أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - الثورة التونسية أو دخول العرب في الحداثة السياسية















المزيد.....

الثورة التونسية أو دخول العرب في الحداثة السياسية


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 20:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بصرف النظر عن الاتجاه الذي ستأخذه في الأسابيع وربما الأيام القادمة، كتبت الانتفاضة الشعبية المستمرة في تونس منذ أسابيع الفصل الأول من تاريخ العرب الجديد، تاريخ الحداثة السياسية التي لم يعرفونها من قبل، بالرغم من مرور أكثر من قرن ونصف على دخولهم التاريخ الحديث.
لقد حقق العرب نهضة فكرية وثقافية لا شك فيها منذ القرن الماضي، وخاضوا حروب تحرر وطني عنيدة، ولا يزالون يخوضون بعضها في فلسطين وغيرها، وبنوا دولا أو بالأحرى هياكل دول حديثة لا تزال واقفة على أقدامها بالرغم مما تعرضت له من هزات عنيفة داخلية وخارجية، وشرعوا بتحولات زراعية وصناعية وعلمية لا تختلف كثيرا عما قامت به الامم الأخرى، لكنهم أخفقوا، على مستوى العالم العربي مجتمعا وأقطاره كل على حدة، في بناء أمة حديثة، أي جماعة سياسية متحدة، متفاعلة ومتضامنة، يرتبط أعضاؤها برباط المواطنية، وتجمع بينهم إرادة العيش المشترك وتأكيد الكرامة الانسانية التي لا تستقيم اليوم من غير مساواة حقيقية، وضمان الحريات الفكرية والسياسية، التي هي قاعدة المشاركة في الجماعة الوطنية والشعور بالمسؤولية وممارسة حقوق المواطنية، والطموح إلى مشاركة فعالة وايجابية بحضارة العصر وقيمه الإنسانية.
والسبب الأول لهذا الإخفاق هو مصادرة السلطة الاستبدادية لبراعم الحداثة السياسية التي لا تعني شيئا آخر سوى تحرر الشعب من الوصايات الخارجية، سواء أكانت دينية او سياسية أو ثقافية، وتحقيق سيادته الفعلية، أي حق كل فرد من أفراد الجماعة الوطنية في أن يفكر بنفسه ويشارك، على قدم المساواة ومن دون إكراه من أي نوع كان، في تقرير شؤونه والشأن أو المصير العام، وفي العمل على تحقيق ما يعتقد أنه يشكل أساس المصالح العمومية. فبروز الشعب وتكونه كفاعل رئيسي بل محور الحياة السياسية والقرارات العمومية هو جوهر الحداثة السياسية، وهو أساس تحويل السيادة الشعبية إلى مصدر السلطة السياسية، ومرجع دائم ومستمر لها، ومكان حسم الخلافات الاجتماعية. وتعني سيادة الشعب، استقلال كل فرد من أفراده وتحوله إلى سيد أمره وفكره، وهذا هو أصل الشراكة الوطنية وشرطها، كما تعني وجود الدولة الحرة والمستقلة عن أي تبعية خارجية، التي تستطيع وحدها أن تحمي سيادة الشعب وتضمن ممارستها بعيدا عن الضغوط والتدخلات الأجنبية.
والحال، ما كادت الشعوب العربية تخرج من شرنقة السلطنات التاريخية وتخطو خطواتها الأولى على طريق الحداثة السياسية حتى انقضت عليها غربان النظم الاستبدادية وردتها إلى ما قبل العصور الحديثة وفرضت عليها الخضوع والانصياع لإرادتها الخارجية التي لم تلبث حتى تحولت إلى إرادة أجنبية. ووجدت نفسها وقد تحولت من جديد إلى كتلة من القاصرين المكرهين، بالقوة أو الحيلة أو الخدعة، على الإذعان لإرادة سيد قائم عليهم، شخصا كان أم نخبة أم حزبا، يقرر في مكانهم ما يصلح لهم ويلغي إرادتهم جميعا حتى تكون إرادته، مطلقة وشاملة، لا إرادة قبلها ولا بعدها.
ومما ساعد على نجاح مصادرة السيادة والحريات الشعبية مجيئها في البداية على يد زعامات كارزمية ونخب سياسية أو اجتماعية وطنية، استخدمتها من أجل أهداف عامة مثل القضاء على الرجعية والنظم التقليدية المهترئة، وتسريع وتيرة الانتقال إلى الحداثة الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والعلمية، أو باسم الوطنية والدفاع عن مصالح الشعب والأمة ضد القوى الأجنبية. وهكذا يكاد من الممكن القول إن الشعب قد تخلى عنها بما يشبه الطواعية. لكن في جميع الحالات انتهى التسليم للقيادات التاريخية إلى تكريس وصاية النخب الحاكمة وتحويلها، في نظر نفسها، وبدعم القوى الأجنبية، إلى نخب أرستقراطية لا ترى في الشعوب سوى جماعات من طبقة دنيا، لا وعي لديها ولا إرادة ويالتالي لا حقوق، تتلخص حياتها في تأمين لقمة العيش وخدمة أسيادها الذين يعرفون وحدهم كيف يحمونها من القوى الأجنبية ويعطوا لحياتها قيمة وطنية ومعنى.
