أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد مسعد محمد السبع - ملاحظات حول مأزق التعددية الثقافية فى أوروبا















المزيد.....

ملاحظات حول مأزق التعددية الثقافية فى أوروبا


عماد مسعد محمد السبع

الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 22:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


واقعة قيام شاب أبيض من أبناء النرويج الأصليين ( اندريس بيهرنج بريفيك ) بمجزرة فى معسكر شباب حزب العمال النرويجى الحاكم أدت لمقتل نحو 90 و أصابت مثلهم – تستوجب وقفة للنظر والتأمل .

الحادث وصف بأنه الأول من نوعه فى القارة الأوروبية منذ الحرب الثانية , وأنه " أوكلاهوما أوروبى " - نسبة إلى ما قام به " تيموثى ماكفاى " المتطرف اليمينى الأمريكى الذى قاد شاحنة ملغومة وفجر مجمع أوكلاهوما فى العام 1995 .

مجلة تايم الأمريكية عرضت نسخة مختصرة من لقاء لبريفيك - كان قد نشره على موقعه الإلكترونى - حيث يلقى أسئلة على نفسه تدفع نحو الإعجاب ثم يأخذ فى الرد عليها بإجابات تنم عن ثقة تثيرالقلق .

يقول " بريفيك " فى معرض رده على تساؤل بشأن دوافعه و حقيقة الكراهية التى يختزنها تجاه الإسلام : ( أنا لا أكره الإسلام مطلقآ , وأعرف أن هناك أفرادآ مسلمين رائعين فى أوروبا . وكان لى عبر السنين عدد من الأصدقاء المسلمين , ومازلت أكن للبعض منهم الإحترام و التقدير , لكن ذلك لا يعنى القبول بالتواجد الإسلامى فى أوروبا . وأذا لم يندمج المسلمون بالكلية فى مجتمعنا فسنقوم بترحيلهم بمجرد أستيلائنا على السلطة . ما يدفعنى لهذا هو حبى لأوروبا وللثقافة الأوروبية الخالصة و الموحدة . وهذا لا يعنى أننى ضد التنوع لكن تثمين التنوع لا يعنى تطهير ثقافتك وشعبك عرقيآ ) .

من الواضح أن " بريفيك " ينطلق من أسس ثقافية وأيديولوجية لتبرير منحنى أستخدام العنف وبهدف مواجهة ما أسماه " بالغزو الثقافى الإسلامى لأوروبا ", أذ يتصورأن " الماركسية الثقافية التى أنتشرت فى أوروبا أسفرت عن أنحطاط أخلاقى وقيمى , وأنه لا يمكن هزيمة التمدد الإسلامى للغرب الإ عبر التخلص من المبادىء السياسية التى تطرحها الماركسية وأفكارالتعددية الثقافية التى يعتبرها واحدة من أهم الدلائل على جنون عالمنا ".

ومما لاشك فيه أن نموذج " بريفيك " يتحرك على أرضية من العوامل السياسية و الإجتماعية الأوروبية التى أكسبت اليمين المتطرف نفوذآ متزايدآ بأوروبا خلال العقود الثلاثة الماضية .
فمع تنامى قوة منظمة الإتحاد الأوروبى طرح ( سؤال الهوية الأوروبية ) نفسه بأستمرار, وأتخذت البلدان الأوروبية أجراءات لعرقلة الهجرة المتسارعة من دول العالم النامى , وأرتفعت أسهم الأحزاب والإتجاهات اليمينية المحافظة التى حملت المهاجريين والطوائف الثقافية المغايرة مسئولية التدهور الإقتصادى وتراجع معدلات النمو والجريمة المنظمة .
فضلآ عن تزايد قوة و نفوذ الجاليات المسلمة داخل القارة البيضاء والذى طرح بدوره ( سؤال الديانة الأوروبية ) خاصة بعد أستماتة " تركيا " المسلمة فى الإنضمام للنادى الأوروبى ذو الطابع المسيحى – اللاهوتى , وتصاعد المخاوف من ظاهرة " الإسلام الزاحف " - الأمر الذى دفع حكومات يمين الوسط الحاكم للإنحياز نحو لرؤية اليمين المتطرف واصدار قوانيين مثل : حظر المآذن فى سويسرا , وحظر النقاب فى الأماكن العامة بفرنسا وبلجيكا .

