أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهند عبد الحميد - الصمت المريب















المزيد.....

الصمت المريب


مهند عبد الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 151 - 2002 / 6 / 5 - 22:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


 

(ما يحدث في الأراضي الفلسطينية هو بكل المقاييس جرائم ضد الإنسانية وإذا كان التشبيه بمعسكر اوشفيتس النازي صادما فمن الممكن اختيار كلمات أخرى)، الأديب البرتغالي ساراماغو.

(ما شعرت به أنني في جنوب أفريقيا إبان الفصل العنصري، ثمة شيء مشترك بين نظام الابارتهايد الإفريقي وبين النظام العسكري الإسرائيلي هو الممارسات التي تهدف الى إهانة وتحقير الإنسان) الكاتب الجنوب إفريقي براتين برايتنباخ.

(رأيت أمورا متشابهة بين ما يحدث هنا في الأراضي الفلسطينية وما حدث في نيجيريا أثناء الحرب الأهلية، إنها الدمار الكبير والقتلى والجرحى وتشريد آلاف ومئات الناس)، وول سوينكا الروائي النيجيري.

(لقد فوجئت كثيرا خلال اليومين الماضيين، فما رأيته ينم عن ممارسات وحماقات كثيرة جدا، في رام الله لم يرغب الأطفال الفلسطينيين في السماح لنا بالمغادرة وفي غزة رأينا الأبراج المحصنة لجنود الاحتلال)، راسل بانكس رئيس البرلمان الأمريكي للكتاب.

(لا اعتقد أنني سأرى مشاهد اكثر مأساوية من المشاهد التي رأيتها خلال اليومين الماضيين، لقد بدا لي أنني استمع الى اناس من عالم آخر)، الكاتب الايطالي فرانسنزو كونسولو.

(ما حدث في رفح يذكرني بما حدث في البوسنة من هدم منازل وقصف دون رحمة وعدد مرتفع جدا من الضحايا)، الكاتب الإسباني خوان غويتسولو.