وفي سياق النكوص إلى صيغ القرون الوسطى في علاقة الشعوب بحكامها والقائمين على أمرها، كادت المجتمعات العربية تخسر كل ما كانت قد حققته من تقدم في ميادين الحداثة الأخرى، الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية. فخوف النخب المترفعة على الشعب وسعيها لاحتكار السلطة وتخليدها وتأبيدها في يدها دفعها إلى التحالف مع القوى الأجنبية على حساب السيادة والاستقلال، وأنتج أساليب حكم وممارسات وسلوكات فردية وجمعية قائمة على العنف والإكراه والاستتباع والاستزلام، وولد فسادا يكاد يتجاوز ما كانت تعرفع النظم المتفسخة القرسطوية. وأدى إعدام الذات الحرة، وانتزاع الإرادة من كل فرد، وممارسة سياسة الأرض المحروفة لتجريف الثقافة والهوية من القيم الإنسانية، إلى انعدام الشعور الجماعي بالوطنية. وتحول الاقتصاد المنتج لفرص العمل والخيرات التي لا تقوم من دونها حياة اجتماعية إلى اقتصاد مضاربة محركه الرئيسي تسريع مراكمة الثروة والمال عند النخب الممسكة بالسلطة وحلفائها من رجال المال والأعمال. وأدى القضاء على كل أشكال التواصل السياسي والتضامن الوطني إلى إحياء الروابط العشائرية والمذهبية والطائفية، وفي سياقها انتعاش القيم التقليدية المتمحورة حول العصبية الجماعية المعادية للفردية والثقافة العقلانية والحريات الفكرية والروح القانونية. وأكثر فأكثر أخذت المجتمعات العربية تدخل في مناخ من الاحباط والخوف والانغلاق على الذات نتيجة تفاقم غربتها عن العالم الحديث، وتزايد محاولات عزلها وتهميشها وإخضاعها بالقوة من قبل القوى الدولية المسيطرة فيه.
وكما أن سيادة الشعب وتحرره من الوصايات الخارجية وتحول كل فرد فيه إلى سيد مشارك على قدم المساواة في تقرير مصير الجماعة السياسية والمساهمة في رسم مستقبلها، هو الشرط الأول لتفتح الحداثة في جميع الميادين والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن نزع الحرية والاستقلال عن الدول والأفراد، يخلق التربة الملائمة لتخريب وإفساد نشوء أي مشروع اقتصاد حديث ويقضي على احتمال نشوء علاقات اجتماعية وطنية أساسها الرابطة الحرة بين الأفراد، أي على احتمال ولادة أي عقد اجتماعي. كما يقضي على أي أمل بتطور ثقافة حديثة أو أخلاق مدنية ترتقي بالفرد إلى ما فوق ثقافة المحاكاة والتقليد وإرضاء الغريزة والتماهي مع العصبية البدائية أو الفطرية.
لذلك كان تأكيد سيادة الشعب، وهو ما استدعى أحيانا حضور الجمهور جسديا في الشوارع والقيام بثورات دموية، جوهر الحداثة السياسية. وهذا هو أصل الثورة الديمقراطية التي لا يزال تعميمها محور التفيكر الاجتماعي الحديث في العالم أجمع. وهو أيضا الإنجاز الأعظم للثورة التونسية التي أعادت إدخال تونس، والعرب جميعا من ورائها، في التاريخ العالمي الذي جهد الكثير من القوى الأجنبية والعربية، خلال عقود عديدة متواصلة، لإخراجهم منه.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في جذور تفكك عالم العرب وبؤس أحوالهم
- 2011 عام القلاقل والتحولات
- تونس تفتح طريق الحرية
- من أجل إدانة شاملة لحرب التطهير الديني ضد المسيحيين في العرا ...
- الأزمة العربية بين الهوية والتحول
- د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة ا ...
- النظام الدولي و-طبقات- الدول
- العرب ومعركة تحجيم إسرائيل
- إسرائيل والاستيطان
- مفاوضات السلام التي تضمر الحرب
- محنة العراق بين الطائفية والضحالة السياسية
- ساعة الحقيقة وإرادة الحرب
- طريق السياسة المسدود
- لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
- وضع العرب أسوأ مما تقوله التقارير الدولية
- غزة ومصر وسياسات العزل العربية
- هارا كيري فلسطيني
- العلاقات السورية التركية ودرس الديمقراطية
- عودة القرون الوسطى
- العروبة والهوية العربية في القرن الواحد والعشرين


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - الثورة التونسية أو دخول العرب في الحداثة السياسية