أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي















المزيد.....

السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 20:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أمام مسلسل السجال المذهبي وحفلات الشتائم التي لا تنتهي إلا لكي تبدأ، يشعر المتفرج بشيء يشبه الغثيان. فمشاهد الخصومة تتكرر منذ بدء التاريخ الاسلامي، السجال هو نفسه وحفلات التنكر تستنسخ ذاتها حتى لكأن التاريخ قبع جامدا في مكانه ولم يتحرك، وبعد كل جولة من التطاحن الطائفي البغيض يعود الماضي محملا بكل أشجانه وجراحه ليمتزج بحاضر ممزق مخطوف من عفاريت تطل برأسها لتشعل مزيدا من الحرائق، ولكن -ويا للعجب- لا أحد يعتبر أو حتى يقف متسائلا: إلى أين ستنتهي هذه المحارق؟!

في واقعنا تتخذ حركة التاريخ شكل حلقة دائرية، يصبح فيها الزمن عرضة لعبث عفاريت الظلام وسدنة التكفير. لا ينكشف الحاضر إلا بمزجه بالماضي، ولا يعود التاريخ متحركا إلا ليبدأ ويعود من لحظة اللاشيء التي يختلط فيها الوهمي مع الحقيقي والواقعي مع الخيالي في مشهد درامي عصي على التفسير.

ولأننا أمام مشهد عبثي ووقائع متشابكة فإن الأزمة الطائفية ستظل شاخصة مادام المكبوت يحتجب خلف الرماد قبل أن يتفجر في هستيريا حفلة الشتائم والحرب الكلامية.
ما قاله مؤخرا الشيخ العريفي، وهو أحد وجوه التطرف السلفي، يمثل حلقة أخرى من حلقات "الرجوع الأبدي" للفتن المتجولة بين المدن والأحياء والأزقة والأزمنة، فعندما يصف خصمه السيد السيستاني بالزنديق والفاجر فإنه يستعيد ما قاله الشيخ ابن تيمية عن غريمه الشيخ المطهر الحلي حينما يصفه بالمنجس الحلي رغم أنه كان تلميذا لديه، وعندما يمعن في سب وشتم الرافضة ويخرجهم من الدين والملة فإنه يكرر نفس الفعل الاستئصالي لشيخ متحمس آخر في القرن الرابع الهجري عندما سب المفيد، وإليك ما قاله بالحرف الواحد صاحب الشذرات الشيخ التطواني حيث ينقل أن شيخا متحمسا "قصد شيخ الشيعة ابن المعلم وهو الشيخ المفيد وأسمعه ما يكره فثارت تلامذته وقاموا وأستنفروا الرافضة وأتو دار قاضي القضاة أبي محمد بن الأكفاني والشيخ حامد بن الاسفرائيني فسبوهما وحميت الفتنة" ثم تفاقمت حتى شملت بغداد كلها.

وفيما نحن على أعتاب عقد جديد في القرن الواحد والعشرين يعود الشيخ العريفي، ليحيي حفلة الأمس فيبدأ جولة سجالية جديدة، تعيد إلى الذاكرة ما كان راسخا في المخيال والتاريخ الديني لقرون خلت: بين ابن تيمية والمطهر الحلي، بين الكرخ والرصافة، بين النجف والدرعية، ثم تتواصل اللائحة لتصل أخيرا بين الشيخ العريفي والسيد السيستاني.

ولكن مشكلة الجماعات الدينية سيكولوجيا أنها تستثار بسهولة، فما إن تقرع طبول الليل حتى تبدأ حفلات الشتم وتنتشر عدوى التراشق بالسباب والبيانات والاحتجاجات، إن الجماعات وهي تخوض هذا المعترك تتناسى التاريخ لتجازف بنفسها مرة بعد مرة في محاولة انتحار جماعي، مما يعني أنها لا تجيد قراءة التاريخ أو أنها لا تتعلم أو لا تريد أن تتعلم.

أكثر من ألف عام وهي تخوض هذا الصراع دون حسم في حالة تشبه حرب البسوس التي اندلعت بسبب ناقة أو جمل، بيد أن السؤال والذي يتكرر مع كل جولة أو تقيؤ طائفي: من المنتصر؟ بالطبع لا أحد، ولكن ما هي النتائج؟ لا شيء سوى مزيد من الحرائق التي لا تطال أصابع الفاعلين بل تلتهم الجماعات الدينية نفسها، فالرمز يطلق السعار الطائفي ثم يهرب ويختبئ ويموت، لكنه ينبعث بعد أن تخبو النار وتضع الحرب أوزارها في سحنة جديدة لمتحمس طائفي جديد، وهكذا تتواصل حمأة السعار الطائفي المجنون وتنتشر لتبتلع كل شيء له صلة حقيقية بمن يحترق ويرقص من شدة الألم، أي تلك الجماعات الدينية ذاتها.

