أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - أي ثقافة للربيع الديمقراطي العربي ؟















المزيد.....

أي ثقافة للربيع الديمقراطي العربي ؟


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3406 - 2011 / 6 / 24 - 10:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذ يمنح التاريخ للأمم لحظات حاسمة من حياتها حتى تقف أمام الحقائق العارية لاستخلاص الدروس الكبرى، فإنّ الربيع الديمقراطي العربي الذي دشنته ثورة الحرية والكرامة في تونس وأكسبته الثورة المصرية بعداً استراتيجياً يضعنا أمام لحظة فاصلة يتحتم فيها على الأمة العربية أن تحسن استشراف المستقبل والتعاطي المجدي مع تحدياته. إذ يبدو أنّ أنساق التفكير، التي عهدناها طوال عدة عقود، لم تعد مجدية. فثمة ثقافة بكاملها تحتاج إلى المساءلة، بمرجعياتها ومؤسساتها ونماذجها ورموزها وإعلامها وخبرائها.
إنّ المثقف العربي في زمن الربيع الديمقراطي العربي يستمد مكانته من مطابقته للقيم العقلانية والإنسانية دائماً، ومن عمق قراءته للظواهر الجديدة. إذ يبدو لنا أنّ المنهج العقلاني النقدي، المستوعِب لحصاد التجربة العالمية، والمنفتح على كل التيارات الفكرية والسياسية العربية، يمكنه أن يساهم في ترسيخ قيم ثقافية عربية جديدة. إذ من المؤكد أنّ الثقافة هي أحد أهم المداخل إلى معالجة مختلف إشكاليات العالم العربي، على أن تُفهم بمعناها الأوسع والأغنى والأكثر فاعلية، أي بوصفها تجسد حيوية التفكير بقدر ما تمثل منبع المعنى ومصدر القوة، وبقدر ما تجسد سيرورة التحول العربي الجديد. ومن أجل تجسيد حيوية التفكير بات من التبسيط والتضليل مقاربة الثقافة العربية بعد الربيع الديمقراطي العربي من خلال فكر أحادي الجانب والمستوى، فالعالم هو في بناه ونظامه وصيرورته من التعقيد والتشابك والتحول، بحيث لا تفي بفهمه نظرية واحدة ولا ينجح في تغييره أنموذج أوحد. الأجدى أن تتضافر المقاربات والمعالجات، عبر استثمار نتائج الدراسات العلمية والإبداعات المعرفية في مختلف الاختصاصات، وبما يؤول إلى ابتكار الاستراتيجيات والآليات والوسائل التي تسهم في بلورة رؤى ثقافية مستقبلية. لأنّ الثقافة التي تعارفنا لعقود عليها، ثقافة المؤتمرات والمهرجانات والجوائز، والمنابر العصماء، وجلها كان رسمياً، هي في طريقها إلى الزوال، لتحل محلها ثقافة أخرى بديلة ؟ لن تكون هذه المرة ثقافة أنظمة، بل هي ثقافة مولودة من رحم الشارع، من رحم الجموع العربية التواقة إلى حياة أفضل.
إنّ ثقافتنا العربية تحتاج لأن تكون ثقافة عقلانية غايتها الاستنارة، ونقدية لتجاوز ما هو سطحي وتنميطي، ومستقبلية تطرح الإشكالات وترتاد الآفاق غير المسبوقة، ثقافة في مواجهة الاستبداد والفساد الداخلي، ومقاومة في مواجهة الغزو الأجنبي والتبعية للخارج. ثقافة مؤسسية تتضافر فيها جهود الجميع لبناء إنسان عربي جديد قادر على المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية تحت شمس عالم لم يعد فيه البقاء إلا للأصلح.
