أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - دورالزكاة المالية ( الصدقة ) فى تزكية النفس عقيديا ( 4 )















المزيد.....

دورالزكاة المالية ( الصدقة ) فى تزكية النفس عقيديا ( 4 )


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2892 - 2010 / 1 / 18 - 21:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الايمان بأن توزيع الرزق بيد الله جل وعلا ، فهو الذى يبسط الرزق لمن يشاء ، ويقدره على من يشاء .

مقدمة :
قضية الرزق مدخل هام لفهم التزكية العقيدية الايمانية لدى المؤمن (الذى يؤتى ماله يتزكى ) مبتغيا به وجه الله جل وعلا ، غير ناظر لأى لمحة شكر من البشر.
وفى الحلقة السابقة توقفنا فى نفس الموضوع مع قضيتى ( المال مال الله ) و ( الايمان بالدنيا أو الايمان بالآخرة ، أو إرادة الدنيا أو إرادة الآخرة )، ونتوقف الآن مع لمحة أخرى من ملامح ( الرزق ) فى رؤية قرآنية من خلال قوله سبحانه وتعالى :(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير)(الشورى 27 )

أولا :
1 ـ يستطيع الضال أن يزداد ضلالا بالقرآن لو أراد ، كما أن الباحث عن الهدى يجد فى القرآن الهداية ويزداد به هدى طالما توجه للقرآن الكريم بقلب سليم ، لذا يقول رب العزة ) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ( ( هلاسراء 82 ).
مريد الهداية يدخل على القرآن الكريم بلا رأى مسبق ، ويفهم مصطلحات القرآن من خلال السياق القرآنى بعد أن يكون قد قام بتجميع كل الآيات المعلقة الموضوع ويبحثها معا متتبعا سياقها العام وسياقها الخاص .أما مريد الضلال فيدخل بهواه ورأيه المسبق ينتقى من الآيات ما يراه موافقا له فى الظاهر ، ويفهمها حسب الشائع من مفاهيم التراث واللغة العربية الراهنة ، ويتجاهل ما يعثر عليه من الايات مخالفة وجهة نظره المسبقة. ومن الطبيعى أن يظهر له تناقض واختلاف فى فهم الآيات بسبب عوج منهجه ، ويفرح بهذا التناقض ويسارع بالهجوم على القرآن ـ إن كان علمانيا لادينيا ـ أو يسارع باخضاع القرآن لوجهة نظره التراثية إذا كان من اتباع الأديان الأرضية .
2 ـ فى نفس الوقت فان للقرآن الكريم مستويات للفهم حسب ما تعطيه من تدبر و تعقل ، وحسب ما تملكه من أدوات البحث والاجتهاد .
هناك درجة ميسرة للذكر (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) ( القمر17 )، وهى الفهم البسيط للآية الكريمة بمجرد قراءتها ، وفى الاية الكريمة السابقة فالفهم البسيط والواضح لها أن الله تعالى لو بسط الرزق لعباده وأعطاهم الكثير منه لبغوا وطغوا ، ولكنه جل وعلا لا يبسط لهم الرزق بل يعطيه لهم بقدر حسب مشيئته ، وحسب علمه ، وهو جل وعلا بعباده خبير وبصير. هذا هو الفهم الايمانى البسيط الذى يتعقله كل مؤمن بدون حاجة الى تدبر أو اجتهاد . وهناك تعمق فى البحث والاجتهاد يعتمد على توفر أدوات الاجتهاد للباحث ، وهذه الأدوات الاجتهادية و المقدرة البحثية مجرد عامل محايد يخضع لمؤثر كبير هو هداية الباحث أو ضلاله .
3 ـ فأصحاب الاجتهاد نوعان : نوع يجتهد فى الاضلال ونوع يجتهد بحثا عن الهداية .
المجتهدون فى الضلال ، ينطبق عليهم قوله جل وعلا (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) ( سبأ 5 ، 38 ) (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ ) ( الشورى 35 ).
