أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بيلما باش في فيلمها الجديد (زفير). . سويّة فنية وخطاب بصري رصين















المزيد.....

بيلما باش في فيلمها الجديد (زفير). . سويّة فنية وخطاب بصري رصين


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3190 - 2010 / 11 / 19 - 13:41
المحور: الادب والفن
    


أبو ظبي
إشترك فيلم (زفير) للمخرجة التركية بيلما باش في مسابقة (آفاق جديدة) في الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي لهذا العام. وقد ضمت المسابقة (17) فيلماً من بلدان عربية وعالمية مختلفة. غير أن هذا الفيلم على وجه التحديد كان من بين الأفلام التي لفتت أنظار النقاد والمشاهدين على حد سواء وذلك لسويته الفنية، وجمالية خطابه البصري، ومعالجته الذكية لسؤال الموت الفلسفي، وتعاطيه مع فكرة الوجود والعدم التي تهيمن على أذهان الجميع تقريباً. لابد من الإشارة الى أن كاتبة السيناريو هي مخرجة الفيلم نفسها. وهذا يعني أنها تريد، مع سبق الأصرار، أن تحقق رؤية إخراجية تدور في ذهنها عن قصة محددة، تقع في مكان محدد سلفاً. يمكن إختصار القصة السينمائية بجُمل محدودة أيضاً عن صبية صغيرة تدعى (زفير) عمرها (11) سنة، تركتها والدتها خلال العطلة الصيفية عند جدّيها الطاعنين في السن واللذين يسكنان في منطقة ريفية نائية أخّاذة الجمال، لكنها كانت تتحرّق شوقاً للقاء والدتها الجوّابة التي تعمل ناشطة متطوعة في مناطق بعيدة بحيث يصبح التواصل معها صعباً أو شبه مستحيل. وحينما تأتي الأم لزيارة ابنتها لمرة واحدة يحدث ما لا تُحمد عقباه، إذ تقرر هذه الفتاة أن تغادر مع أمها لأنها متعلقة بها جداً، ويبدو أن هذا المكان النائي على الرغم من جماليته وسحره الخلاب لم يرق لفتاة مدينية في مثل سنها. ثم تبدأ الأم (آي) الحوار مع ابنتها النزقة (زفير) ويختلفان على فكرة البقاء أو الرحيل. وحينما ترتفع الأصوات مجدداً وهما يقفان على حافة جبل عالية تدفع (زفير) أمها فتهوي الأخيرة من قمة الجبل الشاهق الى هوّة الوادي السحيق.
تفاصيل القصة السينمائية
لا يمكن اختصار أحداث القصة السينمائية ببضعة جمل لأن التفاصيل التي تؤثث متن الموضوع لابد أن تأخذ حصتها أيضاً، كما أن الاحالات والاشارات والتنويهات تفعل فعلها سواء في بناء الأحداث الجانبية، أو في بناء كل مشهد على حدة. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار جمالية الطبيعة التركية التي تسحر الألباب في كل مكان. خصوصاً وأن المخرجة قد إختارت المنطقة الشرقية الجبلية الواقعة على البحر الأسود والتابعة لمقاطعة (أوردو) حيث تتكاثف أشجار الغابات، وتخترق الأنهار العذبة الأراضي الزراعية التي تنبسط على مدّ النظر. يا تُرى، ما الذي تفعله هذه الصبية الصغيرة (زفير)، جسّدت الدور (شيماء أوزنلر) في هذا المكان القروي الساحر، وكيف تقضي أوقاتها الطويلة في هذه العطلة الصيفية التي يبدو أنها لا تنتهي؟ وبما أن عدد سكان هذه القرية محدود جداً فإن فرص اللعب من أقرانها من البنين والبنات محدودة أيضاً. فلا غرابة أن نراها تخرج مع جدها ( أو. رشتو باش) الى الأرض الزراعية في الغابة لتبدد بعضاً من وقتها الطويل. وفي أثناء تجوالهم في الغابة تصادف (زفير) حيواناً ميتاً أكلت الديدان الجزء الأكبر منه. وحينما ينتبه الجد الى بقايا هذا الحيوان الميت يدفنه في حفرة، ويغطّيه بالتراب وأغصان الأشجار. وقد أثار موت هذا الحيوان البري سؤال الموت لدى هذه الصبية الصغيرة وأخذت تسأل جدها عدداً من الاسئلة من بينها: أين ستدفَن حينما تموت؟ فقال: أنا سأُدفن الى جوار زوجتي؟ ثم تساءلت عن المكان الذي سوف تُدفن فيه أمها. فقال الجد بأنه لا يعرف على وجه الدقة أين ستدفن أمها. لكن (زفير) أردفت قائلة بأنها ستُدفن الى جوار أمها. وحينما تضايق الجد من أسئلة الموت طلب منها أن تفكر بشيء آخر. لم يكن أمامها سوى بعض الأمكنة المتاحة، فإما أن تذهب الى المرتفع الصخري وتظل تنظر الى الطريق علّ أمها تعود ذات يوم، أو تلعب مع صبيان القرية الذين لا تستطيع أن تنسجم معهم فتغادرهم حينما يضايقونها. وحينما تيأس من مجئ أمها تخرج الى الحقل إما مع جدها (رشتو باش) لجمع الفطر، أو مع جدتها (سفنيتش باش) حيث يجنيان الفراولة ثم يعودان الى البيت الريفي الذي لا يخلو من حميمية. من الواضح أن (زفير) هي شخصية إنطوائية تعيش عالمها الخاص، ولذلك لم تنفتح على الصبي الذي كان يشاكسها أو يريد أن يقترب منها في الأقل، لكنها سرعان ما كانت تغادره لتلج الى عزلتها الخاصة وأحلامها التي كانت تدور في مخيلتها. لا يخفى على المشاهد الحصيف أن (زفير) كانت لها علاقة وطيدة بالطبيعة، وببعض الحيوانات الصغيرة مثل الحلازن والعظاءتين الميتتين اللتين دفنتهما بطريقة جنائزية وكأنها تؤبّن هذين الكائنين اللذين فارقا الحياة. كانت اللقطات المقرّبة للحلازن والزهور هي الأكثر شعرية على مدار الفيلم. كما أن جمال الطبيعة في معظم تفاصيلها قد أمدت الفيلم بقوة بصرية ساعدت في تقريبه من المتلقي الذي كان مسترخياً ومستأنساً على مدار المدة الزمنية للفيلم التي تجاوزت الساعة ونصف الساعة ببضع دقائق.
العلاقة المتشنجة
لا شك في أن العلاقة بين الأم (آي) والبنت (زفير) هي علاقة قلقة ومتشنجة في أفضل الأحوال. صحيح أن الأم حينما عادت الى هذه القرية النائية أخذت ابنتها بالأحضان، لكنها كانت تعترض على أغلب تصرفاتها داخل المنزل فحينما جلست الى مائدة الإفطار طلبت منها أن تغيّر منامتها، وحينما عادت ثانية طلبت منها أن تغسل وجهها فيما كان الجدان يتململان من هذه النمط الاستبدادي في العلاقة التي يفترض أن تكون سلسة وحميمة من دون أن يعتورها هذا الطابع الاستبدادي. وذات مرة وجدتها تستمع الى بعض الأغاني ففقدت أعصابها الأمر الذي دفعها لأن تجرد آلة التسجيل من البطاريات وترمي بها من النافذة الى خارج المنزل على الرغم من ولع هذه الأخيرة بالغناء والموسيقي فذات مرة رأيناها تطلب من عازف الغيتار في القرية أن يسمح لها بسماع موسيقاه وأغانيه. ثمة توتر ملحوظ في سلوك الأم التي جاءت لا لكي تلتقي بإبنتها أو بأبويها، وإنما جاءت لكي تودعهما من جديد. إذ أخبرت (زفير) بأنها ستنقلها الى مدرسة جديدة في هذه القرية النائية. وحينما غادرت الأم في اليوم الثاني كانت (زفير) تتطلع إليها من وراء النافذة. لذلك تسللت من المنفذ السري وخرجت وراء والداتها. فلقد حسمت هذه الفتاة أمرها لأنها لا تستطيع العيش في هذا المكان النائي الذي لا يستجيب لطموحاتها وأحلامها. فهي تحب الموسيقى والغناء، كما أن لديها إنشغالات أخرى ذات طابع فني وثقافي. فوجئت الأم حينما شاهدت (زفير) خلفها، وحاولت بشتى الوسائل أن تقنعها، لكن الصبية الصغيرة رفضت العودة وقررت الذهاب مع والدتها. حاولت الأم في خاتمة المطاف أن تقنع إبنتها العنيدة، لكن هذه الأخيرة رفضت بشدة، وأكثر من ذلك فقد دفعت أمها وأسقطتها من ذلك المكان الشاهق الذي إعتادت أن تجلس فيه لتواجه مصيرها المحتوم. ونتيجة للخبرات الكثيرة التي تراكمت لدى الصبية عن الموت قامت بغسل وجه أمها من الأتربة التي تراكمت عليها جرّاء السقوط، ودثرتها ببعض الملابس التي وضعتها الأم في حقيبتها الجلدية، ثم غطتها بالأحجار وأغصان الاشجار في مشهد تراجيدي محزن. إتكأت (زفير) على قبر والدتها وفي يدها زهرة عبّاد شمس، وفيما هي تتطلع الى الجهة الأخرى من النهر شاهدت البقرة السوداء التي ضلت الطريق في ليلة ضبابية فيما خرج العديد من رجال القرية يبحثون عنها فهي التي كانت تزودهم بأفضل أنواع الحليب وتغذي أطفالهم كل يوم.