الرمز في المنظور الديني له صله وثيقة بفكرة الاصطفاء، حيث هناك تراتبية ماورائية تنعكس في شكل تمايز طبقي مغلق، تحدد فيه الأفضلية سلفا وبشكل نهائي. يستمد الرمز حضوره وما يسوغ به مرتبته الكاريزمية من خلال تعالقه واتصاله بمصدر الاصطفاء والذي هو المحور الذي يدور حوله التاريخ ويحدد هوية الجماعة، وبالتالي فإنها يجب أن تختزل في الرمز ذاته الذي يصبح بصفته ممثلا شرعيا لفكرة الاصطفاء روح الجماعة وبؤرة تماسكها، وهكذا فإن الجماعة تذوب في الرمز وتذب عنه في آن معا، لكي تنجرف هذه العلاقة في حدها الأقصى إلى شكل من أشكال إلغاء الجماعة وتغييبها مقابل حضور الرمز، هذا التقابل الجدلي بين غياب الجماعة وحضور الرمز يترجم ذاته في تضخم رمزوي في خضوع تام لسلطته وهو مرشح إلى أن يكون شكلا من أشكال عبادة الرمز أو البطل، وطبيعي والحال كذلك أن تشل الإرادة وتعطل ملكات التفكير مما يؤسس إلى جماعة مستلبة تعاني من اختلال في الادراك ومصادرة في الوعي.

ليست المشكلة في الرمزية ذاتها فهي صناعة ثقافية تشمل جميع الثقافات والمجتمعات، حيث أن السياسي أيضا رمز وكذلك المبدع والمفكر، إن النخبوية والتي لا غنى عنها في كل المجتمعات هي أساسا حالة رمزية، ولكن ثمة فارق جوهري بين رمزية ناتجة عن فعل اصطفائي غيبي وأخرى هي بمثابة نتاج ثقافي، أي أنها انعكاس وترجمة أمينة للمجتمع: الأولى حالة فوقية سماوية والثانية حالة تحتية أرضية.

إن الرمزية الدينية بوصفها حالة تقديس تجنح إلى التعالي، والتعالي ذو طبيعة ميثولوجية، مما قد يؤدي إلى إضفاء بعد غيبي غير قابل للفهم، أي أن الرمز يصبح لغزا مستعصيا على الادراك، والقداسة تصبح بلا مضمون. لا يصبح الرمز قديسا إلا بعد أن يكون لغزا عصيا على الفهم أي أن مضمون القداسة يتجه إلى الشخص أيا يكن دون الفكرة ودون المبدأ، وإذا كانت القاعدة تقول: اعرفوا الرجال بالحق، فإنها تتحول هنا إلى العكس، وإذا كانت القيم حاضرة في الوعي فإنها لا تبدو مقدسة إلا بانطباقها على الرمز، الرمز/ الشخص يحل محل الفكرة فيستبدل التفكير بالعاطفة الديماغوجية.

هناك جانب وظيفي آخر ليس أقل أهمية، فكل الأمم والجماعات وخاصة البدائية تعيش على فكرة تقديس الأشحاص المؤسسين، فالجماعة في لحظة النشأة تعتاش على الأسطورة، ولكنها ما إن تبلغ مرحلة النضج والاكتفاء الذاتي فإنها بحسب أوغست كونت تحرز انتقالا نوعيا باتجاه التفكير والمعايير الوضعية التي ستشمل الرمزية فتتحول إلى رمزية موضوعية كنتيجة طبيعية لاستحقاق معين. بين الرمزيتين بون شاسع إذن، تلغي الأولى حضور الفرد وشخصية الجماعة فيما الأخرى تعززها وترتكز عليها.
هذه الاضاءة حول الرمز ووظيفته ودوره تأخذ أهميتها في الكشف عن طبيعة التراشق والسجال المذهبي الذي يلجأ إليه غالبا الرمز المدعوم بهيبة السلطة، تماما كما فعل العريفي ولكن ما الجديد في سلوك العريفي وهل يستحق تصعيدا وصخبا واستجابة حادة؟ فالشيعة بحسبه كفار منذ الأزل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو ينسلخوا من جلودهم، وهو كذلك في نظر الشيعة سلفي لا يكن الود لآل البيت.

إن ما يحدث ببساطة هو صراع على الرمزية، هذا الصراع الذي يحرف جهود الجماعة- التي لا ناقة لها فيه ولا جمل- إلى غايات موهومة يتغافل في ذات الوقت عما يشكل تحديا ومطمحا واقعيا، بعبارة أخرى لقد كشفت هذه الخصومة التاريخية عن أن الوسط الديني الاسلامي مغيب تماما أو هو لا يعرف ماذا يريد.



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين المتدين الأصولي والشامان
- البطولة الزائفة
- أنفلونزا التبشير المذهبي
- ذهنية التحريم في العقل الشرعوي
- عيد وطني ينقصه وطن !!
- حول اشكالية العلمانية في الاسلام
- المهدي المنتظر في القرن الواحد والعشرين
- قناة العربية ترشق الحجارة وبيتها من زجاج!
- الأيديولوجيات الدينية وسؤال الحداثة
- أعداء الحرية ينتصرون لها في ايران!
- ثمرة المعرفة: أول ارتفاع، آخر تمرد.
- عن تآكل الاصلاحات في السعودية
- أكثر من كلباني.. أكثر من لوثر!
- المرحلة البينية وتحديات التنوير‏
- أحداث القطيف وبوادر الاصطفافات الجديدة
- حفاظا على السلم الأهلي.. قدم استقالتك يا سمو الأمير
- حينما لا تصبح العمامة كالنعامة!
- بين بيان التصحيح وأحداث المدينة: مفارقات وخطاب مشترك
- أنقذوا السعودية قبل أن تحترق
- كل فلنتاين وأنتم بخير


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي