أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - روجيه عوطة - المعنى: هدية البحار العجوز















المزيد.....

المعنى: هدية البحار العجوز


روجيه عوطة

الحوار المتمدن-العدد: 3111 - 2010 / 8 / 31 - 22:22
المحور: الادب والفن
    


دائما ً السؤال نفسه:"هل على الموت أن يكون موضوع أساسي في أي قصيدة؟ وهل الشاعر يكتب لينسى الموت أو يتقبله، أم أنه يتحدى الموت بكتاباته هذه، التي تحمل في ثناياها رغبة الحياة؟"، وهذا ما يذكرنا بسؤال طُرح مرارا ً وتكرارا ً على الفيلسوف بول ريكور، من قبل طلابه اليساريون:"هل يوجد حياة قبل الموت؟". متسلحين بأسود هذا السؤال الدائري، ندخل "مملكة الخبز والورد".
يأخذنا جوزف حرب الى تلك المساحة الواسعة بين الموت والحياة، يرسم لنا هذا الخط الفاصل بينهما، فنكتشف بأنها ليست بمساحة واسعة ولا ضيقة لأن لا مساحة في الأصل، بل مجرد ألوان تحمل من ولادتها الفناء ومن صيرورتها البقاء حتى تصل الى الأرض طارحة ً ما لديها فيها ونائمة ً في القبر، ذلك الرمز الذي ينقلنا الى عالم خفيف ٍ كالروح.
في هذا الكتاب، الشبيه بسيرة حياتنا، يقطفنا الموت ويضعنا في رحمه لكي يلد في الأرض من يأتي بعدنا، بعد أن كان قد سيّر خطواتنا وتركنا نمشي ونقطع مشاهد من الألوان، من المشهد الأبيض، الولادة، الى المشهد الأسود، الموت، مرورا ً بالكثير من تمظهراته المُلونة: الأصفر، الأحمر، الأخضر، البنفسجي، النيلي، الأزرق، والبرتقالي، تاركا ً الحديث في النهاية للنوم، حيث "لم يبق َ سوى الأسودِ، فلأدخُل به قبري وأغفُو".
عندما نصل الى "المشهد الأسود"، نعلم أن لا إمكانية للهروب من الموت لأن الإنسان لا يهرب من ذاته، من جسده، من يديه، ومن إرادته. دائما ً نأتي الى الأرض حاملين بيدنا الأولى سكين ثوري ضد العماء، الملح، "تيجان الملوك الحمر"، وضد "من قد قتلوا الله الذي يسكن فيهم، عندما قد قتلوا الله الذي في كل نفس"، وبيدنا الثانية قنديل يشتعل بما فيه من الألوان، ألوانا ً صنعها الموتُ نفسه، أو خُلقت من رحمه، فنُلوِّن الأرض حتى تصبح الألوان السبع فيها ، لكن موت اليد الثانية ليس بالموت الذي نهرب منه أو نخشاه بل موتٌ يخلق من طينة الأرض حياة ً "لمن يأتون من بعدي"، إنه النفي الخالق الذي من خلاله نسرق مفتاح المعنى، فنغفوا في حضنه دون أي رهبة أو وحدة فأنت أيها الميّت "لن تأتي ولن تمضي وحيدا ً".
"دعوني أغلق الباب على نفسي قليلا ً قبل أن أمضي إليكم" يقول الشاعر، يطلب الوحدة قبل مجيء الموت، انها قوة التصميم على الإبتعاد عن الناس، الوحدة ليست سوى عودة الذات الى أصلها، الى حقيقتها الأولى، فيقف حاملها ويصرخ:"أنا هذا الخائف من قُرب الموت، ورغم ذلك سأنتظره وحيداَ".
فالحياة "زهار ٌ يعتني بالورود والموت بستاني"، كما يقول بريفير، يسهر على إستمرارية البستان ، فللأرض ان رحل الأول فناءاً قاسيا ً وان رحل الثاني فناءا ً أقسى، فالإثنان بحاجة لبعضهما البعض، ليصنعا معا ً عطر الأرض المُلونة، فيقول جوزف حرب "وإذا فرِحَ الموتُ بما يحمِلُ منا عندما يأخذ ميتاً، تفرح الأيام بالآتي لأنا قد وُلدنا من جديد فيه"، ما يجمع الإثنان هو حفنة من التراب، فقبل الموت تراب وبعد الحياة تُراب، فالتراب تركة الموت للقديس، الطعام للجائعين، والفردوس للإله، فعندما تمتزج الألوان بالتراب يخرج الموتى الى الأرض ِ حاملين قنديلا ً يضيئون َ به الجنة، فيدعونا الشاعر ويقول:"ذوبوا ألوانكم في الأرض حتى ليس يبقى في أياديكم سوى الليل، فتلتقوا بقمصان ٍ له سودٍ، وتمضوا في المساءاتِ الى أضرحة ٍ تُخر ِجُكُم من عتمِها الأرضُ إليها، عندما تكتمل الجنة ُ فيها."
