أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حامد مرساوي - قشرة البرتقال/-4 -موت- كالذبح الخاطف















المزيد.....

قشرة البرتقال/-4 -موت- كالذبح الخاطف


حامد مرساوي

الحوار المتمدن-العدد: 2777 - 2009 / 9 / 22 - 08:45
المحور: سيرة ذاتية
    


يوم الأحد 20/9/2009، حلت الذكرى 36 للوفاة المفاجئة للوالدة. وقد أتت بمثابة الضربة الثانية في أقل من سنتين، بعد الضربة الأولى على الصعيد النفسي العاطفي. لذلك، لما تسلمت نسخة أحمد الزعتر من محمد السكتاوي بوادي زم، نهاية السبعينات، لأول مرة رأيت نفسيتي الحزينة في مرآة القصيدة.
لأحمد المنسي بين فراشتين
مضت الغيوم
وشردتني
ورمت معاطفها الجبال
وخبأتني
بدءا من جبال الأطلس في بني ملال أثناء الخدمة المدنية، وانتهاء بجبال الريف الممتدة في تطوان بعد التعيين/العقاب في الأصل.
غيم الطلاق الذي حمل معه سعاد، وغيم الوفاة الذي حمل معه الوالدة.
كما سافرت سعاد دون أن أعلم أو أتحسس لحظة "الخروج"، والحال أننا جيران، "الباب فالباب"، كذلك كان الأمر عندما أتذكر أننا افترقنا، أنا والوالدة، نتبادل القبل، لأسافر إلى الدار البيضاء رفقة عبد اللطيف العولي، الطيب الودود. دون أن أتمكن من عيش مقتضيات الموت. كان موت الوالدة أسرع من السكين الفائق المضاء. لأنه ذبحني زبقيت مثل الديك الذي لم يشعر بالذبح فبقي واقفا.
يوم ثلاثاء، 17 شتنبر1973، الساعة السادسة والنصف صباحا، ودعت أمي وداعا عاديا، وغير عادي. وداعا عاديا لأن السفر لن يزيد عن ثلاثة أيام, سافرت بداية الأسبوع ولن ينتهي الأسبوع إلا وأكون في المنزل مرة أخرى. ووداع غير عادي لأن به ما يخفف من روتين القعود في دورة الحياة اليومية. وهو أيضا غير عادي لأنه أول سفر إلى الدار البيضاء. وهو غير عادي لأنه يسبق السفر الأخير نحو الرباط حيث عصفورين بسفر:كلية الحقوق وسعاد التي سأبحث عنها في عين المكان.
ودعت الوالدة في صحة جيدة ليس فيها أقل علامة من المرض. حافلة الدار البيضاء، الوحيدة التي تنطلق يوميا على الساعة السابعة صباحا، لتصل على الساعة الثانية زوالا. كان قاسم الشيفور قد انتزع لنفسه سمعة سائقي الستيام، مثل الحاج احميدة وطوني. كان قاسم يصل إلى اثنين اسرافح في منتصف الطريق بين وزان وسوق أربعاء الغرب، ليتوقف برهة ينتظر. ثم إذا انتبه المسافر يرى امرأة غرباوية خرجت من أحد منازل الدوار. تقترب من نافذة الحافلة وتسلم لقاسم خبزة حرشة سخونة طرية من الحرشة الأصيلة ذات المواصفات اللذيذة، عندما كانت الحرشة حرشة كما صرع عيسى الورديغي ذات يوم في إذاعة الرباط مع محمد العوني: "قبل ما ترطاب". ثم ينطلق بحافلته الزرقاء. كان قاسم قد تمكن من منافسة الستيام بثلاثة مواصفات: ضبط التوقيت في السفر. فقد كان لا يتوانى عن الوصول إلى سوق الأربعاء والقنيطرة والرباط والدار البيضاء في نفس الساعة. وكان في منتصف العمر الناضج. كما كان خدوما لا يرفض توصيل الأظرفة أو "الكوليات" للناس ذهابا وإيابا. بحيث يتوصل الطلبة في الرباط ب"الشهيوات" من عند الوالدة في اليوم المحدد. يكفي أن يصل المعني بالأمر إلى المحطة ليسلمه قاسم "السخيرة" من عند دارهم. والمواصفة الأخيرة للمنافسة السياقة بحزم وسرعة بتمكـّن تقنيّ مشهود له به.
كان "شيفورات" الحافلات بمثابة أنترنت اليوم. هم الذين يمكنون الناس من إيصال الرسائل بالبريد المضمون من يد ليد وفي نفس اليوم. بل كان "الباكور" الوزانية قضية مقدسة وعلامة الارتباط المتين بين أفراد العائلة. اليوم فقط بعد الفضائيات الملونة نلمس تشابك العلاقات العائلية بل القبلية في بلدان مسلمة بالكثافة الديمغرافية التي تزدحم فيها الألوان والرسوم والأضواء والضوضاء، فنجد الشاحنات والحافلات مختنقة وفائضة بمشاعرها أكثر مما تحتمل.
