أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - الرسم القرآني - بعض الإيضاحات















المزيد.....

الرسم القرآني - بعض الإيضاحات


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 3464 - 2011 / 8 / 22 - 00:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قرأنا في "الحوار المتمدن" بتاريخ 13/1/2011 مقالاً عن الرسم القرآني، للكاتب هشام آدم، أثار فيه نقاطاً مهمة عن الطريقة التي كُتب أي رُسم بها القرآن في المصحف الذي بين أيدينا الآن، والذي يُعرف ب " مصحف عثمان". كل النقاط التي أثارها السيد هشام تستحق الوقوف عندها والتنقيب في مصادرها وسبب ظهورها بتلك الصيغة أو الرسم. أنا شخصياً أعجبني المقال رغم أن الكاتب، في رأيي، لم يوفق في كتابة مقدمته.
يقول السيد هشام في المقدمة (اللغة العربية التي تكلم بها بدو الجزيرة العربية ونواحٍ من اليمن والبحرين والشمال العربي هي لغة مكتوبة، ولكن تاريخ الكتابة بالعربية هو ما لم يتم تناوله بالبحث والاستقصاء، ولهذا فإن مصادرنا عن منابع اللغة العربية تكاد تكون شحيحة إن نحن استثنينا بعض الكتب والمباحث التي تتناول تاريخ العربية. وليس في وسعنا الاعتماد على تلك المراجع التي تأخذ العربية من حيث هي لسان وليس من حيث هي كتابة حرف (أي مكتوبة)، ولكن من الواضح أنها كانت شبيهة تقريباً بالعربية المكتوبة اليوم (على الأقل في حقبة ما قبل الإسلام، وبالتحديد في حقبة إزدهار التجارة في مكة مع اختفاء التنقيط بطبيعة الحالة) انتهى.
وفي الحقيقة فإن المستشرقين من أهل اللغة والتاريخ والحفريات، قد نقّبوا عن تاريخ اللغة العربية، خاصةً في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة من القرن العشرين، وكل ما توصلوا إليه حتى الآن يبين أن اللغة العربية كانت لغة كلام في جزيرة العرب، وخاصة في الحجاز، رغم أن جنوب اليمن كان يتحدث العربية ويكتبها بحروف المسند. وقد عثر الباحثون على نحوتات عديدة يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد، ومكتوبة بلغة المسند التي تتكون من حروف أبجدية عربية لكنها غير منقطة. ومع أن العرب العاربة من أهل تلك المناطق نزحوا إلى الحجاز ونقلوا معهم معتقداتهم الدينية، فقد ظلت اللغة العربية غير مكتوبة في الحجاز وبقية شمال الجزيرة العربية حتى بداية القرن الخامس الميلادي. قبل القرن الخامس الميلادي كانت اللغات النبطية والثمودية والصفدية هي اللغات المكتوبة والتي عثر الباحثون على شواهد عليها (cross roads to Islam, Yehuda Nevo & Judith Koren ) ص 176. فمثلاً، كل الحفريات التي تمت في جنوب سوريا وفي ثمانية عشر موقعاً تاريخياً في المملكة الأردنية، أثبت الباحثون أنها كانت مواقع مأهولة منذ الإمبراطورية البيزنطية حتى بداية الدولة العباسية، ورغم أنهم عثروا على الكثير من النحوت والجرار النبطية والثمودية والصفدية، فإنهم لم يعثروا على أي أثر للغة العربية. وحتى في صحراء النجف في فلسطين حتى بداية العهد الأموي، فقد كانت كل النحوت والمخطوطات التي عثر عليها الباحثون مكتوبة باللغة الإغريقية (نفس المصدر، ص، 92، 174). أقدم نحت باللغة العربية، كما نعرفها الآن، وجد في منطقة الطائف بالسعودية، ويرجع تاريخه إلى الأربعينات بالتاريخ العربي، أي منصف القرن السابع الميلادي. والنحت المكتوب بإسم معاوية مؤرخ عام 58 هجري، أي 678 ميلادي. فاستنتاج السيد هشام بأن اللغة العربية كانت لغة مكتوبة، استنتاج لا تسنده الحقائق المعروفة
سبب الاستنتاج الذي توصل إليه السيد هشام هو افتراضه ((لأن ذلك يستدعي الاعتراف بقوامة اللغة المكتوبة للمراسلات والمكاتبات التجارية والعقود والمفاوضات التي تدخل قريش طرفاً فيها، ونعلم جميعاً أن العرب استخدمت الكتابة في توثيق العقود والمواثيق فيما بينها، ولاشك أنه تم الاتفاق على لغة (أو إملاء) معياري في الكتابة، كما كانت لغة قريش هي اللغة المعيارية في ذلك الوقت)) انتهى.
