أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رزكار نوري شاويس - عودة الى .. قيمة الانجاز على سلم الحضارة















المزيد.....



عودة الى .. قيمة الانجاز على سلم الحضارة


رزكار نوري شاويس
كاتب

(Rizgar Nuri Shawais)


الحوار المتمدن-العدد: 3237 - 2011 / 1 / 5 - 22:20
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



هذا المقال في الواقع هو رد على جملة من التساؤلات و الملاحظات التي بعث بها السيد ( هادي حسن ) حول مقال سابق يحمل
عنوان ( قيمة الانجاز على سلم الحضارة ) تكرم موقع الحوار المتمدن بنشرها في العدد 3233 – يوم 1/1/2011
وارى ضرورة في عرض تعليقات السيد (هادي) كمقدمة لموضوعي الجديد هذا كمحاولة لاظهاره في اطار حوار و ليس مقال ..
(1)
في اول راي له بخصوص المقال السابق يقول السيد هادي حسن ( .. موضوع جميل حقاً أتفق فيه معك في سماته العامة وأختلف وأياك في تفاصيله فلا توجد حضارة عالمية في أي مرحلة من التاريخ بل هي شعلة تنبع من بؤرة ويعم شعاعها الآخرين، تنتقل من أمة لأخرى ولظروف خاصة جداً تنكفأ فيها الأولى الرائدة لتنتعش على حسابها الأمة الصاعدة التي ستضيف على ما أخذته تحسيناً أو جديداً فالبؤرة الحضارية في العالم القديم والشرق الأوسط تحديداً كانت أحادية أو ثنائية بدأت في وادي الرافدين ووادي النيل ثم إنتقلت للفينيقيين وللفرس ولليونان وللرومان ثم أصبحت حضارة عربية إسلامية ثم لغرب أوربا ومنها لأمريكا واليوم الشعلة بدأ إشعاعها يتنامى ويسطع في شرق آسيا وغداً في مكان آخر لانعلمه ، فلكل أمة إذن ممن حملت المشعل مكانها في سجل التاريخ الأنساني فما بالك لو حملته لمرات عديدة وعلى مرور مئات السنين وتتوق لحمله مرة أخرى؟)
ثم يضيف في تعليق ثان قائلا (ا.. مع كل إيجابيات الحضارة وفي كل وقت، صاحبتها أيضاً سلبيات التقدم الحضاري وهي دائماً سلبيات لايمكن رصدها في بداية أية حقبة حضارية ولكنها تتفاقم تدريجياً في نهايتها لتنتج سرطاناً يؤدي لأنتكاس تلك الحقبة وإعلاناً لبدء آخرى ، في الوقت الحاضر هو سرطان التلوث.إذن ليس هنالك حقب حضارية محلية أو مركزية تجدد شبابها بإستمرار ولها ديمومة أبدية هذه مقولة لاتنطبق بتاتاً على أرض الواقع لأن الحضارة لأمة ما منظومة معقدة تشيخ أيضاُ بعجز الأمة وفشلها لسبب ما ولكن إرثها قابل للأنتقال.وقد تنتعش مرة أخرى إن واتتها ظروف تعمل على تجديد شبابها كما هو حاصل اليوم في الصين.)
و يضيف على ما سبق في تعليق اخر (.. في كل الأديان يوجد الحرام والحلال وكذلك في كل الأيديولوجيات ولكن هذه الضوابط لاتصبح الكل بالكل إلا عندما يتراجع المحرك الأول الأساسي للفكر الديني أوالسياسي المبني على أسس حضارية متقدمة نتيجة إنتكاسة أسبابها خارجية وذاتية لامجال للتعمق فيها هنا ، فالحضارة العربية الأسلامية قدمت للبشرية من الأنجازات ما لاينكره أي إنسان بعينين بالرغم من وجود تلك الضوابط طول الوقت كما ولا يمكن بأية حالة عقد مقارنة بين حضارة سادت لزمن معين مع زمن آخرأحدث.)
ثم يسال (.. أقتبس ; فكانت النتيجة ان سقطت هذه الحضارة تحت سنابك خيول المغول و التتار الهمجية و ليبني هؤلاء الهمج فيما بعد حضارة رائعةخاصة بهم تحمل اسمهم و هويتهم ... ..سؤالي للكاتب ماهو إسم هذه الحضارة الرائعة التي بناها هؤلاء الهمج وأين ؟ فإذا كان المقصود هم الأتراك فهؤلاء كانوا متواجدين سياسياً في آسيا الصغرى قبل مجيئ المغول إليها وكانوا أعداءاً لهم ، وهم بسبب تبنيهم للفكر الإسلامي وبالتالي الحضارة العربية الإسلامية إستطاعوا أن يأسسوا إمبراطورية مترامية الأطراف في حين تمزقت وتشرذمت مملكة جنكيز خان إثر موته الى ممالك متنازعة ما لبثت أن إضمحلت ذلك أنها كانت دولة عشائرية دون إطار فكري منظم)
ثم يتفضل ويضيف على ملاحظاته السابقة قائلا ( .. بعيداً عن الأحداث وعن التصنيفات والأفكار المسبقة والحساسيات من كل نوع ولون ;
بإختصار شديد أن تسميتها بالحضارة العربية الإسلامية هو ليس عنصري وإنما نابع من أن الثقافة العربية وتحديداً اللغة والدين الإسلامي كانت سماتها الرئيسية فهذه الديانة الجديدة في صياغاتها والقديمة بمعدنها وأقصد جذورها كانت نواة لنشوء حضارة أخذت حيزاً زمنياً طويلاً ومكانياً كبيراً في خارطة العالم القديم بسبب عالمية رسالتها . بمعنى أنه ولأول مرة في التاريخ البشري يتم إلأعلان فيه عن نشر دين سماوي جديد في كل أرجاء المعمورة ولكل الناس دون تمييز ويحمل رسالة واضحة محددة في كتاب واحد فيدعو الناس للدخول فيه بغض النظرعن لونهم وثقافتهم فهي ديانة تشجب العشائرية وتحارب العنصرية وتنادي بتوحيد التوجه والهدف .)
ليضيف ايضا( .. أن الشعوب والثقافات العديدة التي آخى الأسلام بينها تخلت عن صراعاتها وبدأت تتواصل فيما بينها بالرابطة الجديدة بل حتى غير المسلمين من اليهود والنصارى والآخرين وجدوا مكانهم فالأسلام يعترف بديانتهم ولا يجبرهم في التخلي عنها فعاشوا جنباً لجنب وتسنموا مناصباً رفيعة وهذا هو بالضبط الذي أدى لنشوء هذه الحضارة الرائعة التي إمتدت من حدود الصين الى دواخل فرنسا فأنتجت أرقى أنواع الفن المعماري وكانوا أساس فن الموسيقى في أوربا ونقلوا لهم صناعة آلات الطرب وكذلك فن النسيج وصناعة الورق والزراعة والري والكيمياء والفلك والرياضيات والبصريات الطب وعلم التشريح وووو في وقت لم تكن فيه أوربا تعرف كتابة الأرقام حتى القرن الحادي عشر لولا أن وصلتهم من مسلمي الأندلس.)
