أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - سينوجرافيا المسرح ..المرجعية النظرية للعرض المسرحي















المزيد.....


سينوجرافيا المسرح ..المرجعية النظرية للعرض المسرحي


أحمد صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 18:43
المحور: الادب والفن
    


سينوجرافيا المسرح ..المرجعية النظرية للعرض المسرحي
الأستاذ الدكتور / أحمد صقر
قسم الدراسات المسرحية- كلية الآداب- جامعة الإسكندرية
------------------------------------------------------------------
لعب مصطلح السينوجرافيا دوراً أساسياً فى عملية التلقى المسرحى بشكل خاص والإبداع الفنى بشكل عام، إذ وجدنا المشاهد فى المسرح الإغريقى يعى جيداً أبعاد وحدود القصة المطروحة على خشبة المسرح والمستمدة من الأساطير بطبيعة الحال وكل ما ينقصه هو قدرة الخريجوس على تلقى هذه الكلمات المكتوبة والمقروءة والمسموعة لتصبح مرئية مجسدة على خشبه المسرح.
وإذا كان هذا المصطلح قد شاع فى النصف الثانى من القرن العشرين وبالتحديد فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، فإن تطويعه واستخدامه قد تحقق منذ بدايات المسرح الإغريقى وإن لم يعرف المصطلح ويتداول بين المسرحيين.
إن قراءتنا لمسرحية أوديب ملكاً – على سبيل المثال – وكيف استطاع المؤلف أن يزود النص المسرحى بإرشادات مسرحية تساهم وتساعد بدورها فى تحقيق ما يعجز المشاهد – لاحقاً – عن إدراكه ، إن هو عجز عن مشاهدة العرض المسرحى ليؤكد دون شك استخدام السينوجرافيا دون إدراك المعنى، غير أن مشاهدة هذه المسرحية على خشبة المسرح يؤكد بصورة قاطعة أن التقاء الكلمة المكتوبة والمرئية فى إطار سينوغرافى أمر حتمى وقد تحقق منذ بواكير الإبداع المسرحى.
وتطور مصطلح السينوجرافيا قد دفع بطبيعة الحال إلى ضرورة أن يطور المؤلف المسرحى أدواته الإبداعية وهو ما جعلنا- طوال رحلة تطور المسرح – نتعرف على العديد من المدارس والاتجاهات والمذاهب التى أوضحت تطور شكل ومضمون كتابة النص المسرحى ومن ثم تطور سينوجرافيا العرض المسرحى لمثل هذه النصوص.
قدم المصطلح وتعريفاته
شاع استخدام مصطلح السينوجرافيا فى الفترة الأخيرة فى جميع المهرجانات من قبل الفنيين و المصممين وبدا الأمر كما لو أن هذا المصطلح جديد لم يعرفه المسرحيين القدامى ولم يستخدم إلا فى العقدين الآخرين من القرن الماضى فى عالمنا العربى.
إن مصطلح السينوجرافيا قديم قدم المسرح الإغريقى – كما سبق وذكرنا – ففى الأصل يعود هذا المصطلح إلى الكلمة اليونانية Srene وتعنى خشبة المسرح، Graphicos تمثيل وتحديد الشئ بخطوط وعلامات.
هكذا نستطيع القول أن علم السينوجرافيا قصد به كيفية تجسيد النص المسرحى ليصبح عرضاً مسرحياً من خلال الاعتماد على مهارات الخريجوس.
والسؤال الذى يفرض نفسه هنا، هل اختلفت كلمة سينوجرافيا فى المسرح الإغريقى عن معناها فى المسرح المعاصر، ذلك أن المسرح المعاصر يتعامل مع هذا المصطلح كونه يحقق تشكيلاً كاملاً لفضاء العرض المسرحى والصورة المشهدية أعنى بذلك أن مصمم السينوجرافيا عليه أن يلم جيداً بمعرفة فنون الرسم والعمارة وكافة التقنيات المستخدمة فى العملية المسرحية من إضاءة وهندسة الصوت ، أضف إلى ذلك قدرة هذا السينوجراف على فهم النص المسرحى ليتمكن من تحويله إلى عرض مسرحى حى.