ويؤسفني ألا أتفق مع السيد هشام في هذا الافتراض لعدة أسباب، منها: أن الكتابة في قريش كانت شبه معدومة، كما تخبرنا كتب التراث الإسلامي. يقول الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين، باب العبادات، ص 51 (الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شيء منها في زمن الصحابة وصدر التابعين وإنما حدثت بعد سنة مائة وعشرين من الهجرة وبعد وفاة جميع الصحابة وجملة التابعين رضي الله عنهم وبعد وفاة سعيد بن المسيب والحسن وخيار التابعين بل كان الأولون يكرهون كتابة الأحاديث وتصنيف الكتب لئلا يشتغل الناس بها عن الحفظ وعن القرآن وعن التدبر والتذكر وقالوا احفظوا كما كنا نحفظ ولذلك كره أبو بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم تصحيف القرآن في مصحف وقالوا كيف نفعل شيئا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وخافوا اتكال الناس على المصاحف وقالوا نترك القرآن يتلقاه بعضهم من بعض بالتلقين والإقراء.) ويقول البلاذري كذلك (ويقال أن أول من تعلم الكتابة من قريش سفيان بن أمية بن عبد شمس وأبو قيس بن منان، وتعلم منهم قيلان بن سلمة الثقفي. وعند دخول الإسلام كان في قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتبون، وكذلك بعض النساء مثل الشفاء بنت عبد الله العدوية، من رهط عمر بن الخطاب الذي طلب منها تعليم ابنته حفصة القراءة ( البلاذري، فتوح البلدان، ص 531). ثانياً لو كانت قريش تكتب لما حثهم محمد في قرآنه من المدينة أن يكتبوا ما تداينوا به (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ) (البقرة 283). وثالثاً: كانت المعاهدات القليلة التي كُتبت قد كُتبت باللغة السريانية التي كانت لغة الثقافة والكتابة والأديان في ذلك الوقت. يقول البلاذري كذلك (حدثنا عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن جده وعن الشرقي بن القطامي قال‏:‏ اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببقة وهم مرا مر بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية‏.‏ فتعلمه منهم قوم من الأنفار ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار) (نفس المصدر ص 233). حتى معاهدة المدينة التي يزعم المسلمون أن محمداً قد وقعها مع اليهود، لم تكن مكتوبة ولم يُعثر لها أي أثر. أول من ذكرها هو ابن إسحق الذي توفي عام 150 هجرية أي بعد حوالي مائة وأربعين عاماً بعد موت محمد. ,ابن إسحق لم يذكر أي سند أو اسم شخص أخبره بنص تلك المعاهدة، وإنما كتب معاهدة قال إنها كانت بين نبي الإسلام ويهود المدينة (Islamic History, R Stephen Humphreys ) ص 92. والغريب أن هذه الصيغة من المعاهدة التي ذكرها ابن إسحق لم يكن بها ذكر لقبيلة بني قريظة ولا قبيلة بني قينقاع، وهما كانتا أكبر القبائل اليهودية بالمدينة. فأغلب الظن أنه لم تكن هناك أي معاهدة مكتوبة. وعليه يتضح لنا أن الكتابة باللغة العربية لم تكن معروفة في القرن الخامس والقرن السادس.
بعد هذه المقدمة البسيطة ننتقل إلى صلب الموضوع، وهو الرسم القرآني. من المتفق عليه بين الدارسين أن اللغة الآرامية هي اللغة الأم لكل اللغات السامية. وقد تولدت من اللغة الآرامية اللغة السريانية التي كانت لغة أهل الشام الكبير، ثم اللغة العبرية، وأحدثهم اللغة العربية. فحتى القرن السادس الميلادي كانت اللغة العربية لغة منطوقة فقط، خاصةً في البوادي التي كان يقطنها غالبية العرب في شمال الجزيرة. والذين تعلموا كتابة العربية في ذلك الوقت، كانوا يكتبونها بالحروف السريانية، كما ذكر البلاذري في المصدر أعلاه. وعليه فإن القرآن حيمنا كُتب في بدايته، كان يُكتب بالحروف السريانية. وقد أدى هذا إلى عدم فهم بعض الآيات حتى من قِبل المفسرين، ناهيك عن العامة. فقد روى البخاري أم محمداً كان يلوز بالصمت عندما يسأله أصحابه عن بعض الآيات التي تحوي كلمات غريبة. وروى كذلك أن سعيد بن المسيب، أحد علماء المدينة السبعة، كان يصمت كأنه لم يسمع السؤال عندما يسأله أحد عن كلمة غريبة. وأو كان يقول (لا تسألني بل أسأل من يقول إن شيئاً منه لم يعد خافياً عليه) وكان يقصد عكرمة.
