أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جوزيف بشارة - صول-أطفيح وشرع الله ومصر المأسوف عليها














المزيد.....

صول-أطفيح وشرع الله ومصر المأسوف عليها


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 00:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


وقع المحظور الذي كان الكثيرون يخشونه. أفلت وحش الطائفية الشرس في مصر المرهقة التي تخوض مرحلة من الشدائد والمصاعب منذ الثامن والعشرين من يناير الماضي. قاتل مسلمون مسيحيون، سالت دماء الضحايا، هدم مسلمون دار عبادة مسيحية في سابقة هي الأولى من نوعها في الأربعين سنة الماضية، واستمر تراجع الأحلام بمصر جديدة قادرة على حماية واحترام مواطنيها بمختلف انتماءاتهم. الصور والمقاطع التي نقلتها لنا مواقع الإنترنت جعلتنا نشعر بالأسف على مصر التي أصبحت تنتقل بخصوات متسارعة من السيء إلى الأسوأ بمباركة وربما مشاركة قوى معينة تريد السيطرة على مصر لتحقيق أجنداتها الخاصة.

ليست القضية هنا قصة الحب "المحرمة" التي وقعت بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة، فما أكثر قصص الحب الصادقة والمزيفة التي تجمع بين شبان مسلمين وفتيات مسيحيات من دون أن يلجأ المسيحيون للاعتداء على دور عبادة المسلمين. القضية الحقيقية هي التطرف الأحمق الذي تنشره جماعات أصبحت قادرة على لي عنق مصر وخنقها وقيادتها المجهول الذي نخشاه لوطننا. القضية هي الرغبة في استئصال المسيحية ورموزها من المجتمع المصري. كانت هناك رغبة في التخلص من الكنيسة التي قال مسلمو قرية صول أنها بنيت قبل عشر سنوات من دون موافقتهم. الأمر كان مبيتاً بعد حالة الانهيار والفراغ الأمنيين اللذين صاحبا سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.

جاءت جريمة صول الطائفية لتؤكد أن الأقباط لم يعودوا مواطنين لهم حقوق متساوية في مصر. لم تهدأ ليوم المضايقات الرسمية والشعبية التي ظلوا يتعرضون لها منذ مطلع السبعينيات فتعرضوا لعدد غير قليل من المذابح، وجرى تهميشهم من الحياة العامة وتم استبعادهم من الوظائف الكبرى، واحتملوا الضغوط ومحاولات الأسلمة الإجبارية، وواجهوا حملات شرسة ضد عقيدتهم في وسائل الإعلام الرسمية، وتصدوا لمحاولات لإجبارهم على مخالفة تعاليم دينهم كما حدث في محاولة القضاء المصري إجبار الكنيسة القبطية على تزويج المطلقين.

من جديد كان موقف الجيش من جريمة صول خاطئاً لأنه لم يتدخل لإعادة المسيحيين الذين تم تهجيرهم خلال الهجوم على الكنيسة، ولأنه لم يتدخل لمنع المجرمين من هدم الكنيسة، بل أنه انتظر نحو ثلاثة أيام لدخول القرية وكان المتطرفون عندها قد انتهوا تماماً من مهمتهم. ماطل الجيش طويلاً في التدخل ما أعطى انطباعاً بأنه ربما كان هناك ضوءاً أخضراً لهدم الكنيسة. فلو أن الأمر تعلق بمسجد فما كانت القوات المسلحة ستبقى من دون تدخل. المدهش أن الجيش رضخ للمتطرفين الذين رفضوا إخلاء موقع الكنيسة، ووقف الجيش يشاهد المئات من مسلمي القرية يقومون باداء صلواتهم على أنقاض الكنيسة.

أخطأت القوات المسلحة ثلاث مرات في معالجة أحداث صول. كانت المرة الأولى حين لم تتدخل لفرض القانون ولو بالقوة لأن الأمر ارتبط بسلامة الوطن ووحدته وبحقوق الألاف من المواطنين التي اهدرت على أيدي الجناة المتطرفين. أخطأت القوات المسلحة حين تعاملت مع الإجرام بلين، وهو ما أسفر عن سقوط هيبة الدولة في مستنقع الطائفية الذي لست أتوقع لها أن تخرج منه في القريب العاجل. كان الحل الأمثل لجريمة صول هو فرض القانون على الجميع ومعاقبة من يثبت ضلوعه في الجريمة. القانون كان يجب أن يكون الحكم والفيصل في الجريمة، ولكن القوات المسلحة قامت بغرابة بتشكيل لجنة من علماء المسلمين للتعامل مع الجريمة.

