أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى المشهراوي - صداقة















المزيد.....

صداقة


هدى المشهراوي

الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


إلى تحرير


لقاء
على شاطئ البحر التقينا في يوم صيفي حار هرب فيه أهل العاصمة لتمتلئ شواطئ البحر بأجسادهم المتململة من شدة القيظ تتقي منه بماء البحر رغم حرارته. كانت هناك مع أمها وابنها. دعتني للجلوس معهم وقضينا النهار كله في الحديث وكأننا صديقات قديمات. في المساء وفي طريق العودة قالت تعالي اقضي المساء عندي. قلت لما لا. ذهبت إليها ومن يومها لم نفترق.

فيلم
أي طعام تشتهين؟ سألتني وهي تلوح بشريط فيديو استأجرته لفيلم كانت حدثتني عنه طويلا. سألتني إن كنت أشتهي قطع الستيك أم أفضل عليها الكبة العراقية اخترت قطع الستيك مع السلطة والبطاطس التي كانت تعدها بطريقة شهية جدا. بعد الأكل جهزت الفيديو لنشاهد الفيلم. أحضرت غطائي وتمددت على الكنبة. زجرتني وقالت: أبعدي الغطاء عنك ستنامين. قلت: لا، أعدك بأنني لن أنام وغفوت.

حب
حدثتني كثيرا عن أخ لها، قالت انه عبقري يجيد لغات كثيرة يعزف الغيتار ويغني حنون حساس وعاطفي أحببته وأحبني. أحببت فيه صورة الرجل منها وأحب فيّ الحنين إلى البيت والوطن والعائلة التي افتقد حضنها. لم تحتمل حبنا غارت عليه مني ومنه علي ثارت قاطعتني قالت له عني كلام أبعده رحل حزنت لذلك و لمتها لم أعاتبها ولم تعاتبني وعدنا أصدقاء لا نفترق.

رحيل
قالت لي "سأرحل عن هذا المكان البائس، رافقيني" قلت لا فانا إن رحلت سأرحل إلى السويد حيث أهلي، رافقيني إن شئت إلى هناك. رفضت وقالت: لا احتمل الأماكن الهادئة لأنها تثير ضجيج نفسي، لن أهرب من هذه الجزيرة إلى بلد بارد لتقتلني البرودة وتعشش في أحشائي سأذهب إلى لندن لأضيع في الزحام وأشبع روحي فنا وثقافة، رافقيني حبيبتي. قلت لها: أخاف إن أضيع في الزحام.
اشترت بطاقة السفر شدت حقائبها وزعت كتبها والكثير من متاعها وتوجهت إلى كوبا عن طريق لندن في رحلة لم تكتمل.

زواج
اتصلت بي هاتفيا وقالت "أحب وسأتزوج" قلت من؟ قالت: رجل التقيته في المترو كان في صوتها رنة فرح لم أعتدها ولحن للعشق جديدٌ علي.
قالت كان يجلس إلى جانبي في المترو في الصباح الباكر في طريقي إلى العمل كنت ناعسة كالعادة أنا الإنسانة الليلية كما تعرفين والتي لن تتعود الصباحات المبكرة، غفوت في الطريق ثم أفقت فزعة خوفا من أن تفوتني محطتي نظر إلي مبتسما وقال ما اسم محطتك ذكرت له اسم المحطة قال نامي سأوقظك
قالت "أنا سعيدة سأتزوج منه وسيحمل اسم عائلتي بعد الزواج" رقصت طربا لفرحها.

رحيل آخر
اتصلت بي وقالت خمني أين أنا؟ قلت: أين؟ قالت في برلين هربت من مدينة أعشقها ومن زوج كرهته والتجأت منه في بلده. قالت سأعيش هنا سأحيي علاقاتي القديمة تعبت من لندن من ضوضاء لندن ومن أهل لندن قالت: زوريني. زرتها ضحكنا لهونا وفرحنا ببعضنا البعض، حاولت إقناعي بأنها سعيدة بخيارها ولكنني كنت ألمح ظلال وحدتها وحنين روحها إلى لندن وأهل لندن.

بداية النهاية
اتصلت بي توجست في صوتها قلق حزين، قلت ما بك؟ قالت لدي أخبار سيئة قلت أسمعك، قالت لقد سكن السرطان ثديي وسأخضع لعملية استئصاله بعد أيام. بكيت هدأتني وقالت لا تخافي حبيبتي الطبيب طمأنني أنا قوية وسأواجه المرض سألتها إن كانت تريد أن آتيها، قالت أتمنى ذلك لو استطعت تركت كل شيء وطرت إليها.

