|
غربان الوهابيه .. وأسطح ناطحات السحاب !
سهيل حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 3168 - 2010 / 10 / 28 - 23:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
متزامنة مع وضوح معالم التردي العام في منطقتنا العربيه ، تأتي مظاهر الهجمة شبه المنظمة على ما حققته المجتمعات الاوربية عموما ، من نجاحات مبهرة في عوالم المدنية والتحضر .. حيث أصرت قوى التخلف المتمثلة في دول الخليج العربي ، على توجيه الضربات لما تعتبره هدفا لها في الوقت الحاضر ، بعد ان افلحت في احداث انتكاسات متتاليه على صعيد البناء الاجتماعي والاقتصادي داخل بلدانها وما جاورها من بلدان . ومن المؤسف بمكان ، ان العديد من مراكز التنوير ضمن مجتمعاتنا ممثلة بالبعض من الكتاب واصحاب الكلمة المؤثره ، يعتبرون ما يحدث في الاوساط الرسمية الاوربية وامريكا من محاباة لعناصر التطرف الديني الوافدة من الخارج ، وكأنه جزء من الحفاظ على الحرية الشخصيه ، وان التعرض لصيغ هذا التطرف ومقاومته هو تعدي على مباديء الديمقراطية بشكل خاص ، ومن ثم ، فان اي مظهر من مظاهر الاحتجاج على توسع المد الوهابي السلفي في اطراف الجسد الاجتماعي في الغرب ، هو تناقض صريح مع الواقع المؤمن بضرورة سيادة مباديء حقوق الانسان . تحمل لنا الاخبار كل يوم ، صورا لذلك الزخم الكبير من الضغوطات السياسية والاجتماعية على مجمل مراكز اتخاذ القرار في فرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكيه وغيرها من الدول المتحضره ، لفرض قوانين تسهل على المتطرفين المغرضين سبل سعيهم لاحداث الخراب المتعمد في عموم مفاصل المجتمع . ومن المفزع جدا ، ان تلكم الاطراف المتشددة بدأت تعمم تأثيرها على شرائح عديده من الشعوب في المنطقه ، لتضمن مناصرتها في سعيها لاكتساب مشروعية مطالبها الآخذة في التزايد ، من حيث الوتيرة والنتائج .. القنوات العربية الوثائقية ادرجت ضمن برامجها اليومية ، من الافلام ، ما يشير الى ضخامة مظاهر الاضطهاد الذي تتعرض له الجاليات المسلمه في دول الغرب ، ولم يفتها ان تصور مسيرة فتاة مسلمة محجبه مثلا ، وهي تتعرض لاهانة الشرطة ، او تطرد من قاعة الدرس لكونها ترتدي النقاب ، ضمن سيناريو تراجيدي مؤثر ، يحاول ان يوصل لب الفكرة ، وهي ان الاسلام والمسلمين ، يواجهون في دولهم المضيفة اضطهادا وتجنيا من قبل دعاة العلمانية الكافره وممثليها في السلطه .. حتى أن العديد من المثقفين الاوربيين ، لم يفت تلكم القنوات ان تصطادهم بخبث واضح ، ليعرضوا افكارهم الداعية لاحترام حقوق الاقليات الدينية ضمن مجتمعاتهم المتسامحه ، وهم لا يدركون بان أطرافا من تلكم الاقليات ، راحت تباشر بزرع اسفين مدمر، سيقضي عاجلا ام آجلا على مجمل التجربة الديمقراطية ، عن طريق تجفيف منابعها رويدا رويدا ، حتى بلوغ الهدف المرتجى ، وهو الانتصار على المظاهر المدنية الحديثه وارساء دواعي التخلف بدلا عنها . ومن العلامات التي تستحق الوقوف عندها بجدية الملاحظه ، هي ان الصين وروسيا وبقية الدول الاشتراكيه السابقه ، لم يظهر بها ذات التوجه السلفي في بقية دول الغرب ، كونها لم تفتح باب اللجوء والهجرة الى اراضيها وبنفس الدرجة من السعه ، ولا توجد في داخل مجتمعاتها ذات التعددية من الاطياف العرقية الوافده ، التي تظهر بين الشعوب في بلدان الاتحاد الاوروبي وامريكا كما هي الحال في الوقت الحاضر . بل انني