إن دور السينوجراف لا يقل أهمية عن دور المؤلف المسرحى ولا المخرج المسرحى كونه يضطلع بمسؤولية تتعلق بالفضاء المسرحى ودوره فى تشييد العرض المسرحى وتحديد وتصميم مكان العرض- أى فى منطقة التمثيل – وإلى أى مدى يمكنه مع ماسبق من تحقيق الأثر المطلوب على جمهور المشاهدين.
تعددت التعريفات التى قدمت من قبل الدارسين والمتخصصين غير أنها جميعاً لم تختلف كثيراً فى كون السينوجرافيا " هى فن تشكيل فضاء العرض والصورة المشهدية فى المسرح والأوبرا والبالية والسيرك وغيرها من المجالات. وهى نشاط إبداعى فنى يفترض معرفة بالرسم والعمارة (الصور والأولوان والأشكال والأحجام) وبالتقنيات المستخدمة فى المسرح (الإضاءة وهندسة الصوت) إضافة إلى القدرة على تحليل العمل لتجسيده " .
وهكذا يركز هذا التعريف على العملية المسرحية الإبداعية بدءا بالنص والقدرة على تحليله بهدف تحقيقه وتجسيده طبقاً لرؤية قامت على التحليل وترتب عليها تشكيل الفراغ المسرحى بكل ما تراه العين أو تسمعه الأذن لتحقيق العمل المسرحى الذى يرضى جمهور المستقبل مهما اختلفت طرق تحقيق هذا العمل سواء باعتناق الإيهام هدفاً وشرطاً أساسياً به يتحقق العمل أو بكسر هذا الإيهام ومن ثم عدم اندماج المشاهد فيما يراه وهو ما يلغى تصديق المشاهد لكل ما يجرى على خشبة المسرح إلى حد الاعتقاد بأن ما يشاهده حقيقة قابلة الحدوث والوقوع.
لم يختلف تعريف كمال عيد عن التعريف السابق إذ يؤكد أن " تعبير السينوجرافيا فى المسرح يعنى الخط البيانى للمنظر المسرحى حرفياً Scenography أما تعبيراً فهو فلسفة علم المنظرية الذى يبحث فى ماهية كل ماهو على خشبة المسرح، وما يرافق فن التمثيل المسرحى من متطلبات ومساعدات تعمل فى النهاية على إبراز العرض المسرحى جميلا كاملاً، متناسقاً ومبهراً أمام الجماهير" .
يأتى التعريف السابق متطابق مع التعريف الأول دون أن يشير التعريف الثانى إلى أهمية النص وتحليلاته التى تترجم من خلال السينوجراف ومصمم الديكور، ذلك أن ما صوره المؤلف المسرحى وافترضه مكاناً تجرى فيه الأحداث لا يمكن أن يتم تجاهله وتحويره على الأقل فى كل الأعمال المسرحية، ألا ما يفترضه السينوجراف من بيئة أو فضاء مسرحى جديد يحاول من خلال المخرج أن يترجم رؤيته الجديدة لنص مسرحى قديم كما فعل المخرج الفرنسى ميشيل هيرمون " M. Hermon فيدرا " لراسين حيث جاء الديكور على شكل متاهه ليعبر عن فكرة الضياع وليجسد العلاقة بين الشخصيات، وفى مسرحية " مفاجأة الحب الثانية " للكاتب الفرنسى ما ريفو التى قدمها المخرج الفرنسى دانييل ميزغيش Mesguisr فى دمشق عام 1994، كانت أرضية المسرح تمثل رقعة شطرنج، وفى هذا تجسيد لعلاقة التنافس والسجال بين الشخصيات التى تقوم عليها بنية المسرحية.
قدم نديم معلا تعريفاً موجزاً للسينوجرافيا يرى فيه أن المصطلح بدلالته المعاصرة يشير إلى عملية تحقق وتضافر الصوت والحركة والتشكيل والأزياء والإضاءة، فى فضاء العرض المسرحى، ومن البديهى أن مثل هذا التحقق يعنى تنسيق الفضاء المسرحى والتحكم فيه .