ولأن المفسرين كانوا يجهلون اللغة السريانية، فقد لجأوا إلى الكذب واختراع تفاسير لا تمت للحقيقة بصلة. فمثلاً عندما جاءوا ليفسروا الآية (كأنهم حُمر مستنفرة. فرت من قسورة)، قالوا إن قسورة تعني أسد في اللغة الحبشية، كما روى الطبري عن ابن عباس. ولكن عندما راجع المستشرق الألماني كروستوف ليكنسبيرج القاموس الإثيوبي، لم يجد كلمة "قسورة" به. ولكن في اللغة السريانية فإن الكلمة تعني حمار هرم لا يقدر على حمل شيء. فكيف تفر الحُمر الوحشية المستنفرة من حمار هرم؟
يقول السيد هشام (وفي حدود علمي فإن علم القراءات ذو اتصال باللغتين اللسانية والحرفية، ففي قوله {{قال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها}} يقرأها بعضهم {{مجريها}} لأنه ينطقها بهذا الشكل، وربما لا يهمنا هذا الأمر في كثير أو قليل، لأن هذه الاختلافات لا تكاد تؤثر عميقاً في المعنى؛ إذ هي في الأصل اختلافات في النطق وليس الكتابة، فنحن في السودان مثلاً ننطق القاف غيناً، ولكننا نكتبها قافاً كما هي.) انتهى.
وفي الحقيقة الموضوع ليس موضوع نطق الكلمات وإنما كتابتها. السبب في ذلك يرجع إلى بداية كتابة اللغة العربية التي لم تعرف الهمزة (الألف) في البداية، وقد أدخلها النحويون في القرن الثامن الميلادي. فالكلمات التي ننطقها بألف في وسط الكلمة، استعاض النساخ عن الألف الذي لم يكن معروفاً بالحرف "ياء". ولذلك كتبوا "مجريها" بدل مجراها. ولو نظرنا في مصحف سمرقند، وهو أقدم نسخة من المصحف معروفة للباحثين، نجد أنهم كتبوا "وللرجيل" بدل وللرجال. وكذلك "سموات" بدل سماوات. و "يمعشر" بدل يا معشر. و "ذلك" بدل ذالك، وهلم جرا. ولما بدأ النحويون باستخراج قواعد النحو والإملاء في القرن الثامن الميلادي، وبما أنهم جميعاً كانوا مسلمين قريبين زمنياً من بداية الإسلام، وكانوا يؤمنون أن القرآن كلام الله المنزل، فقد جعلوا قواعد الإملاء تتوأم مع الرسم القرآني. فقالوا (تحذف همزة الوصل من "أ " الثانية ويعوض عنها بعلامة المد " آ " إذا دخلت عليها همزة الاستفهام مثل "أأنت رجل أم امرأة؟. فتُكتب "آنت رجل أم امرأة؟ وكذلك أاية أو ءاية، فتُكتب آية. وءادم تُكتب آدم، وهكذا. ولكن فقهاء المسلمين الذين يظنون أن القرآن كلام الله المنزل، وكأنما الله كتب الإملاء بنفسه، حافظوا على الرسم القديم للقرآن، ولذلك ما زلنا نجد (ءايات) و (ءالاء) و (ءادم).
وتُحذف همزة الوصل بعد ياء النداء، فنكتب: يابن قومي تعال نتصالح، بدل يا ابن قومي. وتُحذف كذلك الهمزة من "اسم" في البسملة الكاملة، فنكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. ولكنها لا تُحذف إذا كانت البسملة غير كاملة، فنكتب: باسم الله مجراها ومرساها. وتُحذف الهمزة إذا دخلت عليها لام الجر، مثل: للقمر وجه ناصع بدل: ل القمر وجه ناصع.