وفي بعض الحالات ، اجدني مضطر للتنبؤ ، بان روسيا مثلا ، سيكون لها موقع متميز مستقبلا من حيث درجة المحافظة على تركيبة مجتمعها العلماني ، والذي لم يتلوث بعد ، بصبغة التطرف العربي ، هذا اذا استثنينا ما حدث ويحدث من قبل المتطرفين الشيشانيين المدعومين من قبل النظام السعودي وبشكل مفتوح . الحجاب والنقاب ، لا زالا المنطلق الابتدائي لقوى التطرف الاسلامي في حركتها الاميبية في داخل المجتمعات الاوربية عموما ، يقابله تساهل من قبل الحكومات ، بدأ يتزايد بتزايد القوى المطالبة بالغاء التشريعات الجديده ، والتي تحد من ظاهرة انتشار اللباس الديني ليس للمسلمين فحسب ، وانما لجميع الاديان والطوائف .. وتم غزو الجامعات في دول الغرب من قبل مجاميع مهووسة من الفتيات المهاجرات المبالغات في التحجب بقصد الاثارة والتحدي ، وكان ذلك تناغما مع ما يحدث في مصر ، حيث تحركت قوى الاسلام السياسي لتهاجم معاقل مراكز العلم في البلاد ، من خلال مجموعات من الطالبات الجامعيات اللواتي بدأن وبشكل مقصود ، استفزاز فرق الحراسة المكلفة بتنظيم دخول الطلبه الى الحرم الجامعي .. وقد اظهرت قناة الجزيرة ، من خلال سعيها لمناصرة المد الوهابي في المنطقة ، صورا شتى لما اعتبرته مظالم يتعرض لها الاسلام في المنطقه ، فكانت الصرخات التي تطلقها بعض الفتيات ( الضحايا ) ضمن سيناريوهات معدة باتقان ، توضح للمتلقي والمشاهد العربي ، بان خطرا اضحى يهدد الاسلام والمسلمين ، اسمه العلمانية وقوى اليسار المتفتحه ، والداعية لعزل الدين عن الدوله . لقد أدت تلكم التداعيات المتسارعه ، والتي سببها التحرك الاسلاموي السلفي في دول الغرب ، وفي بعض الحالات ، الى اصطفافات واضحه للبعض من المحسوبين على القوى اليسارية والحداثوية ، ووقوفهم الى جانب القوى المتخلفة والرجعية ، موهمين انفسهم قبل الاخرين ، بأن ردة قد حدثت في ديمقراطية بلدان الاتحاد الاوروبي وامريكا ، وان نتائج تلك الرده ، هو ما افرزته بعض البرلمانات من قرارات ، تكبح جماح التطرف الديني الوافد عبر ازقة الهجرة واللجوء ، ومن الدول العربية على وجه الخصوص .. فنقرأ ونسمع يوميا جملة من الافكار غير الموضوعية ، مصدرها اقلام عرفت بانتماءاتها العلمانية المتنوره ، وهي تبكي بحرارة ، على خيانة الانظمة الغربية لتقاليدها الديمقراطيه ، كونها عمدت الى اصدار تشريعات تحمي كيانها الاجتماعي ، وتضع حاجزا بين شعوبها وتلك الاعراف البالية مما حمله اليها جملة من الكارهين للحياة .. في حين ، تتعرض الديمقراطية الغربية عموما في هذه الايام ، الى اعنف هزة ستعبقها هزات ارتدادية ستهد كياناتها الوليدة لنضالات دامت زمنا ليس بالقليل ، اذا لم تعمد الى اتخاذ المواقف الحاسمه لصد عاصفة التطرف الآتية من خارج الحدود ، تلك العاصفة التي باتت تساهم في تسارع مدياتها جملة من المعطيات الاقتصادية المؤثرة في طبيعة التحرك السياسي وعلى ارفع المستويات ، فالبترودولار بات يتحرك بحرية لشراء ذمم المسؤولين والناشطين الغربيين ، بهدف توجيه الحركة البرلمانية والطاولات الرسمية باتجاه محاباة الفكر الديني المتشدد ، وزيادة الرعاية المحيطة بمراكز المد الديني العازل لمسببات التقدم .. وقد اصبحت العديد من منظمات المجتمع المدني في الغرب ، واقعة تحت هذا التأثير ، حيث صدرت عنها ولا تزال ، دراسات مقتضبة ، توحي بأسفها على ما بلغه النهج الديمقراطي الرسمي والشعبي في