هم يستخدمون قدرتهم البحثية فى تتبع الآيات بحثا عن عوج وتناقض دون فهم لمعانى الكلمات القرآنية حسب سياقها ، لذا يمكن أن يرى تعارضا بين الآية الكريمة التى تقول ان الله جل وعلا لا يعطى الرزق الوفير لعباده المخلصين وبين آيات أخرى تحث المؤمنين على الصدقة وتعدهم بربح مضاعف ، مفهوم أن منه ما سيأتى فى الدنيا ، وهى آيات كثيرة منها : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة 195 )، ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( سبأ 39 ) (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) ( سبأ 36 : 37 )(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (البقرة 245 ).
ثانيا :
1 ـ المجتهد الباحث عن الهداية يستخدم المنهج العلمى فى فهم مصطلح الرزق حسب السياق.
والرزق نوعان : حقيقى ووهمى .

2 ـ هناك الرزق الحقيقى الموحد لكل البشر ، والذى تقوم على أساسه حياتهم وبقاؤهم المادى ، من الهواء والماء و الطعام وضوء الشمس ..
هذا الرزق الالهى ميسور بل ومجانى بقدر حاجة الانسان اليه ، فالانسان مثلا لا يستطيع العيش بلا تنفس خمس دقائق ، لذا كان الهواء أثمن نوع من الغذاء ، وبدون الاوكسجين لا يستطيع البشر الحياة ، ولهذا جعل الله جل وعلا الهواء مجانا لا دخل للبشر فى التحكم فيه ، وتخيل العكس ، وكان للمستبد العربى حرية التحكم فى الهواء بيعا وشراءا وانتاجا كما يفعل فى البترول و المعادن و وأدوات الانتاج والثروة ـ من النوعية الأخرى من الرزق ـ الوهمى ـ والتى سنعرض لها ؟ عندها لن يعيش سوى السلطان وحاشية السلطان .!!
بعد الهواء يأتى الماء ، وهو ميسور بقدر الحاجة ، فلا يستطيع الانسان العيش بدون ماء يوما أو بعض يوم حسب درجة الحرارة و نوعية الغذاء ، ثم يأتى الغذاء وأكثره وفرة هو أكثره فائدة . ويضطر الانسان الى العمل للحصول عليه ، ثم اللباس و المسكن ، وهكذا .
بايجاز ، فالرزق الأساس هو كل ما يدخل الجسد ويخرج منه وما يقى جسده من مرض او تقلبات الجو . هذا الرزق قد ضمنه الله جل وعلا لكل كائن حى ، وليس فقط للانسان ، وبالاضافة الى حتميته فهو مكتوب بتفصيلاته ، من المدخولات و المخرجات ، اى محسوب بدقة متناهية مقدار ما تتنفسه طيلة حياتك ومقدار ما يخرج منك من شهيق ، ومقدار استهلاكك للماء والطعام ومقدار ما يخرج منك ، وهكذا طالما كنت على الآرض تسعى ، فإذا جاء الموت ،أو الوفاة ـ بمعنى توفية كل المقدر لك فى هذه الدنيا من حتميات ومن رزق أساس ـ فان جسدك الميت يتحلل الى غازات وماء وتراب ويعود الى العناصر الأرضية التى جاء منها .
يقول جل وعلا (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )(هود 6) فهو جل وعلا المتكفل برزق كل دابة ، أى كل كائن حى يدب على الآرض سابحا فى الماء أو طائرا فى الهواء أو على الثرى . وهذا الرزق هو الذى يساعدها على ان ( تدب ) على الأرض ، أى أن تعيش . وهو جل وعلا يعلم من أين جاءت هذه الدابة ـ الميلاد ـ والى أين تنتهى وتعود ـ الموت و التحلل ، وكل ذلك مسجل ومكتوب ، من الرزق الى ما قبله (أى قبل مجىء الدابة وخلقها )، وما بعده (حين يتحلل جسدها ويعود الى العناصر الأرضية التى جاء منها).
