أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - حسن خليل غريب - الفصل الثالث من كتاب (الماركسية بين الأمة والأممية).















المزيد.....



الفصل الثالث من كتاب (الماركسية بين الأمة والأممية).


حسن خليل غريب

الحوار المتمدن-العدد: 1022 - 2004 / 11 / 19 - 11:57
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الفصل الثالث
محطات نقدية حول الفكر الماركسي وموقفه من المسألة القومية وقضايا الأمة العربية

I - أسباب معاداة الشيوعيـة من وجهات نظر الأحزاب الشيوعيـة العربيـة
غالباً ما تطغى على تقييمات الأحزاب الشيوعية العربية، كمثل ما يحصل مع الحركات الحزبية الأخرى، إذا ما تطلَّب الأمر منها أن تقيَّم حالة ما، الأسلوب التعبوي والخطابي بدلاً من اللجوء إلى التقييم الموضوعي لتلك الحالة. وقلَّما تمارس النقد الذاتي، بل هي تبتعد عن ملامسة الأخطاء وتلقي بالمسؤولية دائماً على الطرف الآخر / النقيض.
وكتدليل على صحة حكمنا هذا، سنتّخذ في هذا المقطع موضوعاً ننقد فيه وثيقة() صدرت عن عدد من الأحزاب الشيوعية العربية()، والتي قام عدد من قادتها بتحليل أسباب إثارة العداء ضد الشيوعية؛ وهذه الوثيقة هي من أهم المحطات التي كان يمكن لممثلي الأحزاب الشيوعية العربية أن ينخرطوا فيه بعملية نقدية جريئة، خاصة وأن بعض تلك الأحزاب قد مارس النقد الذاتي. وعلى الرغم من أن معالجة موضوع العداء للشيوعية جاء بعد تلك المحطات النقدية لم يتجرّأ أي من القادة الشيوعيين العرب أن يؤشّر إلى أية محطة من المحطات السلبية التي اتّسم بها فكرها وسياساتها.
ومن أهم المسائل، التي يؤشر إليها أولئك المسؤولون ويعدُّونها مثاراً لعداء القوى المعادية للشيوعية في العالم العربي، هي التالية:

1- الثورة الاشتراكية الأممية في الاتحاد السوفيتي مثالٌ للحل المنشود:
سادت في الأوساط الشيوعية العربية نزعة الإيمان بأن دول الاتحاد السوفياتي قد أتمَّت بناء الاشتراكية، وهي تخطو باتجاه بناء القاعدة المادية للمرحلة الشيوعية، وتستعد للانتقال -ناقلة البشرية معها- إلى الشيوعية، التي ستتحقق، لأول مرة في التاريخ وسوف يقوم فيها «مجتمعٌ يزول منه قهر الإنسان»( ).
يستند العداء الإمبريالي للشيوعية العربية إلى نهجها الإيديولوجي الاشتراكي أولاً، وإلى النظام المركزي الذي يطبِّق هذا النهج وهو الاتحاد السوفياتي. لذا يبقى الاتحاد السوفياتي، الأنموذج الأول للنظام الاشتراكي، وحزبه الشيوعي، هدفاً مركزياً لأعداء الشيوعية( ). وبهذا يصبح الأنموذج الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي هدفاً رئيساً للتشويه الذي تمارسه القوى المعادية له( ). ولهذا يعمل العدو الرئيس للطبقة العاملة، بالأساس، على شق صفوفها، وشق صفوف الحركة الشيوعية على المستويين: العالمي والوطني( ).

2-الطبقة العاملة هي رائدة الحل لقضية العرب القومية:
ترتبط مصالح البورجوازية مع المصالح الأمبريالية. ولأن جوهر الأمبريالية لا يظهر إلاَّ من خلال نقدها النظري، ووجهة نظر الطبقة العاملة هي التي تستطيع بأن تقوم بمثل هذا النقد، وهي الوحيدة، التي إذا وعت أن الأمبريالية هي نفسها الرأسمالية، وأن النضال من أجل الاشتراكية هو حلُّ لمشاكلها، كل هذا يجعل من «الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، موضوعياً، رائدةً لحل القضية القومية للشعوب العربية، وليست البورجوازية»( ).

3- معاداة الاستعمار الرأسمالي للنظام الاشتراكي:
تُجمع الأحزاب الشيوعية العربية على وجود تناقض أساسي بين الرأسمالية والاشتراكية، ولهذا تضع الاستعمار في رأس قائمة المعادين للنظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي، فهو قد وضع خططاً طويلة الأمد لمكافحة الحركة الشيوعية من خلال العمل على إسقاط الاتحاد السوفياتي، لأن في إسقاطه إسقاط لتجربته الاشتراكية، وإضعاف لحركات التحرر في العالم أجمع. لذا تعود موجة العداء التي يمارسها الاستعمار ضد الشيوعية إلى الخوف من انتصار الاشتراكية في روسيا( ).
فإذا كان من مهمات الاستعمار إسقاط تجربة الاتحاد السوفياتي، فمن مهمات حركات التحرر في العالم، والأحزاب الشيوعية العربية أن تتمسك بمبادئ الأممية البروليتارية، وبمقررات الحركة الشيوعية العالمية، والمحافظة على أفضل العلاقات مع الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى( ).

4-دور الصهيونيـة في معـاداة الشيوعيـة:
يُجمِع بعض الأحزاب الشيوعية العربية حيّزاً واسعاً لتوضيح دور الصهيونية في معاداة الشيوعية، وهذه الأحزاب على قلّتها تعطي مؤشراً -من خلال مواقفها- على أهمية الوعي المتأخر للحركة الشيوعية العربية للدور الصهيوني السلبي ليس من الحركة الشيوعية العالمية فحسب، بل من مجمل حركة التحرر العربية بشكل خاص أيضاً، لما لمواقفها السلبية أو الإيجابية من (إسرائيل) من تأثيرات.
على الرغم من ذلك نرى من المناسب أن نطل على بعض تلك المواقف الشيوعية على قلّتها. لقد وعى الماركسيون، قبل تقسيم فلسطين، أن الصهيونية تنتمي إلى البورجوازية الرجعية، لذا عملت -منذ هرتزل في العام 1903م، الذي رسم خطى مقاومة الحركات الاشتراكية الثورية- على تعميق العداء بين الصهيونية والشيوعية. فقامت الصهيونية بدور التجسس والتخريب ضد الحركات والبلدان الاشتراكية، وأصبحت (إسرائيل) مركزاً رئيساً لجميع النشاطات المعادية للشيوعية والسوفيات؛ فغدت هذه السياسة مصدر إلهام للأنظمة الرجعية في مكافحة الشيوعية( ).
إن مثل هذا الموقف، لا شك بأنه جديد، وعلى الرغم من جدَّته لا يتورّع الخطاب الشيوعي العربي من الادّعاء بأن الخط السياسي للشيوعيين هو الخط الوحيد الذي يخيف «إسرائيل». يقول شيوعي أردني: إن أجهزة القمع (الإسرائيلية) تقوم بملاحقة الشيوعيين «لقناعتها بأن الخط السياسي للشيوعيين من قضية العدوان (الإسرائيلي) - الامبريالي هو الخط الواقعي والقادر، أكثر من سواه [!!]، على مقاومة الاحتلال»( ).

5-معاداة الرجعيـة والإقطاعية والبورجوازية الكبيرة العربيـة:
الإقطاعيون والبورجوازيون والرجعيون هم من أهم مناوئي الشيوعية، بحكم طبيعتهم الطبقية والإيديولوجية المنحازة إلى الطرف المضاد لها؛ وهناك مناوئون آخرون من المضلَّلين من جراء الدعايات المعادية للشيوعية( ).
يأتي النظام السعودي، بالإضافة إلى صلاته بالرجعية السودانية، على رأس القوى الرجعية التي تعمل ضد الشيوعية، وأسهم بأمواله، مستقوياً بعلاقته بالاستعمار، ضد حركات التحرر العربية( ).
تمظهرت موجة العداء الرجعي من خلال إصدار تشريعات قانونية، كما حصل في مصر( )، وأيضاً، في الأردن، الذي أصدر، في العام 1951م، قانوناً خاصاً لمكافحة الشيوعية( ). وكانت السلطات تلجأ، أيضاً، إلى قوانين وأوامر كيفية ذات صلاحيات غير محددة، ومن دون أن يكون لأية سلطة قضائية حق الطعن في تنفيذها( ). وبدعوى مكافحة الشيوعية، كانت السلطات الرجعية تضطهد قوى وعناصر تقدمية وثورية غير شيوعية( ).

6-معاداة الرجعية الدينيـة الإسلاميـة للشيوعيـة:
تعرَّضت الشيوعية لموجة عداء من قبل الإسلاميين، الذين يتهمون البلشفية بالعداء للدين، وأصدرت بعض الهيئات الدينية الإسلامية في مصر فتاوى تحرّم الاشتراكية( ). وقد جاء في إحدى الفتاوى «أن طريقة الجماعة البلشفية طريقة تهدم الشرائع السماوية، وعلى الأخص الشريعة الإسلامية»( ). وربطت الرجعية السعودية بين الإلحاد والشيوعية والصهيونية، واستخدمت الإعلام المأجور لترويج تلك التهم( ).

7-معاداة بعض المنتسبين إيديولوجيـاً للماركسيـة:
هناك بعض التيارات الماركسية، كمثل «الماويين»: (نسبة إلى ماو تسي تونغ، الزعيم الشيوعي الصيني)، الذين يروِّجون المفاهيم المزيفة ضد الشيوعية والسياسة السوفياتية( ). فالماوية، كما تصفها بعض القيادات الشيوعية العربية الموالية للاتحاد السوفياتي، هي «انحراف قومي متطرف لصغار البورجوازيين ظهر… في أمة [الصين] عانت من الاضطهاد القومي … فتأصّلت في إيديولوجيتها العزلة القومية والتعصب القومي»( ).
وترى تلك القيادات أنه قد تسللت، عبر تغلغل الأفكار القومية والشوفينية والانتهازية، بعض الجماعات الشيوعية المرتدة مثل «الماوية»، وكذلك تفعل بعض التيارات «التروتسكية» المنحرفة( ). وهي كلها تتزيَّن بلباس الماركسية، ومنتسبوها هم من «المشبوهين والمرتدّين»( ).

8-معـاداة القوميون الشوفينيون للشيوعيـة:
برزت في البلدان العربية، وخاصة في لبنان، «القومية بالمعنى الشوفيني، واتخذت القومية طابع العداء للشيوعية»، ولا سيما في الثلاثينات وإبّان الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الدول الناشئة تحاول الاستناد إلى ترويج الدعوات الشوفينية لإيجاد موطئ قدم لها في العالم العربي؛ غير أنَّ «حركة التحرر الوطني العربية، بأهدافها القومية الاستقلالية، المتمثلة بالعمل لتحقيق الاستقلال التام والوحدة العربية… هي في جوهرها حركة تقدمية معادية للأمبريالية، وبالتالي تجعل مصالح الجماهير العربية الواسعة في تناقض تام مع الرأسمالية»( ).
تحاول قوى اليمين العربي أن ترفع شعارات قومية، لكنها شعارات شكلية تدافع عن العلاقة مع القوى الرجعية العربية -حليفة الأمبريالية- وهذا يعني، بشكل غير مباشر، عداءً للعلاقة مع الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى( ). فمثلاً كانت الأوساط القومية في الجزائر تعادي الشيوعية من منطلقين: المعاداة المبنية على المصالح الطبقية، ومعاداة كانت توحي بها أفكار مسبقة( ).
تستند الأوساط القومية، في معاداتها للشيوعية -كما ترى بعض القيادات الشيوعية العربية- إلى المصالح الطبقية، وأن تلك الأوساط كانت تمثل الملاكين الكبار والأغنياء والبورجوازية. وترتبط مصالح هؤلاء مع مصالح الاستعمار.
كانت الحجج التي تسوقها الأوساط القومية، الآنفة الذكر، ضد الشيوعية هي ذاتها التي يروّجها الإخوان المسلمون، والتي تقوم على أساس المعاداة الطبقية لأن الشيوعيين كانوا سبباً في تنشيط الحركات النقابية( ). وكان من أهم مظاهر المعاداة تقوم على إطلاق أوصاف، مثل «عملاء موسكو» و«أعداء الإسلام»( ).
وهناك اتهام آخر لبعض الفئات الوطنية، المعادية للأمبريالية، بأنها كانت ترفع شعار مكافحة الشيوعية، وتمارس سياسة الاضطهاد ضد الشيوعيين( ). وتتعاون بعض القوى الوطنية والأحزاب السياسية القومية في البلدان العربية، كما ترى بعض قيادات الشيوعيين العرب، بالتعاون مع أجهزة البوليس لضرب الشيوعيين، ويعود السبب إلى تأثيرات إيديولوجية معادية للشيوعية، فتلفّق التهم ضدهم؛ ولهذا السبب لم يتعرض الشيوعيون لملاحقة الأنظمة الرجعية فحسب، بل، إلى ملاحقة بعض الأنظمة الوطنية أيضاً. ويستغرب بعض القادة هذا التصرف لأنه كان يتم على الرغم من أن الشيوعيين يتفانون في سبيل قضية أوطانهم( ).
ومن المعادين للشيوعية، رفع البعض شعارات مضمونها استغلال المسألة القومية على قاعدة خلق تعارض بين الأفكار القومية والأفكار الماركسية( ). لذا كانت البورجوازية الصغيرة تتسلل عبر جسور وقنوات قومية، وتجد في مثل تلك الأوساط أن العواطف القومية تكون مشتعلة وتصل، أحياناً، «إلى مراحل التعصب القومي الشوفيني، ويتغلغل الفهم البورجوازي للمسألة القومية في كثير من المنظمات والأحزاب الوطنية»، وتمدَّهم الرأسمالية بأغذية (التعصب القومي)( ).