لربما بقي غياب الأم مفجعا لما قد يكون لدى علماء النفس والأطباء ما يتفاعل عبر ارتباطات العاطفي والثقافي الموروث بل العضوي عبر أسلاك الجهاز العصبي. إذ تحل الموت لتفرق بين طرف البنوة والأمومة. لكن الحالة المستعصية أمامنا ليست مجرد موت بطقوسه الحزينة الرتيبة.
عدت من الدار البيضاء متأخرا ليلة الجمعة 20 شتنبر1973، توقفت بسوق الأربعاء. الأضواء مطفأة. والمدينة في أواخر حركاتها الليلة. ليس لي مصروف مالي يومي يساعدني على الحركة كما يقتضي كل طارئ. أنا مجرد تلميذ ثانوي يستعد الانتقال في نفس الدخول للدراسة بالجامعة في الرباط العاصمة. إذن، المؤكد أن السي محمد خاي غير موجود في المنزل. كل عائلته في السفر. ولو أنه مفهوم أن يكونوا جميعا في وزان ما دامت نهاية الأسبوع. وهو ما لم يكن في الحسبان لأدبر أمره عند مغادرة الدار البيضاء في ساعة متأخرة في المساء. وحتى لو قررت استكمال الطريق نحو المنزل في وزان، كل وسائل النقل توقفت. خرجت لأستكشف الأحوال في المدينة (سوق الأربعاء)، اقتربت من البار الأوطيل الشهير في الزاوية (غران أوطيل). من حوله أو قربه، صادفت الأخوين (محمد و....) أصدقاء لطيفة في شركة كاسيي، لما رأياني أسرعا إلي بالسلام الودود كعادتهما، ثم بادرا إلى تقديم التعازي. ولما استغربت ثم ما لبثت أن تذكرت أن خالتي فطيمو كانت مريضة، أصر كل واحد منهما على أن الوالدة هي التي ماتت. لم يكن لهما أي تفسير. لكنهما أصرا على أن الوالدة هي التي توفيت.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟هذه العلامات هي التي أملك، مع الإصرار في أن الوالدة ليس لها أي سبب للوفاة هكذا فجأة. التشبث من جانبهما لم يبق مجرد كلام. بل اصحباني لأماكن الطاكسيات واكتريا "طاكسي كورصا" وأوصلاني إلى مدينة وزان في نفس اللحظة. مع احتساب ساعة المسافة بين المدينتين. كنت أحس بهما يلتفتان إلي لاستطلاع علامات الحزن على وفاة ما كان يسميانه وفاة الأم. طيلة مدة السفر العاجل ذاك، لم يتسرب إلي أي أثر من آثار الحزن. لأن القناعة النفسية بوفاة أمي لم تتوفر ولو بنسبة 1%. لذلك بقيت في حالتي النفسية العادية. يظهر ذلك على قسمات وجهي التي لم تتبدل.
المشكلة أنني لما دخلت المنزل، ووجدت الناس جميعا، بما فيهم إخوتي في حالة حزن وجاءوا يسلمون علي لأبدي ما يتطلب الأمر من حزن، لم تتسرب إلى العدوى ولم أبادلهم لا البكاء ولا التظاهر بالحزن. لم أصدق أن الأم تلك اللحظة متوفية وخارج المنزل بسبب الوفاة، بالأحرى أن تكون تحت التراب.
في الصباح نفس الشيء. لم يتسرب الحزن لنفسيتي. ولم أحس أن أمي توفيت. كأن الجو المنزلي. وغيابها الجسدي عن المجموعة. وحديث الكل عن وفاتها، كل ذلك مجرد كلام آت من المريخ..........
نعم، لقد ذبحت ذبحة بمضاء خاطف مميت، من فرط المفاجأة الغريبة التي لم تتكرر مع وفاة الأم. ولأنني ما لمست ولا عاينت واقعة الوفاة، فقد بقيت أكرر حالة نفسية تجاه هذه الحقيقة البيولوجية السوسيولوجية بعجز نفسي تام عن المصادقة. مكره أبنك لا جاحد بالموت. ظل هذا العجز النفسي عن الاعتراف بل عن التحقق المختبري بحقيقة الوفاة يثير نقيضه كل عيد أو مناسبة عائلية في الشهور الموالية. بما أن الغياب البيولوجي والسوسيولوجي يتكرر، معنى أن الموت كمعطى أصبح يتسرب إلى اللحظة النفسية. لكن، مع تردد التألم المرافق للحظة الوعي النفسي بحقيقة وفاة الأم. ولقد أصبح ذلك التلازم بين الوعي والشرط المرافق أحد مكونات التعقيد النفسي والرهافة بل الهشاشة المزمنة إلى اليوم.





#حامد_مرساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قشرة البرتقال/ 3 - -الخلوة- بسعاد
- قشرة البرتقال/2-الخرجة- مع سعاد
- قشرة البرتقال/ 1- السفر الحزين


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حامد مرساوي - قشرة البرتقال/-4 -موت- كالذبح الخاطف