محمد حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 22:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
«كان رعايا الإدارة وقتداك ينظرون إلى كل رجل إدارة نظرتهم إلى سيد يتواضعون أمامه من فرط الخنوع , لا خادما للهيئة المدنية . لذا كانوا يؤدون له ما يؤدون. كما كان الموظف , من جانبه , لا يعد مهمته وسيلة لكسب العيش أو نوعا من الامامة, بقدر ما كان يعدها امتيازا شخصيا حصل عليه ليعود عليه بمداخيل إضافية , لذا , كان يؤدي عنه ما يؤديه ».
عن : P. VEYNE /
طائفة الزبائن و الرشوة في خدمة الدولة
في إطار نضالها من أجل ملكية برلمانية حيث الشعب هو صاحب السيادة و المصدر الوحيد لكل السلط, ربطت حركة 20 فبراير بين النضال من أجل إسقاط الفساد و دمقرطة البناء السياسي المغربي .
يمكن القول أن الرشوة و الفساد بالمغرب معممين في مختلف الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية , و خاصة في الوظيفة العمومية و القطاع العام . فالرشوة و الزبونية منتشرة بشكل وبائي ناهيك عن الزواج الكاثوليكي بين السياسة و الاقتصاد .
الفساد في شكله المالي و الإداري يرتبط أساسا بسوء استعمال السلطة و توظيفها في خدمة المصالح الخاصة الضيقة . فالفساد الإداري يقوم على تسخير السلطة لخدمة أهداف شخصية , فيما نجد الفساد المالي يشجع الثراء بلا سبب , بصورة تساهم في تدمير الأسس الاقتصادية للدولة و تهدد قيام المشاريع الاقتصادية و الاجتماعية .
يساعد انتشار الفساد على زيادة حدة الاستقطاب الاجتماعي من خلال تدهور عدالة توزيع الدخل و الثروة , الأمر الذي يقلل من الكفاءة المجتمعية و يعطل فرص التنمية .و على وجه الخصوص , يوطد استشراء الفساد من اسس سوء الحكم من خلال قيام تزاوج خبيث بين السلطة السياسية و الثروة , بحيث تصبح غاية نسق الحكم ضمان مصالح القلة المهيمنة على مقاليد السلطة و الثروة و ليس المصلحة العامة , الأمر الذي يؤدي إلى تهميش الأغلبية و إقصائها.
القضاء على الفساد يقتضي بناء دولة المؤسسات , و الفصل بين السلطات و التوازن بينهما و الشفافية و الإفصاح و المساءلة , و سيادة القانون و استقلال القضاء .
بناء دولة المؤسسات الديمقراطية و رابطة القانون مدخل ضروري لوضع أسس الاستراتيجيات لمواجهة الفساد و خلق بيئة النزاهة. و بتعزيز أوجه المحاسبة المختلفة خاصة المحاسبة الأفقية من خلال استثبات الرقابة في النظام السياسي .
اقترح " مونتيسكيو " وصفته للمحاسبة في مؤلفه " روح القوانين " – 1738- نظريته حول المحاسبة الأفقية التي تظل هي الأكثر نفودا و ثأتيرا و بين في شرحه أن الشرط الضروري لإقامة نظام معتدل كنقيض للنظام الاستبدادي هو تقسيم نشاط الحكومة إلى وظائف منفصلة و من ثم توزيع هذه الوظائف على هيئات منفصلة , وقد وفرت تجربة ممارسة النشاط الحكومي فائدة مزدوجة :
1- دوائر الحكومة المختلفة تعمل في جو من التنافس . فتقوم لكل واحدة منها بتحديد و كبح مجال العمل بالنسبة إلى الأخرى .
2- ضرورة الحصول على موافقة السلطات المختلفة و هذا من شأنه تأخير تنفيذ التشريعات ( كان قلقا في شأن أوامر الاعتقالات التعسفية و السرية ) كما أنه يتيح فرصا أكثر لمراقبة و اكتشاف إساءة استخدام السلطة .
3- المحاسبة هي خضوع الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية و الأخلاقية إزاء قراراتهم و أعمالهم و يتمثل ذلك في مسؤولية من يشغلون الوظائف العامة أمام مسؤوليهم المباشرين هكذا حتى قمة الهرم في المؤسسة ;أي الوزراء ومن هم في مراتبهم الذين يكونون مسؤولين بدورهم أمام الهيئات الرقابية المختلفة القائمة على النظام السياسي الديمقراطي و في مقدمتها البرلمانات التي تتولى الرقابة على أعمال السلظة التنفيدية .أما المساءلة فهي واجب الموظفين العامين سواء كانوا منتخبين أو معينين, و تقديم تقارير دورية على نتائج أعمالهم و مدى نجاعتهم في تنفيدها حتى يتم التأكد من أن عملهم يتفق مع القيم الديمقراطية و أحكام القانون .
عرفت النظم الديمقراطية نمطين من أنماط المحاسبة و هي المحاسبة العمودية و المحاسبة الأفقية. تقوم المحاسبة العمودية على محاسبة جمهور الناخبين الحكام و ممثليهم المختارين إما بتجديد الشرعية التي يتمتعون بها من خلال إعادة انتخابهم إدا ما أوفى هؤلاء بوعودهم الانتخابية و إما بمعاقبتهم من خلال عدم التصويت لهم في صناديق الاقتراع في حال عدم رضى الجمهور على آدائهم . أما المحاسبة الأفقية فتعني أن يكون كل من يشغل منصبا عاما مسؤولا أمام جهة أخرى على مستوى أفقي إضافة إلى المساءلة العمودية و هو يعني وجود مسئول أو مؤسسة خارج نطاق المساءلة أو في وضع مهيمن على باقي المؤسسات حيث يضمن وجود سلطة او مؤسسة لمراقبة سلطة أخرى تحد من طغيانها و هو ما يحد من أعمال السلطة المطلقة التي تؤدي إلى تشجيع بيئة مساندة للفساد .
ان ضعف المحاسبة العمودية في المغرب هو نتيجة نمط البناء السياسي المغربي . البيروقراطية فيه عازلا بين الجمهور و المسؤولين من خلال سيطرتها على الآليات و الإجراءات و قدرتها على تعطيل القرارات و الأوامر. هذه البيروقراطية غير خاضعة لمساءلة الجمهور من خلال وسيلة الانتخابات .
نفس الشيء بالنسبة للمحاسبة الأفقية, فضعفها هو نتيجة لغياب استراتيجية تقوم على بناء منظومة من المعايير و أسس تنظيمية و مؤسساتية و قانونية و جماهيرية .
الخطير في المغرب هو كون الفساد أضحى ممأسسا و مؤسساتيا.و الدستور المغربي ينص في بعض بنوده على وضعية اللا عقاب , و على تضارب المسؤوليات السياسية و الاقتصادية .
المدخل الأساسي في القضاء على الفساد بالمغرب هو إصلاح الدستور و تحديد المسؤوليات , كما عبرت عنه حركة 20 فبراير والقوى الديمقراطية المساندة لها , و إصلاح حقيقي للقضاء بجعله مستقلا و لا يعمل وفق سياسة التعليمات .
#محمد_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