قال أعضاء وفد البرلماني للكتاب شهادتهم السابقة أواخر آذار الماضي أثناء زيارتهم الأراضي الفلسطينية وبعد عدة أيام من مغادرتهم شنت إسرائيل هجومها العسكري الضخم الذي ما زالت فصوله جارية حتى يومنا هذا ولكن ماذا سيقول أعضاء الوفد ان جاءوا الى الأراضي الفلسطينية اليوم؟….هل سيرون مشاهد اكثر مأساوية ؟ بالتأكيد نعم، لأنهم سيقفون على أنقاض مخيم جنين ويتحدثون مع شهود عيان المذبحة التي أدمج فيها الإنسان بالحجارة والأنقاض وأصبحوا شيئا واحدا. وسيشاهدون بأم أعينهم،كيف حطم الجيش المتقدم للعالم الحر في الشرق الأوسط!! معالم الحضارة الإنسانية والتراث الانساني في نابلس "البلدة القديمة". وكيف قنصوا ثمانية من المحتمين بحرمة كنيسة المهد ومنعوا نقل جثثهم الى المستشفى. وسيتعرفون على الاحترام الاسرائيلي "الخلاق" لحرمة أماكن العبادة. وسيكتشف الوفد الكذبة التي روجتها حكومة شارون والقائلة أن الهجوم الاسرائيلي يستهدف "بنية الإرهاب" الفلسطيني، وذلك عندما يشاهدون أنقاض بنية المجتمع المدني -التعليم والصحة والثقافة والاعلام والبيئة والشوارع وشبكات المياه والكهرباء وغيرها -التي دمرها المعتدون. وسينجذب الوفد الصديق لألعوبة "السور الأمني" الذي يجري تشييده الآن بمحاذاة الخط الأخضر وداخل الاراضي الفلسطينية بعمق يتراوح بين 8-16 -30 كيلو مترا. ووظيفة هذا السور هي فصل التجمعات الفلسطينية عن اسرائيل ذات الحدود الزاحفة دوما، وعن المستعمرات المنتشرة في كل الاراضي الفلسطينية، وتحويل تلك الأراضي الى أرخبيل من الجزر غير المتصلة. وربما يفاجأ الوفد من شكل العقاب الجماعي الجديد، الذي يشل حرية وحركة شعب بأكمله ويعرضه لأبشع أشكال التنكيل والبطش. سيجدون جامعات مغلقة وآلاف التلاميذ والمعلمين لا يستطيعون الوصول الى مدارسهم وكذلك العاملين في كافة المجالات. بل سيجدون مئات من المواطنين والمواطنات - بينهم مرضى- لا يستطيعون العودة الى منازلهم بسبب الإغلاق الفجائي، بعض التلاميذ والمعلمات سمح جنود حاجز قلنديا بدخولهم وعند عودتهم مع نهاية الدوام لم يسمح لهم بالعودة الى منازلهم. وفي المرات القليلة التي يترك فيها الجنود "الاغلاق يتنفس" - بالمصطلح الأمني الاسرائيلي- سيشاهد الوفد الضيف جموع المواطنين من كبار السن والأطفال والنساء ونوعيات مختلفة من المواطنين بينهم مرضى ومعاقين يسيرون في ممرات ترابية وعرة تلفحهم أشعة الشمس الحارقة ويلفهم الغبار المنبعث من عربات المستوطنين المكيفة التي تفصلها عن مسرب السكان الأصليين الدشم العسكرية والاسلاك الشائكة، انه أبشع شكل للفصل العنصري. ولن يرتاح ضيوفنا الأعزاء ليلا، لأنهم سيشاهدون حفلات الاقتحام الليلية حيث تقوم عشرات الدبابات - وأحيانا أكثر من مائة وخمسين دبابة ومصفحة كما حدث في نابلس وبلاطة قبل يومين - باحتلال المدن والمخيمات وتخضعها لحظر التجول وتضع مئات وآلاف المواطنين والشبان على نحو خاص في معسكرات اعتقال جماعية وتقوم بالتنكيل بهم على قاعدة أن كل مواطن متهم ما لم يجر التحقق من وجود اسمه في قوائم المطلوبين الآن وسابقا. وسيتنقل الوفد الضيف داخل مخيمي بلاطة وجنين من مكان لآخر بيسر وسهولة دون حاجة لدخول الأزقة! لأنهم سيدخلون من بيت لآخر عبر الجدران التي هشمها الجنود بحثا عن المقاومين والأسلحة، ومن المؤكد أن الوفد الضيف لن يستمتع بهذا "الإبداع" الاسرائيلي. وإذا أراد الضيوف التقاط أنفاسهم بالنظر الى الطبيعة الفلسطينية فلن يستطيعوا، لأنهم سيكتشفون بؤرا استيطانية جديدة منتشرة فوق كل تلة وعند كل مفترق. ولما كانت زيادة عدد المستعمرات من أولويات حكومة شارون فقد شيد المستوطنون أربعين بؤرة استيطانية جديدة.

