أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس الربيعي - في الذكرى 150 لميلاده ....انطون تشيخوف الكاتب الإنساني العظيم















المزيد.....

في الذكرى 150 لميلاده ....انطون تشيخوف الكاتب الإنساني العظيم


بلقيس الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 2887 - 2010 / 1 / 13 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


بقلم : جيورجي بيردينكوف
ترجمة : بلقيس الربيعي


لم يكن تشيخوف يتمتع بشهرة عالمية خلال فترة حياته ، على نقيض معاصريه من كتاب روسيا العظماء أمثال تولستوي ودوستوفسكي والذين كانت شهرتهم تطبق الآفاق وهم احياء .لكن العالم اخذ يتعرف على تشيخوف بعد وفاته ،وازدادت شهرته بعد ذلك الحين بسرعة مذهلة ليصبح وفي كل انحاء العالم على قدم المساواة مع كاتب "انا كارنينا " و"الأخوة كرامازوف " .
إن هذا الإنتشار السريع والواسع لسمعة تشيخوف جاء تأكيدا لملاحظة تولستوي عنه حين قال " إنه فنان الحياة ..وإن أدب تشيخوف سهل المنال ومفهوم ، ليس لكل روسي فحسب بل ولكل إنسان اينما يكون " وأكد ذلك الممثل البريطاني المعروف بول سكوفيلد قائلا " بالرغم من أن تشيخوف واحدا من اكثر الكتاب وطنية ،وان ابطاله روس حتى النخاع، لكن مشكلاتهم ، افراحهم واحزانهم ،حياتهم العائلية ومحنهم تشابه الى حد كبير ما تعانيه الشعوب الأخرى " كما أشار العديد من النقاد بأن تشيخوف قدم للعالم صورة حقيقية عن روسيا والشعب الروسي .ففي عام 1958 كتب كلودروي قائلا : "إن تشيخوف ، مثل تولستوي ،بفضله عرف الناس ، في كل مكان ، روسيا وأحبوا شعبها ".
في الحقيقة ، كان تشيخوف كاتبا روسيا بكل معنى الكلمة ،لكنه لم يحب الشعب الروسي والطبيعة الروسية الجميلة،ولم ينشغل بمشكلات الحياة الروسية فحسب ،بل كان قادرا على التعبير عن اكثر العناصر أهمية في تفكير التجمعات الروسية التقدمية في زمانه ،والتي كانت تهتم بعمق بالمسائل الأساسية للوجود الإجتماعي ، المسائل التي تهم جميع الناس بصرف النظر عن جنسهم وقوميتهم .

وعند الحديث عن الأهمية العالمية لإدب تشيخوف ، يوجه النقاد الإنتباه الى الشكل الفني الجديد الذي اكتشفه تشيخوف وقد لاحظ تولستوي ذلك في اعمال تشيخوف وعلى اساسه اعتبره فنان الحياة . إن الخاصية الرئيسية في ادب تشيخوف هي الحقيقة العميقة حول الحياة التي لم تكن معروفة كفاية قبل تشيخوف كما أشار الى ذلك غوركي بأن تشيخوف "ادرك مفهومه عن الحياة ، وبذلك أصبح قادرا على الإرتقاء فوقها "

إن الشخصية المحورية في معظم قصص تشيخوف الهزلية هي ( الرجل الضئيل )، وهي شخصية معروفة في الأدب الروسي ، وتعني ضحية الظلم والحكم الإستبدادي .وتظهر قصصه بأن مقترفي الظلم والأعمال الشريرة هم غالبا من الموظفين ، وإن الحياة بما فيها من مواقف ومشاعر ،أصبحت مشروطة بالمال وبالتمايز الطبقي الحاد .

وإعتقد نقاد الأدب في ذلك الوقت بأن هذه القصص قد سجلت خرقا للتقاليد الديمقراطية في الأدب الروسي ، لكنها دفعت به خطوة كبيرة للأمام في تصويرها الفني لجوهر النظام المتسلط وعدائه للإنسان ، واظهرت بروح نقدية عظيمة الترابط الوثيق بين الخنوع والطغيان .وكانت في الحقيقة دفاعا جديدا عن الإنسان ، ليس فقط عن حقوقه بل وعن الطبيعة البشرية نفسها .كما أشار بعض النقاد بأن النبرة الحقيقية لقصص تشيخوف ، هي كشف للتقاليد الديمقراطية للأدب الروسي . ففي وصفه للمشاهد الدرامية ، لاتوجد هناك سخرية حادة ولا اي شكل من اشكال التعليقات أو المواعظ من جانب المؤلف ...فقد كان تشيخوف مجرد ساخر . فالسخرية التي تتميز بها كتاباته تعود الى الروح الديمقراطية والتفاؤل العفويين اللذين يميزانه واللذين أديا به الى أن ينظر الى الأخلاق والسلوك السائدة في عصره ، بأنها شئ بغيض وغير طبيعي ،فإندفع للسخرية منهما .

لقد أظهرت أعمال تشيخوف المبكرة نبرة اخرى ، كانت تنطوي على قصص حزينة تدور احداثها حول السأم والفراغ في الحياة البشرية وتؤكد الجوهر الإنساني في أعماله بشكل عام ..بينما في قصص اخرى يظهر تشيخوف الطبيعة المضحكة للمعاناة الخيالية ، وفي البعض الآخر يظهر تعاطفه وحبه لإبطاله اولئك الذين لم يفقدوا إنسانيتهم .

إن تشيخوف لم يفلح في إنتاج مثل هذا النوع من الأدب الجاد إلا فيما بعد ، وذلك في أواسط عام 1880 ، حين نشر عددا من قصصه الغنائية والتي برّزت الأصالة في شكلها ومضمونها ، فقدمت شيئا جديدا في الأدب الروسي والعالمي . ومهما يكن فإن تلك القصص ، كقصته الأولى تدور احداثها حول اشخاص عاديين في الظاهر ، إلا انهم في الواقع يختلفون بشكل واضح عن ابطاله في قصصه الهزلية . ففي تلك القصص نعيش في عالم ساخر ، غريب الأطوار ، مأهول بمخلوقات عديمة الحياة ،وفي قصصه الأخيرة يجعلنا تشيخوف نشعر بمشاعر خفية وعاطفة عميقة حتى إتجاه الشخصيات الجاهلة والغير ناضجة .

فبدلا من التقسيم العمومي للعلاقات الإجتماعية السائدة ، يقوم تشيخوف بتحليل عميق لمختلف جوانب الواقع الإجتماعي ... فيكشف عن الميكانيكية التاريخية في العمل وإستعباد الناس في الريف والمدينة في روسيا القيصرية .. فيظهر ابطال جدد ينهمكون في مناقشات حادة حول قضايا فلسفية واجتماعية وسياسية ..لكن في قصصه الأخيرة ظلت دراما الوجود الإنساني تشكل الفكرة الرئيسية . وفي كل قصص تشيخوف ينتاب القارئ إحساسا ليس فقط بالحياة كما هي ، بل بالحياة كما يجب أن تكون ..وبمرور الزمن تتجسد في اعمال تشيخوف فكرة المستقبل السعيد وتصبح الحياة الجديدة أكثر وضوحا ، ليس كحلم بعيد ، بل كواقع تاريخي .

ويرتبط تطور أعمال تشيخوف بشكل لاينفصل بتحليله الخارق لموضوعته الرئيسية ـ الصراع بين الإنسان و النظام البرجوازي الأقطاعي .ويفتح الوضع الديمقراطي العام امام تشيخوف بعدا آخر يساعده على كشف الأهمية العامة للصراع بين الإنسان والنظام البرجوازي ...فيبين للقارئ بأن هذا النظام ضارا ليس فقط للأغلبية المستغلة ( بالفتح ) بل ولأفراد الطبقات الحاكمة وللمفكرين الذين يخضعون للأفكار البرجوازية حول السعادة أو الذين يذعنون لطريقة الحياة المعتادة .

وفي كل أعمال تشيخوف الناضجة ، يظهر الصراع الذي يخوضه المفكر كمواقف اخلاقية مع العادات السائدة ، وهذا الصراع يقود إما الى ولادة الوعي الذاتي لدى المفكر وبالتالي رفضه للنظام ، أو الى فقدانه لمشاعره الإنسانية وعواطفه وقبوله بالأمور التافهة التي تحيط به . ومن خلال تصويره لهذا الصراع بين المفكر والنظام الإجتماعي غير العادل ،يبين تشيخوف بأن مقاومة ذلك النظام هو الطريق الوحيد للفرد في الحفاظ على إنسانيته .

