أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد العزيز محمد المعموري - كيف غزا الشاي بيوتنا














المزيد.....

كيف غزا الشاي بيوتنا


عبد العزيز محمد المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 2893 - 2010 / 1 / 19 - 08:17
المحور: سيرة ذاتية
    


كيف غزا الشاي بيوتنا
الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري -ناحية العبارة -بعقوبة - محافظة ديالى
كنت في حوالي السادسة أ السابعة من عمري وكان زمان الحكاية في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي ، وكنا في قرية العبارة ذات البيوت الطينية ولم يكن عدد بيوتها يزيد على الثلاثين ، وكان الوقت عصراً حين دخلت ضيفة عزيزة على جدتي فرحبت بها كثيراً وفرشت لها فراشاً يليق بمكانتها ولم يكن الفراش يزيد على حصيرة من سعف النخيل .
وبعد كلمات الترحيب وتبادل عبارات المجاملة ، تنحنحت الضيفة وتلفتت يميناً ويساراً لتتأكد من أحداً لايسمع حديثها وهمست في اذن جدتي قائلة :
- هل تتصورين يا أم خلف ان أمرأة في قريتنا تشرب الشاي ؟
- ومن هذه معدومة الشرف ؟
- قالت الضيفة بتردد .. ولكن اخشى ان يشيع الخبر وتعرف تلك المرأة اني انا التي نشرته ؟
- كلا .. كلا سرك في بير وماذا تظنين بأختك ، انا لا أخالط احداً ولا أغادر بيتي
- انها أم عباس ، وضعت الحطب في الموقد ، وبعد أكمال الجمر وضعت -الشاي في (القوري) وسكبت فوقه قليلاً من الماء ، ودسته في الجمر وبعد دقائق ( خدر) الشاي .. فوضعت الـ ( قند ) في الاستكان وصبت فوقه الشاي وبالملعقة اخذت تحرك القند ، ثم اخذت ترشف الشاي من الاستكان ، هنا انتفضت جدتي بغيرة وعصبية وهتفت :
- هكذا يكون الفساد .. رب لاتقلبها على عبادك بجريرة واحدة عديمة الادب والاخلاق
لقد سمعت لاول مرة مفـردات جديدة فلم اكــن اعرف معنى القوري الذي هــو ابريق الشاي ولا ( الاستكان ) الذي هو كوب الشاي الزجاجي ، ولم اكن افهم معنى الفعل ( خدر) والذي يعني نضوج الشاي في الابريق ..
وعلى ذكر الشاي اذكر الحادثة التالية :
ان اغنى شخص في قريتنا كان زوج خالتي ، وقد توفيت رحمها الله فظل ( ابو حميد) ارمل وكان في حوالي الخمسين من عمره ، وقد خطب شابة في العشرين من عمرها ، هي آية في الجمال وكمال الاخلاق وسمو المكانة الاجتماعية ، وقد تمت الموافقة من قبل اهلها لانه ثري والمثل يقول (( شيل بنتك بشكبان وذبها في بيت الشبعان )) وأوشكت عملية الزواج ان تتم لولا احد المنافقين الذي سارع ليهمس بأذن صاحبنا قائلاً (( اتدري بماذا تفطر خطيبتك يا أبا حميد ؟ قال : كلا – انها تفطر على الخبز والشاي فهل تقبل بأمرأة تشرب الشاي ؟ ))
هنا التفت اليه ابو حميد وشكره لانه ادلى اليه بهذه المعلومة الخطيرة قبل عقد الزواج ّ! وانسحب صاحبنا من موضوع زواجه بهذه المرأة الممتازة لهذه الجريرة .. وتزوج من امرأة لاتشرب الشاي ولكنها حولت حياته الى جحيم وظل كلما يتذكر الموضوع يضرب كفا بكف على غلطته القاتلة الى ان مات مبكرأ بسبب الهموم والمشاكل وعدم الانسجام