9- معاداة الشيوعيـة بسبب إهمالهـا شعارات الاستقلال الوطني:
رُفعت شعارات العداء للشيوعية في الجزائر، مثلاً، وكان من أهمها: (الشيوعية عدوة القيم الإسلامية)، أو(هم فرع من الحزب الشيوعي الفرنسي)، و(الشيوعيون عملاء موسكو)، و(الشيوعيون أعداء للاستقلال الوطني)( ).
اتهمت الأوساط الجزائرية، التي كانت تعمل من أجل الاستقلال الوطني، الحزب الشيوعي الجزائري أنه لم يتبنَّ «بشكل حازم وثابت شعار الاستقلال إلاَّ متأخراً (1950م)». ويعود السبب إلى استصغار الحزب للقضية الوطنية، و إلى الدور الرادع الذي كان يلعبه «بعض المناضلين والمسؤولين الذين هم من أصل أوروبي»( ). وقد وُجِّهت التهم للشيوعيين، في أثناء حرب تحرير الجزائر (1954 - 1962م)، بأنهم كانوا معارضين للكفاح المسلّح( ).

10-إستنتاجــات:
من خلال مراجعتنا للكتاب الذي ضمَّ شهادات العديد من قادة الأحزاب الشيوعية تحت عنوان (معاداة الشيوعية في العالم العربي)، كنا نتوقّع أن نحدد أخطاء الأحزاب الشيوعية العربية من خلال تقييمها الذاتي، ولكن -للأسف- لم نخرج منها إلاَّ بالقليل القليل من التقييم الموضوعي، وبالكثير الكثير من المدح الذاتي المغرق بالذاتية في أحيان كثيرة. وبالمحصلة خرجنا بشهادة تبرئة للشيوعية من كل الأخطاء، وبدلاً من ذلك حمّلت بعض القيادات وزر معاداة الشيوعية إلى الآخر، دون أن يظهر أي وزر ذاتي تتحمله تلك الأحزاب.
يظهر من خلال تقييماتها الذاتية أنها كانت لا تزال تعيش في حلم كبير حول الانتصارات والنجاحات التي أحرزها الاتحاد السوفياتي، في الوقت الذي خرجت فيه القيادة السوفياتية بالكثير من النقد الذاتي لتجاربها على مدى أكثر من ستين عاماً، وهو عمر التجربة الاشتراكية السوفياتية.
وإذا أخذنا أنموذجاً، معالجات قادة الأحزاب الشيوعية لظاهرة العداء للشيوعية، لوجدناه يدلنا على مدى ابتعاد الحركة الشيوعية العربية عن واقع الحال الذي كانت تعيشه في علاقاتها مع قضايا الأمة العربية، وفي علاقاتها مع دولة أول تجربة اشتراكية أممية في العالم، وفي رؤيتها لذاتها ومسؤولياتها.
من جملة النتائج التي توصلنا إليها، في أثناء معالجتها لأية مسألة عربية، وجدنا أن بعضها قد غلَّب الكلام على عداء الاستعمار للاتحاد السوفياتي. وقلّما وردت عنده إشارات تقارب الموضوع / الإشكالية المطروحة مع الواقع العربي ومع واقع الأحزاب الشيوعية العربية. فماذا وجدنا؟
إنك تضيع كثيراً، وتجهد النفس وأنت تركض وراء التفتيش عن سبب واضح، تحدده القيادات الشيوعية، وكان له علاقة بخطأ ما ارتكبته تلك القيادة لأنك لن تجده. أما ما تستطيع أن تجده، من خلال ما قاله أولئك القادة، هو أن معاداة الشيوعية في العالم العربي قائمة على الأسباب التجريدية التالية: خوف من إيديولوجيا الطبقة العاملة - خوف من الاتحاد السوفياتي - خوف من الرأي العام العالمي التقدمي - وتضيف المعالجات إلى كل ذلك، أن كل معادٍ للشيوعية إما هو أسير لدعايات الاستعمار، أو أسير للدعايات الرجعية، أو أسير للمخاوف البورجوازية().
أما أهداف النهج المناوئ للشيوعية فتراها واضحة في ثوب نظري لكن لا علاقة له بالتجارب الملموسة، ومن أهم تلك الأهداف: شق وحدة الطبقة العاملة - عزل الطليعة الشيوعية عن جماهير طبقتها - فصل القاعدة عن القيادة الشيوعية الواعية - شق الحركة النقابية - تجريد الطبقة العاملة من حقوقها السياسية والديموقراطية. وللقارئ مثلٌ على الذاتية التي يُغرق الخطاب الشيوعي نفسه فيها؛ لقد جاء على لسان أحد القادة الشيوعيين ما يلي: «لا يمكن أن تكون الحركة العمالية موحَّدة إذا كان محرّماً على الشيوعيين العمل في صفوفها، فقد برهن تاريخ الحركة العمالية… أن القادة النقابيين الشيوعيين هم قادة متفانون… في خدمة الحركة العمالية»( ). وقس على هذا الأسلوب الخطابي التوجيهي والتعبوي -وليس الأسلوب التقييمي- كثيراً من الصفحات التي استهلكتها المقالات التي كتبها أولئك القادة. وهو أسلوب مَنْ حَفِظَ التعاليم بشكل جيد وسليم، وهو بدوره يعمل على إلقائها بشكل خطابي تعبوي.

إن نجاح حلم إنجاز بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي جعل الشيوعيين العرب يعيشون حلم البدء في العمل للانتقال إلى المرحلة الشيوعية. فلعب هذا الحلم دوراً في ابتعاد الحركة الشيوعية العربية عن اتخاذ موقف واضح وحاسم من وجود قومية عربية، فبقيت المسألة القومية عاملاً ثانوياً في اتجاهات تلك الأحزاب. فلماذا يتعبون أنفسهم في النضال من أجل قومية ستتجاوزها، حتماً، المرحلة الشيوعية القادمة على الأبواب؟
فهل كانت تلك الأحزاب لا تزال تراهن -استناداً إلى المنهج الماركسي- على أن شعار القومية العربية، أي توحيد الأقطار العربية، هو تكتيك مرحلي يخدم توحيد الطبقة العاملة لتكوين أمة البروليتاريا العربية؟
فإذا كان هذا الاحتمال صحيحاً، فلماذا تجهد نفسها في النضال الوحدوي العربي وهي تستطيع، إذا حققت كسباً في أي قطر من أقطاره، أن تخطو خطوة على طريق الالتحاق بالمركز الأممي في الاتحاد السوفياتي؟ والسبب أنه يكاد يقطف ثمار الانتقال من المرحلة الشيوعية الأممية بعد أن استطاع أن يتمم بناء المرحلة الاشتراكية بنجاح.
***

II- محطات نقدية، للتيارات القومية والتيارات القومية الماركسية، حول الأحزاب الشيوعية العربية
عندما نتكلم عن الماركسية لا يعني ذلك في المصطلح الواقعي أن هناك اتفاقاً حول تفسير ثابت لها عند الماركسيين والشيوعيين، فهي تتنوع حسب تنوع تفسيرات من يدَّعون أنهم يتكلمون باسمها.
تتراكم الفلسفة الماركسية، إذاً، بما يمكن أن يضيفه لتفسيرها وتأويلها كل تيار أو فرد أو جماعة من الماركسيين، لأن هناك خلافات وصراعات واسعة في الحركة الشيوعية العربية والعالمية أيضاً. ففي العالم، الآن، العديد من المدارس والأحزاب التي تطرح أفكاراً تقول عنها بأنها تمثل الماركسية الثورية الصحيحة. ويتهم كل منها الآخرين بالتحريفية والبعد عن الماركسية، بينما يدَّعي كل من تلك التيارات أنه يحتكر تفسير الماركسية وتأويلها الصحيح؛ وإنه «ابن ماركس وإنجلز ولينين»، بينما الآخرون هم انتهازيون أو بورجوازيون( ).

1- محطات نقدية من تيارات ماركسية لكنها خارج نادي الأحزاب الشيوعية العربية:
أ-بعض المفكرين المهتمين بالفكر الماركسي:
يرى حنا بطاطو أن المبشرين الشيوعيين الأوائل في العراق هم من الأرمن( ). وكان لليهود الاشتراكيين والشيوعيين، وخصوصاً اليهود الروس، يد في ظهور الشيوعية في المشرق العربي. وكان لروسي يهودي الفضل في إدخال الحزب الشيوعي إلى مصر( ). وكذلك في فلسطين( )، وهو الذي شكَّل الحزب الشيوعي فيها، وفي أكثر المواقع الشيوعية المتقدمة في المشرق العربي( ). وأيضاً في لبنان( ). وفي سوريا( ).
حول هذه المسألة يقول بطاطو إن بعض أعداء الشيوعية العرب حاولوا أن يبرزوا تلك الظاهرة بشكل صارخ، إنما في الواقع كان أولئك المؤسسون قد كرَّسوا أنفسهم كلياً لقضيتهم( ).
بمعزل عن تلك الظاهرة يمكننا أن نتابع الآراء النقدية التي قام بها بعض أولئك المهتمين بالنظرية الماركسية، وباتجاهات الأحزاب الشيوعية العربية، ومن بعض تلك الآراء ننتخب ما يلي:
يرى الياس مرقص، في نقده للأحزاب الشيوعية العربية حول موقفها من المسألة القومية، مستنداً إلى أن ماركس وإنجلز، وتابعهما لينين بشكل أكثر اهتماماً، قد أولوا المسألة القومية عنايتهم الفكرية التي كانت تتناسب مع تصاعد دورها في الزمان والمكان الخاصين. فكلما كانت تُثار مسألة قومية أوروبية أو غيرها، كان كل منهم يوليها الاهتمام والعناية بحسب حجم تأثيرها على مسار النظرية الأممية.
فهو يرى أن تشخيص ماركس لكل المسألة القومية كان واحداً في الجوهر والأساس، وفي 99% من المسائل العيانية المطروحة. ومن أهمها أن ماركس وإنجلز كانا معاديان لمبدأ القوميات، الذي يضع الأمم الصغيرة على قدم المساواة مع الأمم الكبيرة، أي الأمم التي تتلقى الاضطهاد وتلك التي تمارسه على غيرها من القوميات. وكانت القوميتان الروسية والبونابرتية تمثل دور القوميتين الكبيرتين، في أثناء حياتهما، لهذا السبب أيَّدا، في العام 1870م، الوحدة الألمانية حتى لو كانت عن طريق بسمارك()؛ وحول ذلك يقولان: «ألمانيا تلعب في الحرب وجودها القومي… وبسمارك يقوم بجزءٍ من عملنا»( ).
وكانت أخطر فترة تعرَّف فيها الفكر الماركسي على المسألة القومية هي ما بين (1915 – 1923م)، وهي مرحلة السجالات التي قادها لينين ضد روزا لوكسمبورغ، وفي خلالها طوَّر جانب رفض اللامساوة بين الأمم، واستغلال أمم لأخرى( ).
يرى مرقص أن وحدة البروليتاريا أو وحدة الطبقات الكادحة ليست بديلاً عن وحدة الأمة العربية، عن التوحيد القومي للأقطار العربية( ). يقول لينين: ليس من ثورة اجتماعية خالصة، ومن ينتظرها، «سوف، لن يراها أبداً. ذلك ثوري في الكلام لا يفهم ما هي (الثورة الاجتماعية)»( ). ولهذا السبب سوَّغ لينين الشعار القائل: (يا عمال جميع الأقطار، وأيتها الأمم المضطهدة اتحدوا). وكان قد أيقن أن حركات الأمم، بهدف التحرر القومي، ستتحول حتماً ضد الرأسمالية والإمبريالية، وقد تلعب دوراَ أكثر ثورية بكثير من المتوقع؛ وقد أعطى اهتماماً شديداً للثورات القادمة في الشرق( ).
يعطي مرقص أهمية وأولوية وأرجحية للوحدة، ويرى أنه لا الطريق الطبقي، ولا حتى الاشتراكية، يشكل شرطاً مسبقاً لها:
- إن الوحدة العربية لن تأتي بالطريق الذي يحدده الماركسيون الجدد، والذي يسمونه الطريق الطبقي (البروليتاري)( ).
-ولا الاشتراكية تشكل الشرط المسبق للوحدة، بل الوحدة هي الشرط المسبق للاشتراكية والشيوعية.
-لكن الشرط المسبق للوحدة هو توجيه ضربات جديدة للإمبريالية، والوحدة ذاتها ضربة من تلك الضربات، بل من أهمها( ). فعلى الماركسيين الحقيقيين أن يؤيدوا الوحدة دون تحفظ، وعليهم أن يعملوا كي تسلك الطريق الأفضل والشكل الأحسن. وهي، بالتالي، لن تأتي على طبق من ذهب، أو من يقظة شعور أو وجدان وضمير( ).
ولأهمية الوحدة القومية، يرى مرقص أن الدور البورجوازي التقدمي، لا ينحصر في التحرر من الكنيسة فحسب، بل لأنه أنشأ، أيضاً، الدولة القومية، الإطار السليم لنمو الرأسمالية وتقدم المجتمع، كما يقول ماركس وإنجلز وكاوتسكي ولينين( ).
يرى جورج حداد أنه على أخطاء الحركة الشيوعية العربية المرتبطة بالاتحاد السوفياتي نشأت تيارات ماركسية ترى إلى المسألة القومية العربية بمنظار أممي. ولهذا رأت المسألة القومية العربية على مستويين:
الأول: هي وطنيـة في جانب، أي أنها «ثورة شعبية ديموقراطية وطنية معادية للاستعمار… وأشكال الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي… المعيقة للتطور الوطني كالرأسمالية الاحتكارية… والملكية العقارية الكبرى». وأمميـة في جانب آخر «من حيث محيطها وجماهيرها وأهدافها المباشرة، أممية من حيث هي قضاء على بعض معاقل الاستعمار… وتقويض للنظام الرأسمالي… وتقوية وتدعيم لمعسكر التحرر والاشتراكية».
-الثاني: يجعل حجم الوطن العربي في موازين السياسة الدولية مركز ثقل في معركة المصير العالمي، وهذا عائد إلى مخزون البترول العربي، والموقع الجغرافي كملتقى لطرق المواصلات، وموقعها القريب من الاتحاد السوفياتي( ).
لكن هذا لا يضير الثورة العربية أن تتم بدون قيادة الشيوعيين المحليين، وحتى «ضدهم في بعض الحالات… وهذا برهان على أصالة الثورة العربية وحيوية وإبداع الجماهير العربية التي استطاعت أن تتجاوز الشيوعيين المحليين حينما لم يستطيعوا عملياً تبرير وجودهم التاريخي الضروري نظرياً»( ).
أما الدعم الذي يجب أن تتلقاه الأمة العربية من الفصائل الأممية، وتحديداً الاتحاد السوفياتي، فيأتي من منطلق دفاع الفصائل عن ذاتها، وليس كما تصوَّر ستالين، في أثناء الحرب العالمية الثانية، أن أي دعم يقدمه الاتحاد السوفياتي إلى الثورات العالمية «ذات صفة أممية وحيدة الجانب»( ). لكن هذا لا ينفي أن تكون تنمية الصداقات الخارجية للثورة العربية مع البلدان الاشتراكية «مهمة وطنية ضرورية»( ).
ترى القوى الوطنية والتقدمية العربية أن تكون العلاقات بين الدول الاشتراكية والثورة العربية متوازنة ومتبادلة، بينما يمارس الشيوعيون المحليون انعزالاً وابتعاداً عنها، وترى كأن تلك العلاقات تجري «على حسابهم»، لذلك عملوا «بطرق ملتوية لزعزعة الصداقة» بين قوى الثورة العربية والبلدان الاشتراكية. وقد مارسوا تحريفاً خطيراً للصداقة بين الشعوب، وعملوا على إظهارها كأنها ضرورة وطنية من طرف واحد هو الطرف العربي، بينما هي -حسب زعمهم، وتقليداً للنهج الستاليني- تضحية أممية من قبل الدول الاشتراكية لا أكثر. وهم، بالإضافة إلى ذلك، يحصرون الصداقة مع هذا البلد الاشتراكي أو ذاك؛ ويثيرون استعداء البلدان العربية ضد بلدان اشتراكية أخرى( ).
يعيد جورج حداد السبب، الذي يقبع وراء تلك السلوكات، إلى «عقد نفسية» عند هذه القيادة الشيوعية أو تلك( ). ولهذا كانوا يغالون في اتخاذ مواقف مميزة «وإظهار أنفسهم بأنهم القيّمون على الصداقة الأممية للثورة العربية»( ).
حسبت القيادات الشيوعية، استناداً إلى نظرية الحزب الشيوعي، أنهم يمثلون الطليعة، فاصطدموا مع القوى الثورية العربية الأخرى باعتبارها ليست «طليعية»، وبعد أن أثبتت تلك القوى ثوريتها تضاءلت أمام الشيوعيين العرب فرص مهاجمتها( ).
وقعت الأحزاب الشيوعية العربية في بؤرة الأخطاء الستالينية، ومن أهمها أنه أصبح من واجب الشيوعيين أن يلتزموا ويتقيدوا «بكل ما تخططه القيادة الستالينية للبلدان الأخرى». فأصبح كل مخالف للرأي الستاليني، سواء كان مخطئاً أم مصيباً، يُعتبر عدواً للاتحاد السوفياتي، «أي عدواً للثورة وعميلاً للأمبريالية»( ).
قادت هذه التبعية الأحزاب الشيوعية العربية إلى تقليد ستالين في موقفه من القضية الفلسطينية عندما أيّد قرار التقسيم. وأدَّت تلك المواقف إلى تشويه الاشتراكية في نظر الجماهير العربية، وإظهارها بمظهر النقيض للوطنية( ).
كانت الموافقة على التقسيم، أي عملياً الموافقة على وعد بلفور، نقيضاً لمبادئ ثورة أكتوبر الاشتراكية، وعودة للعمل بروح الاتفاقات والمعاهدات السرية (كمعاهدة سايكس - بيكو)، التي كانت الحكومة القيصرية طرفاً فيها. وجاء إطلاق يد الأمبريالية والصهيونية في فلسطين ككوابح للحركة الشعبية المعادية لهما( ).
كان تاريخ القضية الفلسطينية، ووجود «إسرائيل»، مثالاً ناتئاً عن سياسة التعايش السلمي بين الدول الكبرى، لأنها جاءت على حساب الشعوب المناضلة من أجل تحررها، فأتى الاعتراف بالتقسيم لينسف الجبهة الوطنية العربية في الداخل وليقطع الطريق عليها ويمنعها من الاستمرار( ). ولأن سياسة التعايش السلمي كانت صنيعة الستالينية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استكملت العهود السوفياتية، التي ورثت الستالينية، خطاها؛ فكان عدوان الخامس من حزيران / يونيو من العام 1967م، الحلقة الرئيسة لتقاسم مناطق النفوذ في العالم، والذي شارك فيه الاتحاد السوفياتي بالموافقة على قرار مجلس الأمن الرقم 242( )؛ فأصبح من واجب «الستالينية الجديدة» أن تقنع الحركة الوطنية العربية بالرضوخ لمنطق أعدائها باسم «الصداقة»( ).
ومما ساعد على ترسيخ ذلك هو التمزق الذي كان حاصلاً في صفوف تيارات الحركة الوطنية العربية، ولعبت تبعية «الطابور الستاليني العربي» دوراً فعالاً في ذلك؛ وأصبح واضحاً أن أهم الثغرات التي ارتكبتها الأحزاب الشيوعية العربية كانت تتمثل بالاعتراف بتقسيم فلسطين، والعمل على تبرير وجود «إسرائيل»… والاعتراف بالقرار الرقم 242 والترويج له، تحت ذريعة سياسة التعايش السلمي بين الدول الكبرى( ). والدليل، أن اعتراف الاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية العربية ب«إسرائيل»، وسلوكهم سياسة التعايش السلمي، لم يمنحا أية صفة تقدمية للنزاع العربي - الصهيوني، ولم يحل دون قيام أعداء الجماهير العربية من شنّ حملات التصفية الدموية ضد حركتها التحررية( ).