ويقول جل وعلا : (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ )( ق 4) ،أى فالمادة ـ والطاقة ـ لا تفنى ولا تأتى من عدم ، ولكن تتقلب فى صور شتى ، فكل ما يستهلكه البشر طيلة حياتهم من اوكسجين وثانى اوكسيد الكربون فى التنفس وكل ما يستهلكونه من ماء ومن طعام ومن موارد الطبيعة سينتهى فى النهاية الى الخروج من أجسادهم ، فالشهيق يتبعه زفير و الشراب يخرج عرقا وبولا ، و الطعام يتحول الى طاقة و ينتهى الباقى الى فضلات بشرية ، وكل ذلك أثناء حياة الجسد وسعيه ، فإذا مات الجسد تحلل ، يخرج منه الماء ويتيبس ، ثم ينفجر ، و ينمو فيه الدود الذى يتغذى عليه ويموت فيه ،اى الدود ، وفى النهاية يتحلل ما بقى منه الى غازات ـ كريهة الرئحة ـ و تراب ، يعود الى الأرض كما جاء منها إنتظارا للبعث :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) ( طه 55 ) .
ويقول جل وعلا :( وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)( العنكبوت 60 ) ، أى فهذا الرزق الأساس الذى تكفل به الخالق جل وعلا يستوى فيه الانسان الساعى للرزق بعقله وجهده مع الدابة الضئيلة الساكنة المتعلقة بصخرة فى جوف المحيط ، يأتى الرزق لهذه الدابة ( الانسان ) ولتلك الأميبا طالما ظلت على قيد الحياة .
3 ـ النوع الآخر هو الرزق الظاهرى المؤقت الذى يتراءى لكل إنسان ويتلاعب به ،ولا يستطيع الانسان الامساك به والاحتفاظ به طيلة حياته . يتمثل هذا الرزق الوهمى فى رصيدك فى البنك ( مجرد أرقام ) والسيولة المالية التى فى جيبك ( مجرد أوراق ) و الذهب و الأحجار الكريمة التى تحوزها ( هى مجرد أحجار لاتستطيع أكلها أو شربها ، وانت مضطر للحفاظ عليها لمن سيأخذها بعدك ، كما كانت لمن قبلك ) و المساكن ( لا تحتاج منها إلا لمقدار ما تريح ظهرك أو أطرافك ومقعدتك وأنت نائم او جالس )، والأراضى ،وهى نفس الحال كالمساكن ، وكانت لمن قبلك وستئول لمن هو بعدك ، وسبحان من سيرث الآرض ومن عليها بعد انقراض البشر ..!( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )( مريم 40 )
المضحك فى ذلك الرزق الوهمى أنه من الكماليات التى يمكن الاستغناء عنها ، ولكنه مرتفع السعر و ثمين و غال بسبب غفلة الانسان وقلة عقله . الأحجار (الثمينة )أو ( الكريمة ) هى مجرد أحجار ، ولكن لأنها نادرة عزيزة المنال فقد أصبحت كريمة غالية يتقاتل من أجلها البشر المغفلون ، مع أنه يوجد ملايين البلايين من البشر عاشوا وماتوا و سيعيشون وسيموتون دون حاجة للتحلى بالأحجار الكريمة .
4 ـ من حكمته جل وعلا أن جعل أساسيات الرزق مجانية أو شبه مجانية ، وتكقل بها لكل دابة ، و لكن تلك الكماليات الزائدة هى الأشياء الغالية الباهظة التى يتفاضل فيها البشر ، هى الرزق الذى يبسطه الله تعالى لمن يشاء و يقلله لمن يشاء بداءا من الذهب و الفضة الى ما يقوم مقامهما من عملات ورقية وحسابات بنكية ترتفع وتنخفض ، وأسهم وسندات أكثر تقلبا فى الأسعار .
