامية والتعصبية، لم يحقق الا جزءاً من اهدافه. فهو اولا اقتصر على دول الغرب كما قلنا ولم يمد نفسه لكي يشمل جميع شعوب الارض. وهو ثانيا احتكر من قبل طبقة انانية توسعية فرغته من مضامينه الانسانية والتحررية الى حد كبير. وهنا تقع على كاهل الغرب مسؤولية جسيمة. فهو الاقوى والاغنى، وهو الذي يتحكم بمصير العالم. والشيء الوحيد الذي يدعو الى التفاؤل هو وجود اصوات انسانية واخلاقية في الغرب ذاته. وبالتالي فانا ضد الادانة الايديولوجية للغرب بشكل عام او بشكل مطلق. هناك تيارات مناهضة
للعولمة الرأسمالية التي لا تعبأ كثيرا بمصير الشعوب ولا بالعواطف الانسانية. وهذه التيارات تتظاهر في كل مرة ضد مؤتمرات العولمة او مؤتمرات الدول الصناعية الاغنى في العالم واحيانا تسقط منها ضحايا.. وهذا يعني ان صوت الضمير لم يمت في مجتمعات الغرب الغنية حتى درجة التخمة والبطر. وهناك اصوات دينية وعلمانية تدعو الى اعادة التوازن الى هذه الحضارة والى التضامن مع العذاب الهائل لدول الجنوب. واخيراً فان الحقيقة التي ينبغي ان تقود خطانا في السنوات المقبلة هي التالية: لقد تحول العالم كله الى قارب كبير. فاما ان نغرق جميعاً واما ان ننجو جميعا..

****************



#هاشم_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءات في التنوير الألماني.. لماذا تقدمت أوروبا وتأخر غيرها؟
- سبينوزا.. فضيحة عصره
- هيغل والتنوير
- نحن والغرب.. قصة صراع تاريخي طويل
- كيفية التوفيق بين الفلسفة والإيمان
- هيجل في آخر سيرة ذاتية له
- بين العبقرية والجنون
- الأصولية وصراع الحضارات.. لا حضارة لنا الآن حتى نصارع حضارة ...
- ليسنغ والتنوير
- الأصولية الظلامية والمعركة التي لا بد منها..


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هاشم صالح - الفقر أم المشاكل كلها