ومن هنا فاذا جردت آراء " بريفيك " من سياقها وتم تحرير أنتقاداته حول التعددية الثقافية والهجرة فسنجد أنها ليست أطروحات اليمين الأوروبي المتطرف فحسب , وأنما أيضآ آراء زعماء محافظين ومعتدلين من أمثال كاميرون فى أنجلترا وميركل فى ألمانيا و ساركوزى فى فرنسا – وحيث تؤرق الجميع تساؤلات الذات و الهوية والديانة الأوروبية الجامعة والموحدة .

ومن هنا فأن واقعة " بريفيك " تلقى ظلالآ من الشك على الإتجاهات التى كانت تحمل تفاؤلآ بمستقبل التعددية الثقافية الليبرالية فى الغرب , بل وتهزالآمال شبه المثالية لهؤلاء الذين روجوا لتلك السياسات وخططوا لها منذ عقود .

أن تجربة التعددية الثقافية الليبرالية الغربية Multicultural هى قصة تدور فى الأساس حول التطبيع التقدمى للسياسات العرقية , ولكى يصبح الحراك السياسى العرقى مجرد شكل آخر من المناقشات اليومية والقانونية الديموقراطية المشروعة والمتداولة .

من وجهة نظر كاتب هذه السطور فأن العطب الأساسى لهذه التجربة أنها مازالت تحلق خارج دائرة صراع وجدل الواقع الإجتماعى و السياسى الأوروبى ,وأنها تنتج على نحو مجرد ولا تاريخى كمنظومات قانونية وحقوقية عالمية .

ففى مرحلة مابعد الكولونيالية , ومرحلة مابعد الشيوعية , ومرحلة العولمة الكوكبية - بدا أن أفكار " التعددية الثقافية " أكثر أتساقآ مع ضرورات هذه المراحل ومع الأداء السياسى لدولة الرفاه الديموقراطى الليبرالى . ومع مراعاة فشل النماذج القديمة للدولة المركزية ذات الموحدات القومية المتجانسة .

ومن هنا أصبحت فكرة التعددية الثقافية خيارآ دوليآ جذابآ ومطلوبآ بشكل واسع عبر منحى" تدويل علاقة الأقلية بالدولة " – ومن خلال مستويين :
الأول : خطاب سياسى كونى داعم للتعددية الثقافية من خلال مجموعات منتشرة من الأفكار تحرص على تأكيد أهمية التكيف و التوائم مع الإختلافات والتنوع – وتضم منظمات غير حكومية ومراكز بحثية وأكاديمية و دعاة لحقوق الإنسان .
الثانى : قوننة أفكار التعددية الثقافية فى صورة قواعد قانونية ( أو شبه قانونية ) تتجسد فى أعلانات تهدف لتنمية المعايير الدولية لحقوق الأقليات على الصعيدين المحلى و الكونى ( على سبيل المثال / أعلان الأمم المتحدة عام 1992 بشأن حقوق الأقليات - أتفاق المجلس الأوروبى فى العام 1995 بشأن حماية الأقليات – أعلان حقوق الشعوب الأصلية التى أعدتها منظمة الدول الأمريكية فى العام 1997 – معايير حقوق الأقليات التى تتبناها اليونسكو ومنظمة العمل الدولية .. و غيرها ) .

ومن البين أن نزعة تدويل هذه العلاقة تروم أنتشار المثل العليا لحقوق الأقليات وأفضل الممارسات التى يمكن أن نتطلع اليها فى هذا الخصوص , غير أن التساؤل الذى يتعين طرحه هنا يدور حول ماهية ( القوى الإجتماعية ) التى أنتجهت تلك الإتجاهات وحرصت على تقنين فوائدها ومخاطرها وبدائلها - وباعتبارها ترجمة لمصالحها الإجتماعية والحقوقية .

فالثابت أن مضامين وضوابط تلك المعايير مازالت خاضعة للمفاهيم الليبرالية المتعلقة بحقوق الإنسان والتى تنظر " للتسامح " و ليس " العدالة " كقيمة أساسية حاكمة فى هذا الإطار , كما تبحث عن حقوق العرق والطائفة ( أو الطبقة المغلقة Caste ) فى وقت تتجاهل فيه قواعد المساواة بين أبناء الأمة الواحدة .