ب-حزب العمل الاشتراكي العربي:
كانت أهم أسباب الصراع بين الحركتين الشيوعية والقومية -كما يرى حزب العمل- تستند إلى تباين في الرؤى والمواقف بالنسبة لوجود إسرائيل، وإلى تغييب الأحزاب الشيوعية العربية لقضية وحدة الأمة العربية( ). وقد رمت الأحزاب الشيوعية العربية، أيضاً، بكل ثقلها لإدانة الحرب بين (العرب واليهود)، وكأن الصراع بينهما هو طبقي فقط، «وبذلك ساعدت، بطريقة غير مباشرة، على قيام إسرائيل»( ). فلا يمكن لأي حزب ماركسي - لينيني، كما يرى الحزب، أن يكون إسهامه الثوري مبنياً «على أساس الموافقة على وثيقة الاعتراف بإسرائيل، وتوفير الحدود الآمنة لأكبر قاعدة إمبريالية في العالم العربي»( ).
وعدا عن ذلك، لم تؤيد تلك الأحزاب قضية الكفاح المسلح فحسب، بل رفضته في بادئ الأمر أيضاً، ثم كانت مواقفها مترددة، فيما بعد، في تأييده. وبدلاً من أن تكون الأحزاب الشيوعية مُوجِّهَة لحركة الجماهير المقاومة وقائدة لها، قامت بعض فصائلها في وصم الكفاح المسلح «بالاتجاه المغامر الذي لا يقل خطره عن خطر الاتجاه الرجعي»( ).

ج-منظمـة العمل الشيوعي في لبنـان():
تحسب المنظمة ( ) أن الأحزاب الشيوعية العربية، التي تعمل من أجل الشيوعية، إلى موقع انتهازي يميني أفرغ الشيوعية من محتواها التاريخي، ولا سيما إحداث القطيعة بين اللينينية من جهة، والاشتراكية الديموقراطية وتراث الأممية الثانية( ) من جهة أخرى. ولهذا ترى المنظمة أن تعدد الاتجاهات الثورية علامة من علامات البحث عن خط يستطيع توحيد التجارب المختلفة من دون أن يطمس الفروقات الفعلية، أو أن يغلِّب وجهة نظر تتلاءم مع مصالح طرف مهيمن.
لقد ثمَّنت المنظمة المتغيرات الثورية التي تحصل على صعيد الحركة الشعبية والثورات الاشتراكية في العالم، وثمَّنت بعض مظاهر الحركات الشعبية العربية (كمثل ما كان يحصل من تغيير في اليمن الجنوبية، ونضالات الحزب الشيوعي السوداني…)، ثم عادت لترسم خطاً تنظيمياً أساسياً لها في داخل الحركة الثورية اللبنانية. وحددت لنفسها دوراً يقوم على المساهمة في دفع الحركة الوطنية الديموقراطية اللبنانية إلى الأمام، كمثل: إرساء خط قيادة الطبقة العاملة، تكوين المناضلين الشيوعيين الصلبين، تمتين الصلة اليومية مع «الطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين والتعلم منها ومن تجاربها».
أما خطها العام فهو العمل من أجل:
1-انتصار قيادة الطبقة العاملة وخطها السياسي وأيديولوجيتها لمعركة التحرر والاشتراكية.
2-أن تكون طرفاً بين الإطراف الثورية التي تناضل من أجل تحرير العالم العربي من السيطرة الإمبريالية، وفي سبيل توحيد القوى دون تعصب أو استئثار.
3-في سبيل قيام ديكتاتورية التحالف العظيم بين عمال العالم العربي وفلاحيه ومثقفيه الثوريين، وسائر الكادحين، بقيادة طبقاته العاملة، لبناء الشيوعية على أرضه.
4-الالتزام التام بمبدأ التضامن الأممي الذي يتجسّد في النضال ضد القهر الطبقي والاستغلال الإمبريالي.
5-أن تعمل المنظمة، في مرحلتها الانتقالية، على تأهيل نفسها لتكون الحزب الثوري للطبقة العاملة اللبنانية.
أما موقف المنظمة من قضية فلسطين، كإحدى القضايا القومية الساخنة، فيستند إلى أن الأنظمة قد استبعدت الجماهير العاملة عن المعركة. وترى أن ما يغذّي معركة التحرر العربي هو انصهار الجماهير في قلب حركة المقاومة ضد العدو الصهيوني. سواء كانت المعركة في فلسطين أو في خوض معارك الاستقلال في وجه الأمبريالية. ومن هنا تأتي «الأهمية التاريخية الحاسمة لبناء التحالف المتين بين حركة المقاومة الفلسطينية، بوصفها طليعة شعب مضطهد من جهة، وبين حركة الجماهير العربية بقيادة الطبقة العاملة وأيديولوجيتها من جهة ثانية». وتأتي أهمية الطبقة العاملة من أن حركة الجماهير العربية عصيّة على الانسياق مع الأنظمة المعادية لمصالحها.