رحيل جديد
ركبني من يومها الخوف والقلق كنت استبق أي اتصال بيننا في السؤال عن نتائج آخر فحوصات أجرتها.اتصلت بها لأطمئن عن حالها، قالت ضجرت المكان ولم أعد أقوى على احتمال الوحدة وذكريات المرض أريد العودة إلى لندن، أريد أن أحس بسريان الحياة مرة أخرى في عروقي. شجعتها وقلت مناكفة إلا تكلين ألا تتعبين من الحل والترحال؟ ضحكت وتجاهلت السؤال حزمت ما استطاعت حزمه من متاع بعد أن وزعت أكثره باعت بيتها في برلين إلى الزوج الذي هربت منه وعادت إلى لندن.

لقاء
من لندن اتصلت مجددا بعد أن استقر بها المقام وقالت متى ستأتين اشتقت إليك، طرت إليها وقفت تنتظرني في المطار استغربت زيادة وزنها ولكنني آثرت ألا اسألها رغم قلقي سألت عن نتائج الفحوصات، فقالت "كلها جيدة" قضيت عندها عشرة أيام تسكعنا خلالها في شوارع لندن أكلنا وضحكنا وبكينا وأدينا ما علينا من واجب في استغابة الأصدقاء والأحبة. ودعتها في صباح أول أيام السنة الجديدة بعد أن قضينا سهرة من أجمل السهرات.

انترنت
"عصفور حط في الصباح على شغاف قلبي وأبى أن يطير". كتبت لي على صفحة الماسنجر وقالت هذه لك.
لم ندخر جهدا في استخدام التقنيات الحديثة للتواصل. فاجأتني بشعر مرهف حزين تكتبه. قلت لها انه جميل ويستحق النشر، قالت أخاف النقد! أخاف أن يقال فيّ و في شعري ما يحزنني. أخبرتها عن محاولتي في كتابة رواية وأطلعتها على بعض ما كتبت فرحت وشجعتني على الاستمرار. ثم بدأت تغيب أياما عن الانترنت وعندما عادت كان هناك شيئا ما قد تغير سألتها، فقالت إنها تعبة ولا تقوى على التركيز. ومن يومها عاد الخوف ليحتل قلبي بعد أن هدأه آخر لقاء بيننا حين ظننت أن شبح الموت والمرض رحل عن ذاكرتنا إلى الأبد.

تهويل
من لندن اتصلت بي صديقة مشتركة وقالت "أقنعيها بالذهاب إلى الطبيب، فوضعها مقلق ووزنها في انهيار مستمر". قلت محاولة إنكار أية جدية لما قالته الصديقة. لا بد انه التعب لقد أجهدت نفسها في الفترة الماضية.
اتصلت بها سألتها عن حالها شكت وقالت انه ضغط الدم الذي لا يستقر على حال. رجوتها مراجعة الطبيب فوعدتني بأن تفعل ذلك في اقرب فرصة وتذرعت بحجج كثيرة منعتها عن القيام بتلك الزيارة. قبلت حججها وأقنعت نفسي بأن في الأمر تهويل بسيط من صديقتنا. انه ضغط الدم ستأخذ الدواء بانتظام وينتهي الأمر.

عودة الغول
كنت في موعد مع رجل قبلت لقاءه بعد لوم الكثير من الأصدقاء وحثي للخروج من حالة الوحدة التي أعيشها. قلت فلأحاول ربما هم على صواب. قبل العشاء قلت له: أريد إجراء اتصال هاتفي يبعد عني القلق وأكون معك قلبا وقالبا هذا المساء. اتصلت بها اسأل عن نتائج الفحوصات التي أجرتها مرغمة أمام إلحاح الأصدقاء. قالت انه السرطان من جديد يسكن كبدي هذه المرة وهناك شكوك من احتمال انتشاره في أماكن أخرى من جسدي. صمت وبقيت صامتة لا اعرف ماذا أقول لها. أخيرا قلت: سآتي. قالت: تعالي أرجوك كم سأكون سعيدة ومطمئنة لو أتيت. ودعت الرجل قبل إن ألتقيه وطرت إليها.