و يكرمنا بتعليق اخر(.... وبقت جامعاتهم تدرس علوم المسلمين لقرون طويلة حتى بعد عصر النهضة ولم ينتهي عطاء هذه الحضارة كما يُعتقد بسقوط الخلافة في بغداد في سنة ١٢٥٨ بل إستمر من خلال دولة الخلافة العثمانية والصفوية في إيران والمغولية في الهند وغيرها من الممالك الأسلامية.)
ليقول ايضا( .. فهل يعقل أن الأوربيين يعترفون بفضل الحضارة العربية الأسلامية عليهم وتقام المعارض لها عندهم ورزكار العراقي الذي درس في جامعة الموصل لم يسمع بها ويشكك بوجودها بوضعها بين قوسين ؟؟. يجب أن نتذكر دوماُ إن مفهوم الدولة القومية هو مفهوم جائنا من أوربا بعد نشوء الدول القومية هناك نهاية عصر النهضة ولم تكن الحضارة الإسلامية بالعموم حضارة قومية فكان قادتها من مختلف الأصول والأعراق وهذا ما يزيدها فخراً وإعتزازاً بإنفتاحها وعالميتها.)
(2)
لايوجد وصف محدد يغطي مفهوم الحضارة و من الممكن وصفها بانها ما تتمع بها مجتمع انساني من الموروث
الثقافي و التقاليد و الفنون و العلوم باكتشافاتها و تقنياتها.. و يراها البعض نقيضا لما يعرف بالبداوة و يربطها بمجتمعات المدن و العمران , و يرى بعض اخر
ان بداياتها ترتبط باول اكتشاف او اختراع او ابتكار يستنبطه العقل الانساني لتطوير اداءه مع تقدم متطلبات الحياة , و هناك من يمنحها خصوصية الهوية
و الانتماء لامة ما و غالبية هم من يرونها اليوم نتاجا لجهد المجتمع الانساني ككل من رؤية ان كل حضارة اخذت من سابقتها لتضيف على ما تليها , لتاخذ
شكل الحضارة التي هي اليوم ناتج كل الحضارات الانسانية .
ومعلوم ان قصة الحضارة ترتبط بالتاريخ الانساني ككل و الخوض في تفاصيله يتطلب مجلدات و تفرعات متشعبة من الاختصاصات .. و
الهدف من مقالي المتواضع السابق كان التلميح للقيمة التي تمنح انجازا ما صفة الانجاز الحضاري و التي تثمن بقوة تاثيرها علي دفع مسيرة تقدم الانسان و رقيه الى امام , و
بسلسلة مترابطة من الانجازات المتتابعة , تتسع دائرتها على الدوام لتظم في محيطها و دائرة تاثيرها و في زمن ما عموم المجتمع البشري كوحدة حضارية متجانسة..
و الانجازات العظيمة التي حققت قفزات باهرة في تقدم الحضارة ؛ تبقى قيمها ثابتة كاسس راسخة في البناء الحضاري .. فمن هو ياترى الذي ينكر القيمة المذهلة لأول
( عجلة دوارة ) اخترعها عقل انسان مجهول و التي تعد الى يومنا هذا واحدة من اعظم اختراعات الانسان و التي صارت فكرتها كآداة و كآلة , الاساس الراسخ لالاف
الاختراعات العظيمة التي بنيت عليها .. فالانجاز الحضاري يحتفظ دائما بقيمته من خلال تاثيره و قابليته على المزيد من التطور نحو اداء افضل دائما و عبر مدى
يوازي امتداد الزمان , و هو لا ينحصر في نمط ثابت من انماط النشاط و التفاعل الانساني , بل يشمل كل تفاعله و ابتكاراته و انجازاته في كل مجالات العلوم و الفنون
و الثقافات و التقاليد و الاديان والتي تعود بداياتها الى ازمنة نصفها بالبدائية كان الانتماء الانساني فيها لمجموعات اسرية صغيرة مبعثرة و ليس لقبيلة او عشيرة او امة,
و من هذا المنطلق اقول ان الحضارة تنتمي في اصولها لعقل الانسان قبل ان تنتمي للقبيلة او الامة وان النظام القبلي و ما يليه من نظم مجتمعات بشرية .. وهي سائرة كما نرى
نحو انتماء انساني ..و الحضارة المكتسبة قابلة للضياع بسبب عدم فهمها او سوء و سذاجة التعامل معها اما الحضارة الاصيلة المنبت و راسخة الجذور و العماد فانها
تنمو باضطراد و لا تنتقل ( مهاجرة ) من رقعة لاخرى و انما تننتشر كونها تمتلك قوة التنوير و النور اللذان تزداد دائرتهما اتساعا و تاثيرا باتساع مدارك الانسان و طموحه
الازلي لفهم كينونته و علاقته بالوجود .. وانا ارى ان اطلاق صفة التفاعل الحضاري او التكوين الحضاري او الحضارة المكتسبة او الهجين هو ما يناسب
وصف الحضارة العربية – الاسلامية بها .. هذه ( الحضارة) لم تتمكن من التجذر و الرسوخ ثم الثبات و النماء ومن ثم الانتشار كحضارة اصيلة , فتعثرت و توقفت
لتسبقها و تتفوق عليها حضارات وليدة من منابتها الاصلية .
ان الدعوة لاحياء ماتعرف بالامجاد الغابرة و الحضارات البائدة هي دعاوى بائسة بحق , وهي وفق ما بلغه العقل و الفكر الانساني ليست الا دعوة للتخلف او رفض التقدم
حضاريا .. بماذا يمكن ان تفيد الحضارة العربية الاسلامية ( التي اتقبل فكرة عظمتها في زمنها ) , بماذا يمكن ان تفيد مجتمع الانسان في عصرنا هذا ؟ وهي حضارة
كان من اهم سماتها الاستبداد باعتماد حكامها الدين و التفاسير الصارمة لشرائعه وسيلة للحكم و حجة للفتوحات و التحكم بمصائر الشعوب ... وهنا اتسائل ياترى هل مانراه
و نعاني منه اليوم في مجتمعاتنا العربية و الاسلامية ( بل وغير الاسلامية ايضا )من ارهاب و قتل و تشويش للفكر وتدمير , باسم الدين و العودة اليه هو دعوة لاحياء تلك
الحضارة المنتهية الصلاحية .. واتسائل ايضا اليس هذا الارهاب الديني مضافا عليه صراعاته المذهبية الدموية من التراث الذي خلفته تلك الحضارة ؟

