أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينة منير زيدان - أحلام وجنازير - قصة قصيرة















المزيد.....

أحلام وجنازير - قصة قصيرة


زينة منير زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 2831 - 2009 / 11 / 16 - 00:26
المحور: الادب والفن
    


هدأتُ.. هدأت مجددا في قلب وحدتي.. لا شيء يلغي الصمت سوى صفعة صمت أقوى.. تفيق العيون الناعسة وتنام على أحلام وخيالات.. من يستطيع أن ينكر بأن الشجر يبكي؟ وأن الشجر، حين تغفو عيون الناس، يجلس على ركبتيه ويفكّ تشنّج التصلّب.. فالقوة والثبات إلى الأبد ليسا إلا ذبحا بطيئا للحياة بكل تفاصيلها.. وليسا إلا قتلا للذات الإنسانية..
ربما حان الوقت لأكتب عن أشياء كثيرة لطالما تردّدت في تفجيرها على الورق.. لكن قلبي صار حقل ألغام مبعثر.. وصار خطرٌ احتمال النجاة..
بالأمس رغبت أن أبكي وأعاقب نفسي التي يجرحني كثرة الحنان فيها.. رغم أني جبت كل عوالم الأحزان وأتيت بأجود أنواع القسوة، لأرمم خارجي حجرا وإسمنتا لا يتفتت ولا يتحلّل.. ألبست نفسي عباءة قاسية وثقيلة.. لأن الروح التي تتحرك بين شراييني لا تمتّ لهذا الكون بصلة.. وربما هي هفوة من هفوات الحياة.. أو ربما هي تسرّب إلهي..
روحي تفيض بالحبّ الذي يكفي الدنيا.. ولكنه لا يصل لي..
.. وأنا لست أكثر الناس امتحانا للتجارب بل أقلهم..
ذكّرتني هذه العبارة بمشهد فيلم أنتفض كلما أذكر مشاهده..
أحلام دبّ..
هذا هو اسم الفيلم..
ألا ننعت الشخص السمين بالدبّ؟ بعد مشاهدة هذا الفيلم غيّرت رأيي..
فقد أنادي المجروح والمظلوم والمعذّب والمعنّف دبّا..
سُحبت الدببة من رؤوسها بقوة.. وأجبرت على تعلّم الرقص.. أنظر المشهد:
يمسك الرجل بيد الدبّة اليمنى.. يدير صوت الموسيقى عاليا.. يرقص أمامها ويهزها لترقص.. ومن قال له إنها ترغب بذلك؟ لربما رغبت لو كانت في غير مكانها.. لا تتحرك الدبّة على إيقاع الموسيقى.. يمطرها المدرّب ضربا ويهزّها هزّا.. رأيتُ دموعها.. حتى ولم تنزل.. لم ترقص الدبّة .. حتى ولم يُرِنا المخرج مشاهد التدريب الكثيرة فإنني أعرف كم هي كثيرة.. أعرف نعم، من مشهد يوم الاحتفال؛ أوقفت الدبّة وسط حلبة دائرية تجمهر حولها الفقراء لينتشوا بتلوّي هذه الروح.. تحرّكت الدبّة كالأشباح.. خوفا من أن تصبح شبحا..
هزيلة هذه الدببة.. لم أرى في حياتي قط دبّا نحيفا.. لا يطعمون الدببة هناك.. وهم في أكثر المناطق فقرا وجوعا.. يا إلهي.. ألا يعرف الجائع معنى الجوع؟
ألا يعرّف المعذب طعم الوجع؟ وهل ينسى المظلوم رائحة لحمه الملسوع تحت السوط؟؟؟ فلماذا يعيد الكرّة ويقلب الأدوار، فيصبح هو ضحية وجلادا في آن واحد..
اقتربت عدسة المخرج من عين إحدى الدببة.. كانت نظرتها قاتلة!
في مخيلتنا صور نمطية عن الدبّ القوي الشرس.. وليس فيها صورة تشبه ما رأته عينيّ.. برك الدموع المتلألئة في عينين ساكنتين لا يكاد محجرها يتحرّك.. وتحكي.. نعم تحكي وتحكي وتحكي آلاف القصص والروايات عن عذابات طويلة وأقدار لا تعرف كيف سيقت إليها..
دخل الإنسان إلى عالمها فشوّه خلق الله.. في أنوف هذه الدببة غرزت دوائر حديدية وربطت بحبال طويلة لتشدّ منها ، شيء يشبه البيرسينغ لدى البشر، مع اختلاف ان البيرسينغ هو خيار من اختاروه..
طريقة الوصول إلى هذه الدببة من بدايتها قاسية.. تُلاحق أمهاتها من دول عدة.. تقنص.. تستعمل فراؤها لجمال الإنسان.. وتسرق الدببة الصغيرة من أمهاتها المقتولة لتساق إلى العذاب فرادى وجماعات.. أول غيث العذاب حرمان من حليب الأم وعاطفتها ولمستها.. وآخره موت من كثرة التعذيب..