يقول السيد هشام (وفي قولنا (يا معشر) نجدها في القرآن (يمعشر) مع وضع ألف صغيرة بين الياء والميم. وكذلك نجد القرآن يكتب "الملائكة" برسم مختلف (ملئكة) ولكن بوضع الهمزة أسفل النبرة لا فوقها. ونكتب "مثواكم" لأن أصل الكلمة هي (مثوى) فالواو حرف أصيل، والالف حرف ليّن يمكن إعادته إلى أصله، ولكنها تظل في القرآن على علّتها فترسم النبرة وتوضع ألف صغيرة عليها، وهو ما لم يعرفه الإملاء العربي عموماً، فالنبرة إما للحرف المنقوط كالنون والباء والتاء والثاء والياء وإما للهمزة، ولكن ليست هنالك نبرة للمد.) انتهى
وسبب كتابة القرآن "يمعشر" بدل: يا معشر هو عدم معرفة النساخ في ذلك الوقت بالهمزة (الألف) التي أُدخلت في اللغة في القرن الثامن الميلادي، ولما كُتب القرآن الذي بين أيدينا الآن، بعد حوالي مائتين أو ثلثمائة سنة بعد وفاة محمد، وضعوا ألف صغيرة فوق الياء حتى لا يغيروا رسم القرآن. وينطبق نفس الشيء على كلمة "ملئكة" في القرآن بدل ملائكة. وينطبق نفس الشيء على الكتب بدل الكتاب، والسموات بدل السماوات.
أما سبب كتابة "الحيوة" بدل الحياة، و"الزكوة" بدل الزكاة، هو أن النساخ الأوائل ربما كان بعضهم يعرف اللغة السريانية، أو أنهم كانوا ينطقونها في العربية كما ينطقها الناطقون بالسريانية. فهذا الإملاء لكلمتي "الحيوة" و "الزكوة" هو نفس الإملاء في اللغة السريانية.
يقول السيد هشام (وهنالك العديد من النماذج التي يُمكن ذكرها وإيرادها في مقام الرسم القرآني المخالف للرسم الإملائي المعروف. فلماذا هذا الاختلاف، وهل هو رسم مقدس لا يُمكن تغييره وتبديله، أم هو رسم مقصود؟ وإذا كان الرسم القرآني مقدساً فلماذا تم تنقيط المصحف وفقاً لقواعد التنقيط المكتشفة في عصور تقعيد اللغة والإملاء؟ ولماذا لم يتم تطبيق قواعد الإملاء وفقاً لذلك أيضاً؟) انتهى.
وفعلاً هذا شيء محير لنا. فإذا كانوا يعتقدون أن القرآن كلام الله وأن الله حافظه من التبديل والتغيير، فلماذا أدخلوا عليه النقاط على الحروف بينما حافظوا على الرسم القديم؟ وأعتقد أن السبب في ذلك هو خوفهم من اللحن في القرآن إذا لم يكن منقطاً، ويمكن أن يقرأ بعض الناس مثلاً، كلمة "لا ريب فيه" يقرأها "لا زيت فيه" إذا كانت الحروف غير منقطة، كما فعل القاريء حمزة الذي سموه بعد تلك الهفوة "حمزة الزيات".
ثم يسأل السيد هشام (فهل يُمكننا مثلاً تخطئة الرسم القرآني في كلمة مثل (رحمة) التي يرسمها (رحمت) في بعض المواضع، علماً بأنه يرسمها (رحمة) في مواضع أخرى؟ وهل يمكننا تخطئة الرسم القرآني في كلمة (كلمة) التي يرسمها (كلمت) كما في قوله {{وتمت كلمت ربك}}[الأنعام: 115]؟ ثم إلى أيّ مدىً يبلغ إثمنا إن نحن حاولنا التشبه بالرسم القرآني في كتابتنا الاعتيادية؛ لاسيما وأننا نكتب (بسم الله) بهذه الطريقة كما في الرسم القرآني، وليس (باسم الله) كما هو أصح قواعدياً، وكذلك نكتب (رحمن) بهذه الطريقة كما في الرسم القرآني، وليس (الرحمان) كما هو أصح قواعدياً. وإذا كانت القاعدة الإملائية تقول بلزوم رسم الألف بعد واو الجماعة كما في قولنا (باءوا) فلماذا لم تكتب في المصاحف (باءو) بدون الألف؟) انتهى.
بالنسبة للتاء المفتوحة والتاء المربوطة فقد أدخل الذين نسخوا القرآن أنفسهم في ورطة كبيرة إذ أنهم لم يكونوا يتقنون اللغة السريانية. يقول كرستوف ليكسنبيرغ (جنت عدن في اللغة السريانية دائماً بصيغة المفرد ولا تُجمع، وتُكتب بالتاء المفتوحة) (The Syro-Aramaic Reading of the Koran) ص 47. ولما كان النساخ الأوائل لا يعرفون حرف الألف (الهمزة) في وسط الكلمات، فقد اعتبروا أن "جنت" جمع مؤنث سالم، وبذلك لابد أن يكون مفردها "جنة". ومشوا على هذا المنوال في آيات عديدة وكتبوا بعض الكلمات مرة بالتاء المفتوحة ومرة أخرى بالتاء المربوطة. وغياب الألف في وسط الكلمة أدى إلى كتابة "الرحمن" بدل الرحمان". وكذلك بالنسبة للألف بعد واو الجماعة، فقد اهملوه لأنهم لم يكونوا قد اهتدوا إلى قواعد الإملاء في ذلك الوقت.