نعم للحضارة سلبياتها و ايجابياتها , و السلبية قوام ضعفها و التفوق يبقى دائما صفة الحضارة الخصبة الايجابية الانتاج , فمفهوم السلبية للحضارة تعني العقم
و مفهوم الايجابية هو الخصوبة و النماء , و هكذا فان سلبية الحضارة كحالة عفم تعني فقدان الارث الحضاري و اندثاره , اما تلك التي تنتعش ( و ذكرتم الصين مثالا فهي
بالاساس حضارة خصبة المنبت بجذور راسخة العمق جاهزة للنماء كلما واتتها الفرصة .. الحضارة الصينية كانت نابضة القلب على الدوام حتى في احلك ايام تاريخ هذه البلاد ظلمة
فهي حافظت على مقوماتها الابداعية الفكرية و الفلسفية و الدينية و العلمية و الفنية و العمرانية و الاقتصادية على مدى تاريخها الطويل وانها دائما واصلت بنائها الحضاري
من اخر نقطة توقفت فيها مستفيدة بالكامل من تراكماتها الحضارية السابقة , فالحكمة الصينية شهيرة .. مثلما يعرف عن الصينيين القدماء و الكثير من اجيالهم الحالية
( ومن ثقتهم بحضارتهم انهم يطلقون ) كنية البربري ( بمعنى المتخلف و البدائي ) على كل اجنبي دون استثناء ..
انا لا استهين و لا احاول التقليل من قيمة ما سمي بالحضارة العربية الاسلامية .. فهي قدمت انجازات مهمة فعلا للبشرية , لكني ارى ضرورة
في القول ( مع تأكيد ) ان الغالبية العظمى من مشاهير تلك الحضارة في مجالات التراث و الفقه و اللغة و الاداب و الفنون و الطب و العلوم ...الخ لم يكونوا عربا و
الكثيرين منهم لم يكونوا مسلمين حتى ..! و اذكر هنا اسماء على سبيل المثال لا الحصر مثل سيبويه و الرازي و ابن سينا و ابن المقفع و زرياب و ابراهيم الموصلي و ابنه اسحاق
و جمشيد الكاشي و الخوارزمي و جورجيوس بن بختيشوع و ابن ماسويه و المسعودي و البيروني و ابن الرومي و ابن السكيت و البهابري و الفارابي ... الخ و في ميادين
حروبها و في عصور متاخرة من هذه الحضارة , دعنا نستذكر صلاح الدين الايوبي الذي اشتهر بقيمه و معاييره الحضارية الانسانية المتقدمة في الحرب و السلم ..

