أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - مهند عبد الحميد - ارفعوا ايديكم عن اطفالنا















المزيد.....

ارفعوا ايديكم عن اطفالنا


مهند عبد الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 986 - 2004 / 10 / 14 - 08:58
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


احداث تمر بلا جلبة او معنى وتمحى سريعاً من الذاكرة، واخرى تبقى بحلوها او مرها محفورة في الذاكرة الجماعية المتعاقبة للبشرية. في قديم الزمان، خرجت طفلة روسية من مقعدها في صفوف المتفرجين، واعتلت خشبة المسرح لتقدم ما في جيبها (كوبيكا واحداً) للشخص الذي يمثل دور السيد كي يعتق العبد المقيد. هذه الطفلة لم تكن جزءاً من الممثلين في مسرحية التحرر من العبودية. بل هي بادرت من تلقاء نفسها وصعدت الى خشبة المسرح كي تنقذ انساناً مستعبداً.
هذه الطفلة صعقت بسلوكها الانساني العذب كل روسيا، وجسدت الضمير الانساني الحي لكل البشرية، كما قال احد ادباء روسيا.
بعد قرن ونصف القرن على هذه الحادثة، ضلت الطفلة الفلسطينية ايمان الهمص الطريق وهي ذاهبة الى مدرستها، فعاجلها جنود الاحتلال بوابل الرصاص، لتسقط ارضاً مدرجة بدمائها. ويتقدم الجنود فيجدونها جثة بلا حراك. لكن قائد الوحدة يواصل اطلاق النار رصاصتين على الرأس ثم يفرغ كل رصاص بندقيته في جسدها الغض الصامت.
هؤلاء الجنود صعقوا بسلوكهم الوحشي كل فلسطين، وجسدوا كل الوحشية والحقد والبربرية في التاريخ الانساني.
طفلة روسيا رفعت البشرية الى الأعلى. وطفلة فلسطين لم تجد بشرية تنتصر لها وترتفع معها. لكنها تركت وصمة عار على جبين الجنود الاسرائيليين وحكومتهم. واطلقت صرخة اخيرة في وجه العاجزين والصامتين والمنافقين والمتفرجين من رفح وحتى سان فرانسيسكو.
ما حدث ليس بالحدث العادي الذي يمر مر الكرام. جنود يطلقون النار على هدف مكشوف ومعروف بالعين المجردة، طفلة تحمل حقيبتها وتتجه الى المدرسة. انها هدف واضح لا يحتاج لتكنولوجيا الرؤية الليلية والنهارية التي يتفاخر الجنود بامتلاكها. تقول الرواية الاسرائيلية ان قسماً من الجنود قالوا ان الهدف طفلة، ورغم ذلك اطلقت النار على الطفلة مع سبق الاصرار والترصد.
واذا ما وضع المرء عقله جانباً، وافترض ان قسماً من الجنود لم يصدق تحذير زملائه، وكان مصاباً "بفوبيا الانتحاريين"، فاعتقدوا ان "انتحارياً" يتقدم الى موقعهم منتحلاً صورة طفلة، واطلقوا النار على الهدف بناءً على تعليمات "الاحباط المسبق" فاستحال الهدف الى جثة بلا حراك، عندئذٍ يمكن الادعاء - مع بقاء العقل جانباً- ان الجنود ارتكبوا خطأ في مجال تقدير الهدف. ولكن كيف تصرف الجنود عندما ذهبوا للتحقق من الهدف، واكتشفوا طفلة غارقة بدمائها ومعها حقيبة كتبها وترتدي زياً مدرسياً. هل تصرفوا وفقاً "لاخلاقيات الجيش" و"شرف المهنة" وتقاليد الحروب ونصوص الاتفاقات الدولية ذات الصلة؟ التصرف المنطقي المجرد، كان ينبغي محاولة انقاذ الطفلة، والاعتراف بهذه الفعلة الشنيعة، وتحمل مسؤولية الخطأ بالاعتذار وتشكيل لجنة تحقيق فوراً، واحالة الذين اطلقوا النار للتحقيق والمحاكمة. لكن ما حدث هو العكس، اطلق رئيس الوحدة رصاصتين على رأسها، وافرغ ما تبقى من رصاصاته العشرين في سائر انحاء جسدها ومن مسافة تتراوح بين خطوتين - وصفر.
سيقولون للرأي العام العالمي، ان الجندي يعاني من اضطرابات نفسية ولم يكن في حالة نفسية سوية. انه سلوك فردي معزول يتعارض مع اخلاقيات جيش الدفاع الذي يعمل وفقاً للتعليمات واخلاق المهنة!!
والجواب على ذلك: كم طفلاً وطفلة سقط برصاص وقذائف الجنود قبل جريمة قتل الطفلة ايمان الهمص يوم 5/01، سماح نصار طفلة بعمر تسعة اعوام سقطت اثر اصابتها برصاصة في القلب عندما كانت تقف امام منزلها في بلدة بيت حانون يوم 8/01 من قبل قناص اخر. وقبل ذلك يوم 4/01 قتل الطفل لؤي النجار البالغ من العمر اربع سنوات من خان يونس برصاصة في الرأس. وثمانية اطفال سقطوا في اليوم الثالث امام وداخل بيوتهم في مخيم جباليا. وبلغ عدد الاطفال الذين سقطوا برصاص جيش الاحتلال في عملية شمال غزة 92طفلاً وطفلة. وبلغ عدد الجرحى الاطفال 861 طفلاً.