كانت المرة الثانية التي أخطأت فيها القوات المسلحة حينقبلت بالتفاوض مع المجرمين بشأن إعادة بناء الكنيسة. بل أن القوات المسلحة قالت أنها لن تسمح ببناء الكنيسة ما لم يوافق المسلمون عليها. وقال ممثل الجيش الذي شاهد بيان محمد حسان أن بناء الكنيسة سيكون بناءً على مشاعر التسامح التي أبداها أهل القرية. وبذلك أعترف الجيش بأن لا حقوق للمسيحيين في وطنهم وأن ما يحصلون عليه ما هو إلا هبات يتحنن عليهم بها المسلمون.

كانت المرة الثالثة التي أخطأت فيها الوقات المسلحة حين قبلت بتدخل بعض رجال الدين الإسلاميين في القضية. كان خطأ القوات المسلحة الثاني كبيراً لأنها بتسليمها القضية لرجال الدين تنازلت عن حق الدولة في فرض القانون. وما زاد من سوء قرار القوات المسلحة هو قبولها بدور تفاوضي لرجال دين معروفين بتشددهم، بل ومعاداتهم للمسيحية ورموزها. ربما كان من المقبول أن يقوم رجال دين رسميين كشيخ الأزهر أو مفتي الجمهورية بدور سلام مع احتفاظ الدولة بكامل حقوقها، ولكن أن يقوم أشخاص تسقط عنهم صفة الحيادية لانتمائهم لتيارات دينية متشددة مثل الإخوان المسلمين والجماعة السلفية وجماعة أنصار السنة المحمدية بدور الوساطة والتحكيم بين الجاني والمجني عليه، فقد كان هذا أمر غير مقبول على الإطلاق.

لقد نجح الإسلاميون في اكتساب المزيد من الشرعية والشعبية في الشارع المسلم بدورهم في صول الذي شجعتهم عليه القوات المسلحة. كما نجح الإسلاميون في فرض الشريعة الإسلامية كأمر واقع في مصر بعدما قال صفوت حجازي أن مصر تخضع لـ"شرع الله" وأن لا كرامة لمصر إلا بـ"شرع الله"، وبعدما هتف مسلمو صول بـ"شرع الله"، وبعدما بنت لجنة الدعاة قرارها على أسس "شرع الله" الذي يُسقِط من اليوم أي وجود للقانون المدني في مصر.

سيذكر التاريخ أن نهاية مصر المدنية كانت في قرية صول مركز أطفيح محافظة حلوان. هذه حقيقة مؤكدة بعدما قام الدعاة الإسلاميون بإعلان ميلاد الدولة الإسلامية التي يحكمها "شرع الله" من هذه القرية التي استعصت على القوات المسلحة، القوة الشرعية الوحيدة في مصر. لا داعي للتملص من الحقيقة المؤلمة التي دشنتها وكرستها جريمة قرية صول الطائفية التي اعتدى خلالها مسلمون على كنيسة وهدموها وأجبروا سكانها المسيحيين على الهرب من القرية طلباً للسلامة. سقطت مصر المدنية لأن القوات المسلحة سلمت مفاتيح الدولة لرجال الدين الإسلاميين المتشددين. سيذكر التاريخ مأساة مصرالتي كانت يوماً منارة للعالم ويعيدها اليوم التطرف قروناً طويلة للوراء.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوات المسلحة وشرعية الميدان وهيبة الدولة المصرية
- لماذا استبعدت جورجيت قليني من التعديل الوزاري؟
- العمرانية... الشرارة الأولى لثورة شباب مصر
- مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية
- آلام مسيحيي العراق في عيد الميلاد
- مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية
- الجريمة في مصر والضحايا في العراق
- لماذا تنكر الحكومة المصرية مذبحة نجع حمادي الطائفية؟
- نفي المسيحيين في أوطانهم
- دور حركة حماس في المغامرات الإسلاموية في الدول العربية
- أحداث غزة بين المحرقة الحمساوية والإعلام العربي المضلل
- وسام الحذاء بين الحرية المنشودة والوعي الغائب
- هل يخذل باراك أوباما الشعب الأمريكي؟
- من يصدق ذئباً يدّعي بطش فريسته؟!
- أحدث طرائف محمود أحمدي نجاد
- دور تأويل النصوص المقدسة في مأساة المسيحيين العراقيين
- قرار العفو الرئاسي وثمن حرية إبراهيم عيسى
- اتهام المسيحيين بالحقد على الإسلام والمسلمين باطل
- النظر بإيجابية لتداعيات 11 سبتمبر
- جريمة التحول إلى المسيحية في مصر المحروسة


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جوزيف بشارة - صول-أطفيح وشرع الله ومصر المأسوف عليها