ومن هنا تبدو مهمة تلك السياسات الحقوقية الأقلوية فى تكريس أخفاء الواقع المستمر للتراتبات الإجتماعية والهيراركيات الطبقية والعنصرية , ولم تدفع نحو ألغاء التهميش السياسى والتفاوت الإقتصادى و الإجتماعى الذى يفتك بالجميع وليس بالأقليات فقط .

أن النقد الماركسى الأصيل لمنحى التعددية الثقافية فى طرازه وتجربته الليبرالية / الطبقية المطروحة يبدوجد هام , حتى ولوانتهى انتهى الأمر بالوقوف هناك فى خانة بعض الإتجاهات اليمينية المناهضة للفكرة .

أن التخلى عن الفكرة الكلية العامة الداعية للعدالة والمساواة الإجتماعية لمصلحة " النسبية الثقافية الأقلوية " تبدو مرفوضة , تمامآ مثلما يجرى الآن التمويه على الإنقسام الطبقى الأساسى وصراع المنافسة السياسية بين اليمين واليسار من خلال صراع حول مسائل : الهوية والأقليات الثقافية والعرقية و الدينية .

كما لا يوجد ثمة ضامن بأن البنية التحية للتعددية الثقافية لن تستولى عليها القوى غير الليبرالية وتخلق من رحمها أشكالآ جديدة من الهيراركية والسيطرة , وقد أثبت الممارسة أن نزعة تدويل هذه التعددية بدت كحقول ألغام يكتنفها أضطراب المفاهيم والتناقضات القانونية والتلاعبات السياسية .

أخطر ما فى مشهد " بريفيك " هو أختزاله فى مجرد أنه "حالة أنسانية فاشلة " , وأن ما قام به هو مجرد عمل فردى يجب نسبته لشخص مجنون نشأ فى أسرة مفككة وعجز عن التواصل الإجتماعى . " فبريفيك " يظل نتاجآ أصيلآ للبيئة السياسية والإجتماعية والحقوقية بالنرويج حتى ولو عمد لقائها حزب العمال ذى الميول الإشتراكية الوسيطة.

ومن اللافت أن أنجلترا تجتاحها الآن أعمال عنف بدت عرقية -على خلفية مقتل شاب أسود بيد شرطة ستوكلانديارد – وهى ليست بعيدة عن مذبحة " بريفيك " . فكلاهما يتفقان ليس فقط فى طرح أزمة التعددية الثقافية الليبرالية داخل المجتمعات الأوروبية , وأنما أيضآ فى تعرية واقع التهميش والتفاوت الإجتماعى والطبقى العام - الذى يجرى التمويه عليه وجحده وأنكاره .



#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية الإجتماعية ومستقبل النظام السياسى العربى
- ملاحظات حول صعود تيار الإسلام السياسى فى قلب ميدان التحرير
- إعادة اختراع السياسة فى واقعنا العربى
- المجلس العسكرى يقود الثورة المضادة فى مصر
- الثورة واليسار الغائب فى مصر
- القضاة ودورهم فى الثورة المضادة بمصر
- الثورة فى مواجهة وسطية الفكرالعربى المعاصر
- متى تبدأ الثورة على السلفية الوهابية ؟
- الإنتفاضات العربية بين طابع السلمية وحتمية العنف الثورى
- الأردن .. هل ينجو من طوفان الثورة العربية ؟
- الخيال والمفاجآت الإدراكية لشباب الثورة العربية
- الوعى الزائف بالتاريخ .. مصر تمحو حقبة مبارك !
- الميدان .. خاطرة حول طوبوغرافيا الثورة
- الصين والكونفوشيوسية وربيع الثورة العربية
- موقع الموسيقى على خريطة الثورة العربية
- الثورة العربية فى عيون الإستراتيجية الإسرائيلية .
- فوبيا الشعر و الثورة العربية
- ملاحظات حول الموقف الإيرانى من الثورة العربية
- العلافات العاطفية فى زمن التحول الثورى
- دلالات ودوافع التوجه الخليجى نحوالمملكة المغربية.


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد مسعد محمد السبع - ملاحظات حول مأزق التعددية الثقافية فى أوروبا