بناءً على ارقام ومعطيات 21 يوماً من اجتياح شمال غزة، كم جندياً اسرائيلياً يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية. واذا ما اضيف عدد الضحايا من الاطفال في اعوام الانتفاضة الاربعة لضحايا الاجتياح الاخير، سنكون امام "128" طفلاً ضحية، وآلاف الجرحى والمعاقين. ونصبح بالتالي امام جيش من المعاقين، او غير الاسوياء.
ولا تقتصر خسارة ومعاناة الاطفال الفلسطينيين على هذا العدد من الضحايا الشهداء والجرحى. فقد دخل السجون الاسرائيلية منذ بداية الانتفاضة 0061 طفل وطفلة، بقي منهم قيد الاعتقال 323 طفلاً بينهم 9 طفلات، وطفل اقل من سنة واحدة هو ابن المعتقلة ميرفت طه الذي ولد داخل السجن وما زال بين القضبان مع والدته. لكن المعاناة الاشد والاخطر، هي الحالة النفسية والمعنوية التي يعيشها الاطفال الفلسطينيون جراء الحرب الشاملة التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني. فالاطفال الذين ينتمون لاسر وعائلات 3782 شهيداً،و 27484 جريحاً وسبعة آلاف معتقل، 7480 بيتاً مهدوماً، والاطفال الذين ينتمون لـ25 الف فلسطيني بلا مأوى حسب تقرير الامم المتحدة، والاطفال الذين خسروا مدارسهم ومزارعهم جراء بناء جدار الفصل العنصري، والاطفال الذين يرهبون اثناء الاجتياح واستباحة المدن قتلاً وترويعاً، والاطفال الذين يتعرض اهلهم لابشع الاهانات على الحواجز العسكرية. والاطفال الذين ينتمون لـ60% من الاسر التي تعيش تحت خط الفقر بسبب حرب التدمير والعقوبات الجماعية التي حرمت معظم العاملين من العمل.
ان اطفالاً يعيشون هذه الشروط القاسية جداً سيكونون معرضين لفقدان طفولتهم، وحمل الهموم والمخاوف كما الكبار، وفقدان او تشوش القدرة على الفرح وفقدان الامل، وعدم التركيز. اضافة الى سلسلة من الامراض، كالتبول اللاارادي، والانطوائية والرغبة في البقاء داخل المنزل ومع الامهات، وحالة السرحان، والكف عن التعلم ورهاب الفقد وغير ذلك.
ان استهداف الاطفال الفلسطينيين وثيق الصلة بالتدمير المنهجي الاسرائيلي للبنية التحتية المادية والبشرية للمجتمع الفلسطيني، بحرب "البوليتسايد" التي يشنها شارون ضد الشعب الفلسطيني. هذه الحرب تفسر اطلاق النار على الاطفال وقتلهم باعتبارهم مستقبل الشعب الفلسطيني، وتفسر ترخيص الهدم المفتوح للبيوت والمزارع والطرق.
والغريب ان كل هذا يحدث على مرأى ومسمع العالم. ولا احد يرفع الصوت عالياً ضد قتل الاطفال وانتهاك ابسط حقوقهم. وفي ظل الصمت المطبق، يستمر القتل والهدم، ويبقى اطفال فلسطين تحت ضغط غطرسة القوة.
وفي عالم تتحمل فيه الضحية كامل المسؤولية، وتستخدم اخطاءها كذرائع ليس لمواصلة العدوان وحسب بل لمواصلة الصمت. لقد اصبحنا في وضع ليس من مصلحتنا فيه استمرار الصمت. فالصمت يخنقنا ويجعل قتل اطفالنا عملاً دفاعياً. اذاً، علينا ان نكتسب مهارة عدم تقديم الذرائع، والذرائع هي الاخطاء من وجهة نظر العالم. كخطأ تهويل خطر القذائف البدائية وتقديمها للرأي العام كصواريخ عابرة للأقاليم ومهددة للمدن الاسرائيلية.
وخطأ ضرب سيدروت، وخطأ ضرب المدنيين الاسرائيليين داخل المدن. لماذا لا تقتصر المقاومة على احتلال الاراضي التي يعترف العالم بها كأراضٍ فلسطينية محتلة، رفقاً باطفالنا على الاقل، واعطاء فرصة للعالم كي يرفع الصوت دفاعاً عنهم.



#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم ينتصــروا.. ولم ننهزم
- يوم واحد للمرأة ... لا يكفي
- الطيارون الرافضون: نقطة مضيئة في ظلام اسرائيلي
- ماذا لو فشلت خارطة الطريق؟
- النجاح والإخفاق في عامي الانتفاضة
- الصمت المريب


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - مهند عبد الحميد - ارفعوا ايديكم عن اطفالنا