وقبل ان اتناول باختصار حضارة ( المغول الهمج ) , لنتذكر بأن العرب حملة لواء الاسلام كانوا لا يزالون في طور البداوة او مابين الجاهلية و مرحلة التنوير
بالعقيدة الاسلامية عندما خرجوا من صحارى الجزيرة العربية مسلحين بسيوفهم و عقيدة كانت لا تزال غامضة على غالبيتهم لكنها لمت شملهم ... خرجوا
في غزواتهم ( التي تحولت من غزوات جاهلية الى غزوات ايمانية ..!) على بلدان واقاليم الجوار واحتلالها و لتتغير احوال المنطقة برمتها باتجاه نشوء الدولة العقائدية
الموحدة ..و لنتذكر ايضا قبائل الهون و البرابرة الذين وحدهم القائد الرهيب المتعطش للدماء ( أتيلا) فتمكن هؤلاء المتوحشين من انهاء زمن ترف و عظمة الامبراطورية
الرومانية واحراق عاصمتها و محق و سحق كل معالم التمدن و التحضر في كل ارجائها ... لكن روما و كبريات مدن تلك
الامبراطورية نهضت من جديد لتبقى عظيمة و من معالم الحضارة الانسانية البارزة , واما الاجيال اللاحقة لقبائل البرابرة والهون و الفايكنغ المتوحشين فهم اليوم من ابناء
ارقى الشعوب المتحضرة سلوكا و ثقافة و علوما .. شعوب الدول الاسكندنافية ..