اذا، نستطيع القول أن كل المشاهد الجديدة هي أكثر مأساوية من المشاهد التي وصفها الوفد بالمأساوية أثناء زيارته السابقة في آذار الماضي. والتحول هنا ليس كميا بل هو نوعي والى المستوى الذي يمكن القول معه أن الشعب الفلسطيني يعيش محنة حقيقية ويتعرض لتهديد مصيري ولأبشع وأقسى أنواع الارهاب، إرهاب الدولة الاسرائيلية التي تعمل جاهدة لفرض نظام الفصل العنصري سيئ الذكر. ولكن ورغم التصعيد النوعي للعدوان الاسرائيلي، ورغم التنصل الاسرائيلي من كل ألوان الشرعية الدولية والقانون الدولي والمعاهدات والشرائع والقرارات الدولية، فان اسرائيل لا تتعرض للمساءلة والاحتجاج في أبسط صوره كما كانت عليه الحال قبل إعلان الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني. ويبدو أن الحركة السياسية الدولية والإقليمية أخذت تتعايش مع الوتيرة الصاعدة بلا حدود للعدوان الاسرائيلي، ومن المريب والمفجع لنا أن يسقط المجتمع الدولي ممارسة أي ضغط على المعتدين الاسرائيليين من حساباته. ومن المفارقات الملفتة أن الحركة السياسية الدولية والإقليمية ما زالت تتحدث عن ضرورة إنشاء دولة فلسطينية واصلاح السلطة بدون الاعتراض على المحاولات الاسرائيلية لتقويض ونسف مقومات الدولة على الأرض، وبدون المطالبة بوضع حد لغطرسة القوة الاسرائيلية، وبدون المطالبة الصريحة بوقف الاستيطان الزاحف في القدس وسائر الاراضي الفلسطينية، وبدون رفع الصوت عاليا ضد معاقبة وتجويع وإذلال وشل حياة شعب بأكمله بشكل يندى له جبين البشرية. ليس هذا وحسب بل ان بعض الدول أخذت تنساق وراء المناورات الاسرائيلية الخاصة بتجديد الحلول الانتقالية، وتجزئة وفصل العامل الأمني عن العامل السياسي. حقا ان مستوى الحركة السياسية الدولية والإقليمية في أحسن صوره ما زال متخلفا عن مجرى ووتائر الصراع الميداني، وهذا يشكل نوعا من التواطؤ مع مفهوم شارون القائل: "انه سيفاوض الفلسطينيين بعد قبولهم بالهزيمة واعترافهم بالانسحاق". والحركة السياسية الفلسطينية لا تخلو من قصور أو خلل، والدليل على ذلك، شعور أغلبية الشعب الفلسطيني بالحيرة والقلق ودخولها عالم الانتظار والترقب وبقاؤها عرضة للاستقطاب بين اتجاهين سياسيين. الأول يسعى لإغلاق كل أفق سياسي اعتقادا منه أن كل الآفاق السياسية الممكنة راهنا ستكون ضد مصلحة الشعب الفلسطيني، ولهذا فهو لا يتورع عن التفجير لقطع الطريق أمام أي صيرورة سياسية، والتفجير في هذه الحالة يتحقق بسرعة قياسية عبر استهداف المدنيين الاسرائيليين. والاتجاه الثاني يسعى للتكيف والاستجابة مع ما هو مطروح سياسيا مهما كان ضئيلا أو مسخا، والتكيف يكون بوقف الانتفاضة والمقاومة والعمليات الاستشهادية. والاتجاهان يشكلان وجهين لعملة واحدة لأنهما يقودان الوضع إلى الهلاك والتصفية. بيد ان الاتجاه الثالث، اتجاه الواقعية المناضلة الذي من المفترض أن يكون الاتجاه المركزي لم يتبلور بعد. وأهم عنصر مفتقد لدى هذا الاتجاه هو الرؤية السياسية الواضحة المعالم التي تحدد الأهداف دون لبس أو غموض، وتحدد كيفية إدارة الصراع وتحقيق الأهداف الوطنية، وتنزع الذرائع التي تستخدمها الحكومة الاسرائيلية لكسب الرأي العام الاميركي والأوروبي في مجال تمويه أطماعها الكولونيالية وتحافظ على الاستقطاب الشعبي العربي، كما تحافظ على بقاء القضية الفلسطينية في مركز الضمير العالمي.

ان طرح هذه الرؤية السياسية يشكل تجاوزا للصمت والانتظار والحيرة والتردد، وأساسا للإصلاح والتغيير والاستقطاب الجماهيري لخيار الواقعية المناضلة طويل النفس، كما يشكل بداية لاختراق الصمت الدولي والإقليمي المريب.

*كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في مدينة رام الله.



#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل
- جهود عربية لوقف حرب إسرائيل على غزة
- -عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم- مر ...
- شاهد.. سيارة طائرة تنفذ أول رحلة ركاب لها
- -حماس-: لم نصدر أي تصريح لا باسمنا ولا منسوبٍ لمصادر في الحر ...
- متحف -مرآب المهام الخاصة- يعرض سيارات قادة روسيا في مختلف مر ...
- البيت الأبيض: رصيف غزة العائم سيكون جاهزا خلال 3 أسابيع
- مباحثات قطرية أميركية بشأن إنهاء حرب غزة وتعزيز استقرار أفغا ...
- قصف إسرائيلي يدمر منزلا شرقي رفح ويحيله إلى كومة ركام
- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهند عبد الحميد - الصمت المريب