أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - شريط (أرواح صامتة) لأليكسي فيدورتشنكو. .تحفة فنية ترصد قصة حبٌ لايموت وهوية لا تنمسخ















المزيد.....

شريط (أرواح صامتة) لأليكسي فيدورتشنكو. .تحفة فنية ترصد قصة حبٌ لايموت وهوية لا تنمسخ


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3189 - 2010 / 11 / 18 - 13:29
المحور: الادب والفن
    


أبو ظبي
بادئ ذي بدء، لابد من الاشارة الى أن معظم الأفلام التي إشتركت في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي لهذا العام كانت تتوفر على سوية فنية واضحة تؤهلها للتنافس على كبرى جوائز المهرجان مثل (أرواح صامتة) للمخرج أليكسي فيدورتشنكو، (شتّي يا دني) لبهيج حجيج، (لا تتخلَّ عني) لمارنك رومانك، (حرائق) لدني فينلوف، (سيرك كولومبيا) لدانيس تانوفيتش، (مزهرية) لفرانسوا أوزون وغيرها من الأفلام الخمسة عشر التي إشتملت عليها المسابقة المذكورة. وعلى الرغم من أهمية بعض هذه الأفلام إلا أن فوز فيلم (أرواح صامتة) للمخرج الروسي أليكسي فيدورتشنكو قد جاء في محله، وقد وُفقت لجنة التحكيم في أن تُسند جائزة المهرجان الكبرى (اللؤلؤة السوداء وقيمتها مائة ألف دولار) الى مستحقها الذي أبدع في كل مفصل من مفاصل هذه التحفة البصرية التي قدّمت أروع ما يمكن من جماليات الخطاب السينمائي. وقد جاء في قرار لجنة التحكيم أنها أسندت هذه الجائزة لفيلم فيدورتشنكو وذلك "لتصويره الشعري لأصداء تراث ثقافي لشعب حاضر اليوم، ولتميز لغته السينمائية." وقبل ذلك كانت لجنة تحكيم مهرجان فنيسيا في دورته السابعة والستين قد إحتفت بهذا الفيلم ومنحت مخرجه جائزة النقاد، فيما نال مصوره جائزة (أوزيلو) لأفضل تصوير.
طقوس المريان وشعائرهم
لكي نحيط القارئ الكريم علماً بالأس التراثي لفيلم (أرواح صامتة) لابد لنا أن نتوقف عند طقوس وأعراف وتقاليد المجموعة الأثنية المعروفة بالـ (Merja) وهي مجموعة ذات أصول فينو_ أغريكية تمّ إستيعابهم من قبل الأسكندنافيين الى أن جاء القيصر الروسي إيفان الرابع، الملقّب بإيفان الرهيب) فضمهم الى روسيا ومارس ضدهم مختلف أشكال القمع في محاولة لتذويبهم وتمييع هويتهم الوطنية. وجدير ذكره أن هذه الأثنية وثنية تقدس الطبيعة بشكل خاص ولهم آلهة محددة مثل إله النار وإله الريح وما الى ذلك. ووفقاً لمعتقداتهم الراسخة فإنهم يربطون بين الانسان والطبيعة المحيطة بهم حيث يعتقدون أن لها تأثيراً سحرياً على حياة (المريان) وأن الإنسان الذي يريد أن يعيش خارج الطبيعة وبمعزل عنها فإنه لا يقوى على الحياة. كما يلعب الماء دوراً مهماً في حياتهم، ولذلك فهم يعيشون عند ضفاف الأنهار والبحيرات مثل نهر (الفولغا) وبحيرة (نيرو) وللمناسبة فإن (الفولغا) هي تسمية متشقة من اللغة المارية التي يتحدث بها المريان. إن ما يهمنا من أمر هذه الاثنية هو شعائرها وطقوسها، وعاداتها وتقاليدها التي أفاد منها كاتب السيناريو دينيس أوسوكين، صاحب الرواية الأصلية المعنونة بـ (Buntings) وهي نوع من عصافير الدُرَّسة. يعتقد المريان أيضاً بأن (كل شيء قابل للزوال ماعدا الحب الذي لا يعرف الموت) كما يقول الراوي (إيست).
الثيمة الرثائية