د-التنظيمات الماركسيـة - التروتسكيـة تنقد الأحزاب الشيوعيـة العربيـة:
ينتقد التجمع الشيوعي الثوري() من يطلق عليهم المناضلين «الدونكيشوتيين، وصبيان اليسار، وغير الشيوعيين قولاً، والانتهازيين فعلاً»( ).
تقوم نظرية رابطة العمل الشيوعي في سوريا على أساس نضال الطبقة العاملة، والعمل في سبيل مشروع شيوعي ثوري واحد، قائم على إطار تنظيمي واحد. أما في تفصيلات تلك النظرية، فنستطيع أن نتابعها من خلال نقد التجمع لها، فنصيب عصفورين بحجر واحد:
لا تمييز نوعياً عند الرابطة بين القومية والأمة. وتدَّعي، استناداً إلى نظرية ستالين في القومية، أن الحياة الاقتصادية المشتركة، إذا انضافت إلى القومية، تصبح أمة. ويرد التجمع على ذلك بمثال تاريخي، جاء في مضمونه أن الدولة الرومانية قد وحَّدت إيطاليا اقتصادياً لزمن طويل، ولكنها سقطت في النهاية( ). وفي المقابل يقول إنجلز: «ما إن تحددت الجماعات اللغوية… كان من الطبيعي أن تكون أساساً لتكوِّن الدول، وأن تبدأ القوميات نموَّها وتطورها لتصير أمماً»( ).
ينتقد التجمع، أيضاً، كبار المنظِّرين الماركسيين لأنهم لم يضعوا تعريفاً صارماً وكاملاً للأمة. ويتساءل: لماذا أبقوا مقولة الأمة غير ذات معالم صريحة واضحة؟
يعتقد التجمع أن الأمة ظاهرة إيديولوجية صرفاً. وإن ما يجمع أبناءها ليس بالطبع وضعهم الاقتصادي أو الاجتماعي، ولا هو انتماؤهم إلى سوق اقتصادية واحدة (تقسيم الأكراد بين مجموعات اقتصادية مختلفة لم يقض على شعورهم بالانتماء إلى القومية الكردية. ولا جعل الفيتناميين ينسون قوميتهم قبل توحيد فييتنام). ولا جامعة الأرض (كأرمن لبنان الذين يتوقون إلى قوميتهم الأرمنية). ولا التكوين النفسي الذي ينعكس في جامعة الثقافة (فما هو، إذاً، سبب التناقض في المصالح بين أبناء الثقافة الواحدة؟). وليس الجامعة الثقافية (والدليل هو اختلاف أنواع الفولكلور بين جماعات تنتمي إلى قومية واحدة).
فإذا كان التجمع قد استبعد أن تكون العوامل المذكورة أعلاه جامعاً بين أبناء الأمة الواحدة، فإلى ماذا يُعيد الجامعة التي تجمع أبناء أمة واحدة؟ هنا يقول: «لكل أمة منشأ جغرافي – تاريخي واحد»( ).
فلماذا القول، إذاً، بأن الأمة ظاهرة إيديولوجية صرفاً؟
يبقى «شيء واحد هو جامعة اللغة. وهي العنصر الثابت المشترك الوحيد بين أبناء الأمة الواحدة»( ). لكنه لا يكفي لوحده لتشكيل أمة، لأنه إذا صحَّ أن تستند الأمة «إلى جامعة اللغة، وإلى منشأ جغرافي – تاريخي مشترك؛ فهي، فوق أي شيء آخر، تقوم على الشعور بالانتماء إلى أمة واحدة، أي الوعي القومي. إن الأمة شعور ووعي بالدرجة الأولى… وليس من انتماء قومي يسبق الوعي القومي»( ). وغالباً ما سبق الوعي القومي إنشاء الدولة القومية( ). وإن صفة الأمة لا تُمنَح للشعوب: إنها تُعلَن من قبلها!. وغالباً ما يساعد القهر القومي على بلورة الوعي القومي( ).
فالوعي القومي الحديث عنصر أساسي من عناصر الإيديولوجية البورجوازية. فالبورجوازية هي التي صاغت مفهوم الأمة الحديث، لأن بورجوازية كل بلد كانت تسعى وراء ضمان سيطرتها على السوق المكونة من الذين ينطقون بلغتها، أياً كان دينهم وأصلهم العرقي( ). لكن هذا لا يعني أنه من الصعب إطلاق صفة الأمة سوى على الشعوب التي بلغت حدّاً معيناً من التطور الرأسمالي وظهرت فيها بورجوازية قومية تسيطر على سوق قومية واحدة( ).
أما دور الوعي الطبقي البروليتاري فيسعى «وراء احتواء الوعي القومي، حيث لهذا الأخير منحى تقدمياَ، وذلك بتبنّي الأهداف القومية التقدمية، ومحاربة الإيديولوجية القومية بوجهيها الشوفيني والتوفيقي بين الطبقات»( ).
كيف ينتقل التجمع من نقده النظري لرابطة العمل الشيوعي إلى إيضاح تصوره لمسألة القومية العربية والأمة العربية؟
بعد أن يدعو الحركات البروليتارية في البلدان العربية إلى احتواء الوعي القومي العربي، الذي عرف أول نشأة له في القرن 19م، والى تبنّي الأهداف القومية التقدمية، ومحاربة الأهداف الشوفينية والتوفيقية بين الطبقات، يقول: تعود ولادة الوعي القومي العربي، في القرن ال 19م، والذي انتشر في عموم الأقاليم العربية بحيث بات وعي الانتماء إلى أمة عربية واحدة شائعاً لدى الغالبية من الناطقين باللغة العربية. بهذا المعنى تكون الأمة العربية قائمة، لكنها «لا تزال مجزَّأة إلى دول عدة». فالأمة العربية، إذاً، في طور التوحيد وليس في طور التكوين، لأنها تكوَّنت عبر قرون من التاريخ( ).
ولأنها في طور التوحيد، يؤكد التجمع على أنه على الأمة العربية الموحَّدَة أن تدخل في اتحاد مع أمم أخرى، مجاورة لها، وصولاً إلى اتحاد عالمي للجمهوريات الاشتراكية. وهذا هو هدف الحركة الشيوعية منذ تأسيسها. ونحن لا نفهم –كما يؤكد التجمع «توحيد الأمة العربية سوى محطة قومية في المسيرة الأممية»( ).
فوجود دويلات عربية لا يعني وجود أمم عربية عدَّة، أو عدم وجود أمة عربية واحدة. فالاستعمار حريص على التجزئة القومية العربية، ولا يمكن أن نهمل حقيقة أن الشعور القومي العربي مرهون بتطور النضال ضد الإمبريالية؛ والدليل هو في أن هذا الشعور يتصاعد كلما تصاعدت النضالات العربية المناهضة للإمبريالية، «فالوعي القومي العربي ينبت على تربة النضال التحرري»( ).
تشكل الوحدة القومية العربية المهمة المركزية للثورة العربية، لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن الإيديولوجية السائدة سوف تكون الإيديولوجية القومية، إذ يجب «التمييز بوضوح تام بين المهام القومية الثورية والنزعة القومية ذات الجوهر البورجوازي التي تشكل عائقاً على طريق الثورة، بتأخيرها الوعي الطبقي لدى الجماهير العاملة»( ). وقد أثبتت التجربة التاريخية أن البورجوازية عاجزة عن حل أي من مهام الثورة العربية الأساسية. لذلك ليس هناك من بديل عن «طريق ديكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين والفقراء»( ).
وتقع على عاتق الشيوعيين الثوريين العرب مهمة توحيد الأمة العربية، ولأنها مهمة عظيمة لا بُدَّ من أن تحتل المكانة المركزية في برامجهم( )؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن التجزئة لا تسمح بولادة بورجوازية عربية موحَّدة من جهة، ولأن الاستعمار أبقى على جملة من الطبقات العربية المالكة، وربط كل واحدة منها به ربطاً خاصاً ومميزاً( ). ولهذا تعمل الإمبريالية على منع قيام الوحدة حتى لو كانت البورجوازية والطبقات المالكة العربية قائدة لها. أما البروليتاريا، فهي متضررة من التجزئة القطرية، وهي الطبقة القادرة على قيادة صدام واسع مع الإمبريالية، وهي وحدها القادرة على إنجاز الوحدة القومية العربية، «فلن تتوحد الأمة العربية إلاَّ في ظل هيمنة البروليتاريا وبقيادة حزبها الشيوعي الثوري»( ).
يعالج البيان الصادر عن الشيوعيين الثوريين (التروتسكيين) مسألة الأقليات القومية في العالم العربي، بمنطق انفصالي وكأنه يقلِّد التوجيه اللينيني حول حق الأمم التي تخضع للاضطهاد بالانفصال عن تلك التي تمارسه. فيدين كل محاولة لتعريب البربر مع أنه يشجعهم في الوقت ذاته على الاندماج في المنطقة العربية. أما بالنسبة للأكراد فيعترف لهم البيان بحقهم في تقرير المصير، بما فيه حقهم في «في تأسيس دولة مستقلة»( ).
ويرى إلى القضية الفلسطينية بمنظار مختلف عن مناظير الأحزاب الشيوعية الرسمية قبل أن تمارس النقد الذاتي حول موقفها من قضية فلسطين، فهو لا يجد أي حل ممكن لقضية فلسطين من دون «تحطيم الدولة الصهيونية القائمة على أسس عنصرية». وتصفية العلاقات الصهيونية الاستعمارية، وسلخ الجماهير اليهودية عن الصهيونية، ونشر الوعي الطبقي بين الشغِّيلة اليهود. وبعدها يصبح بالإمكان الاعتراف بحق تقرير المصير للأقلية اليهودية، «بما فيه حقها في تشكيل دولة مستقلة على جزءٍ من الأرض الفلسطينية»( ). وهو بمثل إعطاء هذا الحق يتناسى أن لينين لم يعترف باليهود كأمة.
يرى التجمع، في سبيل حل أزمة الحركة الشيوعية العربية، أنه لا بُدَّ من بناء الحزب الشيوعي الثوري؛ لأن تجسُّد وحدة الذات الثورية في حزب شيوعي، تصبح مهمة أساسية لتحقيق الثورة الاشتراكية في المنطقة العربية. والغاية هي بناء «فرع شيوعي عربي لأممية ثورية»( ). يتَّفق التجمع مع رابطة العمل الشيوعي في سوريا حول هذا الهدف، لكن تبقى الحاجة إلى الاتفاق حول تصور مشترك لخطة تنفيذه.
ترى الرابطة ضرورة وجود تنسيق نظري بين القوى الشيوعية والعمالية، ثم تنسيق نضالي على قاعدة برنامج مشترك تعمل على أساسه التنظيمات الشيوعية والعمالية الثورية العربية( ). وسيقود التراكم النضالي إلى تحويل التنسيق إلى واقع محسوس وشمولي، بحيث يؤدي إلى قيام كومنترن عربي يكون قادراً على وضع خطوات أولية لوحدة العمل الشيوعي. ومن ثُمَّ يشكل هذا الكومنترن الفرع الشيوعي العربي معبراً باتجاه الأممية الثورية( ).
لكن التنظيم يرى، من خلال ملاحظاته حول خطة الرابطة، أن التنسيق النضالي العملي –مهما كانت أهدافه محدودة- يجب أن يسبق التنسيق النظري. فالتنسيق العملي يسمح أولاً بالتقاء التنظيمات الثورية مع التنظيمات الإصلاحية حول أهداف مرحلية، مما يعزز ويقوّي ويدعم التنسيق العملي( ). وإن إنشاء كومنترن عربي يُفقِد التنظيمات الملتحقة به خصوصياتها القطرية، وقد يكون في إلزامها بقرارات الكومنترن ما لا يراعي تلك الخصوصيات( ). وبناء الكومنترن العربي لن يتم حول طاولة مستديرة، لأن أبحاثها لن تتجاوز تبادل وجهات النظر، أو في حدها الأدنى الاتفاق حول مواقف مشتركة. لهذا السبب يرى التنظيم أن بناء الحزب الشيوعي الثورة العربي «لن يتم إلاَّ نتيجة جهد مركزي، يستند إلى مشروع متكامل نظري وبرنامجي وسياسي وتنظيمي»، ليس على قاعدة تركيب مشاريع قطرية قائمة، بل لا بُدَّ من أن «يكون متناسقاً منذ البدء، بمثابة خيط موجَّه ينبني الحزب العربي تبعاً له»( )؛ على أن يسعى المشروع إلى تأسيس منظمة له في كل قطر لا يوجد له فيه امتداد( ).
وعلى العموم يرى التنظيم التروتسكي، في معرض انتقاده للأحزاب الشيوعية العربية، أنها تشكَّلت تحت خيمة المرحلة الستالينية، وكانت خاضعة دائماً لدبلوماسية الكرملين، ودفعت ثمناً باهظاً لقاء هذه التبعية، التي كلَّفتها انفصال جماعات عنها. ومن أهم مظاهر التبعية يرى التنظيم أنه لما تحالف الاتحاد السوفياتي مع (الديموقراطيات الغربية) في خلال الحرب العالمية الثانية، اندفع الشيوعيون العرب إلى التخلي عن النضالات الاستقلالية التي كانت تخوضها الجماهير العربية في كل قطر عربي( ).
إذا أخذنا بعين الاهتمام المرحلة التي تأسست فيها منظمات تابعة للتروتسكية في العالم العربي، وهو كما يدل تاريخ البيان (العام 1974م) الذي استندنا إليه كمصدر، نرى أن مواقف تلك التنظيمات قد انبنت بعد أن أخذت معظم الأحزاب الشيوعية العربية تقوم بمراجعات نقدية لمواقفها السابقة. وقد يكون أعضاء تلك التنظيمات هم من الذين انفصلوا عن أحزابهم الشيوعية الأم نتيجة تراكم حركتهم النقدية. وعلى العموم فقد انتقلت المنظمات التروتسكية خطوة متقدمة تجاه المسألة القومية العربية. فهم قد اعترفوا بوجودها، إلى حدود ربط المسألة القومية بالشعور القومي والوعي القومي. وهذه من المسائل التي كانت تؤخذ كثغرات في جدران الفكر القومي للتيارات القومية. لكن ما يميّز فكر تلك الجماعات هو أنها لا تزال تربط بين القومية كمرحلة وبين الأممية كاستراتيجية من جهة، وبين العمل من أجل التوحيد القومي بقيادة البروليتاريا التي يضمها تنظيم شيوعي عربي واحد. وقد حددت تلك الجماعات الأسس النظرية لمثل هذا التنظيم الذي يتخذ من الماركسية اللينينية دليلاً فكرياً وحيداً، على قاعدة العمل من أجل فهم أفضل لمواقف تلك النظرية على الصعيد الفكري.

2-محطـات نقديـة من الأحزاب القوميـة: (أنموذج حزب البعث العربي الاشتراكي):
في حديث له في العام 1960م، يحدد ميشيل عفلق موقف حزب البعث من الحركة الشيوعية العربية، بما يلي: كان الشيوعيون العرب ينشرون بين الشباب أفكاراً تنادي بالأممية وتنكر قيمة القومية، أو تدّعي بأن القومية مرحلة مؤقتة، كمرحلة دنيا لا بُدَّ من أن ترتقي فوقها المجتمعات لتصل إلى الأممية؛ وإن القومية مرحلة رجعية، ومشوبة بالتعصب، وإن وراءها المصالح البورجوازية والرأسمالية…( ).
يتابع عفلق، تجاهلت الماركسية «التكوين التاريخي الحي للقوميات حين اعتقدت بأن الروابط التي تجمع الطبقة العاملة والمستغلة، في جميع أنحاء العالم، هي أقوى بكثير من الروابط التي تجمع طبقة معيَّنَة في أمة معيَّنَة بقوميتها»( ).
على الرغم من كل ذلك، كان عفلق حريصاً كل الحرص على أن تكون التعدديات الفكرية عامل صحة وتكامل وليست عامل تفريق وتفتيت. ولهذا يعبِّر في العام 1976م، عن ذلك قائلاً: «كيف نكون ثوريين اشتراكيين مجددين، وفي الوقت نفسه نرى في الشيوعية خصماً فكرياً بدلاً من أن نرى فيها صديقاً وحليفاً؟». ويتابع: أما الذي كان سبباً في تلك الفجوة بين البعث والشيوعيين فكانت الصيغة الستالينية( ).
بعد الصراع الطويل بين الحركتين الشيوعية والقومية حصل عدد من المتغيرات على الصعيدين الإيديولوجي والسياسي عند عدد من أطراف الحركة الشيوعية العربية وعند الاتحاد السوفياتي، خاصة فيما له علاقة بالمسألة القومية العربية من جهة، وقضية فلسطين من جهة أخرى. أما على الصعيد الدولي فقد تعمَّق الشرخ بين القوى الاستعمارية الرأسمالية من جهة، وشتى قوى حركات التحرر الوطني والاقتصادي. فكيف يمكن لحركات التحرر أن تواجه مثل تلك المتغيرات؟
هنا، يرى عفلق أنه قد أصبح واضحاً «أن الرجعية وجميع أعداء الاشتراكية في معسكر، وأن الاشتراكيين الحقيقيين في معسكر آخر. لذلك لم يعد هناك مبرر لاستمرار ذيول المعارك الجانبية التي أملتها في السابق ردود فعل انفعالية شغلت الحركة الثورية العربية عن أعدائها الحقيقيين… وعلى الحركات اليسارية العربية أن تتعاضد وأن تتضامن مع الحركات الاشتراكية والأحزاب التقدمية في العالم… وعلى القوى التقدمية في الوطن العربي أولاً أن تنهي أزمة الثقة بينها… وتتكاتف لإنهاء أنواع الاستغلال الطبقي والاستعماري… وأن تُضعِف اختلافاتها وتعتبرها ثانوية أمام تناقضاتها مع القوى الاستعمارية والرجعية»( ).