وعليه يؤكد التعريف السابق ما سبق ذكره، غير أن مصطلح السينوجرافيا الذى أكدنا على أقدميته منذ الإغريق، يثير بعضاً من التساؤلات عن اختلاف ماهية المصطلح بين القديم والحديث وهو ما يدفعنا إلى التأكيد على أن كلمة السينوجرافيا التى تعنى "جغرافية خيمة التمثيل" تعنى تصميم الديكور أو تزيين واجهة المسرح بالألواح الخشبية المطلية بالرسوم، وهذه الألواح التى عليها الرسوم، كانت فى القرن الخامس ق.م تمثل المكان الذى كانت الأحداث تجرى فيه، فى مسرحيات سوفوكليس التراجيدية" .
وهكذا اقتصر تعريف السينوجرافيا فى المسرح الإغريقى، بل لنقل إن شئنا الدقة استخدام مصطلح السينوجرافيا فى المسرح الإغريقى فى حدود خشبة المسرح التى تمثلت فى الخيمة، الأوركسترا، مدرجات المشاهدين، بل لنقل المدينة التى يقع فيها مسرح ابيداورس أو ايفسوس ، بمعنى أن السينوجراف القديم استخدم ما سعى السينوجراف المعاصر إلى تحقيقه، أقصد ليس فقط مكان التمثيل – الفراغ- الفضاء – المسرحى ، ولكن أيضا يشمل الأمر الصالة، بل لنقل المكان الذى يقع فيه المسرح، بل نتوقع أن يخطط السينوجراف القديم لما هو خارج البناء أى الهواء الطلق بما يشتمل من بيوت ومسارح.
ومما سبق نستطيع القول أن مصطلح السينوجرافيا قد مر فى مراحل تطوره وتعريفه خاصة فى المسرح المعاصر بمراحل جاءت فيها التعريفات والمفاهيم متعارضة وأحياناً متقاربة وأخرى متطابقة وهو ما يؤكده عبد الرحن بن زيدان بقوله " لإعطاء مصطلح السينوجرافيا وجوده الحقيقى ضمن مفاهيمه المتعارضه، أحياناً، والمتقاربة أو المتطابقة أحيانا أخرى يجدر بنا أن نضعه ضمن إشكالية المسرح ذاته، وضمن الوشائج التى تربط بباقى المكونات الأخرى حتى تنجلى صورة ودلالات هذه الوشائج فى الأدوار التى لعبها المخرجون والرسامون والمعماريون فى إعطاء هذا المصطلح تخصصات متباعدة- نظرياً- لكنها أثناء إنجاز العرض المسرحى تتوحد باعتبارها أنسقة كلامية متباينة ومتنوعة يرتبط بعضها بما هو مرئى، ويرتبط بعضها الآخر بما هو مسموع .
العلاقة بين النص المسرحى وفنان السينوجرافيا
يعتقد البعض أن الفنان السينوجرافى لا يعتمد فى إبداعاته بشكل أساسى على النص المسرحى، خاصة فى إطار الدعوة إلى موت المؤلف المسرحى التى أطلقت منذ زمن قريب واضحت فكرة النص المسرحى بمعناه التقليدى بعيدة التحقق، خاصة إذ حل محل النص ما يسمى بالسيناريو أو التأليف الجماعى، وعليه تظل أهمية النص المسرحى متصلة غير متراجعة خاصة إذ أدركنا أهمية النص لفنان السينوجرافيا إذ يعد " المصدر الأساسى" وتحديداً تلك الإرشادات المسرحية التى يحفل بها النص، والتى يهدف الكاتب من ورائها، إلى تلمس المسار البصرى للنص مهما كانت طبيعة هذا المسار".
تعد الإرشادات المسرحية التى يتضمنها النص المسرحى منبعاً فياضاً ومليئاً بالدلالات والمعانى والتوجيهات التى تفيد فى معرفة أماكن التمثيل وطبيعة هذه الأمكنة، وكذا طبيعة الشخصيات كيف تنفعل وتتحرك وكذا ملامحها وإكسسوراتها هذا إلى جانب مستويات المكان الدلالية بما توحى به من طبيعة هذه الأمكنة ونوعية سكانها، كل هذه مصادر أساسية يعتمد عليها السينوجراف فى توليد أنساق سينوجرافية تحمل الكثير من الدلالات التى تكمل معاً مهمة السينوجراف فى توصيل كافة دلالات المكان للمتلقى المسرحى.
وعى المؤلف المسرحى بالصورة المسرحية (الإطار التشكيلى، المكان المسرحى)