لا يقتصر الفيلم، كما أشرنا آنفاً، الى موضوع الهوية (المريانية) التي ذابت بشكل أو بآخر لكنها لم تمت، ولم تتعرض للإنقراض بعد، وإنما يتمحور على موضوعات أخرى مثل الحب، والمشاركة الوجدانية، والفقد الأبدي، وتناول فكرة الموت من زاوية نظر جديدة. يمكن إختصار ثيمة الفيلم بأن ميرون (يوري تسيرليو)، مدير معمل الورق في مدينة (Neya المريانية) يطلب من صديقه الحميم إيست ( إيغور سيرغييف)، المصور الفوتوغرافي، وابن الشاعر المحلي، الذي يزاول كتابة الأغاني والقصائد المتعلقة بالتراث المرياني، أن يرافقه في رحلة مراسيم حرق زوجته تانيا (يوليا أوغ) التي توفيت بسبب مرض مفاجئ، ويتوجب عليه أن يحرقها في مدينة (غورباتوف) التي تربطهم بذكريات شهر العسل. إيست الذي نسمعه عبر تقنية الـ (فويس أوفر) ونراه وهو يزاول مهنة التصوير الفوتوغرافي وكتابة الأشعار يرتبط هو الآخر مع تانيا بقصة حب أيضاً. من هنا فإن المثلث العاطفي يحضر بأركانه الثلاثة في مشاهد الغسل والرحلة الطويلة وحرق الجثة.
لاشك في أن أداء يوليا أوغ التي جسّدت الدور الصعب لـ(تانيا) كانت فنانة من طراز خاص وهي تسيطر على نفسها في دور الزوجة الميتة أو الجثة التي يغسلها بالفودكا كلاً من الزوج المكتئب والعشيق الحزين وهي عارية تماماً من دون أن تُصدر أية نأمة أو حركة، بل بدت وكأنها جثة مسجاة فعلاً. يمشط الزوج شعرها الطويل، ثم يغسل بقطعة قماش منقعّة بالفودكا كل بقعة من جسدها، ولعل غسل النهدين الناعمين الكبيرين كان طقساً مؤثراً خاصاً بالمريانيين يمتزج فيه الحب بالنزوع الإيروسي البعيد عن البورنوغرافية الرخيصة (للمناسبة منعت وزارة الثقافة الروسية دعم وتمويل هذا الفيلم لتوفره على مشاهدة "بورنوغرافية" كما تصور بعض الموظفين في الوزارة المذكورة!). ومن الشعائر الجميلة التي تنطوي عليها عملية الغسل والتطهير هو ربط شعر العانة بعدد من الخيوط الملونة الجميلة التي تتدلى وتغطي عضوها التناسلي، وهي ذات الشعيرة التي أدتها لتانيا فتاتان شبه عاريتين في حفلة زفافها. ثم يلفان جسدها الطاهر العاري ببطانية ثقيلة. وحينما ينتهيان من غسلها وتطهيرها تتم قراءة بعض العِظات الدينية حيث نسمع صوت (إيست) ينساب إلينا قائلاً: ( جسد المرأة الحيّة هو أيضاً نهر يحمل الهموم بعيداً. . . ومن العار ألا تستطيع أن تغرق فيه). بعد هذه المَشاهد الطويلة التي دارت في أمكنة ضيقة يخرج الفيلم الى الفضاءات الواسعة لكي يصور لنا صدق العلاقة بين المريانيين وعناصر الطبيعة التي تقدسها هذه الأثنية. قد لا نغالي إذا قلنا إن الفيلم سيصبح من أفلام الطريق حيث يتطلب من السائق ميرون وصديقه الحميم الجالس الى جواره والعصفورين اللذين لا يكفان عن الحركة في القفص، وجثة تانيا الهامدة على أرضية السيارة الجيب، بضع ساعات كي يصلا الى المكان المائي المنشود. لا شك في أن اللقطات والمَشاهد الساحرة التي صوّرها ميخائيل كريتشمان منذ إنطلاق السيارة وحتى مشهد الحرق والعودة الى المدينة كانت من أجمل المشاهد التي توفر عليها هذا الفيلم الرثائي شديد التعبير. في الطريق الى النهر الكائن في مدينة (غورباتوف) يشتري ميرون كماً كبيراً من الأخشاب التي سيرصفانها مثل دكّة مريحة ترقد فوقها جثة تانيا الملفعة بدثار ثقيل. ثم تندلع ألسنة النيران في الدكة الخشبية والجثة المسجّاة فيما يغلّف الحزن الكثيف