وكل متلهف على أسعار البورصة وأسعار العملات والأسهم و السندات هو آمن على رزقه الأساس من الطعام والشراب والاوكسجين و النوم واللباس ، ولكنه فى غفلة عن الشكر لله جل وعلا الذى يطعمه ويسقيه ، بل ربما يسقط صريعا أو مريضا بسبب خسارة مفاجئة فى البورصة ، أو يفسد فى الأرض ليزيد من رصيده من ذلك الرزق الوهمى .
أما المؤمن برب العزة ، والذى إختار الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فيظل حامدا شاكرا لله جل وعلا أن تكفل له بالرزق الأساس وهو الطعام و الشراب ، والشفاء من المرض ، ولا يهتم كثيرا بالرزق الوهمى لأنه مشغول بالرزق الباقى الدائم الخالد وهو نعيم الجنة فى الآخرة ، لذلك يدعو ربه أن يتفضل عليه بالأهم وهو الجنة فى الآخرة والنجاة من النار ، وهذا هو دعاء ابراهيم عليه السلام : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ....)( الشعراء 78 ـ )
5 ـ المضحك فى ذلك المال فى الرزق الوهمى أنه يزول بمجرد أن تستفيد منه ، فالعملة الورقية مجرد ورقة معك ، لا تنفع ولا تغنى ولا تسمن من جوع ، ولكن بمجرد أن تستفيد منها بشراء شىء ضاعت من يدك وانتقلت الى يد شخص آخر لتبقى معه قليلا ثم تنتقل بالبيع والشراء الى ثالث ، وهكذا يتخللنا ذلك الرزق الوهمى متنقلا من شخص الى آخر ، يتراقص أمام أعيننا ، يخرج لسانه لنا ، ونحن نعدو خلفه نتقاتل من أجله ونتصارع إلى أن يدركنا الموت فيصرخ الضال طالبا فرصة أخرى بدون جدوى ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( المؤمنون 99 : 100) .
اى تضيع الورقة المالية بمجرد ان تستفيد منها فى استهلاكك اليومى ، سواء كان المتج المستهلك يدخل فى جوفك من طعام أو شراب أو دخان ( سجائر ) أو كان لمتعة حلال أو حرام. وهذا المنتج المستهلك الذى تستهلكه لا يلبث أن ينتهى الى إخراج فى دورة المياه أو الى زفير فى الهواء مجرد هواء ودخان ،أو الى ملكية ظاهرية كأن تتملك أرضا أو عقارا تملكه ملكية ظاهرية الى ان تفارقه بالموت أو أن يفارقك بالبيع و الشراء أو بالخسارة.
الحالة الوحيدة التى لايضيع فيها المال أو الرزق الوهمى هو أن يتحول الى رزق خالد دائم فى الآخرة ، أى رزق الجنة ، هنا تتضاعف قيمة العملة الورقية حين تؤتيها صدقة فى سبيل الله جل وعلا ابتغاء مرضاة الله دون اهتمام بأن يشكرك أحد من البشر ، هنا تنجو من عذاب النار و تتمتع برزق النعيم فى الآخرة ، يقول تعالى عن النار :( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى) ( الليل 17 ـ )
6 ـ وهذه هى الناحية الايمانية فى مفهوم الرزق ، والتى يجب على المؤمن تنفيذ أوامر ربه بالانفاق فى سبيل الله جل وعلا حتى لا يندم عند الموت ، وهذا ما أوصى الله جل وعلا به المؤمنين وهم أحياء قبل أن لا يجدى الندم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ( المنافقون 9 : 11).
أى من هذا الرزق الوهمى يجب أن نتنافس فى الخير وليس فى الشر ، وأن نؤتى منه الصدقة زكاة للنفس و المال ، وبدون هذه الصدقة لا يتطهر هذا المال الوهمى ولا يزكو . هذا هو ما يفهمه المؤمن مريد الآخرة ، وهذا هوتصرفه فى الرزق الوهمى .