واذكر قصة اخرى موضوعها الشاي
كان والدي مدمناً على شرب الشاي ، ولم يكن في العبارة مقهى وكان والدي المرحوم فلاحاً مجداً ، وكان يزرع مع شريك له خيار الماء المغطى ، وكان يجني المحصول كل يوم ويضعه في ( سابل) مصنوع من الخوص ويذهب به الى خرنابات ليبيع ما زنته اكثر من ( 50 كليو غرام ) من الخيار بـ ( عانة ) أي اربعة فلوس نصيبه منها فلسان ، يجلس في المقهى ليفطر على استكان شاي ورغيف خبز بفلسين ، ويعود بالفلسين الباقيين ليعطيهما الى شريكه ، ولم يكن يشعر بالغبن لانه استمتع باستكان الشاي وهو كاف .
وظل امره هكذا عدة سنين ان اكتشف بان حياته عبث وخسارة فلماذا لايشرب الشاي في بيته ؟ هنا نادى والدي الست والدتي ليدلي اليها بقرار خطير اوشك ان يؤدي الى خراب دارنا ، قال الوالد بعد ان تنحنح ولملم اطراف شجاعته وبلاغته :
- يا أم اولادي العزيزة ، اني اعرف حكمتك وبعد نظرك فتعالي نفكر بحياتنا ومستقبل اولادنا فماذا تقولين ؟
- لا ادري موضوع حديثك وماذ تريد قوله ؟
- انا مدمن على شرب الشاي ، اذهب الى خرنابات صباح كل يوم لغرض شرب الشاي في المقهى ، وقرب الظهر اعود لاتغذى ثم ارجع عصراً الى خرنابات لاشرب الاستكان الثاني ، وهكذا لايبقى لي وقت رعاية بساتيننا الثلاث فماذا لو اشتريت بـ عشرة فلوس سكر واربعة فلوس شاي وعملت لي الشاي في البيت لاتفرغ لرعاية البساتين ؟
- نظرت الى وجه امي وقد تحول الى كتلة مربدة وشفتاها ترتجفان وكان جسمها يرتعش واوشكت ان تنقض على ابي الذي لايعرف العواقب !
- اجابته بصوت يشبه الحشرجة : ماذا لديك بعد ؟
- اذا عملت الشاي في البيت ورق قلبك لابنك واعطيته رشفه وبعد ذلك البنات وربما أنا وتعودنا على شرب الشاي فكم تحتاج لشرائه يومياً ؟ سنضطر الى اعطاء البساتين بالالتزام واذا لم يكفنا المبلغ ، سنبيع البساتين الواحدة تلو الاخرى ويصدق علينا المثل ( نركيلتك تاكل فرودك ) انزع هذه الفكرة من رأسك ودع الله راضيا عنا والا فمصير عرقتنا مرتبط بقوري الشاي ، حين يدخل القوري اخرج انا ؟
وظلت الحال هكذا الى سنة 1943 – 1944 حين اخذت الحكومة توزع السكر والشاي بالبطاقات ، واخذ الشاي يسري في جميع البيوت ، يشرب مرة واحدة ، ثم مرتين ثم ثلاث مرات الى ان اصبح يقدم لاي ضيف في أي وقت ، وصار الش بيت الفقير او الغني ويشربه الجميع دون خجل بعد ان كان يعتبر شبيها بالمخدرات كالترياك والحشيشة .




#عبد_العزيز_محمد_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات الطفولة -خرنابات وما حولها
- فلنذكر حسنات موتانا
- كيف كنا نكرم ضيوفنا في الثلاثينيات من القرن الماضي
- وجوه وذكريات ..ابن خرنابات ..الشاعر المبدع محمود الريفي
- ذكريات عمرها أربعين سنة في قرية كردية
- خواطر وذكريات من وحي الثمانين_مذكرات الكاتب والمعلم المتقاعد ...
- خواطر وذكريات من وحي الثمانين_مذكرات الكاتب والمعلم المتقاعد ...
- ذكريات عن الشامية


المزيد.....




- تبدو مثل القطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أد ...
- -مقيد بالسرية-: هذا الحبر لا يُمحى بأكبر انتخابات في العالم ...
- ظل عالقًا لـ4 أيام.. شاهد لحظة إنقاذ حصان حاصرته مياه الفيضا ...
- رئيس الإمارات وعبدالله بن زايد يبحثان مع وزير خارجية تركيا ت ...
- في خطوة متوقعة.. بوتين يعيد تعيين ميشوستين رئيسًا للوزراء في ...
- طلاب روس يطورون سمادا عضويا يقلل من انبعاث الغازات الدفيئة
- مستشار سابق في البنتاغون: -الناتو- أضعف من أي وقت مضى
- أمريكية تقتل زوجها وأختها قبل أن يصفّيها شقيقها في تبادل لإط ...
- ما مصير شراكة السنغال مع فرنسا؟
- لوموند: هل الهجوم على معبر رفح لعبة دبلوماسية ثلاثية؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد العزيز محمد المعموري - كيف غزا الشاي بيوتنا