أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - وجوه تتكرر فى كل عهد















المزيد.....

وجوه تتكرر فى كل عهد


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3152 - 2010 / 10 / 12 - 09:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان أبى يشير إلى جوقة المثقفين والأدباء المكرمين فى عصر عبدالناصر قائلا «هؤلاء هم مأساة مصر» المصفقون لكل من جلس على العرش، أسماؤهم تتكرر فى كل احتفال أو لقاء أو جوائز، ومقالاتهم بصورهم تنشر فى جريدة الأهرام الكبرى، هؤلاء مقررون علينا بالقوة والقرار الجمهورى المكتوب أو الشفهى.

ومات أبى ومات عبدالناصر، وأصبح السادات رئيس الدولة يتبع القاعدة ذاتها فى اختيار من يسمونهم النخبة، يعينون فى جريدة الأهرام وغيرها من الصحف القومية الكبرى، يرأسون الهيئات والمؤسسات الثقافية والإعلامية، يحصلون على الجوائز، يلتقى بهم رئيس الدولة فرادى أو مجموعات من حين إلى حين، يحظون بلقب الكاتب الكبير أو الكاتبة الكبيرة، أو المفكر الكبير أو الروائى العبقرى، أو عقل الأمة أو ضميرها النابض.

تتكرر المأساة فى كل عصر، مع كل حزب، من الحزب الوطنى أو القومى أو الاتحاد الاشتراكى أو الرأسمالى، من الحكومة أو المعارضة، من اليمين أو اليسار أو الوسط، فالمشكلة ليست سياسية طرأت على مصر منذ ثورة يوليو ١٩٥٢، بل هى قديمة منذ عصر الملك والسلطان والخديو وما قبله حتى العصر العبودى، هى أسلوب التعليم والتربية السياسية والدينية والقومية الراسخة فى الوعى واللاوعى، فى بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا والأحزاب والجمعيات وكل المؤسسات المدنية والدينية، فى القرى والمدن، فى الوزارات والمحاكم والجوامع والكنائس والصحف والنقابات المهنية وغير المهنية، فى بنود الدستور والقوانين العامة والخاصة.

هذا الأسلوب يقوم على فكرة أساسية تقول : طاعة الحاكم (ولى الأمر والنعمة ) من طاعة الله، (وفى حالة النساء + طاعة الزوج)، وجوه النخبة هؤلاء وشخصياتهم لها سمات متشابهة، قد ألتقى بأحدهم أو بعضهم صدفة فى ندوة أدبية أو ثقافية داخل الوطن أو خارجه، يرمقوننى بنظرات وجلة من بعيد، يعرفون رأيى فيما يكتبون، وأعرف رأيهم فيما أكتب، يرددون ما تقوله السلطات الحاكمة عن أصحاب الرأى الحر: قلة مشاغبة منحرفة عابثة بالقيم، والمقدسات والثوابت الوطنية والدينية، كتاباتهم شطحات أو شطط أو طيش، لا علاقة لها بالعلم أو الأدب، بعيدة عن الحكمة والعقل، يهمس أحدهم فى أذنى: ما جدوى نقد الذات الملكية الجمهورية يا سيدتى؟ إنهم يملكون حياتنا وموتنا، توفيق الحكيم لم يعد إليه الوعى إلا بعد موت عبدالناصر، ويوسف إدريس قال لصاحب العرش: «أشكو منك إليك»؟

السياسة يا سيدتى فن الممكن، وليس المستحيل، لماذا تقفين وحدك دون حليف؟ أو مع قلة طائشة؟ لماذا لا تفهمين قواعد اللعبة السياسية الصحفية الأدبية الثقافية الانتخابية؟

فى كل عصر تتكرر الوجوه مع تغير الملامح قليلا أو كثيرا، يموت بعضهم ويظهر آخرون بالوجوه ذاتها أو التى تشبهها، قد يختلفون فى طول القامة أو قصرها أو السمنة أو النحافة أو لون البشرة أو الطبقة أو الجنس أو العقيدة، السمة الأساسية تجمعهم، الطريقة التى يقفون بها، كفوفهم المعقودة فوق صدورهم، الانحناءة الواضحة أو المستترة، الابتسامة العريضة من الأذن الى الأذن، يخرجون من اللقاء الأثيرى يلهجون بآيات الشكر والثناء والولاء، ينقلب المعارض إلى مؤيد، ينقلب المؤيد ٥٠% إلى مؤيد ١٠٠%، يعترف أن الوعى عاد إليه أثناء اللقاء التاريخى، يتلقى التهانى من الأهل والأصدقاء، يهمس بعضهم فى أذنه «سوف تصبح وزيرا فى أول تعديل وزارى ألف مبروك لا تنسانى يا سيدى»، يقبل عليه الناس البسطاء يوسطونه لقضاء مطالبهم وحقوقهم المؤجلة عاما وراء عام أو قرنا وراء قرن، يشمخ بأنفه متعاليا يشخط فيهم، لم يعد واحدا منهم، إنه العبقرى المصطفى من بين ٨٠ مليوناً للقاء التاريخى، يرى وجهه فى المرآة متورداً بالدم، يبتسم لنفسه، يمشط شعره، يرى مستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده فى ضوء مبهر، كل شىء بديع والجو ربيع.. فى عهد عبدالناصر قالوا عنه القائد البطل، طرد الملك الفاسد والاستعمار البريطانى من مصر، تحدى الآلهة الكبار فى أمريكا وإسرائيل، قال ارفع رأسك يا أخى، أعاد الكرامة وعزة النفس إلى الفقراء والكادحين، لم تكن الهزيمة الكبرى عام ١٩٦٧ إلا كبوة طارئة، لم يحبس معارضيه، لكل جواد كبوة، لم يكن عبدالناصر ديكتاتوريا بل كان ديمقراطيا يتقبل الرأى الآخر، ألم يسمح بنشر قصيدة نزار قبانى ورواية نجيب محفوظ؟

