أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن النظام السوري وشركائه الإيديولوجيين















المزيد.....

في شأن النظام السوري وشركائه الإيديولوجيين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 15:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


خلافا لأنظمة عربية أخرى، استفاد النظام السوري من خدمات نوعين من الإيديولوجيين غير التابعين له مباشرة: إيديولوجيي الحداثية وإيديولوجيي الممانعة.
ينشغل إيديولوجيو الحداثية بمواجهة الإسلاميين سياسيا وثقافيا، أو "القدامة" كذهنية و"الأصولية" كتفكير وسياسة، بينما يشغل الغرب عموما، والمحور الأميركي الإسرائيلي بخاصة، مركز تفكير الممانعين. و"يؤصل" عموم هؤلاء موقفهم العدائي سياسيا للغرب بتشكك عميق في الغرب الثقافي.
يبدو النظام السوري جامعا لمجدي الممانعة والحداثة معا. فهو في موقع الخصومة لأميركا وإسرائيل، الأمر الذي جعل منه الإقليم القاعدة للممانعة، وقبلة مناضليها الموزعين بين البلاد العربية والغرب. وهو في الوقت نفسه خصم للإسلاميين المحليين، وراع لضرب من حداثة مادية واجتماعية تجعله قريبا على قلوب حداثيين سوريين وعرب وغربيين. أما علاقته الطيبة مع الإسلاميين العرب، اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين...، فتدرج ضمن إشكالية الممانعة والمصانعة لا إشكالية الحداثة والقدامة.
لم يتح مثل ذلك لأنظمة عربية أخرى. استفاد النظام التونسي من إيديولوجيي الحداثة، لكنه كان فاشلا في امتحان الممانعة بالطبع. أما نظام مبارك فنال دعما أقل من الحداثيين، وأسوأ الدرجات عند الممانعين. وإذا استعرضنا البلدان العربية واحد واحدا فإن أيا منها لم يفز ببركات الممانعين والحداثيين معا غير النظام السوري.
ولذلك حظي بصيت إيجابي، شعبي ونخبوي، في العالم العربي لم يحظ بمثله غيره.
ولقد وضع هذا معارضي النظام السوريين الذين يولون أهمية أولى لنمط ممارسة السلطة ومستوى الحريات العامة في وضع بالغ السوء. عموم الممانعين ضدهم لأنهم (المعارضين الديمقراطيين) أخصام لقاعدة الممانعة، ولأن الديمقراطية التي ينادون بها بكل سذاجة لا تعدو كونها إضعافا للبلاد ومدخلا لهيمنة القوى الغربية على مقدراتها. وعموم الحداثيين ضدهم أيضا لأنهم أخصام لنظام حداثي، ولأن دعوتهم الديمقراطية الساذجة أيضا ليست أكثر من حصان طروادة سيقفز منه الإسلاميون إلى حكم البلاد، ومجرد مدخل إلى "طغيان الأكثرية" الإسلامية. وهكذا فهم خطأ في الحالين.
وبالفعل شهدت السنوات الأخيرة تخوينا واسعا للمعارضين السوريين على أرضية الممانعة، والتحريض عليهم والتشهير بهم، بل وإظهار الشماتة باعتقال من قد يعتقل منهم. هناك وقائع وأسماء معروفة في هذا الشأن، كان اللافت أن رؤوس حربتها مقيمون في الولايات المتحدة. وقد تزامن التخوين مع تسفيه لا يقل سعة لهم على يد إيديولوجيي الحداثة الذين وجدوا أن واجبهم يملي عليهم نقد معارضي النظام على سذاجتهم و"ديمقراطويتهم"، وعلى أنهم لا يعادون الإسلاميين بالقدر المطلوب، ولا يرون أن السياسة جزء من الثقافة... إلخ. وإن لم يعبر هؤلاء عن موقف صريح إلى جانب النظام، فإنهم لا يجدون ما يقال عنه غير عموميات عن الاستبداد، كانوا يسارعون إلى العثور على ما يشابهها عند معارضيه بالقدر نفسه أو أكثر.