إنها لا تعني الثقافة التي تردد مفردات الثورة السياسية وشعاراتها، ولا المجتمع الذي يشارك في المظاهرات أو يصوّت لقوى الثورة في الانتخابات، وإنما تعني الثقافة التي تعيش ثورة في داخلها كثقافة تتغيّر بها قيمها التقليدية المتأخرة: ثقافة النقد، والإبداع، والتفكير العقلاني، والاجتهاد، والنجاعة العملية. وتعني المجتمع الذي يعيش ثورة في داخله تعيد إنتاج القيم الإيجابية في منظومته: مجتمع المساواة بين الجنسين لا المجتمع الذكوري، المجتمع المدني الحديث لا المجتمع الأهلي العصبوي، مجتمع التسامح لا مجتمع التعصب، مجتمع الإنتاج والمبادرة لا مجتمع الكسل والريع، مجتمع التضامن الوطني الشامل لا مجتمع الانتماءات العائلية والجهوية والفئوية. وما أغنانا عن القول إنّ ميلاد هذه الثقافة وهذا المجتمع سيأخذ وقتاً طويلاً يُحْسَب بالعقود والأجيال، ولن يكون حصيلة فورية لثورة سياسية مهما كانت عظيمة كثورتي تونس ومصر وإرهاصات الثورات الأخرى في اليمن وليبيا وسورية. ثم إنّ ميلادهما يقتضي ثورة حقيقية في التربية والتعليم ومناهج التدريس، وفي السياسات الإعلامية والثقافية، تماماً مثلما يتطلب نجاحات متواصلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي التوزيع العادل للثروة والفرص، واستقراراً في النظام الديمقراطي وتطويراً له.
وإزاء التحولات العميقة التي تشهدها البشرية، يبدو أنه من الضروري أن يعمل المرء على إعادة صياغة وترتيب أفكاره، بما يمكّنه من فهم وتشخيص هذه التحولات بداية، ومن ثم الانخراط في تغيير الواقع الثقافي العربي في اتجاه التكيّف الإيجابي مع معطيات وتحوّلات هذا الزمن المتغيّر.
ولعل منبع تجدد الإشكال الثقافي اليوم راجع إلى تصادم حقيقتين بارزتين: أولاهما، الالتزام الجماعي بمقتضيات الكونية، الناتجة عن مسار تَوَحُّد البشرية واقتران مصائر أبنائها، من خلال الثورة الاتصالية والاندراج في الاقتصاد العالمي. وثانيتهما، الإقرار النظري والمعياري بحق الثقافات في الاختلاف والتمايز وتماثلها من حيث القيمة والمشروعية.
وإذا كانت الحداثة بحسب الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مشروعاً ناقصاً لم يكتمل بعد في الغرب ولا يزال أمامها خطوات كثيرة تنجزها، فلِمَ لا نقول نحن بدورنا في عهد الثورات الشعبية العربية الجديدة: إنّ الحداثة ربما تبدأ اليوم في امتحانها الحقيقي المرتبط بالواقع وليس بالفكر فحسب، ما دامت الأفكار موجودة في الخطب المجردة عن سياقها الذي قدمت فيه، تلك التي أنتجتها الثقافة العربية على مدار عصور الاستبداد الطويلة واكتفت بها كشعارات مزخرفة، واستعملتها السلطات العربية كواجهات براقة لا غير؟
هل انتهت الحداثة العربية أم لم تنته ؟ هذا السؤال يجب أن يطرح من جديد ضمن السياق الثوري الراهن، وهو سيعيدنا حتماً إلى التفكير في مسائل الفرد والجماعة والعقل والنقل، والتجديد والتراث والسياسة والدولة والديمقراطية ومختلف الأسئلة التي ما فتئنا نناقشها ضمن رؤية مجردة ومحكومة بأغلال السلطة المحتكِرة لإصدار القرار وتنفيذ التغيير.
وكي لا نستمر في إعادة إنتاج الفراغ نقول: المشكلة التي نواجهها الآن هي أنّ اللحظة التي يعيشها العالم لن تسمح إطلاقاً بأي قدر من الخمول والتراخي، لذا علينا أن نعيد ترتيب أوراقنا بحثاً عن آفاق مغايرة. فالعملية تحتاج إلى جد واجتهاد ومثابرة وعمل، لأنّ من يتأخر عن الركب سينساه الزمن إلى الأبد، والأمر بكل أبعاده وخلفياته يحتاج إلى دراسات وإمكانيات ووسائل وإرادة قوية من جميع مكوّنات المجتمع، سلطة ومؤسسات عامة وخاصة وشعب.