معالم وجهيهما. يغرف ميرون بقايا رماد الجثة ويُلقيها في تيار النهر الجاري صوب الأبدية. وقبل أن يعود يخلع خاتم الزواج ويقذفه في النهر أيضاً على وفق التقاليد والشعائر المريانية. وقبل أن يعودا نكحل أعيننا بمشهد صبي صغير يسحب وراءه عربة صغيرة تستقر فوقها طابعة يدوية يلقيها في النهر بعد أن يهشّم صفحته المتجمدة. يقفل الزوج وصديقه الحميم عائدين الى مدينتهما (Neya) حيث يشاهدان عدداً من النساء، وقرب أحد الفنارات الشاهقة يرقصان رقصة تعبيرية جميلة لكي يطوي هذا الفيلم المرهف قصته الرثائية. ثمة مقاربة لهذا الموت الفجائعي الذي هزّ ميرون، وأدخل العشيق إيست في دائرة الحزن الطويل أيضاً، هوت موت والد إيست نفسه، الشاعر الذي قيل إنه توفي من الحزن الشديد بعد موت زوجته أو ثنية روحه، لكنه لم ينتحر لأن المريانين لا يؤمنون بالموت قبل الأجل المحدد أو المكتوب سلفاً. بل أنهم يؤمنون بأن الحب، هذا النزوع الانساني الراقية، لا يموت، وأنه يظل يظل نابضاً حتى وإن غادرت الروحُ الجسد.
يذكرنا المريانيون بالصابئة العراقيين وغير العراقيين الذين يعيشون بجوار الأنهار والبحيرات والمسطحات المائية ويمارسون بعض الطقوس وما الى ذلك من شعائر تستحق الرصد والدراسة والمقارنة لما ينطويان عليه من مقاربات متشابهة في موضوعة الحياة والموت وما بينهما من محطات أساسية تستوقف العقل البشري الذي يشترك في بعض المفهومات الثقافية والفكرية التي تربط بين هذه المجموعات الأثنية مهما بعدت المسافة وإشتط المزار.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي: ثلاثة أفلام إيرانية قصير ...
- الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيا ...
- (روداج) نضال الدبس. . النبوّ عن الواقع والجنوح الى الخيال. . ...
- (طيّب، خلّص، يلّلا) لرانيا عطيّة ودانييل غارسيا. . يرصد الشخ ...
- كيارستمي في فيلمه التجريبي الجديد - شيرين - مُجدِّد لم يكف ع ...
- على خطى هاينكة سليم إيفجي يعرّي الطبقة الوسطى، وينشر غسيلها ...
- بلا نقاب: فن جديد قادم من الشرق الأوسط وشمال القارة السمراء
- يشيم أستا أوغلو و - رحلة الى الشمس -
- في فيلمه الروائي الجديد - خريف - أوزجان ألبير يرصد قمع المنا ...
- تشتّت الرؤية الاخراجية لعمرو سلامة: - زي النهاردة - فيلم يتر ...
- الفيلم الوثائقي- طفل الحرب - لكريم شروبورغ محاولة لنبذ العنف ...
- فيلم - بورات - للاري تشارلس . . . من السخرية الوثائقية المُر ...
- أهمية القصة السينمائية في صناعة الفيلم الناجح
- في فيلمه الروائي الجديد - الحقل البرّي - ميخائيل كالاتوزيشفي ...
- الشاعرة الأسكتلندية جين هادفيلد تفوز بجائزة ت. أس. إليوت للش ...
- الفنان البريطاني رون مُوِيك يصعق المشاهدين ويهُّز مشاعرهم
- المُستفَّزة . . فيلم بريطاني يعيد النظر في قضية العنف المنزل ...
- في شريط - بدي شوف - لجوانا حاجي وخليل جريج: هل رأت أيقونة ال ...
- في فيلمها الأخير - صندوق باندورا - يشيم أستا أوغلو تستجلي ثل ...
- المخرجة التركية يسيم أستا أوغلو في - رحلتها الى الشمس -


المزيد.....




- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - شريط (أرواح صامتة) لأليكسي فيدورتشنكو. .تحفة فنية ترصد قصة حبٌ لايموت وهوية لا تنمسخ