لقد مضت أوقات طويلة كان من الصعوبة بمكان أن يكون المرء فيها معارضا سوريا.
الانتفاضة أربكت الطرفين. لم يستطع الحداثيون، وهم قوم مشتغلون بالثقافة، المثابرة على الصمت. اضطروا لقول أشياء ناقدة للنظام، لكن بدا الأمر قياما بواجب ثقيل، وليس تفاعلا إيجابيا مع واقع مستجد، لا يحدث مثله كل عقد، ولا حتى كل جيل. ولم يظهر أحد منهم ما يشير إلى تعارض الثورة السورية، والثورات العربية عموما، مع مخططاته الإدراكية القارة، أو استعدادا لمراجعة تلك المخططات وتعديلها بحيث تتفاعل بمرونة أكبر مع المتغيرات الجديدة. في المحصلة قال الحداثيون الأشياء وضدها، إنهم ضد استبداد النظام وعنفه، لكنهم أضافوا من الاستدراكات ما يفرغ هذه الموقف من محتواه. هذا مع مثابرة على التشاؤم، ومع انفصال نفسي عن كل ما يجري.
الممانعون، وهم قوم نضال وليس ثقافة، قالوا أشياء كثيرة تلغي بعضها بعضا. إنهم لا يرضون طبعا أن يُقتَل السوريون، لكن بدا لهم أن السوريين المقتولين مغرر بهم، لا يفهمون السياسات الدولية، ولا يتبينون المخططات الغربية المتربصة ببلدهم، ولا يرون أن "المقاومة" (= حزب الله) مستهدفة. فإذا أحرق منتفضون سوريون أعلاما لحزب الله بعد أن كان هذا اصطف بصورة حاسمة إلى جانب النظام كان هذا دليلا على أن الانتفاضة السورية مؤامرة دولية. وسيمضي بعضهم إلى حد نفي أي تماثل بين الانتفاضة السورية والثورتين التونسية والمصرية، وتفسير الأخيرتين بتبعية نظامي حكمهما للغرب، وليس بأوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية يتساوى معهما على أرضيتها النظام السوري.
ولم يكد يطرح جديا سؤال عن نصيب النظام السوري من الحداثة المنتِجة، أو عن جدية اعتراضه على الهيمنة الأميركية الإسرائيلية في الإقليم.
تعاني الحداثية العربية من تثبت فكري على شكل قديم للرجعية الاجتماعية والثقافية والسياسية، ذاك المرتبط بالبيئات الإسلامية التقليدية. لكنها لا تتبين شكلا حديثا للرجعية، حداثيا وفاشيا هو الذي يفتك بالمجتمع السوري اليوم، ولا من جهة أخرى يميزون ضمن الشكل القديم للرجعية بين نزعة محافظة، تدافع عن درجات أعلى من الاستقلال الاجتماعي، وإن ليس بالضرورة من الحرية الفردية، وبين صيغة رجعية مقاتلة، تتمثل في السلفية الجهادية.
لا مجال للمقارنة بين المحافظ الاجتماعي وبين الرجعي الحداثي. هذا يدافع بضراوة عن أوضاع امتيازية تقارب العبودية، ويظهر استعدادا طيبا للقتل الجماعي واسع النطاق. وهو بالمناسبة ليس اكتشافا حديثا. نعرفه في سورية منذ أكثر من جيل. وهو يتجسد مؤسسيا في أجهزة الأمن وميلشيات الشبيحة المرتبطة بها. لكن الحداثيين لم يأخذوا علما به، وليس مؤكدا أنهم سيأخذون اليوم علما به. بل هناك من الشواهد المتواترة على ضرب من القرابة بين الداعية الحداثي وجنرالات المخابرات، الأصل فيها على الأرجح هو العدو المشترك، أي الإسلامية. أما المحافظ التقليدي فهو يجمع اليوم بين التدين والدفاع عن الحرية، وإن تكن الحرية التي يعنيها أقرب إلى الاستقلال الاجتماعي كما قلنا. هناك رجعيون دينيون متطرفون، سلفيون جهاديون وما شابه، لكنهم أقرب إلى الرجعية الحديثة، وإلى أساليبها الفاشية منهم إلى المحافظة التقليدية. وأصول هؤلاء حداثية، وإن تكن شرعيتهم دينية. وبين التنويعتين المحافظة الاجتماعية والسلفية الجهادية ثمة التنويعة الإخوانية، وهي تترجح بين المحافظة الاجتماعية والثقافية وبين الرجعية المقاتلة.