وجهل النساخ بالآرامية والسريانية جعلهم يغلطون في كتابة ومعنى كلمات كثيرة. فمثلاً في الآرامية نجد كلمة "ملاكه" malãka بالهاء في نهايتها هي المصدر من مَلَكَ. ولكن العرب نقلوها على أساس أنها جمع مؤنث سالم وجعلوها "ملائكة" بالتاء المربوطة. وبذلك جعلوا الملائكة إناثاً والقرآن قد عاب على المشركين قولهم إن الملائكة بنات. ولسان العرب اشتق كلمة "ملاك" من "لاكَ"، وقال (والجمع ملائكة، جمعوه متمما وزادوا الهاء للتأنيث.) وفي بعض الحالات نجد أن محمداً قد نقل الصيغة السريانية في العدد، وهي لا تتسق مع النحو العربي. فمثلاً الآية التي تتحدث عن بني إسرائيل (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا)، بينما النحو العربي يتطلب أن نقول (وقسمناهم اثني عشر سبطا). فالصيغة الأولي صحيحة في النحو السرياني (كرستوف ليكسنبيرغ، ص 50) وهو ما لم يهتدِ إليه المفسرون الإسلاميون.
يقول السيد هشام كذلك ( إن الناظر إلى تاريخ ما يُسمى بعلوم القرآن يجد أنها جاءت كضرورة أوجدتها حالة التوسع ودخول الأعاجم في الإسلام، وبالتالي صعوبة تلقي القرآن والاستفادة منه بالسهولة التي كان العربي يتحصل عليها. وكانت تلك أولى الطعنات التي وجهت إلى ما يُسمى بالإعجاز اللغوي في القرآن، فقد ولّى ذلك العصر الذي كان فيه المسلمون يتفاخرون بما اعتقدوا أنه قرآن فصيح وأنه بليغ إلى الحد الإعجازي، وجاء العصر الذي اضطروا فيه إلى التخلي عن بلاغة النص القرآني في مقابل تفسيره وترجمته للأعاجم الذين لم يكونوا يملكون المقومات اللغوية التي تؤهلهم لاستنباط البلاغة والإعجاز اللغوية في القرآن، بل وأكثر من ذلك فإن شيوع اللحن في العربية عامة وفي القرآن بصورة أخص كانت هي السبب الأول في وضع أساسيات علم النحو، ولهذا فإن أبا الأسود الدؤلي وتلميذه: يحيى بن يعمر العدواني شرعا في وضع أساسيات علم الإعراب والنحو الذي يعرفه العرب ولا يعرفه الأعاجم) انتهى
ولا أظن أن السيد هشام قد أنصف الأعاجم في الفقرة السابقة. فالأعاجم هم الذين وضعوا قواعد اللغة العربية، مثل أبي الأسود الدؤلي، والفراهيدي وسبويه وغيرهم. وهم الذين فهموا القرآن على حقيقته وبدؤوا بنقده على أساس العقل. فأغلب الذين حوكموا بتهمة الزندقة كانوا من الأعاجم



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى ظهر الإسلام 2-2
- متى ظهر الإسلام؟ 1-2
- ردود مفصلة عن الرضاع
- أسئلة لم يتطرق لها المسلمون
- لعنة آل سعود
- الإسلاميون وتعاملهم مع النقد
- ختان الذكور في الماضي والحاضر
- حوار مع الإسلاميين 3
- حوار مع الإسلاميين 2
- حوار مع الإسلاميين
- مستقبل الثورات العربية
- الثعبان الإسلامي متعدد الرؤوس
- تفجير كنيسة الإسكندرية ودموع التماسيح
- توضيحاً لإشكالات بعض القراء
- هل يمكن تأريخ القرآن أو الإسلام؟
- عمر عائشة عندما تزوجها محمد
- إصلاح الإسلام 3-3
- إصلاح الإسلام 2-3
- إصلاح الإسلام 1 .... تعقيباً على الأستاذ العفيف الأخضر
- الخوف والجهل هما حجر الأساس


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - الرسم القرآني - بعض الإيضاحات