من الرؤى الحضارية ان ينظر ( للحضارات التي تشكل بمجموعها الحضارة الانسانية ) نظرة غير منحازة وليس بمنطق و الشوفينيات
العرقية او الدينية - المذهبية مثلما فعل هتلر و اجهزة دعايته النازية في مهرجانات احراق كتب التراث العالمي في العلوم و الاداب و الفنون ...و اصدار كتب حملت على سبيل المثال
عناوين مثل الفيزياء الالمانية او الكيمياء و الرياضيات الالمانيتين..! و كما فعل موسوليني وحاول ببعض المشاريع و الخطب الحماسية و غزواته الفاشلة ..
التشبه بالاباطرة الرومان و استعادة امجاد الامبراطورية الغابرة .. المانيا و ايطاليا لا حاجة لهما لشاهد لتاكيد تكوينهما الحضاريين لكن تعامل و رؤية الديكتاتورين هتلر
وموسوليني مع حضارة بلديهما كانت سلبية غير بناءة و دعوتهما لاحيائهما و فق مفاهيمهما الاستبدادية الاستعلائية كانت دعوة للخراب و الدمار, و هنا يمكنني القول
بان رؤى ومناهج تعامل غالبية قادة العالمين العربي و الاسلامي مع الحضارة العربية الاسلامية لا تختلف عن الرؤيتين النازية و الفاشستية و تعاملها المأساوي
مع الحضارتين الالمانية و الايطالية .. و هنا اشير الى ( صدام حسين ) مثالا بين بعض حكام العالم العربي الاسلامي . ..

