أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام غصيب - الفلسفة والجماهير















المزيد.....

الفلسفة والجماهير


هشام غصيب

الحوار المتمدن-العدد: 3316 - 2011 / 3 / 25 - 08:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أربعة أوجه لاغتراب العمل الاجتماعي في الرأسمالية تحدّث عنها كارل ماركس في عمله المبكر، “مخطوطات باريس لعام 1844″: اغتراب العامل عما ينتجه، واغترابه عن فاعليته الخلاقة (وقد تحدثنا عن هذين الوجهين بالتفصيل سابقاً)، واغترابه عن أخيه الإنسان، واغترابه عن الطبيعة الإنسانية (المجتمع). وكلها بالطبع أوجه اجتماعية تاريخية نشأت بفضل عوامل وظروف اجتماعية تاريخية محددة، ويمكن أن تزول بزوال هذه الظروف وبروز ظروف من نوع آخر. وقد بينا ذلك سابقاً في حال الوجهين الأولين. وسنخصص هذه المقالة لبيان ذلك في حال الوجهين الآخرين.

لقد أدرك ماركس أن قانون التنافس ينبع بالضرورة من نظام الملكية الخاصة في وسائل الإنتاج وشروطه، ذلك النظام الذي يصل أوجه في الرأسمالية. فهو لا يعبر عن المرحلة البدائية من تاريخ البشرية، كما ظن كثير من مفكري البرجوازية الغربية (هوبز تحديداً)، وإنما جاء حصيلة تطور تاريخي معقد وطويل، تكسرت في غضونه الوحدة العضوية التي كانت تجمع الأفراد سابقا، وتفتتت إلى ذرات فردية متناحرة معاً. فالمجتمع في جوهره ليس كومة من الأفراد المتناحرين معاً، كما يصوره مفكرو البرجوازية الغربية، وإنما يبدو كذلك في المجتمع الرأسمالي بفعل تركيبة هذا الأخير ومبدأ حركته. إن أولئك المفكرين يسقطون خصوصية المجتمع الرأسمالي على التاريخ برمته، بل وعلى المستقبل أيضا، وكأن هذه الخصوصية جوهر للإنسان في كل مكان وزمان. وهم بذلك يؤبدون اغتراب الإنسان عن أخيه الإنسان ويعتبرونه قدراً لا راد له. وهناك إيحاء ساخر في كتابات إنغلز المتأخرة بأن تشارلز داروين قد يكون هو الآخر لجأ إلى إسقاط شريعة الغاب الرأسمالية السائدة في مجتمعه البريطاني على المملكة الحيوانية برمتها في سياق وضعه آلية الانتقاء الطبيعي تفسيراً لتطور الأجناس البيولوجية.

ولا نبالغ البتة إن قلنا إن شريعة الغاب هي السائدة في نمط الإنتاج الرأسمالي. فالعامل يتنافس بضراوة مع أخيه العامل من أجل خدمة الرأسمال، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء البيولوجي. ليس لديه مخرج آخر، سوى العبودية للرأسمال، أي وضع نفسه تحت تصرف نقيضه يفعل به ما يشاء ويمتص رحيقه كما يشاء. فإما العبودية والاحتراق في خدمة الرأسمال، وإما الجوع والحرمان حتى الموت. خياران أحلاهما مرّ. ومع ذلك فلا خيار للعامل سوى التنافس مع أخيه العامل من أجل الظفر بالخيار الأول. وبالنظر إلى الطابع الاجتماعي للعمل والإنتاج، فإن الأصل في العلاقة بين العامل وأخيه العامل هي أن تكون علاقة تعاون وعمل مشترك وتناغم، بحيث إن قدرات الواحد وحريته وذاتيته تتحقق وتكتب موضوعيتها الفعلية عبر الآخر. لكن الرأسمالية تقلب هذه العلاقة رأساً على عقب، فتجعل من الآخر قوة غريبة تكبل الذات وتقيدها وتدفعها باستمرار صوب الحافة، أي قوة تحبط الذات وتمنع تحققها وتهددها باستمرار بقطعها عن شروط بقائها.