لكن لا فائدة من الجنة التي لا تحضنُ الجسد، هذا البيت "الذي تسكنه خمسُ نساءٍ "، فيمر به بحارٌ عجوز ويهدي قاطنيه، أي النساء، "المرايا، ومناديلَ الزفاف البيضَ، والخمرَ، وناياتِ الليالي"، أي يهديهم إنعكاسات مضمونهم، فرحهم، نشوتهم وموسيقى ترحالهم الى الرقص ليروا الله، عظيم ٌ هو الجسد الذي يرقص فـ"يجري في مياه الأفق حتى يقطف الشمس التي تسبحُ فيها"، فمن هو هذا البحار العجوز غير الموت وألوانه من بياض المناديل حتى أسود الليالي، ذلك الأسود الذي يمتزج بالموسيقى ليدركنا النوم ويسير هبنوس وثناتوس جنبا ً الى جنب، فيأخذنا البحار العجوز بيدنا ويدخلنا الى زورقه العميق كالقبر.
في نهاية "المشهد الأسود" تظهر إمرأة من ذهب، فيتمنى الشاعر لو أنه أتى الى الحياة بلا موت، "ليتني يا امرأة ً من ذهبٍ جئتُ بلا الأسودِ"، لكي يرضيها، لكن ماذا يفعل ان كانت الحياة محكومة بالإنتهاء، رغم ذلك أعطاها الحياة وأورثها نسيان الموت وطلب منها أن تُبعد يدها عنه فيدها خُلقت للمس النور لا النوم، وأن تُكمل المسيرة، مسيرة الحياة، لأن موته، نومه، صنع لها أرضا ً بلا فناء، وأهداها مفتاح المعنى من هذه الأرض التي ستعتني بها حتى أن تذبل ورودها كإحدى حبيبات رونسار.
"المشهد الأسود" هو الفصل الأخير من السلب المؤدي الى الإيجاب، مركبّ الموت والحياة بفعل حضور الآخر، أي تلك الإمرأة، فهو سلبي لأن الشاعر قد نام ومات، وإيجابي لأن الحياة، التي أهداها للإمرأة، هي حياته، والتي لا يمكن أن يهديها لو لم تكن صنيعته، والآن ليس في وسعه سوى الموت والإختلاء بالأسود والوداع، أما هي فترخي الشراع، وتمر برحلة المشاهد والألوان حتى الرمق الأخير، حتى أن يأتي إليها البحار العجوز، ويضع فوق رأسها صورتها الشاحبة ويكتب بأحرف بنفسجية، تجمع بين اللذة والفناء، بين الأحمر والأسود، كاتبا ً:" لم تمت الصبية ولكنها نائمة"، كأن ميليا تعود الى حقيقتها الأولى.
على صهوة القبر نرحل الى الغياب، مقتنعين بأن القصيدة تحتاج الى جرعة الموت كي تُصبح سيرة ذاتية للمعنى فـ"ينتمي الشاعر الى لغة لا يتكلمها أحد، والتي لا تتجه الى أحد، والتي لا تملك مركزا ً، والتي لا تدل على شيء" كما يقول موريس بلانشو في فضاءه الأدبي، وذلك لأنها لغة متكررة إذ أن الشعر ليس سوى مفردة تتكرر بفعل غريزة التغلب على الموت، و مقتنعين بأن قبل الموت لا حياة ولا موت بل الإثنان معا ً، الموت الذي يضج بالحياة، والحياة التي تضج بالموت، ومقتنعين بأن الحياة ليست خطأ شائع يقوم الموت بتصحيحه، بل أن الحياة هي الراوي والموت كاتب لا يتواطأ ضد راويه ولا حتى يُخيفه، بل يلتقي به ويُجيب عن سؤاله البنفسجي: "لماذا تكتبني؟"، فيجيبه:"أكتبك لأصنع نفسي، أكتبك لأصنعك كنفسي، وأعطيك ألوانا ً ومعنى فندخل سويا ً مملكة الخبز والورد".



#روجيه_عوطة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورتريه مائي فارغ
- مرآة الدين الضائعة (لا بد للجسد أن يعود الى القبر ليرى مرآته ...
- لن يُستهلك ماركس بعد الآن
- الوجه: نرسيس بلا مرآة
- رحم الأم...بيت الزوج...القبر
- ثنائية لحظة الذروة
- مفتاح السجن في يد السجين
- الماركسية والدين
- هل من سبب للطائفية في لبنان؟


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - روجيه عوطة - المعنى: هدية البحار العجوز