3-بعض الأحزاب الشيوعية العربية المنتمية إلى نادي الأحزاب المرتبطة بالاتحاد السوفياتي تمارس النقد الذاتي:
أ- موقف الحزب الشيوعي اللبناني من القضية القومية العربية:
تقليداً لمواقف الاتحاد السوفياتي، بعد وفاة ستالين في العام 1953م، أعلن الحزب الشيوعي السوري تأييده لحركة التحرر العربي ومعاداته للصهيونية. وأخذ يلعب دوراً بارزاً ضد جميع المشاريع الاستعمارية في المنطقة العربية، وتتويجاً لتلك المواقف أصدرت اللجنة المركزية للحزب قراراً حددت فيه أن الوحدة العربية أصبحت ضرورة حتمية، وأكدت موقفها في كانون الثاني من العام 1958م، حينما دعت أعضاء الحزب في سوريا للتصويت إلى جانب قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر. وكان هذا الموقف لا يحوز على رضى قيادة الحزب()، فروَّج بعض أعضائها للمواقف المعادية للوحدة، وأيدوا الحركة الانفصالية ضدها.
إنتقد المؤتمر، الذي عقده الحزب في حزيران / يونيو من العام 1969م، هذا الموقف. وأشار في نقده للمرحلة السابقة إلى غياب العمل الجماعي ومبادئ المركزية الديموقراطية، السبب الذي دفع الحزب إلى تبنّي مواقف فكرية وسياسية غير صحيحة، كموقفه من قضية الوحدة العربية وتأخر في طرحها كشعار استراتيجي( ).
على الرغم من ذلك، لم يكن أعضاء المؤتمر منسجمين حول كل القضايا. وكانت هناك خلافات، من أهمها: الموقف من الوحدة العربية، وقضية فلسطين، والحزب الشيوعي العربي الواحد، بحيث انعكس هذا الخلاف على الموقف من العمل الفدائي ومشروع روجرز، وطبيعة المرحلة بشكل عام( ).
يُقدِّم الحزب الشيوعي اللبناني لمقررات مؤتمره الثاني، المنعقد في العام 1968م، مؤكداً أن «بلورة البرنامج لطبيعة الحزب الطبقية وتعديل خطه في القضايا القومية يشكل الأساس لجذب الفئات العمالية الكادحة بصورة عامة نحو حزبها الطليعي»( ).
تسمي مقررات الحزب الاتجاه القيادي السابق بالخط الانعزالي، وتقول إنها توصلت إلى وضع أسس «نظرية راسخة»، في ضوء الماركسية اللينينية، من مبادئها أن «الطبقة العاملة، وحزبها الطليعي، لها مواقفها المبدئية من القضية الوطنية والقومية»، سواء تجاه القضية القومية عموماً، أو تجاه كل مسألة مهمة ذات طابع قومي. وقد جرى البرهان، في تلك المرحلة من تطور الحركة الثورية العالمية والعربية، أن مهام التحرر الوطني والقومي تتقاطع مع مهام التحرر الاجتماعي. فالطبقة العاملة، صاحبة المصلحة بالتحرر الاجتماعي، تنجز مهام التحرر الوطني والقومي كذلك(). وهذا يعني أن التحرر الوطني والقومي ليس مهمة ثانوية من مهام الطبقة العاملة، وليس هناك قوة اجتماعية أخرى لها مصلحة أكبر من الطبقة العاملة، أو دور أكبر، في إنجاز هذه المهمة( ).
من دون ما يبرر له الانتقال من النقيض إلى النقيض في موقفه من المسألة القومية، أي من الشوفينية إلى التقدمية، يرى الحزب الشيوعي أن مجرد نشأة الفكرة القومية في البلدان العربية في الظروف التي «بلغت فيها الرأسمالية مرحلة الأمبريالية» هو الذي أعطاها طابعها التقدمي من بعد أن أظهرت طموحاتها للتخلص من الاضطهاد الأجنبي، والتي عبّرت عنها النوادي والجمعيات التي نشأت في أواخر القرن 19م، أي في الوقت الذي لم تكن الرأسمالية الغربية قد أسست لها قواعد ثابتة في الأرض العربية، وفي الوقت الذي كانت فيه تلك الجمعيات والنوادي تناضل ليس ضد «السيطرة والاستثمار الأجنبيين»، بل كانت تناضل ضد التعسف التركي - العثماني وظلمه( ).
وإذا كان من المفهوم أن للاتحاد السوفياتي فضل في اكتشاف مخاطر اتفاقية سايكس - بيكو السرية، وأن السلطة السوفياتية هي «التي فضحتها»( )، لكن من اللاعلمية أن يلبِّس التقرير الفضل إلى الأحزاب الشيوعية العربية في اكتشاف الوحدة العربية، مدَّعياً أنها كانت «في طليعة القوى الوطنية التي تبنَّت الوحدة العربية، ووضعتها على أسس علمية وناضلت في سبيل تحقيقها»( ).
يرى الحزب أهم سمات حركة التحرر العربية في أنها وقفت ضد المشاريع والمعاهدات والأحلاف العسكرية الاستعمارية، وفي معارضتها الاتفاقات الاقتصادية المجحفة. ولكنها اصطدمت بتحالف الإقطاع والفئات العليا من البورجوازية في الوقت الذي كانت تناضل فيه في سبيل قضاياها القومية الكبرى. فتشكلَّت جبهتان: الأولى تضم الاستعمار والتحالف الرجعي، أما الثانية فتضم إليها الجماهير العربية من «العمال والفلاحين والفئات الوسطى وفئات المثقفين الثوريين». وانبنت من جراء نضالات الجبهة الأولى أنظمة تقدمية -من دون أن يسميها- «أعلنت عن تصميمها عن بناء الاشتراكية»، وبهذا «رجحت في السلطة تأثيرات الفئات الثورية من البورجوازية الصغيرة خلال عملية تمايز طويلة اتسمت بصراعات مستترة ومكشوفة ضد البورجوازية الكبرى والأجنحة المحافظة والرجعية من البورجوازية الصغيرة والفئات الوسطى. وكانت الجماهير العربية، نتيجة الوعي السياسي، قد ساندت البورجوازية الصغيرة الثورية؛ ذلك الوعي «الذي لعبت فيه دوراً هاماً الأحزاب الشيوعية»، «والمنظمات التقدمية الأخرى» لكنه يعتّم على هويتها وأسمائها. ويعترف الحزب بأن معظم التدابير السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أجراها «الوطنيون الثوريون، يتفق موضوعياً مع مصالح العمال والفلاحين»، لكن انفراد البورجوازية بالسلطة، «أوجدت الإمكانيات لتحول عناصر منهم إلى فئة بيروقراطية… فقدت… صفتها كممثلة لمصالح… الجماهير الكادحة عموماً… الأمر الذي دفعها للوقوف ضد توسيع الديموقراطية… وتسعير العداء لشيوعية».
عدَّ الحزب الشيوعي الصورة التي رسمها، أنها تندرج في دائرة الصراع الطبقي «العنيف»، والذي تحققت من خلاله مجموعة من المنجزات المهمة: تحقيق إصلاح زراعي، تأميم الشركات الأجنبية، تعميق النضال ضد الاستعمار…( ).
يعيد التقرير الفضل إلى الأحزاب الشيوعية بوضع أسس علمية للوحدة العربية، لكي تأتي الصورة المشرقة التي رسمها، في الفقرات التي تلت التمهيد، لكي يوحي وكأن كل تلك الإنجازات كان يعود الفضل فيها إلى تلك الأحزاب. ومن أهم الإنجازات التي يذكرها التقرير، هي: إنتزاع الاستقلالات السياسية، كشف مواقف الدول الإقطاعية من الوحدة العربية، كشف خيانة الحكام الرجعيين لقضية فلسطين، الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بالحكومات العربية المتواطئة، ثورة 23 تموز / يوليو في مصر، ثورة الجزائر، قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في العام 1958م، تدابير التأميم في الإقليم الشمالي من دولة الوحدة بين العامين 1960 - 1961م( ).
وما إن يوحي التقرير نفسياً بأن الفضل يعود إلى الأحزاب الشيوعية في إنتاج الإيجابيات القومية، حتى ينهي التمهيد والتعداد بتوجيه النقد إلى المنظمات القومية لأنها أفشلت الوحدة من جراء «مفاهيمها عن الوحدة والقومية التي صاغتها خارج الإطار التاريخي، وبمعزل عن العملية الاجتماعية والنضال الطبقي()… وبمعزل عن ظروفها الموضوعية»!!! فماذا كانت نتائج قصور المنظمات القومية؟ يقول التقرير «أدى ذلك بالكثير من أعضاء هذه المنظمات وأنصارها… إلى إعادة النظر بمفاهيمهم ومواقفهم، وساعد على انعطافهم نحو أفكار الاشتراكية»( ).
جاءت تبرئة الأحزاب الشيوعية العربية من دم المسألة القومية العربية، بل وعقد لواء السبق إلى اكتشاف علميتها، وإدانة التنظيمات القومية وتحميلها جريمة كل فشل واجهته، ليخرج بالتقرير عن جادة النقد والنقد الذاتي البناء والموضوعي الذي وعدنا التقرير بممارستهما بثورية وجرأة. فكيف جاء هذا الخروج؟
كان من أهم التقييمات التي وصفت المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني قائمة على أنه قام بمراجعة نقدية حول مواقفه السلبية من المسألة القومية بعامة، ومن القومية العربية بخاصة، فما هي النتائج التي فهمناها بعد قراءتنا للتقرير؟
تبرّأ الحزب الشيوعي من أي اتهام له فخرج بنتيجة مفادها أن الأحزاب الشيوعية العربية كانت «في طليعة القوى الوطنية التي تبنَّت الوحدة العربية، ووضعتها على أسس علمية وناضلت في سبيل تحقيقها»( ) من جهة، وأن المنظمات القومية أفشلت الوحدة من جراء «مفاهيمها عن الوحدة والقومية التي صاغتها خارج الإطار التاريخي، وبمعزل عن العملية الاجتماعية والنضال الطبقي» من جهة أخرى( ).
فإذا كانت تلك هي حقيقة مواقف الأحزاب الشيوعية عامة، والحزب الشيوعي اللبناني خاصة، فكل ما جاء من نقد ذاتي لتلك المواقف، أو جاء من تنظيمات أخرى، هو لغو من الكلام، ولا يمكن أن يُسدِّد ثمن الحبر والورق الذي صُرِف من أجله. فكيف إذا كان الأمر له علاقة بالأثمان الباهظة التي دفعتها فصائل حركة التحرر العربية من جراء صراعاتها الجانبية التي كانت تدور، أساساً، حول القضايا الخلافية من المسألة القومية العربية، وكل ما كان له علاقة بها من القضايا الساخنة؟