رحلة الآلام
شهر كامل قضيته بين بيتها والمستشفى، كنت فيه شاهدة لخيبات أملها بعد كل فحص تجريه وتنتظر نتيجته عله يحمل لها بعض من أمل في أن جسدها الذي نخره هذا الغول المرعب بدأ يستجيب ويقاوم المرض، لكن آمالها كانت تصطدم بواقع مر يقول إن السرطان يعمل بقوة لا تستكين. وشد ما كان يذهلني أنها ـ وعلى الرغم من النتائج السلبية التي كانت تفيد باتساع رقعة انتشار المرض ـ كانت تسأل دائما بقلق ولهفة عن حال دماغها وتفرح فرحا حقيقيا عندما يخبرونها بان السرطان لم يصل رأسها بعد. لم أرها تبكي ولو لمرة واحدة. كانت تهدئني وتقول: ستنتهي هذه المحنة قريبا سأقاوم وسأشفى، وتخطط لمشاريع مستقبلية سننفذها معا. قالت: لا أريد الموت أريد إن أحيا عندي الكثير لأعيشه بعد. عندما تزوريني في المرة القادمة سأكون في بيتي، سترين.
شهر كامل عشته معها كنت أرى الحياة تغادرها وتعود إليها في كل يوم، كنت أرى آلامها، أصحو على أنينها، أعطيها الدواء أمسد رأسها ويديها، كم كنت أريد إن أضمها أن أبعد الخوف والقلق الذي سكن كيانها وعينيها، كم وددت أن أقول لها حدثيني عن خوفك عن الموت الذي ينتظرك ولا تريدينه، لا تخافي علي فانا احتمل وجسدي لا يسكنه السرطان، لكنها لم تقل شيئا خوفا من أن تسبب لي الحزن معتقدة بأنها تبعد عني هاجس الموت الذي سكنها. تركتها بعد انتهاء إجازتي على إن أعود إليها في اقرب فرصة.

رحلة الوداع
عدت إليها بعد شهرين من آخر زيارة، شهرين ولم تكن لتكف فيهما عن سؤالي: متى ستأتي، من المطار أخذت الحافلة إلى محطة هامرسميث وسرت باتجاه المستشفى. وجدتها تجلس في وسط السرير بانتظاري، رأتني قادمة فابتسمت فرحا والتمعت عيناها ببريق لم يخفت رغم الهزال الذي سيطر على جسدها. دخلت إليها عانقتها قبلتها شممت رائحتها أردتها أن تبقي قريبة من صدري لكي تحتفظ ذاكرتي برائحتها إلى الأبد. جلست عندها النهار كله، حاولت بعض الممرضات إخراجي بحجة إن وقت الزيارة لم يحن بعد، فقلت بأنني لن اترك هذا المكان. أشرت إلى حقيبتي وقلت إنني هنا من اجلها ولا مكان لدي اذهب إليه وبأنهم لن يفلحوا في اقتلاعي من قرب سريرها. قالت: أريد أن أعود إلى بيتي تعبت من المستشفى قلت لها سنذهب إلى هناك.
عدت بها إلى البيت في اليوم الثاني بعد أن نظفته وملأت ثلاجتها بكل ما اشتهته من طعام، أعدت بيديها كل الأكلات التي اشتهتها، تحدثنا كما كنا نفعل من قبل. ضحكنا، دخل إلى قلبي بعض من أمل في أنها قد تتحسن و بأن الموت قد يختار طريقا آخر بعيدا عنها، لكن لحظات الصفاء التي عشناها بدأت بالابتعاد عندما اقترب موعد رحيلي. تركتها في يوم سفري تجلس على الكنبة في صالة منزلها فمها مفتوح وعيونها تنظر إلى الأعلى ولا ترى، ولا تدرك الذي يحصل حولها. تركتها فريسة للموت وعدت إلى بيتي احمل قلباً يتمزق أسى وعينين تحتفظان بآخر صورة سجلتها لصديقة عمري، الشيء الذي خفف من إحساسي المطلق بالحزن هو أنني ساعدتها على أن تقضي بضعة أيام أخيرة في بيتها عاشت فيهما كم لو أنها كانت صحيحة معافاة كما أحبت واشتهت.
جاءني خبر وفاتها بعد فترة من سفري. لن أقول بأنني لم أكن أتوقعه وانتظره، ولكن فجيعتي كانت بإدراكي أنها لم تعد موجودة. أعاتب نفسي لأنني تركتها تمضي وحيدة، لأنني لم أكن إلى جانبها حتى النهاية كما احبت. كم أتمنى لو أنني كنت اجلس قربها في لحظات النهاية امسك يدها وأوشوش في أذنها بأنني هنا بقربها وبأنني أحبها وبأن لا تخاف. ذهبت حبيبتي في رحلتها الأخيرة بعد أن أهدت حياتي صداقة حقيقية لا تعوض وباقية رغم الموت. افتقدها كل يوم، أحدثها ألومها على ذهابها المبكر، ثم ألوم القدر لعلمي بأنها ذهبت مرغمة وبغير إرادة منها. أتساءل أحيانا أيكون هذا القبر الذي ضم جسدها مقرها الأخير؟ ألن تضجر منه بعد حين وتفكر في الانتقال أو العودة، انتظر أن يرن هاتفي أو أن تأتيني في المنام لتقول ضجرت قبري سأنتقل إلى .......لأبدأ من جديد. انتظرتها كثيرا، انتظرها ولا تأتي.



#هدى_المشهراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغواء


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى المشهراوي - صداقة