فى عهد السادات قالوا عنه بطل الحرب والسلام، سمح بتعدد الأحزاب والديمقراطية، الرئيس المؤمن تمسك بالقيم وأخلاق القرية، انتصر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ وأعاد سيناء إلى مصر، معاهدة كامب ديفيد لم تؤد إلى تصفية فلسطين وتدمير العراق وسيطرة إسرائيل وأمريكا على المنطقة، لم يكن السادات مستبدا ولم يحبس المخالفين له فى مذبحة سبتمبر ١٩٨١، لم يفتح أسواق مصر للبضائع الأجنبية والسوق الحرة والفساد، لم يضرب الإنتاج المصرى الزراعى والصناعى لصالح الاستيراد وحفنة من رجال البيزنس، لم يطلق الإخوان المسلمين، والتيارات الدينية السلفية، من أوكارها، لتضرب الناصرية والاشتراكية بتهمة الكفر والعمالة للغرب، لم تكن مأساة السادات إلا نتيجة خطأ طارئ غير مقصود، لم يكن يحب التمثيل على مسرح السياسة والعلم والإيمان، لم يكن يهوى التحكم والاستبداد والعشوائية، كان رجلا وطنيا عبقريا ديمقراطيا.

لم تشرح النخبة للشعب ما هى الديمقراطية؟ هل هى قرار من رئيس الدولة بإنشاء المنابر أو الأحزاب؟ هل تنشأ الديمقراطية بقرار جمهورى؟ أم أن الديمقراطية أسلوب حياة من الولادة حتى الموت؟ أن الديمقراطية مبادئ تنغرس فى نفوس الأطفال فى البيوت والمدارس.

إذا غرس الأب فى عقل الطفل أن الطاعة فضيلة فهل يمكن له أن يناقش أو يختلف؟ إذا تعلم الولد أن الرجولة هى السلطة والسيطرة، فهل يصبح حاكما ديمقراطيا فى الدولة؟ أو فى العائلة؟ هل نمارس الديمقراطية فى موسم الانتخابات فقط؟ هل تتحقق الديمقراطية فى البرلمان، وبيوتنا خالية من الديمقراطية؟ إذا تربت الطفلة على أن الزواج وظيفتها فى الحياة حسب أمر الله، فهل يمكنها أن تنزل إلى حلبة السياسة أو الانتخابات؟.

منذ أيام قليلة، يوم ٢ أكتوبر ٢٠١٠ رأيت الوجوه ذاتها أو الشبيهة بها فى الصحف، يسمون أنفسهم نخبة، الطريقة ذاتها التى يقفون بها أمام الحكام، ملامح الوجه ولغة الجسم، الكلمات ذاتها المنطوقة بعد اللقاء الفريد.

جاءنى صوت أحد الشعراء:

عقل الأمة الغائب، النافخون فى المزامير، منذ عصر الفراعنة ينفخون الأبواق، كلمات المدح والثناء، يحصدون الجوائز والهبات، يضللون الرأى العام، شلل مشتتة منقسمة تتنافس على السلطة والثروات، تلعب دورها المرسوم فى المعارضة أو الحكومة أو الانتخابات، هم سبب الهزيمة والفقر والنكبة، هم أصل الداء وقمة المأساة



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة
- الصورة المفبركة بدل الحقيقة المؤلمة
- المرأة الكاتبة
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة
- حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القا ...
- أنا أكتب إذن أنا أعيش
- خلايا العقل المظلمة
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء
- حجاب العقل.. أخطر
- المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط و المسيار أفضل من الزوا ...
- د.نوال السعداوي: مصر لا تستحقني.. وأنا -قرفانة- من الجنس
- النساء ضحايا الاستغلال الاجتماعي
- المراوغة في فكر النخب المصرية السائدة


المزيد.....




- وزير خارجية إسرائيل: مصر هي من عليها إعادة فتح معبر رفح
- إحباط هجوم أوكراني جديد على بيلغورود
- ترامب ينتقد الرسوم الجمركية على واردات صينية ويصفها -بغير ال ...
- السعودية.. كمين أمني للقبض على مقيمين مصريين والكشف عن السبب ...
- فتاة أوبر: واقعة اعتداء جديدة في مصر ومطالبات لشركة أوبر بضم ...
- الجزائر: غرق 5 أطفال في متنزه الصابلات أثناء رحلة مدرسية وال ...
- تشات جي بي تي- 4 أو: برنامج الدردشة الآلي الجديد -ثرثار- ويح ...
- جدل حول أسباب وفاة -جوجو- العابرة جنسيا في سجن للرجال في الع ...
- قناة مغربية تدعي استخدام التلفزيون الجزائري الذكاء الاصطناعي ...
- الفاشر تحت الحصار -يمكنك أن تأكل الليلة، ولكن ليس غداً-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - وجوه تتكرر فى كل عهد