و لنعد للمغول و التتار , فبعد ان تمكن تيموجين ( جنكيزخان)من توحيد قبائلها تحت رايته باساليب تنوعت بين القسوة البالغة و بين المغريات , خرجت هذه القبائل
في جيش موحد من مواطنها الاصلية , براري و صحاري الثلج الشحيحة الموارد للاستيلاء على ما يملكه الغير بقوة السلاح و و سائل الابادة و الترهيب , مستندين الى شرائع و قيم
استنبطوها من حاجاتهم , مثلما فعلت قبلهم قبائل البدو العربية التي لم تعد تكفيها موارد مواطنها الصحراوية الرملية , و مثلما فعل البرابرة الذين ضاقت بهم سبل
العيش في سهوبهم الجليدية القاحلة .. لكن الامر هذا ( بدائية و همجية) الجماعات الانسانية لا تعد عوائقا امام التقدم لبناء حضارة , فالحضارة الانسانية تشكلت
من مجموع حضارات بدات من الصفر و جميعها بنيت وفق متطلبات الحاجات الانسانية المتاثرة باشكال منوعة من عوامل التغيير البيئية و الجغرافية و السكانية و الاقتصادية
و الفكرية ...الخ

ان الامبراطورية المغولية التى تاثرت اول ما تاثرت بالحضارة الصينية العريقة الاصل و الهندية العميقة الجذور, توسعت بعد موت جنكيزخان شرقا و غربا و اسقطت
العديد من الممالك و الدويلات و البلدان
و امتد سلطانها عبر الصين و الهند و السند و افغانستان و بلاد فارس و اواسط اسيا و ارجاء واسعة من تركيا الحالية ثم تمكنت من اسقاط الخلافة العباسية و رواية
سقوط بغداد و ما جرى من قتل و استباحة تكتنفها الغموض , حيث يؤكد العديد من المؤرخين من العرب و غير العرب ان اخر خلفاء بنو عباس ابو احمد عبدالله
المستعصم بالله رفض ان ينظم الى معاهدة السلام التي عرضها المغول عليه في وقت كانت سلطاته كخليفة عباسي لا تتعدى حدود بغداد و الامبراطورية الاسلامية
كانت منهارة بالاساس ومتشرذمة للعديد من الدويلات كالاخشيدية و الطولونية و العبيدية و الطاهرية و الزيدية العلوية و غيرها .. فكان ما كان و دخلت جيوش هولاكو بغداد
و قتلت الخليفة المستعصم سنة 1258 ميلادية...

و تجنبا للمزيد من الاطالة نسال هل كانت للمغول حضارة ؟ و اقول انهم فعلا بنوا بعد استقرارهم و انتشارهم في مواطنهم الجديدة حضارة حملت سماتهم و تمتد اثارها و تاثيراتها
حتى ايامنا هذه .. فالمغول الذين لم يكونوا يملكون من سبل و وسائل الحضارة و التحضر سوى خيام اللباد و اسلحتهم و الخيول و المواشي و ديانة بدائية ترتبط بالطبيعة و قسوة
الحياة في مواطنهم الاصلية و كم محدود من الاساطير و القصص الشعبية و الاغاني التي تمجد القوة و البطش و تحمل المشاق يضاف عليها بعض الصناعات اليدوية البسيطة
كحياكة البسط و بعض الانسجة و مطبخهم لم تكن اصنافه تتعدى اصابع اليد الواحدة كاللحوم و مصدرها مواشيهم و على الاغلب فرائس الصيد و مواشي الغير ..
و لبن الخيول المحمض و منتجات البان اخرى بسيطة