وهنا تبرز مهمة المثقفين بالتوجه إلى الحداثة كهدف وككل متكامل، بما ينطوي عليه ذلك من تبنّي لسلطان العقل على النقل، والفصل بين الدين والدولة، والتخلّي عن الشعارات والأوهام، وفهم اتجاه الحقبة التاريخية المعاصرة، والدعوة إلى التحديث السياسي باعتباره المدخل الحقيقي لأي تحديث آخر، والدفاع عن المواطنة التي قوامها المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، والتمسك باحترام الحق في الاختلاف انطلاقاً من نسبية المعتقدات والقناعات حسب قول الإمام الشافعي " رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب ".
ويبدو أنّ سؤال المستقبل هو عنصر تكويني في هذا الوعي وعلامة عليه، سواء في حرصه على الارتقاء بالإنسان من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية، أو الانتقال بالمجتمع من التأخر إلى التقدم. وإزاء ذلك يبدو أنّ الخطوة الأولى في محاولة التعاطي مع أسئلة المستقبل تكمن في فهم لغة الخطاب العالمي المعاصر، التي يتم التعامل بها بين أطراف هذا العالم الجديد، وبالتحديد فهم توجهات هذا العالم نحونا. إذ أنّ البحث في الاعتماد المتبادل بين العالم العربي والخارج هو بحث في المستقبل، وأية دراسة للمستقبل لا بد أن تنطلق من نماذج تطور النظام العالمي في أبعاده السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والثقافية.
إنّ أول خطوة أمام بناء نظام ثقافي عربي جديد يكمن في التوقف عن استخدام الثقافة بوصفها جهازاً من أجهزة السيطرة والمراقبة وتشكيل النفسية والعقلية القابلة للخضوع والإذعان، بغية الانتقال من ثقافة تصنع في خدمة السلطة إلى ثقافة تكون في خدمة التغيير، تغيير الإنسان أولاً، وتغيير شروط حياته المادية والاجتماعية والسياسية، والارتقاء بها إلى مستوى الحياة الإنسانية ثانياً، كي لا يجعل من العربي نسخة مشوهة ومترهلة من إنسان النظم الشمولية، التي قضت وأصبحت في ذمة التاريخ !



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصلاح سوري حسب مقاس سلطة الاستبداد
- نحو العدالة الدولية في سورية
- حوار عبدالله تركماني بين الثقافات
- رسالة مفتوحة إلى المؤتمر القومي العربي
- نحو مقاربة تنموية تشاركية
- الثورة السورية .. إلى أين ؟
- انكشاف الخيار الأمني في سورية
- نحو إعادة ترتيب وبناء البيت الفلسطيني
- ما يمكن أن تتعلمه سورية من الأنموذج التركي
- ساعة الحقيقة في سورية
- مؤشرات الحكم الرشيد
- أزمة الدولة العربية .. عن البوليس السياسي وقمع الحريات
- الثقوب السوداء التي تعطل التقدم العربي
- أهم تداعيات الربيع الديمقراطي العربي على القضية الفلسطينية
- أسئلة ما بعد التغيير السوري
- في أهمية - الكتلة التاريخية - لنجاح الانتقال من الاستبداد إل ...
- العزة لشعب سورية العظيم
- تونس على طريق الجمهورية الثانية
- كي تكون الدولة ملكوت الحرية
- الثورة العربية الجديدة وتألق تيار المواطنة


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - أي ثقافة للربيع الديمقراطي العربي ؟