"أحلام دبّ".. فتح لي بابا لم أظنّ يوما بأنه موجود بهذا الشكل..
إذا كان الإنسان يقتل أخاه الإنسان.. ويذبح الأطفال والنساء والشيوخ.. ويرسل الصواريخ والقذائف ترعد في قلوب الأبرياء، وتقتلعهم من عين الدنيا وهو يبتسم ضاغطا على جهاز التحكم لينطلق الموت,.. إذا كان الإنسان يفعل ذلك بلا شفقة بأبناء جنسه.. فهل يُلام إذا اغتصب الحيوان؟
وإذا كنّا نعيش على كوكب فيه كل أنواع الظلم باختلاف درجاته..وفيه ميزان العدل معطّل جرّاء قذيفة هاون قصفته..وفيه أحلام هي بدورها صارت جثثا مع أصحابها تحت الأنقاض.. وإذا كنا نحيا وننجب أبناءا لا يحلمون أبدا..لأن جينات الحلم انقرضت من سلالتنا البشرية بفعل التغيّر في الهرمون والطعام والمعاملة الإنسانية.. فكيف يبقى للدب أن يحلم؟

انتهى الفيلم القصير " أحلام دب" ، صفّق الجمهور.. وبكى أيضا..
لكن القصة تابعت تمددها داخل مخيلتي.. فحملت الصورة وأنجبت مشاهد كثيرة..
ظلّت الدبّة المعذبة تحت نير جلادها على خشبة المسرح.. تحركها آلامها لا ثقافة رقصها على إيقاع ضرب الطبول.. وظلّت تهزل وتشحب أكثر فأكثر.. حتى تيقّن من تابع رقصها بأن موتها بات وشيكا .. لقد كانت الدبّة تنازع على وقع التصفيق، كمن يؤدي الرقصة الأخيرة..
كانت تحدّق في عيون من يستخفون بها ويضحكون على أدائها المثير للسخرية.. لم يفهم الجوعى أنها لم تكن ترقص ولكن تبكي.. ضاق محجر عينها من سعة ظلمهم .. يصفق شاب يفترش الصف الأول على الأرض، ويقول للمدرّب: " اضربها يا رجل.. هل تمارس علينا غنج أنوثتها وتختال رفضا حينا وتباطؤا حينا آخر؟!"، فيرتفع منسوب الضحك وتشحذ الهمم لخوض مباريات الكلام الأقوى على الجسد الأضعف.. وتمرّ كلماتهم كالسيف القاطع أمام عينيّ الدبة البائسة.. يرميها آخر ، لم يظهر وجهه بين الحشود، بحجرة تسقط على أنفها المثقوب، فينزف الأنف وينتشي الرجل ويضحك الجمهور..
تقع عين الدبّة ،في أثناء دورانها نحو العدم، على امرأة سوداء البشرة تحمل رضيعا بعمر الشهور الأولى، تتلاحم العينان ويجمد الزمن وتتلاقى الطبيعة.. نقيضان متشابهان.. رضيع ملفوف بذراعيْ أمّه الفقيرة البائسة، ورضيع ملفوف بجنازير وسلاسل وصراخ مكبوت ..وأمّ ربما يلبسها المدرّب!
توقّفت الدبّة عن الرقص فجأة.. صفعها المدرب.. لكنها لم تتحرّك.. شدّ الجنزير الحديدي حول أنفها.. فمالت معه بقوة ثم ارتدّت إلى الجهة المعاكسة بعنف كبير..هدأت ضحكات الجمهور وشاع الذهول صامتا في أرجاء المكان.. وفجأة صارت الأنظار متّجهة نحو المرأة السوداء الشاحبة التي اختفى لونها رعبا..
وفي لحظات.. وقبل أن يتمكن العقل البشري الماكر من تحليل ما يحصل والتدخّل لمنعه.. فارت في جسد الدبّة قوة ما، فركضت نحو المرأة ضاربة بإحدى يديها الرضيع بعيدا عن ذراعيْ أمّه، ثم انقضت على المرأة حتى شرب الجنزير من لحمها ودمها..



#زينة_منير_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب المستحيل
- لعبة الأصابع - خاطرة قصيرة
- ثورة على حاكم ليس بأمر الله


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينة منير زيدان - أحلام وجنازير - قصة قصيرة