لابد من الاشارة الى دور النجمة التركية ذات الأصول اليونانية (وحيدة غوردم) في تعزيز أهمية هذا الفيلم من الناحية الفنية. فهي نجمة معروفة في السينما والتلفاز التركيين وسبق لها قبل (زفير) أن اشتركت بأربعة أفلام مهمة وهي (عربات الثورة، قفل، الحب الأول وحكايات إستانبول) كما إشتركت في عدد كبير من المسلسلات التلفازية التركية التي حققت لها شهرة واسعة في أوساط الجمهورين التركي والعربي، خصوصاً بعد دبلجة هذه المسلسلات الى اللغة العربية وعرضها من خلال قناة أبو ظبي الفضائية. سبق للفنانة وحيدة غوردوم أن نالت جائزة (الشرنقة الذهبية) عن دورها المميز في فيلم (الحب الأول) عام 2007.
ريح الشمال
سبق لبيلما باش أن أخرجت عام 2006 فيلماً وثائقياً قصيراً مدته (13.30) دقيقة حمل عنوان (ريح الشمال). والغريب أن هذا الفيلم الوثائقي يعالج ثيمة مشابهة تقريباً لثيمة فيلم (زفير). فثمة صبية صغيرة هي نفسها (شيماء أوزنلر) تعيش مع أقربائها الطاعنين في السن في بيت معزول في المنطقة الجبلية النائية التابعة لمقاطعة (أوردو). لا تفعل هذه الصبية الصغيرة شيئاً سوى أنها تراقب بهدوء الحياة الروتينية للناس الذين يعيشون في هذه المنطقة النائية من العالم، فيما تنهمك هي بأسرار الحياة والموت. وبسبب جمالية الخطاب البصري الذي يتوفر عليه هذا الفيلم فقد رشح في حينه لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان (كان) عام 2006. الملاحظ أن المحرجة بيلما باش قد اعتمدت بعض الممثلين في كلا الفيلمين مثل شيماء أوزنلر وسفينتش باش، و أو. رستو باش.
وفي الختام لابد من إحاطة القارئ الكريم علماً بالسيرة الذاتية والابداعية للمخرجة التركية بيلما باش. فهي من مواليد مدينة (أوردو) عام 1969. درست اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة إستانبول وتخرجت عام 1992. عملت بين الأعوام 1991-1998 منسقة لعدد من شركات الأفلام. كما كانت عضواً في اللجنة التي قدّمت الأفلام التركية في مهرجاني (كان) و(مونتريال) السينمائيين. ترجمت بيلما باش العديد من الكتب الى اللغة التركية من بينها (لا أحد) لجوناثان ليثِم، (السيد أركادي) لأورسون ويلز، و (الاجهاض) لريتشارد بروتيغان. شاركت باش في أكثر من خمسين مهرجاناً عالمياً، ورشحت لجائزة السعفة الذهبية في الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان (كان) السينمائي الدولي.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شريط (أرواح صامتة) لأليكسي فيدورتشنكو. .تحفة فنية ترصد قصة ح ...
- في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي: ثلاثة أفلام إيرانية قصير ...
- الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيا ...
- (روداج) نضال الدبس. . النبوّ عن الواقع والجنوح الى الخيال. . ...
- (طيّب، خلّص، يلّلا) لرانيا عطيّة ودانييل غارسيا. . يرصد الشخ ...
- كيارستمي في فيلمه التجريبي الجديد - شيرين - مُجدِّد لم يكف ع ...
- على خطى هاينكة سليم إيفجي يعرّي الطبقة الوسطى، وينشر غسيلها ...
- بلا نقاب: فن جديد قادم من الشرق الأوسط وشمال القارة السمراء
- يشيم أستا أوغلو و - رحلة الى الشمس -
- في فيلمه الروائي الجديد - خريف - أوزجان ألبير يرصد قمع المنا ...
- تشتّت الرؤية الاخراجية لعمرو سلامة: - زي النهاردة - فيلم يتر ...
- الفيلم الوثائقي- طفل الحرب - لكريم شروبورغ محاولة لنبذ العنف ...
- فيلم - بورات - للاري تشارلس . . . من السخرية الوثائقية المُر ...
- أهمية القصة السينمائية في صناعة الفيلم الناجح
- في فيلمه الروائي الجديد - الحقل البرّي - ميخائيل كالاتوزيشفي ...
- الشاعرة الأسكتلندية جين هادفيلد تفوز بجائزة ت. أس. إليوت للش ...
- الفنان البريطاني رون مُوِيك يصعق المشاهدين ويهُّز مشاعرهم
- المُستفَّزة . . فيلم بريطاني يعيد النظر في قضية العنف المنزل ...
- في شريط - بدي شوف - لجوانا حاجي وخليل جريج: هل رأت أيقونة ال ...
- في فيلمها الأخير - صندوق باندورا - يشيم أستا أوغلو تستجلي ثل ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بيلما باش في فيلمها الجديد (زفير). . سويّة فنية وخطاب بصري رصين