7 ـ عرفنا هذا الرزق الوهمى أنه الذى يقول عنه رب العزة : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير)(الشورى 27 ). ولكن من هم العباد الذين يقصدهم الرحمن فى قوله ( لعباده ) ؟ وما معنى أنه لا يبسط لهم فى الرزق الوهمى حتى يبغوا فى الأرض ؟
رب العزة هنا يتحدث عن عباده المهتدين الذين أرادوا الآخرة وسعوا لها سعيها بالايمان والهدى. والمقابل أو الجزاء أنه جل وعلا يزيدهم هدى وإيمانا (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) ( مريم 76 )( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ) (محمد 17 ) (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )( العنكبوت 69).
ومن وسائله جل وعلا فى زيادة هداهم أنه لا يبسط لهم فى الرزق الوهمى الذى يشجعهم على البغى و العدوان ، وله جل وعلا وحده تقدير الرزق وتحديد المستحق فهو جل وعلا الخبير البصير بعباده .
8 ـ ومن حق أولئك العباد ( عباد الرحمن ) الذين أرادوا الآخرة وسعوا لها سعيها بالايمان و العمل الصالح أن يحصلوا على الرزق بالحلال وأن ينفقوه بالحلال وفق شرع الرحمن ، وهم بذلك يتمتعون بحياة طيبة هانئة فى الدنيا والجنة فى الآخرة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) ( النحل 97).
يختلف الوضع مع الصنف الآخر ـ ضحية الرزق الوهمى الذى أراد الدنيا وانهمك فى الصراع من أجلها وطغى وبغى ليستحوذ لنفسه على أكبر جزء منها . يتحول هذا الرزق الوهمى الى شقاء له فى الدنيا ، ثم يكون عذابا له فى الآخرة ، ولنقرأ فى ذلك قوله جل وعلا :
(فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ( التوبة 55 ، 85 )
(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (آل عمران 180 )
(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) ( التوبة 34 : 35)
ومع مزيد من التفصيل فى الحلقة القادمة .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعظ السلاطين : ( 1 ) الخليفة ابو جعفر المنصور .. والخضر..!
- دورالزكاة المالية ( الصدقة ) فى تزكية النفس عقيديا ( 3 )
- الخروج الآمن من السلطة لمبارك ..والحاشية ..
- هذا العبث لا بد أن ينتهى : بيان المركز العالمى للقرآن الكريم ...
- ردا على تحريض كلاب القاعدة على قتلنا أقول :
- الزكاة فى رؤية قرآنية :(2 ) معنى إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة
- ملحق (2) لكتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) : القصص القرآنى و مك ...
- الخروج الآمن لمبارك من السّلطة ( قبل فوات الأوان )
- الزكاة فى رؤية قرآنية . الحلقة الأولى : تصحيح المفاهيم : الز ...
- وظيفة القضاء‏ ‏بين الاسلام والمسلمين ( المقال الثانى عشر ) ق ...
- مفهوم ( العدل ) فى القرآن الكريم
- بيان بتقديم التعازى فى وفاة العلامة الشيعى حسين منتظرى .
- الوصايا العشر فى القرآن الكريم
- مفهوم الارهاب فى القرآن الكريم
- الخليفة المأمون وإمرأة مصرية وأشياء أخرى
- حوار د. احمد صبحى منصور مع جريدة ( اليوم السابع ) المصرية .( ...
- مناقشة عائلية فى المآذن السويسرية
- سيناء المصرية فى القرآن الكريم . ملحق (1) لكتاب ( مصر فى الق ...
- بيان من المركز العالمى للقرآن الكريم : إستنكارا للحملة على س ...
- فى تحرير المسجد الحرام من السيطرة السعودية . مطلوب مؤتمرات ل ...


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - دورالزكاة المالية ( الصدقة ) فى تزكية النفس عقيديا ( 4 )