لكن المغول و بعد ان بسطوا سلطانهم على بلدان مترامية الاطراف و اختلطوا بشعوبها المتعددة الاعراق و الثقافات بدات مداركهم تستوعب مفاهيم و اساليب جديدة
في التعامل مع الحياة .. و بدأت هذه المفاهيم تتنامى و تتطور لتخرج من اطرها البدائية السابقة الى افاق رحبة منفتحة على غنى حضاري منوع و بمنتاول اياديهم بالكامل ,
فاكتسبوا منها الكثير نتيجة الاختلاط و التعايش و كضرورة ملحة من ضرورات الاحتفاظ بالملك و الجاه و السلطان .. و هكذا و رويدا رويدا بدا نمط حضاري اسيوي جديد
يبرز بين حضاراتها منها الهندية المغولية و الفارسية المغولية و الاسلامية المغولية و المغولية التركمانية .. و كان من مظاهر هذه الحضارة المطعمة بحضارات
المنطقة تطور اداء الدولة عبر مؤسسات محترفة في مجالات الادارة و المال و التجارة و الاقتصاد التي برزت في ابهى مظاهرها في عهد السلطان محمود غازان ( الدولة
الايلخانية )الذي يعد واحدا من كبار المصلحين و صناع الحضارة..

و تم اعتماد اسس جديدة اكثر عقلانية و واقعية لعلوم الفلك و تدريسها كواحدة من العلوم الراقية نسبيا في تلك العهود , و لا يزال الطراز المعماري المعروف
بالمعمار المغولي واحدة من الطرز التي لا تزال مرغوبة في العديد من الدول الاسيوية .. و تعد مدينة تبريز واحدة من المدن الايرانية العظيمة التي بناعا المغول
في عهد السلطان محمد اولجاتيو اما قبر هولاكو المعروف بمهد مراغة فيعد اية من ايات جمال و فخامة المعمار المغولي و كذلك الصرح المعماري المعروف
بالحصن الاحمر في دلهي و مسجد بدشهي في باكستان , و يكفي ضريح تاج محل انه واحد من اعاجيب الدنيا السبع ...

و المدن الشهيرة التي شيدها او طورها المغول في اسيا الوسطى كثيرة , منها التي لا تزال عواصما لجمهورياتها و تحتفظ بطابع تصاميمها المغولية من قباب و منائر
و اطواق و اقواس و اسوار و ابراج و قصور و ساحات و شوارعا و ازقة و الى الميادين الفسيحة و الحدائق و الوان الزخرفة و فنون الفسيفساء الظاهرة على الكثير
من مبانيها ..كما ويؤكد المؤرخون المحلييون و العالميون ان العلوم و الاداب و الفنون و انواعا من الصناعات اليدوية كالنسيج و الحياكة و كذلك صناعة
السلاح نهضت بقوة في عهود الهيمنة المغولية , وكانت للعلوم الطبية نصيبا بارزا من التقدم , و اعتبر المغول فن الرسم و التصوير نوعا من العبادة التي ترتبط
بعبادة الخالق .. كانت تمثل قصصا دينية و مناظر الطبيعة بالاضافة الى الاساطير و القصص الشعبية و التي بلغت درجة التعبير عنها درجات عالية من الاعجاز..


قد يصف البعض نظام الدولة المغولية بالنظام العشائري القبلي مستخفا و مقللا من شانها ( وارجو هنا مقارنة بعض دول العالم العربي و الاسلامي ايامنا هذه
بالعديد من من انظمة و تكوينات دول العهود الغابرة و منها المغولية ) .. ! و برغم هذا ساشير الى قدرة جنكيزخان في توحيد العشائر و القبائل المغولية و غير
المغولية ايضا و تشكيل جيش و امة موحدة منها .. و هذا ما كان يمكن تحقيقه الا بتخفيف حدة التعصب و قوة الانتماء العاطفي بولائاتها للقبيلة او العشيرة ..
هذا الامر بحد ذاته يعد انجازا حضاريا مذهلا بني على اسسه امبراطورية كبرى دحرت اقوى امبراطوريات تلك العهود من الزمان .. و فيما بعد فان الدويلات و الممالك
المغولية ( وهي كانت اشبه بمقاطعات ذات حكم ذاتي ) كانت تحكم من قبل حاكم او وال او حتى من يحمل لقب سلطان او خان و برغم تمتعهم بحرية القرار و الحكم في ممالكهم
فانهم جميعا كانوا يخضعون لسلطة و ارادة الخان الاعظم ( الخاقان) ..