ب- موقف الحزب الشيوعي اللبناني من القضية الفلسطينية:
يعترف المؤتمر بأن موقف الحزب الخاطئ من القضية الفلسطينية يعود إلى استصغاره وإهماله «القضايا القومية، وعدم فهمها بشكل موضوعي، لمرحلة طويلة، وعدم رؤية طبيعتها الثورية»، بحيث كان ينظر إليها باعتبارها «قضية البورجوازية وحدها، كأنما العمال والفلاحون والجماهير الشعبية لا تتحسس بالمشاعر القومية»، لذا وقع الحزب «في الدوغمائية»، وكان أسير «الصيغ الجاهزة»() عندما عقد الحزب مقارنات غير صحيحة، وغير علمية، بين نشوء وتطور القوميات في أوروبا، وبين نشوء وتطور القومية العربية. «فإذا كانت القومية الأوروبية نشأت وتطورت كتعبير عن مطامح البورجوازية… واكتسبت بذلك طابعاً تقدمياً، أخذ… يتضاءل ويتحول إلى عكسه مع تحول الرأسمالية… لقهر واضطهاد الشعوب الأخرى… بينما نشأت الأفكار القومية في العالم العربي في ظروف خضوع الشعوب العربية للنير الأجنبي واضطهاده»( ).
رأى الحزب القضايا القومية العربية، كمثل قضية فلسطين، من خلال الوجوه العميلة والرجعية، ولم ير «التيار الشعبي العميق الذي كانت تحركه الدوافع القومية بقوة» من جهة، ومن خلال ردود فعله ضد أفكار بعض التنظيمات القومية، التي أسهمت في تفاقم مواقف الحزب «الانفعالية في القضية القومية» من جهة أخرى( ). أسهمت تلك الأسباب في تشديد هجوم الحزب «الاتهامي على جميع القوى دون تمييز»، وهذا ما جعله يبتعد عن إيجاد الأشكال السياسية للعمل المشترك مع القوى الوطنية ضد القوى الرجعية المتآمرة( ). وظهر هذا التصرف أكثر وضوحاً في الخط «السياسي الانعزالي، اليساري المتطرف» للحزب في العامين 1948 و1949م( ).
تناول المؤتمر موقف الحزب الشيوعي اللبناني من قضية فلسطين بالنقد، وهو يؤكد صوابية الموقف الشيوعي من قضية فلسطين حتى العام 1947م، وكان يتلخص بما يلي: استقلال فلسطين، إلغاء الانتداب، رفض مشروع التقسيم، تعايش العرب واليهود في ظل دولة فلسطينية ديموقراطية مستقلة واحدة( ). وكان ينظر إليها من زاوية «المساعي الاستعمارية المحمومة لإبقاء فلسطين في حالة التبعية… لتثبيت مواقع الاستعمار في المشرق العربي»( ). وكانت الأحزاب الشيوعية العربية هي الوحيدة -يقول التقرير السياسي- «التي أدركت خطورة الهجوم الاستعماري وأبعاده، وفضحته… لكن هذا الجانب ما كان ينبغي له أن يحجب الوجه الآخر للقضية الفلسطينية، الوجه القومي. وفي الحقيقة، لقد نظر الحزب إلى القضية الفلسطينية وإلى التآمر الاستعماري الصهيوني نظرة ضيقة. ولم يفطن الحزب إلى أن… قضية فلسطين [كانت] منطلقاً للجم وضرب حركة التحرر الوطني العربية()… ولم يستطع أن يقدّر، كما ينبغي، الأبعاد السياسية والقومية، التي يمكن أن يؤدي إليها، على المدى البعيد، نجاح المؤامرة على فلسطين، بإنشاء كيان مصطنع على أرضها»( ).
يبتعد تقرير الحزب الشيوعي اللبناني عن ممارسة النقد والنقد الذاتي -كما وعدنا في البداية( )- فما أن نحسب أنه بدأ يمارس النقد الذاتي، حتى سرعان ما ينقلب عنده إلى حالة من التبرير. وهذا ما يتَّضح عندما يأخذ بتبرير موقف الاتحاد السوفياتي من تأييد مشروع التقسيم، بحيث يرى الحزب الشيوعي اللبناني بأنه كان تكتيكاً لكي «يفوّت على المستعمرين مؤامراتهم، ويضمن الاستقرار والسلام في المنطقة، مشيراً في الوقت نفسه إلى ضرورة العمل من أجل الدولة الموحدَّة [في فلسطين]». وبدفاعه عن الموقف السوفياتي يعود التقرير إلى ممارسة النقد الذاتي، فيقول: لم يكن من المفروض على الشيوعيين اللبنانيين أن يتخذوا «أي موقف تفرضه الضرورات العملية()، لا من الناحية التكتيكية، ولا من الناحية المبدئية، حيث أن أرضنا كانت موضع اغتصاب»( ).
لذلك يرى أن «الطريق الواقعي والصحيح، الذي يفتح الإمكانية الفعلية لحل القضية الفلسطينية، يمر عبر العمل على توطيد الأنظمة التقدمية العربية، بوصفها القوة الأساسية التي ستسهم في حل القضية». أما حول المقاومة الفلسطينية، فهي «حركة ثورية لشعب اغتصبت أرضه وكامل حقوقه الوطنية»، تشارك فيها كل القوى التقدمية والوطنية، وتحظى بتأييد قوى التقدم في العالم( ).
وفي برنامجه الجديد يعيد الحزب تأكيده على ثوابت خطته المستقبلية، من دون الإشارة إلى ما يدل على جديته في انتهاج خط جديد ومميز حول المسألة القومية وقضاياها الأكثر تأثيراً، وليس هناك ما يُستدَلُّ على أنه قد استفاد من نقده الذاتي، فيرى طريق المستقبل من خلال ما يلي:
-متابعة النضال من أجل الأممية البروليتارية، والصداقة مع سائر الأحزاب الشيوعية، وخاصة السوفياتي منها.
-الدفاع عن المصالح السياسية والاجتماعية للبنان وللشعوب العربية( ).
يحاول الحزب الشيوعي اللبناني، من خلال بعض مؤتمراته، تحديد أهم أسس الدفاع حسب المعادلة التالية:
يشير في مؤتمره الثاني إلى أن حركة التحرر العربية قد بلغت مستوى من النضج في «تشابك مهام التحرر الوطني بمهام التحول الاجتماعي»، السبب الذي يدفع فصائلها إلى الخروج بقضية التعاون من إطارها المحدود إلى «مزيد من التقارب والتلاحم»؛ وأرقى أشكاله «لا تحده الرغبة الذاتية عند هذه الفئة الثورية أو تلك… وإنما تمليه العوامل والظروف الموضوعية، والاتفاقات القائمة على الأسس الديموقراطية بين مختلف الأطراف»( ).
ويرى الحزب، من خلال مؤتمره الخامس، في العام 1986م، أن هناك تياران يريان العلاقة بين الوطني والقومي بشكل مختلف أحدهما عن الآخر: الأول يلغي العامل الوطني (القطري) ليجعله ملحقاً بالعامل القومي. أما الثاني فيتخطى الواقع القومي ليتناقض معه ويتصارع. ويرى الحزب الشيوعي أنه ينطلق من رؤية واقع الترابط الموضوعي العضوي بين العاملين من خلال اعتبار العامل الوطني هو أحد روافد العامل القومي… ولا مكاسب للقوى القطرية اللبنانية، مثلاً، بمعزل عن مصالح النضال القومي التقدمي الشامل، لذا يؤكد الحزب على ضرورة الحوار بين الوطني والقومي في سبيل إلغاء طغيان أحدهما على الآخر. لذا على الوطني أن يعمل على أساس أن مهمة تطوير القومي العربي باتجاه إيجابي يُعدُّ إحدى مهماته الرئيسة، وعليه أن يدفع نضالاته من أجل خلق ظروف إيجابية لبناء علاقة سليمة بين الوطني والقومي( ). كما ويتم العمل على تعزيز العمل الجبهوي القومي، والتأكيد على أهمية قيام حركة ثورية عربية تعمل من أجل الوحدة القومية. والتأكيد على أهمية الترابط العضوي بين جوانب النضال في الأوجه المختلفة للمسألة القومية( ). والعمل من أجل قيام حركة ثورية عربية من نوع جديد( ).
في مؤتمره السادس، في العام 1992م، وبعد تفسخ الاتحاد السوفياتي، يضع الحزب الشيوعي اللبناني يده على عدة من عناصر الخلل التي أدَّت إلى الانهيار، ومن أبرزها، تلك التي لها علاقة بموضع بحثنا:
-«عدم الرؤية الصحيحة إلى دور العامل القومي في تقرير مستقبل الإنسان والجماعة. وهو ما انعكس في فشل حل المسألة القومية بشكل صحيح في الاتحاد السوفياتي، و إلى استصغار دور هذا العامل في الصراع الجاري على المستوى العالمي… وساد مفهوم خاطئ للأممية تحول الاتحاد السوفياتي على أساسه إلى مركز ونموذج»(). وهكذا كان عدم فهم العامل القومي قد ظهر «في عدم وعي الخصائص الملموسة لتطور العملية الثورية داخل كل بلد»().
-نكران دور العوامل الروحية في حياة الإنسان والمجتمع، ودور الثقافة والتقاليد والدين والتراث… «فتحولت الشيوعية إلى عقيدة شمولية تواجه العقائد الأخرى. وأدى ذلك إلى خلق حالة من التناقض في وعي الجماهير الواسعة، بين رؤيتها لمصلحتها في الاشتراكية وبين التغييب للعوامل الروحية الذي يتعارض مع مشاعرها»().
-تحديد مكامن الخلل في النظرة الخاطئة للماركسية عندما لم تر «فيها منهجاً علمياً يتطور مع تطور العلوم، بل رأت فيها بديلاً عن العلوم»( ).
لهذا يرى الحزب الشيوعي اللبناني، في مواجهة المتغيرات الدولية، خاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية الشرقية، أنه لا بُدَّ من أممية جديدة قائمة على التضامن بين البلدان الضعيفة (العالم الثالث). لأنها لن تتمكن، بمفردها من تحقيق أهدافها في التحرر من التبعية؛ «إن هذا الواقع يضع هذه البلدان أمام أولوية التلاقي، والتحالف ضمن مجموعات إقليمية، ثم على النطاق الدولي». وبهذا تصبح فكرة التضامن الأممي قد اتخذت طابعاً جديداً، نوعياً، و«أكثر اتساعاً ومرونة من المفهوم السابق للأممية»( ).
وماذا عن رؤية الحزب الشيوعي اللبناني إلى العالم العربي؟
لا بُدَّ من التأكيد على حاجة البلدان العربية بعضها إلى بعض. فالحاجة الملحة تقتضي صياغة جديدة لطبيعة العلاقات بينها ونوعها. كان شعار تحقيق الوحدة العربية صحيحاً «من حيث المبدأ والاتجاه والهدف»، ولكنه كان «خاطئاً من حيث الفكر والممارسة». فمن حيث تجديد الفكر، كان لا بُدَّ من «التحرر الكامل من الغيبية والسلفية واللاعقلانية، ومن تغليب المشاعر والإرادات على الواقع». فالوحدة العربية «محصلة لتقاطع مصالح… ولإرادات شعوب تعبر عن ذاتها بوعي كامل، وعلى أساس ديموقراطي، ومن دون إكراه». ونقطة الانطلاق في تحديد المفهوم الجديد للوحدة العربية، هي أنها «تعبير عن حاجة موضوعية لعلاقات متطورة بين البلدان العربية، مأخوذ فيها بالاعتبار واقع وجود كيانات متعددة لها خصوصياتها ومستويات تطورها المختلفة، وتمليها روابط التاريخ والثقافة واللغة والتراث بكل مكوناته». فالوحدة العربية «قائمة على الانتماء القومي، ولكن بالانطلاق من مصالح مشتركة… ومن الاحترام الكامل للخيارات القائمة على الديموقراطية… وأي فهم آخر سيؤدي إلى مزيد من التدمير والتفكك… و إلى تعطيل كل ما هو مشترك من الناحية القومية ومن ناحية المصالح، وإلى خلق وعي شعبي ضد الوحدة العربية»( ).
يخلص الحزب الشيوعي اللبناني من وصفه للواقع العربي الراهن إلى رسم خطوط النضال الرئيسة للحركة الثورية العربية الجديدة، الحركة الشعبية الديموقراطية. تقوم هذه الخطوط على مقدرة كل قوة تغييرية ديموقراطية في كل بلد عربي على بلورة برامجها الخاصة وأدوات نضالها وأشكال ممارساتها، انطلاقاً من وعيها لترابط المصالح والمهمات بين البلدان العربية وشعوبها( ).
وفي مؤتمره الثامن، في العام 1998م، يدعو إلى «ولادة جديدة لحركة وطنية ديموقراطية عربية تُعيد الاعتبار إلى كل ما هو مشرف وثري في تراث النضال العربي الثوري، وتنطلق منه ومن تجربة الحركة الثورية والتحررية العالمية ومن المهمات الكبرى في الواقع الراهن، من أجل إحداث التغيير الضروري»( ).
ومن أهم المسائل التي يطالها التغيير:
-مظاهر تغييب الديموقراطية عن الحياة السياسية والممارسة السياسية التي تؤدي إلى عزلة الأنظمة عن الجماهير الشعبية.
-مواقع الأنظمة السياسية التي تستند إلى «الحفاظ على الأشخاص ومواقعهم أو العائلة أو العشيرة… ولو كلّف ذلك تفريطاً في الاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية والقومية…».
-تعزيز وتطوير التضامن العربي( ).
-صياغة موقف عربي يستند إلى ثوابت، من أبرزها: رفض أية تسوية للصراع العربي - الصهيوني لا تتضمن الحد الأدنى من شروط وعناصر العدالة والتوازن والشمولية. إقامة نظام أمني عربي في اتفاقيات عبر جامعة الدول العربية. توظيف الثروات العربية في خدمة خطط تنمية تكاملية عربية. تنظيم أوسع نشاط عربي للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان( ).
تنبري مجموعات شيوعية من داخل الحزب الشيوعي اللبناني إلى ممارسة نقد وتحديد مواقف تبيّن فيها الهوة الموجودة بين النظرية والتطبيق في داخل الحزب. تثمّن الانتقادات الجهد النظري والسياسي الذي بذله الحزب في مؤتمره الثاني والذي «بلور من خلاله مفهومه للمسألة القومية… منطلقاً من الترابط العضوي بين المستويين… الوطني والقومي، ومن تلازم الثورة التحررية والثورة الاجتماعية»، على الرغم من هذا لجهد -تتابع المجموعة- لم تؤسس قيادة الحزب لدور جديد على الصعيد العربي، ولم تبذل أي «جهد حقيقي على صعيد وضع أهداف عربية للحزب، وصياغة مفهوم جديد للانتماء العربي ولقضية الوحدة العربية…. ولا حاول التأسيس لعلاقة مع قوى التغيير المحتملة»( ).

