أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نيسان أحمدو - طفولة في كنف الخوف














المزيد.....

طفولة في كنف الخوف


نيسان أحمدو

الحوار المتمدن-العدد: 3189 - 2010 / 11 / 18 - 20:49
المحور: كتابات ساخرة
    


لقد عشت طفولة مرعبة وخائفة، لكني الآن نزعت عن فكري آخر أشباح الخوف بدأت أخيرا أحس بالطمانينة والسكون بعيدا عن وعيد الدين بعذاب الدنيا والآخرة.

كانت طفولتي بعيدة عن آمال لم يرسمها القائمون على تدجيني. ككل الأطفال كنت أحب الرسم كثيرا كما كنت أرسم كل شيء حولي، لكنهم قالوا لي أنني يجب أن أقطع رؤوسها لكي لايطلب مني الله احيائها يوم القيامة لأني لن أستطع وسينتظرني عذاب أليم، وهكذا كلما رسمت انسان أو حيوان أو طير أو وردة ترقص أو شمس تضحك أو نجمة تغني كنت أقطع رؤوسها جميعا خوفا من العذاب الذي سأناله، هكذا إلى أن أصبحت في المرحلة الاعدادية حيث لم يكن مسموحا لي برسم أي شيء سوى التشكيلات النباتية القبيحة والأشكال الهندسية والخط العربي، ثم أعلنت موهبتي الفنية انتحارها.

كانت طفولتي مؤرقة. كنت أسهر ليال كثيرة تحت أغطية السرير خائفة من الموت الذي سيسلخ روحي من جسدي في ألم لامثيل له، ومن عذاب القبر الذي سأتلوى فيه إلى يوم القيامة، ومن الجحيم الذي سيمر به الجميع، ومن قصص العذاب والويل والثبور التي كانت تملأ نهاري في المدرسة و التي ستنهال علي بالتأكيد لأني امرأة. كنت أبكي بمرارة وأتوسل أن يرحمني الله ويرحم والدي.

كانت طفولتي مدجّنة. لأني كنت أبرمج لأنفذ أمرين عسى يدخلاني الجنة: الزوج وحفظ الفرج.

كانت طفولتي معذبة. لطالما أحببت قصص الخيال العلمي ولطالما وُبخت على قرائتها لأنها مضيعة للوقت وجالبة لغضب الرب. لقد وبخت وشارفت على أن أُضرب عندما كان عمري تسع سنين لأن الوقت كان قد حان للبس البرقع وأداء الفرائض. وكنت أتعذب لأني كذبت دائما عندما كنت أدعي قيامي بالفرائض وأنا أفكر بالحديقة وبسندويتش الشاورما وبلعبتي الجديدة. كنت أكذب في رمضان قائلة بأني أصوم طوال اليوم وأني أختم الكتاب كذا مرة وأني أسهر مبتهله في ليلة القدر عسى تحبني آنساتي وصديقاتي لكثرة ورعي.

كانت طفولتي مخجلة ومكلفة. لم تدع عائلتي من طبيب لم نزره دون جدوى لأني عانيت من أمراض بولية بسبب خوفي من مس من قبل الجن والشياطين التي تسكن دورات المياه.

كانت طفولتي مليئة بالحقد والكراهيه. أذكر كيف كان وقع معرفة أن لدينا جارا مسيحيا شديدا عليّ خلال احدى زياراتي للوطن. كم تمنيت أن أطرده من منطقتنا المؤمنه لأنه ضال. كم كرهته وحقدت عليه. وكم تمنيت أن أهديه للصراط عسى أدخل بحسنته الجنه.

كانت طفولتي بلارحمة. أذكر كيف أني مرة كنت عائدة من المدرسة وإذ بجرو صغير جميل ولطيف يبدو مريضا مستلقيا على حافة الطريق، فقمت بالصراخ عليه والهرب لأنه نجس ولأني خفت على ملائكتي أن تفرد جناحيها وتهرب منه. و اليوم بعد أن أصبحت من معتنقي الأشجار أعاني من عقدة الذنب لأن الكلاب أجمل وألطف كائن رأيته.

كانت طفولتي خائفة. عندما كنت في الحادية عشرة من عمري وكنت مع عائلتي في أحد الأسواق، اذ برجل نحيل ملتحي يشبه الجرذ يركب سيارة مسرعة يخرج رأسه ويصرخ بي كمن أصابته لوثه عقليه: غطّي وجهك ياحُرمة!!! طفلة في الحادية عشرة هي حُرمة تثير الغرائز!

كانت طفولتي مثيرة للشفقة بسبب ما زرعوه في رأسي بالتهديد والوعيد والتخويف وأرادو مني الالتزام به. لكني عرفت الحقيقة فتغيرت وبدأت بمحاربة مخاوفي التي لم تكن لتدعني وشأني وقتا طويلا. وبعد أن قهرتها أحسست لأول مرة في حياتي بالسكون والأمان والراحة.

هل سيدعي أحدهم انه لم يكن خائفا مثلي، فكّر/ي مرة أخرى ثم فكّر/ي بأطفالك.

أنا أغفر لطفولتي لأنها كانت بريئة في كنف الخوف.



#نيسان_أحمدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحد وليل وجيران
- أوصاف الحورالعين


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نيسان أحمدو - طفولة في كنف الخوف