وكان نمط الحكم والادارة و تقسيماتها و مسؤلياتها هي نفسها تقريبا في كل مملكة او ولاية او دويلة مغوليية , وكان هذا التقسيم الامبراطوري يعد شكلا راقيا
من اشكال الحكم و الادارة و التي كانت حالها حال اية امبراطورية او دولة عظمى معرضة لانتفاضة هنا او ثورة هناك او لتمرد خان او سلطان طموح
للمزيد من السلطة و النفوذ ..
ان الكثير من التشكيلات الادارية التي استنبطها المغول في شؤون الحكم لاتزال يعمل بها بشكل او باخر و قد اعتمدت الامبراطورية العثمانية تلك الاسس
في بسط سلطانها و ان اجرت عليها فيما بعد تغييرات بسيطة و كذلك الحال بالنسبة للصين و اقاليمها و الهند و ولاياتها اللتان ادخلتا الكثير من التطوير و التعديل على التقسيمات
الادارية لكل منهما و وفق مقتضيات تغيرات الزمان و ضرورات دعم حاجات الاحتفاظ بالعلاقة بين الشعب و الحكم ..

لقد ساهمت الحضارة الاسلامية مثلها مثل باقي حضارات المنطقة غير الاسلامية و غير العربية في ولادة و نمو و بروز الحضارة المغولية , و كان لدخول المغول
في الاسلام ايضا تاثير بارز على حضارتهم بالاتجاهين الايجابي و السلبي , فالتاثيرات الايجابية واضحة و مقروئة ويضاف عليها انها خففت من حدة عداء
الشعوب المسلمة غير المغولية باعتبارهم اخوة في الدين , الامر الذي منح المغول فرص اكثر للثبات و الاستقرار و المزيد من النفوذ و التفرغ بحرية اكثر لبناء
حضارتهم و تطويرها و اغنائها , والجانب السلبي لتاثير الدين الاسلامي على هذه الحضارة انها و كاية ديانة اخرى تقف بشرع الحرام و الحلال امام المزيد من التقدم الحضاري
و التي يشم منها خطرا على المقومات و الاسس التي يقوم عليها الدين و قدراته على الاقناع ..

و الاديان و تواليها من اول عبادة للانسان و تغيره و اختزاله لالهته باتجاه الاستقرار على عبادة اله و خالق اوحد .. تعد من اعظم الاعمدة التي ترسخت عليها الحضارة الانسانية , لكنها
وفي مراحل معينة من تطورها ( الاديان) و بموازاة تقدم اشكال و فروع الحضارة الاخرى وقفت الاديان كل في مرحلة من مراحلها الزمنية بالضد من عملية التطور الحضاري
العام للمجتمع او المجتمعات البشرية , لتخرج في النهاية من معركتها مع الحضارة اما مندحرة او باصلاحات و تفاسير جديدة تلغي تفاسيرا سابقة و تتوائم مع النتائج التي
تفرزها النقلات الحضارية الكبرى .. لكن الصراع وسوء الفهم او رفض الفهم سيبقى قائما بين المفهوم و الموروث الديني من جهة وبين مسار الحضارة و نتائجها
, سيبقى قائما و سياخذ اشكال و اوجه منوعة .. ومن ابرز مظاهر اللاتوافق و اللاتفاهم في عصرنا بين الدين و التقدم الحضاري تكفير و تحريم الاقتناع بنظرية النشوء و التطور
او نظرية الانفجار الكبير في ولادة الكون .. .. والسلام



#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)       Rizgar_Nuri_Shawais#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيمة الانجاز على سلم الحضارة


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رزكار نوري شاويس - عودة الى .. قيمة الانجاز على سلم الحضارة