4-مواقف الأحزاب الشيوعيـة العربيـة:
أ-من المسألــة القوميـة:
كانت مواقف بعض الأطراف المحسوبة على الحركة العربية الثورية، حتى العام 1934م، من القضية القومية، متقاربة ومتجانسة. ومن أهم الدلائل تلك التي أعلنها المؤتمر الموحَّد للحزبين الشيوعيين السوري والفلسطيني في العام 1931م، وقد أشرنا إليه في الفصل الثاني من هذا البحث. وقد استكملت تلك المواقف في مؤتمر زحلة()، في العام 1934م. وفيه أعلن المؤتمرون أن القضية العربية قومية، وهدفها تنظيم عناصرها في دولة مستقلة متَّحدة. كما أعلن أن أشد أعداء الأمة العربية هو الاستعمار والفقر والجهل والرجعية والتعصب الديني. كما أعلن النضال ضد الصهيونية، ليس على أساس ديني، بل لأنها قوة إمبريالية تعمل للسيطرة على المنطقة( ).
أخذ الافتراق يحصل بين أطراف الحركة بعد العام 1936م، وخاصة بين قيادات الحزب الشيوعي أنفسهم، وكان السبب يعود إلى انفراد بعض الشيوعيين بحديث جديد عن الأمة، قوامه «أن الأمم تكوَّنت في العصر الرأسمالي الحديث، أما الأمة العربية فناقصة التكوين»، وهذا ما جعل قسماً من عناصر الحركة العربية ينظر بعين الريبة إلى مواقف بعض الشيوعيين( ). وخلاصة تلك النظرية أنه «قبل الرأسمالية لم يكن هناك أمم، وأن تعريف الأمة لا ينطبق على الأمة العربية إذ تنقصها وحدة السوق، وأن هناك أمة سورية في طريق التكون»( ).
إستندت مواقف الشيوعيين العرب حول المسألة القومية، في الغالب، إلى تعريف ستالين لها، والذي جاء فيه: «الأمة جامعة أناس ثابتة، تألفت تاريخياً، ونشأت على أساس اللغة والأرض والحياة الاقتصادية والخصائص النفسية التي تتجلى في جامعة الثقافة»( ).
وقد انطلقت بعض الأحزاب الشيوعية العربية، استناداً إلى هذا التعريف، من فهم جامد وأحادي، وأنكرت وجود أمة عربية، لعدم توفر مكون أساسي من مكونات الأمة وهو وحدة الحياة الاقتصادية( ).
حصرت بعض التعريفات مسألة الأمة في عوامل جامدة حسبت أنها كانت الوحيدة التي أعطت للأمة مفهومها. فالنازية حصرتها في العرق، وأنطون سعادة() حصرها في البيئة الجغرافية. وكان ستالين قد أعطى لها تعريفاً نوّع فيه العوامل التي أسهمت في تكوينها ومن أهمها: الجماعة المستقرة، تاريخ مشترك، اللغة المشتركة، وبقعة من الأرض مشتركة، وسوق اقتصادية مشتركة. لكنه أسقط عامل السوق الاقتصادية، فيما بعد، من تلك العوامل( ).
ترى النظرية الستالينية أن القومية نشأت في العهد البورجوازي، فهي بورجوازية، فيتابع الشيوعيون الخطى ليقولوا بما أن الثورة البورجوازية لم تتحقق في العالم العربي، تكون النتيجة أن الأمة العربية لم تتكون؛ وكأنهم يريدون أن يستنتجوا أن الثورة البورجوازية هي التي تحقق وجود الأمة، ولولاها لما كان للأمة وجود. وهم بذلك يقلدون ستالين عندما ناقش الموضوع واعتبر أن هناك أمماً بورجوازية، وأمماً اشتراكية( ).
ربط ستالين وجود الأمة بتحقيق الوحدة السياسية، ولذلك عندما يتحدث عن وجود الأمة يربطه بنشوء السوق. بينما عوامل نشوء الأمة تعود إلى حقب تاريخية مختلفة، ثم تأتي الوحدة السياسية في مرحلة تاريخية معينة لتعبّر عن وجود عوامل مكونة لها. فعوامل تكوين الأمة يكون سابقاً لوحدتها السياسية( ).
يرى ناجي علوش أن الأمم «تتكون ضمن عملية تاريخية، وتذوب أيضاً ضمن عملية تاريخية طويلة ومعقدة». حاول الاستعمار أن يخلق من الأمة العربية أمماً، لكنه لم ينجح في أن يمنع نمو الوعي العربي من أجل الوحدة العربية( )؛ وإن لم تتحقق الوحدة لا يعني أن هناك شكوكاً في وجود الأمة( ). إن هذه الحقيقة لم تلغٍ وجود عدد من التيارات التي تقف ضد قيامها، ومن أهمها: الجهات الاستعمارية التي تنكر وجود أمة عربية لأهداف استغلالية. وهناك تيارات تنتمي إلى الماركسية تحسب أن هناك أمماً عربية تسير على طريق النمو، وهم بهذا الادعاء إما أنهم لم يدرسوا المسألة القومية العربية دراسة علمية، وإما أنهم قلَّدوا استنتاجات الخبراء السوفيات التي حسبت أن ما يُسمّى أمة عربية ليس موجوداً بل هي في طور التشكيل( )؛ يصب هذا الاتجاه، سواء شاء من يقولون به أم لم يشاءوا، في خدمة الأهداف المعادية للأمة العربية( ).
كان الشيوعيون العرب ينشرون بين الشباب أفكاراً تنادي بالأممية وتنكر قيمة القومية، أو تدّعي بأن القومية مرحلة مؤقتة، كمرحلة دنيا لا بُدَّ من أن ترتقي فوقها المجتمعات لتصل إلى الأممية؛ وإن القومية مرحلة رجعية، ومشوبة بالتعصب، وإن وراءها المصالح البورجوازية والرأسمالية…( ).
لا علاقة لتكوين الأمة بظهور أو عدم ظهور الطبقة البورجوازية، ومن غير الصحيح أن تكون الأمة قد نشأت في ظل البورجوازية، لأن في ذلك إلغاء للتاريخ الذي أثبت وجود أمم كثيرة سابقة على وجود الطبقة البورجوازية( ).
أما عن علاقة النضال الطبقي مع النضال القومي فلا تعني أن هناك نضالاً قومياً فوق الطبقات، فكل نضال قومي، في مرحلة معينة له سماته الطبقية( ).
قامت حركات سياسية تحسب أن قضية الثورة والوحدة العربية تتنافى مع الصراع الثوري الطبقي، الذي هو الوحيد -حسب تلك الحركات- الذي يحرر الجماهير العربية الكادحة. وهي بدعوتها الطبقية المجردة تعتبر أن النضال الطبقي هو بديل للصراع القومي، وإن الصراع القومي من أجل الوحدة العربية إنما هو صراع رجعي، بينما الصراع الطبقي ضد البورجوازية وحلفائها هو الصراع التقدمي( ).
تُعَدُّ هذه النظرة خارج إطار الحركة التاريخية في الوطن العربي، لأنها لا تقوم على أساس علمي، ولأنها لا ترى العلاقة الصحيحة ما بين قضية الثورة العربية والصراع الطبقي، فليست البورجوازية العربية هي التي تسعى إلى الوحدة العربية، كما أنها ليست هي صاحبة المصلحة في الثورة العربية، وإنما الطبقة العاملة والفلاحين والفقراء والبورجوازيون الصغار الثوريون، هم وحدهم المعادون للاستعمار والإقطاع، فالنضال من أجل الوحدة العربية ليس رجعياً( ). والسبب في ذلك أن مصلحة البورجوازية العربية مرتبطة مع مصالح الرأسمال الاستعماري، وهي مرتبطة مع الاستعمار أكثر من ارتباطها مع الوحدة العربية( ).
إن الحاجة إلى الوحدة «شرط لازم للنضال الشعبي التحرري ضد الاستعمار وضد الاستغلال»، «إنها الوحدة الثورية في هذا العصر، وحدة تنهض على أكتاف الجماهير وتمتزج بالنضال الاشتراكي»( ).
إن الادعاء بأن للثورة الطبقية أولوية على الثورة القومية، هو ادعاء غير علمي وغير واقعي في العالم العربي لأن الطبقة العمالية والفلاحية لم يكتمل نموها، إي أنها ما زالت ضعيفة، فهي لا تستطيع أن تشكل تنظيمات نقابية كبرى تكون ذات تأثير من جهة، وهي لم تكوَّن تقاليدها النضالية الراسخة من جهة أخرى( ). فما دامت الطبقة العاملة ليست القائدة في الاقتصاد، فلا تستطيع أن تكون القائدة في السياسة؛ وما دامت متخلفة في الوعي يعني أنها لا تستطيع أن تلعب دوراً طبيعياً في السياسة وفي العمل الثوري( ). بالإضافة إلى كل هذا لم يتأسس، حتى الآن، حزب البروليتاريا القادرة على البدء بالثورة( ).
هناك العديد من الأحزاب والحركات السياسية التي تطرح، أحياناً، قضية الوحدة العربية في برامجها، لكنها لا تقوم بالنضالات اللازمة التي تجعلها حقاً مدركة لأهميتها( ).
وعندما طرحت بعض الأحزاب الشيوعية العربية، في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، برامج وحدوية، فإنما كانت ضعيفة ومصطنعة لأنها كانت بتوجيه من الكمنترن( )، ولم يكن الشيوعيون المحليون مقتنعين بوجود أمة عربية. لهذا لم يشددوا النضال في الاتجاه الوحدوي وإنما شدوا عقارب النضال باتجاه المطالب الإصلاحية، كالنضال النقابي… وقد انعكست الاتجاهات الفكرية النضالية على التشكيلات التنظيمية للأحزاب الشيوعية العربية فحوَّلتها إلى تنظيمات قطرية، لهذا لم تكن قادرة على خوض نضال وحدوي عربي ضد السيطرة الأمبريالية( ). فالأحزاب التي تلتزم بالخط السوفياتي في الوطن العربي ليست أحزاب الوحدة العربية، فهي أحزاب تتحدث عن الوحدة بدون الجدية والموضوعية اللازمة( ).
ب-من القضيــة الفلسطينيــة:
عندما كانت المواقف من الحركة العربية تتصف بالإيجابية، كانت تظهر العداء للصهيونية. وعندما كانت تصف الحركة العربية بالفاشية، خاصة بين السنوات (1948 - 1954م)، كان موقفهم خاطئاً من وجود الكيان الصهيوني( ). فبمقدار ما يكون الموقف الشيوعي من القضية العربية ثورياً، يكون الموقف من قضية فلسطين ثورياً( ).
قبل العام 1947م، كانت الأحزاب الشيوعية العربية تسير في محاذاة الأممية الشيوعية التي كانت تضع الصهيونية في دائرة التحالف مع الاستعمار والمعاداة للدول الاشتراكية. لكن إعلان الموقف السوفياتي من تأييد تقسيم فلسطين، في العام 1947م، أحدث انقلاباً في مواقف الأحزاب الشيوعية العربية، فبادرت إلى تأييده بعد أن كانوا ينددون بالصهيونية، وعدَّت تدخل الجيوش العربية عدواناً، بعد أن كان النضال العربي ضد الصهيونية يصب في دائرة حركة التحرر العربي. وقد تميزت المرحلة من العام (1947 - 1954م)، بمثل تلك المواقف( )، ومن أهمها:
-نظّم الحزب الشيوعي العراقي مظاهرات، في كانون الأول / ديسمبر العام 1947م، تأييداً للقرار، ودعا إلى الاعتراف بدولة «إسرائيل»، ووصف الحرب الفلسطينية بالقذرة( ).
-أصدر الحزب الشيوعي السوري اللبناني مذكرة يصم فيها الحرب بين العرب واليهود بأنها دينية عنصرية.
-بشَّر الحزب الشيوعي المصري بولادة أمة جديدة / الأمة اليهودية، وطالب بإعطائها الحق في تقرير المصير.
-جارى موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني مواقف أترابه من الأحزاب الشيوعية العربية.
-لم يجار الحزب الشيوعي الأردني تلك المواقف( ). لكنه لم يتخذ موقفاً حاسماً من وجود «إسرائيل»، وعدَّها فقط مخزناً للأسلحة الأمبريالية بدون الدعوة إلى مقاومتها واقتلاع غزوها( ).
نتيجة لتلك المواقف رفعت الأحزاب الشيوعية العربية، منذ العام 1950م، شعار الصلح مع «إسرائيل»، وظلّت تفسر الأحداث من خلال اعتبار اليهود أمة مُعتدىً عليها( ).
أما في المرحلة من (1955 - 1967م) فبدَّل الاتحاد السوفياتي مواقفه من القضايا العربية، فبدّلت الأحزاب الشيوعية العربية، أيضاً:
كان الشيوعيون العرب يعملون على أساس أن الاتحاد السوفياتي، في عهد خروشوف() (1894 - 1971م)، يعمل في سبيل تحقيق سلم بين العرب و«إسرائيل»( ). وفي عهده انتهج سياسة انفتاح وتفهم وتأييد إزاء دول العالم الثالث، وبخاصة البلدان العربية( ).
- في العام 1955م، هاجم الحزب الشيوعي السوري الصهيونية، ونفى أن تكون لليهود مقومات الأمة( ). وأعلنت اللجنتان المركزيتان للحزبين السوري واللبناني، في العام 1956م، أن فكرة إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين كانت، في أساسها، فكرة استعمارية عدوانية قائمة على الاغتصاب وحراب الاستعمار لكبح الحركة الوطنية في الشرق العربي، ولنهب ثروات العرب واكتساح أسواقهم. لكن الإعلان لم يحدد حلاً واضحاً للمسألة فظلَّ الحل النهائي العادل غامضاً( ).
حتى عدوان 5 حزيران / يونيو من العام 1967م، كان موقف الاتحاد السوفياتي، يقوم على الاعتراف بحق الكيان الصهيوني في البقاء. وأكد كوسيغين() هذا الموقف في خطاب له من على منبر الأمم المتحدة( ).
وظلت مواقف الأحزاب الشيوعية العربية، بعد الخامس من حزيران / يونيو 1967م، استمراراً لمواقفها قبله، وهي المرحلة التي سبقت المواقف النقدية الذاتية التي مارستها الأحزاب الشيوعية العربية في مؤتمراتها، وتتلخص بما يلي:
- فضح العدوان الصهيوني وارتباطه بالإمبريالية.
- الدعوة للحل السلمي والمرونة والتعقل.