إن التناقضات الحادة في النظام البرجوازي الأقطاعي في روسيا ، كما يؤكدها تشيخوف ـ حرمت الناس الجيدين والمفكرين الشرفاء من إمكانية العيش بسعادة .وعلى الأرجح لم يكن هناك كاتبا قبل تشيخوف استطاع أن يكشف هذا التنافض في قصصه أو مسرحياته ، لكن تشيخوف قطع شوطا بعيدا حين أشار الى كيفية تشكيل المفهوم الجديد للسعادة (السعادة إدراك المرء لكرامته ،وبحثه عن حياة جديدة وعمله من اجل إنتصارهذه الحياة . ) وهكذا فمفهوم تشيخوف حول السعادة البشرية يتضمن فحوى جديدة .

إن الذي أضفى الطابع الجدي على اعمال تشيخوف هو إنسانيته ،ليس في المضمون فحسب ، بل وبالشكل أيضا . ومهما كانت المسائل التي تناولها تشيخوف معقدة ،فهي في التحليل النهائي تقدم مسائل محددة عن العدالة والظلم ، خاصة بالنسبة للبطل نفسه ... ومثال على ذلك المناقشة الفلسفية التي تدور بين كروموف و راجن في قصته ( العنبر رقم 6 ) إن أفكار راجن والتي هي حصيلة نقاشات فلسفية يعرفها القارئ وتستثير مشاعره كلية ويتجاوب بعقله وقلبه مع النهايات المأساوية التي تشكل المصير النهائي للشخصية المحورية وللقصة بشكل عام . وهنا يثير تشيخوف مشكلة يجسدها في جملة من الصور الفنية ، حيث يقوم بترجمة تلك النقاشات الفلسفية الى لغة المبادئ الأخلاقية بطريقة خاصة في بناء قصته التي تنتهي بالحبس غير المتوقع لراجن في ( العنبر رقم 6 )

وفي قصصه الأخرى ،تتحقق النتائج نفسها بتوافق مع الأشكال القصصية . فمشاهد سقوط الثلج في قصة ( الهجوم )مثال من هذا النوع حيث يتمكن تشيخوف من تحقيقها عندما يقدم صورة ذاتية للحقائق الداخلية التي تعتمل في نفسية البطل . إن هذه المشاهد ، التي تعكس التغييرات ليس في المزاج فحسب بل وفي حكم الطالب فاسيليف ، ولربما في أكثر من اي عنصر فني آخر في القصة ،تقود القارئ الى النهايات التي رسمها البطل .

إن إظهار الحقيقة الموضوعية من خلال الإدراكات الحسية لها ( من قبل شخصيات القصة ) ساعدت تشيخوف في وضع المبدأ الأساسي لمواهبه الشعرية موضع التطبيق ، مبدأ الموضوعية الذي يتطلب ترجمة حقيقية للواقع الإجتماعي .

يتبع



#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن لؤلؤةً بين المواقع
- هدية لأمي
- الفنان السينمائي والفوتوغرافي اليمني العالمي ناجي مصلح نعمان
- في اليوبيل الفضي لإستشهادك سماوتك لن تنساك
- أبا ظفر ... الغائب .. الحاضر
- أبا ظفر ... اقسم بالله العظيم إننا لم ننساكم
- في الذكرى الخامسة والعشرين لإستشهاده الأنصار يتحدثون
- قصيدة الى زوجة الشهيد
- ارسمي زهرة
- قصيدة لنزار قباني
- لحظات خوف
- اثر المدرسة في التكيف عند الطفل
- اثر الأسرة في التكيف عند الطفل
- رابطة المرأة العراقية في عيدها السابع والخمسين
- المرأة العراقية ... والتحديات
- وتمضي الأيام وحبي لكَ باقٍ
- في تأبين البطل د. ابو ظفر
- الظالمي لم يمت
- الى شهداء العبور د. أبو ظفر أبو هديل أبو إيمان أبو سحر نا ...
- ابو ظفر ذكراك باقية الى الأبد


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس الربيعي - في الذكرى 150 لميلاده ....انطون تشيخوف الكاتب الإنساني العظيم