وبدورها تعاني الممانعة من تثبت مشابه على السيطرة الأجنبية التقليدية اللاغية للاستقلال الوطني أو المقيدة له، ولا تتبين أشكالا من السيطرة السياسية لا تقف عن إلغاء الاستقلال الاجتماعي واستقلال الأفراد، بل تسحق الجميع وتتعامل مع المحكومين كأنهم عبيد. ليس لهياكل السيطرة هذه قضية تتجاوز خلودها الذاتي، وهي لا تصلح بحال أساسا لمقاومة أية سيطرات أجنبية. فإذا كان المراد بلورة سياسة ناجعة حيال السيطرة الأميركية الإسرائيلية، فلا مناص من تفكيك الطغيان الحديث، هياكل حكم وإيديولوجيات ونظم مصالح. ولا بد أيضا من التخلص من ازدواج المعايير السياسية والأخلاقية الواسم لعقيدة الممانعة: نصرة الممانعين ظالمين أو مظلومين، وعلو النبرة ضد غيرهم. ولقد ظهر هذا الضرب من النفاق بوضوح حيال الانتفاضة السورية.
تشترك الإيديولوجيتان في الانحياز للسلطة (متقدمة مرة، وصامدة مرة) ضد المجتمع (متخلف مرة، وغير مؤتمن على القضية مرة)، وفي منزع لا إنساني عميق. الحداثية السورية (والعربية) متمركز حول الأشياء والواجهات لا حول الإنسان وحقوقه وحرياته وإبداعه، والممانعة حول القضية و"الوطن" لا حول سكان البلد. لا وجود للمجتمع، ويقع خارج نطاق التفكير كيف ينتج وكيف ينتظم وكيف يفكر وكيف يتعاون، ومم يشكو وماذا يأمل.
لكن ها هو يدخل بصخب إلى المشهد،.
ختاما، الحداثية والممانعة سندان إيديولوجيان للنظام الذي يستعبد السوريين. من شأن نقدهما أن يكون مساهمة في الانتفاضة التحررية للشعب السوري. هذه المقالة مجرد طرح أولي للقضية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أم معاركه، النظام يخوض حروبه السابقة
- المعضلة السورية ومآلاتها المحتملة
- إنقاذ النظام من نفسه أم إنقاذ سورية منه؟
- -العامية- السورية: انتفاضة مجتمع العمل!
- الجهلُ مكتفيا بذاته: ردا على أسعد أبو خليل
- في ذاكرة الانتفاضة السورية وإدراكها السياسي
- حوار حول الثورات العربية
- في أصول حرب -النظام- ضد الانتفاضة
- الطائفية ضد الانتفاضة، الانتفاضة ضد الطائفية!
- قليل من الأمانة: رد على إبراهيم الأمين
- ثأر -ربيع دمشق-!
- النظام في أزمة، وهو من عليه أن يتراجع
- النظام يتصرف كشبيح، والثورة لن تخمد أو تتراجع
- السوريون تغيروا، وعلى النظام أن يتغير!
- سوريا انتفاضة.. والنظام لا يقترح بديلا غير الفوضى أو الحرب
- العصابات المسلحة غير موجودة، و-الحوار- خدعة!
- حوار مجلة رواق الشباب
- طور ثان من أطوار الأزمة الوطنية السورية؟
- بصدد بعض خصائص الانتفاضة السورية
- مكونان مدني وأهلي في الانتفاضة السورية


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن النظام السوري وشركائه الإيديولوجيين