- الأمم المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على حل المشكلة( ).
- إتهام المقاومة بالمغامرة، تحت حجة التشكيك بإمكانيات العرب من جهة، والدعوة إلى الصلح من جهة أخرى( ).
كان الحزب الشيوعي السوداني من أكثر الأحزاب الشيوعية العربية قدرة على استيعاب الخصائص الذاتية لأوضاع النضال العربي، وكان من أكثرها إسهاماً «في توضيح معالم هذا النضال ومراحله». ويعود السبب في ذلك، كما يقول كلوفيس مقصود، هو في التصاقه «بمعاناة الجماهير التصاقاً صادقاً»، بدلاً من النطق باسمها «من موقع الانسلاخ عنها كما حصل لعدد من الأحزاب الشيوعية العربية في عدد من الدول العربية»( ).
يعيد فؤاد مطر أسباب تمايز الحزب الشيوعي السوداني عن بقية الأحزاب العربية إلى بعض العوامل، ومن أهمها:
أ-إنه لم يتحول إلى «جرم يدور في فلك موسكو». ويدين بالولاء للماركسية التي تتناسب مع طبيعة السودان وشعبه. ويُعدُّ هذا الموقف، إلى حدٍّ كبير نقيض للأحزاب الشيوعية العربية «التي تدين بالولاء للماركسية من خلال الولاء لموسكو»( ).
ب-إنه حرص على أن تكون له استقلاليته وحريته في التفكير واتخاذ المواقف المناسبة التي تتلاءم مع المجتمع السوداني». ومن جملة الأمور التي أخذها بعين الاعتبار: السودان مجتمع ديني، فتجاوز فلسفة الدين التي تنادي بها الماركسية( )؛ ولهذا السبب انضم إلى الحزب بعض رجال الدين المسلمين( ).
ج-شارك بعض أعضاء الحزب المصريين في الوقوف في وجه العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م.
د-لم يقلِّد موسكو، كما فعلت الأحزاب الشيوعية الأخرى، ووقف بشكل متمايز من قضية فلسطين( ). وحول هذه المسألة يقول الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني: «نعتقد أن هذه الأرض العربية يجب أن تكون جمهورية ديموقراطية عربية، ولا مكان لإسرائيل وسط العرب»( ).
إن التاريخ الذي تأسس فيه الحزب الشيوعي السوداني، في العام 1947م، لعب دوراً مهماً في تمايزاته عن الأحزاب الشيوعية الأخرى. وإننا نستند في تعليل هذا الاستنتاج إلى ما يلي:
مارس ستالين أسلوب الفردية والإرهاب في داخل تنظيمات الحزب الشيوعي السوفياتي، ومن خلاله أقام الكثير من المحاكمات لكل المعارضين له في داخل الحزب، وأنزل بحق الكثير منهم أحكاماً كمثل الإعدام أو العزل أو الإبعاد. ولم تكن تأثيراتها تطال الأحزاب الشيوعية في داخل دول المنظومة الاشتراكية فحسب، وإنما كان الهدف منها، أيضاً، أن ترسم استراتيجية فكرية وسياسية أممية. فكانت التصفيات التي أجراها ستالين تهدف إلى رسم تلك الاستراتيجية، وإنه بحكم العلاقة الأممية بين شتى الأحزاب الشيوعية كان من واجبات تلك الأحزاب أن تتكتّل من حول الدولة المركزية الأم، سياسياً وإيديولوجياً، لحمايتها.
ولما كانت الأحزاب الشيوعية العربية قد تأسست في مراحل مبكرة، وعايشت بمعظمها المرحلة الستالينية، تكون قد تأثرت تأثراً بالغاً بتلك الاستراتيجية السياسية والفكرية، وظهرت وكأنها نسخة طبق الأصل عن الحزب الشيوعي السوفياتي - الستاليني. ولما كان الحزب الشيوعي السوداني قد تأسس في مرحلة متأخرة من حكم ستالين، وربما كانت بعض الانتقادات ضد ذلك الحكم أخذت تجد لها متنفساً من الجرأة النسبية لنقد المرحلة الستالينية، يكون الحزب الشيوعي السوداني، بعد أن ابتدأ يلامس البلوغ، قد تأثر ببدايات المرحلة التي مهّدت لنقد الستالينية، ولهذا السبب دخل نشاطه في مرحلة انتقالية تفصل ما بين اتجاهين في الحزب الشيوعي السوفياتي.
***
IV - إستنتاجــات
يقول ناجي علوش حول القضية الفلسطينية: «إن موقفنا لن يتغير لأننا يجب أن لا نتهاون مع الغزاة، حتى ولو لبسوا لبوس الاشتراكية. ولا أدري ما هي الاشتراكية التي تسمح للصوص والقَتَلة… بناء دولة على حساب آخرين. وإذا كنا مطالبين بشيء، فإننا مطالبون بالدفاع عن المشردين، لا بالدفاع عن الغزاة»( ). لذلك وجَّه للشيوعيين نداءً، في أواخر الستينات، يدعوهم فيه إلى حسم مواقفهم بسرعة «فالزمن لا ينتظر أحداً»( ). وهو يدعو إلى التحالف مع «كل فرد أو جهة ترفض وجود الدولة الصهيونية، وتقبل التعايش على أساس الاعتراف بحقوق العرب القومية في وطنهم. وتُعتَبر هذه الموضوعة محك التفريق بين الصهيونيين والثوريين، بين الرجعيين والتقدميين، وبين أصدقائنا وغيرهم»( ).
لم يكن التنافس بين حزب البعث والأحزاب الشيوعية العربية يقع تحت ضغط التنافس الحزبي المتعصب، وإنما كانت تحكمه جملة من المواقف المبدئية والسياسية من المسألة القومية العربية وما يتفرَّع عنها من قضايا قطرية. وكان ميشيل عفلق حريصاً كل الحرص على أن تكون التعدديات الفكرية عامل صحة وتكامل وليست عامل تفريق وتفتيت. ولهذا يعبِّر في العام 1976م، عن ذلك قائلاً: «كيف نكون ثوريين اشتراكيين مجددين، وفي الوقت نفسه نرى في الشيوعية خصماً فكرياً بدلاً من أن نرى فيها صديقاً وحليفاً؟»، أما الذي كان سبباً في تلك الفجوة بين البعث والشيوعيين فكانت الصيغة الستالينية( )، التي كانت تلزم كل الأحزاب الشيوعية بأن تعمل من أجل مساندة الاتحاد السوفياتي في مواقفه الدولية. ولأن عفلق كان يرى أن تلك الصيغة لا تحقق مصلحة الأمة العربية الفكرية والسياسية،كانت مواقفه الناقدة للشيوعية عائدة إلى خوفه من أن تصبح «عامل تشويش وتضييع للوقت على الثورة العربية»( ).
لقد دعا عفلق منذ الأربعينات إلى أن يكون الصراع مع الغرب الرأسمالي لوحده، على أن تلتف سواعد كل الحركات والتيارات والأحزاب العربية لتوحيده ورفده، لكن بدلاً من ذلك انبرت الأحزاب الشيوعية العربية إلى الوقوف في الخندق المضاد للعمل الشعبي العربي، فخاض حزب البعث العربي الاشتراكي صراعاً غير مباشر مع الشيوعية( ).
استناداً إلى إيديولوجيتهم الأممية وقف الشيوعيون العرب موقفاً مُستغرَباً من القضايا القومية، فحسبوا أنها مجرد جزئيات أممية. وكل موقف لا يتظلَّل تحت السقف الأممي، كما حسبوا، يصب في دائرة الفكر الشوفيني. لهذا السبب انعكست اتجاهاتهم الفكرية على تحليلهم للقضايا القومية العربية. ووزَّعوا أحكامهم على شتى قضايا الساعة في الأربعينات بين تقدمية وفاشية. وغرقوا في توزيع الأحكام على شتى الاتجاهات الفكرية والسياسية، وحسبوا أن صراع الطبقات هو المقياس الذي على أساسه يمكن محاكمة نتائج الأمور. فتناسوا، في تلك اللحظة، مفهوم الاستعمار وأهدافه، فانعكست اتجاهاتهم تلك سلباً على حركات التحرر الوطنية والقطرية. فأصبح عندهم المناضل ضد الانتداب الفرنسي، مثلاً، فاشياً. ولم يتذرَّعوا بأي سبب إلاَّ أن فرنسا في ذلك الحين كانت حليفاً للاتحاد السوفييتي. وكان الأمر نفسه ينطبق على مواقفهم من القضية الفلسطينية. فأصبح مقياسهم الطبقي مقياساً يكيلون اتجاهات الصراع بين الفلسطينيين العرب واليهود على أساسه. ومن غريب الأمور أن اليهود، بنظر الشيوعيين العرب، كانوا يمثلون الجانب التقدمي بينما المقاتلون في سبيل منع المشروع الصهيوني من السيطرة على أرض فلسطين أصبحوا هم الفاشيين. فالأممية الشيوعية، في تلك المرحلة، أصبحت في نظر القوميين رديفاً للعوائق الفكرية والسياسية التي تحول بين العرب والنضال في سبيل التحرر الاستقلال( ).
وإن ظلت الماركسية تقف ضد وجود دولة صهيونية، لكنها، وفي هذا نقطة ضعف خطرة، و«نقطة الضعف هذه هي محاولة التفريق بين الحركة الصهيونية والجماهير اليهودية. المحاولة بريئة، وتنبع من تحليل قاصر لوضع اليهود في فلسطين». فإذا كانت الصهيونية تمثل مصالح البورجوازية اليهودية في كل أنحاء العالم، فلا بُدَّ من أن تكون متعارضة -فكراً ومصالح- مع البروليتاريا اليهودية. فإذا كان هذا التقسيم صحيحاً، وما دام اليهود ليسوا شعباً، وما دامت تجمعاتهم في فلسطين ثمرة من ثمار العمل الصهيوني، وما دام شعب فلسطين العربي قد دفع ثمناً بأنه طُرِد من أرضه، فيجب أن نحاكم تلك التجمعات على ضوء الواقع. فالتجمعات اليهودية في فلسطين هي تجمعات صهيونية بلا ريب( ).
لنفترض أن بروليتاريا اليهود انتصرت على بورجوازيتهم، وقطعت أواصر العلاقة مع الأمبريالية، وحوّلت «إسرائيل» إلى واحة للديموقراطية والاشتراكية، فهل لا تتحمّل جريمة اغتصاب أرض وتشريد شعب؟
من خلال الإجابة على هذا التساؤل نرى أن تفسير الصراع بين العرب واليهود على أنه صراع طبقات، وحصره بهذا الجانب من الصراع فقط، هو تفسير يحمل الكثير من التعسف. إن انتصار البروليتاريا اليهودية يعني احتمالين: صراع مصالح بين البورجوازية والبروليتاريا اليهوديتين من جهة، وصراع على أرض ووطن بين البروليتاريا اليهودية مدعومة بالبورجوازية اليهودية، ضد البروليتاريا العربية مدعومة من البورجوازية العربية من جهة أخرى. لكن هل يحسب الشيوعيون أن البروليتاريا العربية سوف تفرّط بحقها في وطنها كرامة لعيون انتصار الديموقراطية والاشتراكية على أيدي من اغتصبوا أرضها ووطنها؟
فإذا حققت البروليتاريا اليهودية انتصاراً على البورجوازية اليهودية في بناء نظام ديموقراطي اشتراكي على أرض فلسطين، فإنها بذلك تكون قد انتصرت، أيضاً، على البروليتاريا الفلسطينية العربية عندما كرَّست عملية اغتصاب أرضها. فأين هي العدالة؟ وكيف ترى الشيوعية إلى حقوق بروليتاريا فلسطين العربية؟
فاليهودي القادم، تحت إغراءات الصهيونية، وبنية محاربة البورجوازية اليهودية، هو أيضاً غاصب لحق وطني للفلسطينيين، طبقات مسحوقة وطبقات مستغِلَّة على حد سواء. فالأرض الفلسطينية هي لجميع طبقات فلسطين الاجتماعية.
لأن الأفكار القومية في العالم العربي، كما يرى الحزب الشيوعي اللبناني، نشأت في ظروف خضوع الشعوب العربية للنير الأجنبي واضطهاده»( )، نظر الحزب إلى القضية الفلسطينية وإلى التآمر الاستعماري الصهيوني نظرة ضيقة. ولم يفطن الحزب إلى أن… قضية فلسطين [كانت] منطلقاً للجم وضرب حركة التحرر الوطني العربية… ولم يستطع أن يقدّر، كما ينبغي، الأبعاد السياسية والقومية، التي يمكن أن يؤدي إليها، على المدى البعيد، نجاح المؤامرة على فلسطين، بإنشاء كيان مصطنع على أرضها»( ).
بالإضافة إلى النقد الذاتي الذي مارسه الحزب حول رؤيته المبدئية من الصراع العربي - الصهيوني، مارس نقداً آخر حول خطئه التكتيكي. ولهذا يرى بأنه لم يكن من المفروض على الشيوعيين اللبنانيين أن يتخذوا «أي موقف تفرضه الضرورات العملية، لا من الناحية التكتيكية، ولا من الناحية المبدئية، حيث أن أرضنا كانت موضع اغتصاب»( ).
- - -
بعد أن قمنا بتحديد أهم ما جاء من نقد للفكر الماركسي من قبل مجموعة من المفكرين المهتمين به، أو من قبل عدد من التيارات الحزبية الماركسية، أو من قبل بعض الأحزاب القومية العربية أو تلك التي تهتم بدراسة الفكر القومي العربي، وجدنا ما يلي:
تتفق الأحزاب المعنية أعلاه، بالإضافة إلى عدد من المفكرين، في تحديد مواطن الخلاف حول أهم قضايا الفكر القومي وأهم قضايا الأمة العربية، سواء كان الذي يمارس النقد للآخر مع الذي يمارس النقد الذاتي. فليس هناك ما يستدعي منا أكثر من المقارنة من دون المحاولة للمقاربة بينها، فهي تتفق حول أهمية تلك القضايا ومبدئيتها. وهذا ما سوف يستأثر باهتمامنا في الفصل الرابع من هذا البحث.



#حسن_خليل_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الثاني من كتاب - الماركسية بين الأمة والأممية
- كتاب الماركسيـة بين الأمـة والأمميـة - الفصل الأول: مقدمات م ...
- الناسخ والمنسوخ
- الإشكالية بين الفكرين القومي والديني


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - حسن خليل غريب - الفصل الثالث من كتاب (الماركسية بين الأمة والأممية).