سينوجرافيا المسرح الإغريقى:

راعى كتاب المسرح الإغريقى تقديم أعمال مسرحية لم تعتمد فقط على الكلمة بل اهتموا أيضاً بإمكانية تقديمها وتجسيدها " فى صورة الأبطال والآلهة. على خشبة المسرح هذه لم يكن هناك شئ فى فراغ . فالخلفية، والمنظر، والزى، والقناع ، والمهمات المسرحية، والمؤدون كانوا يتفاعلون ويشكلون سلسلة من الصور التى توضح للمشاهدين المعانى الضمنية الأوسع لما كان على الأرجح قصة بسيطة" وعليه يتأكد لنا أن المنظر المسرحى بما يمثل من لوحة فنية زاخرة بالممثلين والملابس والإكسسوارارت والزخارف والإضاءة والإيقاعات كلها أدوات حرص عليها المؤلف المسرحى وراعى فى صياغته للنص المسرحى التى تركز بشكل أساسى على المكان المسرحى بما يوحى من دلالات وهى أرضية خصبة يستطيع من خلالها أن يحقق مفهوم السينوجرافيا أى تحقيق الإطار التشكيلى للمكان الذى به تتلاقى الكلمة المكتوبة مع الكلمة المرئية محققين رسالة المؤلف والمخرج والسينوجراف إلى جمهور المستقبلين.
عصر الصورة ليس جديد ولكنها تعود إلى المسرح الكلاسيكى:

نحن فى عصر الصورة، ليس فقط لأن التليفزيون بطبيعته قد حولنا باضطراد إلى جيل من المشاهدين، ولكن أيضاً لأن وكالات الإعلان تعمل جاهدة على أن نقابل كل يوم بوابل من الألوان والأشكال التى تسيل حتماً لعابنا بشكل حتمى كما يسيل لعاب كلاب " بافلوف" عند سماع الجرس.
فنحن مدعوون فى كل مناحى الحياة لكى نقوم بالربط الواعى أو غير الواعى بين الأشيا، وإلى خلق الروابط بين استجاباتنا الحسية، وربما كانت تلك الظاهرة التى استجدت خلال المائة عام الأخيرة ناتجة كما يقول " مارشال ماكلوهان" عن العيش فى عالم يزداد تعقيداً، لكن تلك ليست ظاهرة جديدة تماماً، ففى عالم أثينا الكلاسيكى البسيط نسبياً كان للأشياء المادية قيمة رمزية، وكان للآلهة والإلهات مناطق وأوجه مسؤوليات، وقد نمت عملية تحديد هذه المسؤوليات من الرغبة فى العالم الذى خلا من المنطق الثابت، بل كان هناك إله خاص لغير المنطقى، ديونيسيوس على وجه التحديد، الذى كان إلهاً للمسرح كذلك .
العلاقة بين النص (المؤلف) والعرض المسرحى سينوجرافيا:
اعتاد المشاهد فى المسرح الإغريقى الذهاب إلى المسرح منذ الصباح لمشاهدة أكثر من عرض مسرحى، فى ظل عرض مسرحى يجرى على خشبة مسرح تمتلئ بالجوقة وعدد من الممثلين وربما لم تكن الرؤية متاحة للجميع لمشاهدة العرض بنفس الكفاءة، على أن عروض المسرح الإغريقى لم يغفل مقدموها التركيز على الكلمة المنطوقة جنباً إلى جنب مع الدلالات والأدوات المرئية التى تؤكد أهمية العين والأذن فى استقبال هذه النوعية من العروض المسرحية، ومن قراءتنا لأعمال كتاب المسرح الإغريقى يبرهن لنا أنهم " لم يضعوا المتفرج نصب أعينهم فقط لكنهم استخدموا الصور المسرحية عن وعى للتأكيد على قضية أو صراع فى عالم مصغر واضح المعالم" أى أن النص المسرحى لم يحظ وحده بالاهتمام بل سعى مبدعو المسرح الإغريقى إلى الاهتمام بكل أدوات التجسيد المسرحى سواء الممثل وكل ما يقع داخل الصورة المسرحية من ملابس وألوان وزخارف تساهم كلها مع كلمات النص المحملة بقضية محددة فى التأكيد بأنه لم يعد هناك أى شك أن النصوص التى بقيت هى نصوص مكتوبة للمؤدين، ومجهزة لاستخدام كل إمكانات مسرح متطور، ولمتفرجين متفاعلين يقظين" .
أهمية الصورة المرئية فى المسرح الإغريقى