أما العلاقة بين صاحب العمل (الرأسمالي) والعامل، فهي أكثر اغتراباً وتوتراً. فصاحب العمل هو وكيل العمل المخثر المغترب (الرأسمال) وفاعليته الحية، أو قل إن أصحاب العمل هم أهداب الرأسمال وأنيابه التي تمكنه من اقتناص العمال والتغذي على قوة عملهم وامتصاص دمائهم. إنهم آلية الاغتراب التي تحول العمل إلى نقيضه، أي إلى رأسمال، وتحول الرأسمال إلى وسيلة لتنشيط العمل الحي. من ثم، فإن الاغتراب يصل أوجه في العلاقة بين الرأسمالي والعامل. فالرأسمالي يسعى إلى زيادة إنتاجية العامل وعدد ساعات عمله إلى حدها الأقصى، وخفض أجره إلى حده الأدنى، فيما يسعى العامل إلى العكس تماماً. فالعلاقة بينهما أبعد ما تكون عن التعاون والتناغم والتلاحم العضوي، برغم ما يربطهما من إنتاج مشترك ومجتمع واحد وطبيعة إنسانية مشتركة. فالرأسمالي هو وكيل الاغتراب الرأسمالي وفاعليته الحية. أما العامل، فهو ضحية هذا الاغتراب. إن كليهما مغترب. لكن الفرق بينهما أن الرأسمالي يعتبر الاغتراب الرأسمالي تعبيراً عن وجوده ومنسجما تماماً مع مصلحته وسعادته، فيما يعتبره العامل مصدر شقائه وعبوديته وفقدان كرامته وحياته. إن الاغتراب الرأسمالي يعزز لدى صاحب العمل إحساسه الوهمي بوجوده وأهميته وقوته، ويلبي طموحاته الاستغلالية الاستعبادية، ويسد حاجاته وغرائزه وشهواته التسلطية العدوانية. لذلك نجده يجند نفسه دفاعاً عنه وعن نمط الإنتاج الذي يشكل أساسه، أعني نمط الإنتاج الرأسمالي. وهذا لا يعني بالطبع أن صاحب العمل يتحكم بالرأسمال، وأنه يتحكم عبره بنفسه وبالعامل والمجتمع. كلا! فالرأسمال (العمل المغترب) هو الذي يتحكم بالرأسمالي بصوغ وعيه وغرائزه وفعله وممارساته وعواطفه بما ينسجم وآليات تراكمه. وهذا يجعل منه خادماً للرأسمال، لكنه خادم طوعي مطيع. أما العامل، فهو عبد مرغم للرأسمال، ينميه ويسمنه مرغما تحت غائلة الجوع والحرمان حتى الموت. لذلك، فهو في ثورة دائمة عليه تأخذ أشكالاً متنوعة، من التراخي في العمل إلى تخريب أدوات الإنتاج إلى الإضراب عن العمل إلى الثورة الاجتماعية الشاملة على منطق الرأسمالية. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لاعتبار ماركس الطبقة العاملة حاملة مشروعه في التحرر من الاغتراب التاريخي صوب المجتمع الشيوعي المتحرر منه. ذلك أن ماركس لم يعتبر مشروعه الفكري النقدي، والمتمثل في نقد الواقع الرأسمالي ببيان الارتباط العضوي لظاهراته المتنوعة بالعمل الاجتماعي المغترب، ومن ثم بيان تاريخيته وإمكانية زواله، مشروعاً فكريا ثقافيا خاصاً به وبالنخبة الفكرية الألمانية أو الأوروبية. كلا! فقد اعتبره نتاجاً لتطور الحياة وتفاقم تناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي، وتتويجاً لعدة تيارات اجتماعية وفكرية في التقائها الجدلي معاً، ومن ثم اعتبره مشروع طبقة برمتها، مشروع الطبقة العاملة في سعيها إلى إزالة ما تعانيه من اغتراب متعدد الأوجه، ومن ثم إزالة جميع أشكال الاغتراب التاريخي. إن مشروع ماركس يفقد قيمته وصدقيته وتماسكه المنطقي إذا ظل حبيس الجامعات ومراكز البحث وأوساط النخب الفكرية. فهو، بحكم تركيبته الداخلية، يسعى إلى أن يترجم إلى فعل جماهيري سياسي. وهو بالضرورة يسعى إلى تخطي الفكر والثقافة صوب الجماهير والفعل الإنتاجي الثوري، وإلا حكم على نفسه بالجمود فالموت. وبالمقابل، فإن نضالات الطبقة العاملة وثورتها الدائمة على الاغتراب الرأسمالي تدخل، بوعي أو بغير وعي، في سياق تحقيق مشروع ماركس، وتصل أوجها الثوري الواعي في تنفيذه. بل يمكن القول إن هذا المشروع يمثل الوعي التاريخي الكامن للطبقة العاملة، كما وصفه الفيلسوف المجري جورجي لوكاتش، والأداة الكبرى في توحيد الطبقة العاملة وتحويلها من طبقة في ذاتها إلى طبقة لذاتها، وخلق قوة سياسية تاريخية ثقافية جديدة منها، كما تصورها الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي.