بلدانها من حال لا يسر ، وكأن التصدي للاحتماء بالنقاب في الشارع والجامعه ومخازن التسوق ، وتسهيل تمرير الارهابيين ، واحداث البلبلة وعدم الاستقرار تحت هذا الستار الاسود ، هو من باب الاختلال في التوازن الديمقراطي وتعريض حقوق الانسان للخطر . لم تمر مجتمعاتنا العربية ، وخلال اية فترة من تاريخها ، بمثل هذا الغزو الذهني الفضيع ، والذي قتل في نسبة كبيرة جدا من البشر قابلية التفكير السليم ، وحدى بهم الى اتخاذ ما يسمى بالرقية الشرعية والاذعان لمصادر الشعوذة والارتداد الى الخطوط الخلفية من التاريخ ، طريقا لاستحضار سبل بناء حضاري مهلهل ، لا يحمل من المدنية شيء .. وتسلقت الى قمم السيادة في اغلب بلداننا ، صنوف من القادة الدينيين ممن نصبوا انفسهم كمراجع للعامه .. ومن خلال هذه الكينونة الطارئة ، راحت قوى الردة في دول عربية على وجه الخصوص ، تفعل فعلها في تصدير معالم السيطرة التدريجية على مكتسبات المجتمعات الحره ، لتقوم في نهاية المطاف ، بهد صروح التقدم على اختلاف مستوياتها ، وضمان تنفيذ خيال قديم جديد ، يقول باعادة المجد العربي التليد ، وسيادة انظمة الصحراء العربية على بقاع العالم . ان كافة مراكز الاشعاع الفكري النير ، مدعوة اليوم ، ان تتحرك وعلى كافة المستويات ، لتنبيه شعوب العالم اجمع ، الى خطورة ما يجري تفعيله من قبل دول بعينها ، راحت تستخدم خزائنها الفائضه لمحاربة حيثيات التقدم في البلدان الاخرى ، بدلا من السعي للارتقاء بشعوبها الى مصاف الشعوب الراقيه ، ولابد من وضع السياسات الحكيمة لمعالجة فضاضة العديد من حركات التطرف الديني مهما كان مصدرها ، حتى لو تطلب ذلك وضع العناصر المتطرفه من المهاجرين الى الدول الغربيه ، امام الخيار الصعب ، والذي يضعهم امام الانسجام وقوانين واعراف المجتمع المضيف ، او التهجير ضمانا لسلامة وبقاء تجارب انسانية اعطت الشعوب المتحضرة من اجل ارسائها الكثير من التضحيات وعلى مرور دهور وليست سنين . وحري بالانظمة الفاسده ، والتي اناطت بنفسها مهمة اطلاق العنان لغربانها المحبوسة في خيم الصحراء، كي تحط على قمم ناطحات السحاب ، لتعكر صفو بلدان وشعوب انعمت عليها بنعمة استغلال ثرواتها ونفوطها وتزويدها بما يقيها شر الاندثار ، ان ترعوي وتحسن التقدير ، وان تقر صاغرة بان ذلك كله كان بفضل التقدم التكنلوجي الحثيث ، والاتي من بوابات التحضر والمدنية ، وليس من تسويق مفاهيم موغلة في القدم عافها الدهر وبصقها التاريخ وراءه ، فاضحت رمادا لا نفع فيه .
#سهيل_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألحقيقة .. ليست ملكا لأحد .
-
ألحقيقه .. ليست ملكا لحد .
المزيد.....
-
المرصد الفرنسي للهجرة: الجزائريون أكثر المهاجرين تمسكا بالهو
...
-
فرحة العيال رجعت.. تردد قناة طيور الجنة toyour eljanah 2024
...
-
المقاومة الإسلامية للعراق تستهدف ميناء حيفا بأراضي فلسطين ال
...
-
بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو
...
-
قمة إسلامية في غامبيا وقرار منتظر بشأن غزة
-
بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم
...
-
استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم
...
-
شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا
...
-
الاحتلال يقيد وصول المسيحيين لكنيسة القيامة بالقدس في -سبت ا
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|