اعتمدت خشبة المسرح الإغريقى على الصنعة البارعة، ذلك أن المشاهد لرموز الحضارة الإغريقية، بما توحى – ليدرك جيداً أن دور الصورة المرئية فى المسرح الأثينى كان دوراً أقوى. كان المتفرجون معتادين على رؤية الرسم والنحت اللذين كانا يحتويان على صور درامية مصغرة، تماماً كما حدث مع فنون العصور الوسطى.
" لم يكن المسرح استثناء بالتأكيد : فالمنظر Skene الذى وقف الممثلون أمامه ربما لم يقدم إعادة بناء واقعية للمنطقة التى يمثلها، لكن الأرجح أنه قدم للمشاهدين واجهة مألوفة كما كان مبهجاً فنياً فى ذات الوقت، لقد اعتمد مظهر الممثل وطبيعة العرض الذى يقدمه على هذا المبدأ الجمالى، كما أن كتاب المسرح استفادوا، كما هو شأنهم منذ ذلك الوقت، على قدرة المتفرج على استيعاب مبادئ فنية بعينها .
من ناحية أخرى يؤكد عبد الرحمن بن زيدان أن وظيفة السينوجرافيا فى المسرح الإغريقى الكلاسيكى قد تمثلت فى تحقيق المفهوم الأول للسينوجرافيا ألا وهو " مفهوم الزخرفة المسرحية الثابتة التى تومئ إلى مكان الحدث، وتشير – فى الوقت ذاته – إلى فضاءات النص كأمكنة تجرى فيها الأحداث ، ويقوم فيها الأشخاص بمحاكاة الأفعال النبيلة فى التراجيديا وأفعال الأشخاص الأردياء فى الكوميديا" .
وعليه نستطيع القول أن مهمة الشاعر المسرحى كتابة النص وإخراجه وهو خلق نوعاً من التلاقى بين الاثنين إذ سعى المخرج إلى محاكاة الواقع الذى يأتى بطبيعته ليعبر عن موقع أحداث المسرحية وهو ما جعل عمل السينوجراف قائماً أيضاً على مبدأ محاكاة "الحجم والفراغ، وكانت الإضاءة مرسومة ولم يكن يتعدى دورها الإنارة" .
إن الرأى السابق يؤكد لنا أهمية المكان فى الإبداع المسرحى سواء الكلاسكيى أو حتى المعاصر وأيضاً تطور الفنون البصرية والسمعية أكسب مصطلح السينوجرافيا معنى جديداً فأصبح هناك فارق بين كلمتى ديكور وزخرفة إذ أصبح الديكور يعنى " تقنية خاصة بفنى الأجهزة فى المسرح ويشير إلى مجموعة العناصر المادية التى تحمل الزخارف المرسومة مثل الشاسيه والتوال. أما كلمة زخرفة فهى كلمة فنية تشير إلى المكان الذى يدور فيه الحدث ومجموع الأدوات التى تستمد فى تقديم العرض من لوحات وأثاث وإكسسوار يلعب كل من الديكور والزخرفة دوره عند رفع الستار حيث يجب أن يكون له تأثيره المباشر، ومع بداية الحوار تصبح للممثلين الأولوية، ويصبح للأداء الأهمية الأولى بينما يتراجع الديكور ليصبح مجرد خلفية للنص .
مما سبق يتأكد لنا أن المكان فى الفراغ المسرحى وعلاقة المكان بمصطلح السينوجرافيا له أهمية كبيرة إذ كثيراً ما يكون المكان المسرحى " صورة لمجتمع ما يعتبر بناؤه صورة مصغرة للعالم، ويقيم فى المكان علاقات لها معناها، وعادة ما تكون سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية فالطريقة التى يعمل بها المكان تحاكى الطريقة التى يعمل بها المجتمع .
وهكذا يعكس المسرح الإغريقى طبيعة المكان وقدرته على تحقيق مبدأ المحاكاة، ومن ثم الإيهام وصولاً إلى التطور الذى طرأ على المكان فى المسرح المعاصر.
تطور مفهوم السينوجرافيا:
إن القارئ للأعمال المسرحية الإغريقية، والرومانية ومسرحيات شكسبير، وفيكتور هوجو وغيرهم من كتاب المسرح يدرك أن السينوجرافيا قد تطورت عبر رحلة المسرح، ففى البداية كان المسرح كلمة بالدرجة الأولى وأن الممثل الحق لا يحتاج إلى سينوجرافيا لأن كلمته قادرة بذاتها على أن تخلق الإطار التشكيلى (السينوجرافيا) لها. والمسرح فى الحضارة الرومانية . واليونانية من قبل. كان بالفعل يقدم هذا الفراغ المجرد الذى يقف فيه الممثل صانعاً فراغه وهكذا واجهت الكلمة التى يحمل مسؤولياتها الممثل. الفراغ المسرحى الذى لم يزد عن كونه خيمة ترسم على شكل تل أو قصر يقف أمامها الممثل.
إن تطور المنظور فى الفراغ المسرحى منذ القرن الخامس قبل الميلاد وصولاً إلى عصر النهضة وأعمال شكسبير التى حرص فيها المؤلف والمنفذ على إثراء خشبة المسرح بالكثير من الزخارف والملابس، كل هذا أضفى دلالات عديدة للملابس والإكسسوارات مما يجعلنا ندرك أن الملابس والإكسسوارات وغيرهما من عناصر العرض المسرحى ساهمت مع الممثل فى تحقيق إطار تشكيلى (سينوجرافيا) أثمر العديد من الدلالات والإشارات المعبرة يستقبلها جمهور المشاهدين. ومع تراجع الأرستقراطية وصولاً إلى البرجوازية وما أعقبها من واقعية وغيرها من الاتجاهات، ومع تراجع المنظور المحدد (ثنائى البعد) والمنظور التقليدى الإيطالى وصل تطور السينوجرافيا إلى الفضاء العام الذى يتضمن مساحات الجمهور والممرات وأماكن التجهيز ومقاعد المشاهدين.
لقد أصبحت السينوجرافيا " علماً للتأثير فى المتلقى والمشاهد وليس مجرد وظيفة ديكورية وصفية أو تزيينية، إنها علم يعتمد الدلالة والرمز لإضفاء المعنى التوصيلى (التأثيرى وليس التفسيرى) للفعل الدرامى، وتحررت فى المسرح الحديث من فكرة المحاكاة التقليدية فى بداية اعتمادها على نظريات (جان لوك رينيه ديكارت)
مما سبق يتأكد لنا أن السينوجرافيا أخذت فى التطور غير أن النص المسرحى لم يخل طوال رحلة تطوره من الملاحظات الإرشادية التى يحدد من خلالها المؤلف العناصر المكونة لكل مشهد أو فصل على حدة.
السينوجراف فى المسرح المعاصر:

إن دور السينوجراف – فى المسرح المعاصر – لا يتقيد فقط بإقامة ديكور العرض المسرحى أو تحديد منطقة التمثيل ، بل أن دوره يكتمل عندما يحقق ويتم العلاقة التقابلية بين المثثل والجمهور، وبذلك تتخطى السينوجرافيا المعانى السابقة لمصمم الديكور، إذ تهتم ببحث العلاقة بين كافة عناصر العرض المسرحى انطلاقا من النص المسرحى وصولاً إلى جمهور المشاهدين وإلى أى مدى نجاح السينوجراف فى توصيل القضية المعروضة.
اختلف معنى مصطلح السينوجرافيا وأصبح يعنى فى المسرح المعاصر معان كثيرة وتطورت مجالاته حتى أننا نستطيع القول أن مجال عمل السينوجراف ينقسم إلى نوعين أحدهما يختص بالتقنيات والآخر بالديكور.

سينوجرافيا التقنيات المسرحية:

غالباً ما يركز السينوجراف على الفضاء المسرحى بشكل عام وخاصة ما يتعلق بمكان العرض المسرحى فينشغل بخشبة المسرح وقياساتها وطبيعة العرض المسرحى الذى سيترتب عليه تحديد طبيعة العلاقة بين خشبة المسرح والصالة معمارياً وتقنياً وعدد المشاهدين المفترض مشاهدتهم للعرض لان طبيعة العرض المسرحى تتدخل فى عدد جمهور المشاهدين.
سينوجرافيا الديكور:

وهو ما أراه يقع فى صلب العملية الإبداعية حيث يهتم السينوجراف بكل ما يتعلق بتحقيق وتصميم وتنفيذ الديكور والملابس المسرحية والإكسسوارات والاقنعة وكافة المؤثرات السمعية والبصرية.
ولعل سينوجراف الديكور اليوم يحتل مكانة بارزة فى عروض المسرح عالمياً، وإلى حد ما محلياً، ذلك أن سينوجراف الديكور يشارك المخرج عملية الإبداع ويسعى معه لحل كافة المشاكل المتعلقة بالفضاء المسرحى لا لكى يحقق الإيهام المسرحى الذى يسعى إليه المسرح الإغريقى- الرومانى – العصور الوسطى وعصر النهضة وصولاً إلى المسرح فى نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين تحديداً ، بل لكى يحطم الإيهام، حيث أن العرض المسرحى المعاصر يتخطى مرحلة الإيهام إلى مرحلة الإيحاء بالمكان وتحقيق الشاعرية اعتماد على تحقيق كافة العناصر السابقة.-. مع تحيات أ.د أحمد صقر-كلية الآداب-جامعة الإسكندرية.



#أحمد_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلية التلقي في المسرح ..دراسة في النقد الأدبي والمسرحي
- المسرح وتحديات العولمة
- الأسرة في المسرح الأمريكي المعاصر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - سينوجرافيا المسرح ..المرجعية النظرية للعرض المسرحي