ههنا، ولأول مرة في التاريخ، نجد فلسفة عقلانية تجريدية وصلت أعلى مراتب التجريد تصبح مشروعاً ثوريا جماهيريا لأكبر طبقتين في المجتمع الحديث، العمال والفلاحين. وبالمقارنة، فقد اتخذت الحركات الجماهيرية (الفلاحية والبدوية) في الحضارات السابقة طابعاُ دينيا، لا طابعاً علميا، ولم تكن تملك مشروعات تغيير محددة. ولعل أول محاولة لتحويل فلسفة عقلانية تجريدية إلى مشروع ثوري جماهيري كانت تلك التي جربها سان جيست وروبسبيير إبان الثورة الفرنسية الكبرى، حيث حاولا تنصيب العقل، كما عرّفه فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلهاً للجمهورية الفرنسية الفتية. لكنها كانت محاولة عفوية بعض الشيء، ولم يحالفها النجاح على أي حال. وتكمن أهميتها في أنها مهدت السبيل للمشروع الماركسي وكانت ارهاصاً مهما له.
وأخيراً ننتقل إلى الوجه الرابع لاغتراب العمل الاجتماعي في الرأسمالية، وهو اغتراب المجتمع عن الفرد العامل، أي اغتراب الفرد عن طبيعته الإنسانية الاجتماعية. إذ يتخذ المجتمع في الرأسمالية طابع نظام مادي موضوعي معقد مستقل عن إرادة الأفراد، تحكمه قوانين معينة يستكشفها الإنسان كما يستكشف قوانين الطبيعة (قوانين السوق والاستثمار والادخار والربح وما إلى ذلك). فمع أن المجتمع في أساسه هو مجمل العلاقات الموروثة بين الأفراد، إلا أنه يتحول في الرأسمالية إلى نظام مادي منفصل عن الإرادة الإنسانية، ويعيد إنتاج نفسه بصورة اتساعية وفق قوانين منفصلة عن إرادة الأفراد. وبالطبع، فإن هيئات المجتمع الرأسمالي، وفي مقدمتها الدول أو النظم السياسية، تسعى إلى التحكم بالموارد الرئيسية وبنتائج الممارسات الرأسمالية، وتسخر لهذه الغاية العلم والتكنولوجيا وأعتى أجهزة الحاسوب. لكن تعقد النظام الرأسمالي وتنامي هذا التعقيد يجعل من هذه المهمة أمراً شبه مستحيل، وخصوصاً على الصعيد العالمي. فالطريقة الوحيدة للتحكم في المجتمع وإخضاعه للإرادة الإنسانية الموحدة العاقلة هو تحويل النظام الرأسمالي المعقد والفوضوي إلى نظام بسيط يشكل امتداداً للإرادة الإنسانية الواعية والعاقلة، ويكون رهن إشارة هذه الإرادة، بدلاً من أن تحكمه قوانين خاصة به شبيهة بقوانين الطبيعة. ومعنى ذلك أن الطريقة الوحيدة لذلك هي تخطي نمط الإنتاج الرأسمالي ونظام الملكية الخاصة ونفيهما صوب نمط الإنتاج الشيوعي ونظام الملكية العامة، بحيث إن الإرادة العامة المعبرة ديموقراطيا عن المجتمع تنظم الإنتاج والعمل الاجتماعي وترعى ثروات المجتمع وموارده بما ينسجم مع حرية الأفراد ونموهم الطبيعي وسعادتهم وصيانة بيئتهم الطبيعية لهم وللأجيال اللاحقة. أما النظام الرأسمالي، فهو نظام مغترب جامح تحكمه قوى عمياء تدفعه وتدفع البشرية معه صوب الهاوية. ولا مجال للأفراد والجماعات للتدخل فيه إلا من الخارج للحد من آثاره المدمرة، لا لتفاديها.

إن العلاقات البشرية تكون مقلوبة رأسا على عقب في المجتمع الرأسمالي. فبدلاً من أن يكون المجتمع تعبيراً عن الإرادة العامة للأفراد في تضامنهم الخلاق، فإن الإرادات البشرية تغدو ملحقة بالمجتمع بوصفه نظاماً ماديا طبيعيا تحكمه قوانين شبه طبيعية وتتقاذفه قوى عمياء شبه طبيعية أيضا. أي بدلاً من أن يكون المخلوق رهن إشارة الخالق وملحقاً به، تنعكس الآية فيصبح الخالق ملحقاً بالمخلوق بسيره الأخير على هواه الاعتباطي اللاواعي. والحال أن ما يجرد منه الأفراد من صفات إنسانية خلاقة، كالإرادة الواعية وملكة اتخاذ القرارات، يسقط على العلاقات والنتاجات الاجتماعية المغتربة والمشيأة، كالسلع والمال والرأسمال، فيبدو المجتمع وكأنه مسرح فعل تلك، بمعزل عن الأفراد – الدمى.



#هشام_غصيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعية وفخ الوجودية
- المغزى النهضوي للفلسفة
- الاستغراب وتحدي الحداثة
- تميز العقلانية الماركسية
- علمنة الوعي
- من الفلسفة إلى نقد الاقتصاد السياسي
- مفهوم النهضة عند الحركات اليسارية العربية
- ماذا يعني لك أن تكون يساريا اليوم؟
- هل الماركسية علم؟
- تجديد لينين في مجابهة تجديد ماخ


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام غصيب - الفلسفة والجماهير