|
عدوُّ الفكر ...2
ريم الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2765 - 2009 / 9 / 10 - 14:46
المحور:
حقوق الانسان
عدوٌّ الفكر...2 ليس من اليُسر تخيل لكم صعبا على احدنا أن يشعر بالخوف . الخوف ذلك الشعور السوي و الطبيعي الذي يمتلكه الكائن الحي لحمايته و الحفاظ عليه ، و لكنه يصبح غير سوي عندما يقيّد السلوك و يعيق الحياة اليومية و الأخطر من ذلك عندما يهاجم هذا الوحش أهم أسلحة الإنسان قاطبةً : "الفكر" . الخوف له قدرة هائلة على شلّ الفكر و تقييد حرية الإبـداع، وأدركت كل الأنظمة التسلطية هذا و استفادت من المعرفة الكبيرة التي قدّمها علم النفس للبشرية عن طبيعة الإنسان و دوافعه ، و انطلقت لتعبث بأخطر مكنونات و كنوز الشعوب " أفكارها " بالترهيب و القتل و التهديد . الفكر تلك الطاقة العملاقة التي تحرّكنا و بها نخطّط و نرتّب أمورنا من الخيوط البسيطة للحياة اليومية إلى اعقد صور حياتنا المستقبلية و حتى الماضية و كيفية الاستفادة مما سبق . فالسيطرة على الفكر هو سيطرة على الإنسان ، كما هي الحال عند السيطرة على غرائزه . و القوى الجسدية و العقلية هي قوى فاعلة و أساسية لدى الكائن البشري و من خلالها يمكن إخضاعه و إذلاله كما هو حاصل في الكثير من الشعوب التي تعاني هذه السياسات سواء الشعوب المُحاربة بقوتها اليومي و بلاءها بالمجاعة أو تلك الشعوب التي تعاني من ( الجوع الفكري ) أو الحرمان الفكري و تقييد الحريات . فكِلا الجانبين لا يتطوران لان المحاربة كانت لأهم قوتين عند البشر.
و من خلال الفكر نستطيع الحكم على بيئة الفرد التي عاش فيها و كيفية تنشئته و ما يعتقد أو يؤمن به ، و تبدو الأفكار و محتواها العام ظاهراً للعيان من خلال سلوكيات الإنسان و نقاشاته و اللغة المستعملة في الحوار و ردود أفعاله و طبيعة إدراكاته للمواقف المختلفة من حوله و هي جميعها تعكس المحتوى المعرفي له و ما يمتلكه من قدرات عقلية تسيطر على مسير حياته.
و من المعروف إن مُحاربة الفكر كان منتشراً في القرون الوسطى و المُسماة بالعصور المظلمة ، و خاصة عند الشعوب الأوروبية آنذاك ( و قد انقلب العصر اليوم إلى العرب ) فقد كانت مُحاربة الفكر بقسوة و بشناعة مُبالغ فيها ، و صلت إلى درجة إحراق المفكرين و أصحاب العقول المستنيرة و اتهامهم بالكفر و الإلحاد و العدائية للدين و المعتقد ، لغاية إخضاع الناس لفكر معين أتسم بالجهل و الخديعة و الغش و لصالح المؤسسة الدينية الضالعة في الحكم و انتشرت أساليب الحيلة كصكّ الغفران و التقرّب من الساسة و الحاكمين و شدّهم دينياً خدمةً لأغراض رجال الدين في ذلك الوقت . و غرقَ الناس في الطاعون و السل و الأمراض الفتّاكة الأخرى لسبب واحد فقط : الفكر ، و سيادة الجهل بديلاً عنه.
و قد يقرأ احد ما هذه الأسطر ويذهب ظنّه في كون كاتبتها تبالغ قليلاً بعزو مشكلات الشعوب إلى الفكر أولاً دون التركيز على المشكلات و التحديات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، كل هذا صحيح أن تبادر إلى الذهن لكن هناك سؤال يطرح نفسه و هو سؤال مدعو للإجابة عليه المفكر و المثقف و المتعلم و حتى صاحب الخلفية المعرفية المتواضعة : لماذا تطوّر الغرب ؟ و بقي العرب هكذا ؟ هل لديهم أرجل و ليس لدينا ؟ هل يمتلكون أيادي و نحن لا أم لهم عيون يبصرون بها و نحن جميعاً فاقدي البصر؟
نختلف بشيء واحد فقط و لو رجعنا إلى التاريخ لعرفنا إجابته بسرعة : " الفكر" ، كان العرب أكثر شعوب الكون تطوراً و كانت بغداد عاصمة الثقافة كما هي الحال باريس أو لندن اليوم . لان العرب سابقا أصحاب رسالة تدعو إليه و إلى الحرية ، ابتكروا و اخترعوا و أبدعوا بكل العلوم و الفنون ، و كانت السلطات الحاكمة تؤيد الفكر الحر غالباً ، فانبهر العالم بهذا التطور العمراني و الحضاري و كان سببه -باعتقادي- بالإضافة إلى الحروب التحريرية التي أرساها العرب المسلمين لنشر الرسالة بين الشعوب و الانفتاح عليها ، ذلك التغيّر الهائل الذي حدث للناس بعد حادثة الطف التاريخية و استشهاد الحسين عليه السلام ، فصاحب الفكر و المنهج التحرري لم يقبل بالتنازل عنه و أدرك الناس حينها حقيقة الوضع البائس الذي يعيشوه بعدها . فالإيمان بصحة الفكرة و الاعتقاد بها يجعلها مُمكنة التحقيق و بالأخص عند تعلّقها بحياة أسمى و أفضل . و كما يقول الشاعر عمر الفرا : لأن الشعب هناك كان يرفض فكرة الإذعان ...
#ريم_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عدو المرأة ...1
-
عندما تذوّقنا دمُّنا
-
عندما يحكمك القميص!
-
سكولوجية النظرة الجنسية2
المزيد.....
-
بدول أوروبية.. اشتباكات واعتقالات مع توسع الاحتجاجات الطلابي
...
-
للتعامل مع طالبي اللجوء.. الشرطة الأميركية تستعين بالذكاء ا
...
-
أمريكا تدعو إسرائيل إلى اعتقال المسؤولين عن مهاجمة قافلة الم
...
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الجمعة على عضوية فلسطين ال
...
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الجمعة على عضوية فلسطين ال
...
-
النيابة التونسية -تتحفظ- على مدافعة بارزة عن حقوق المهاجرين
...
-
تونس: توقيف رئيسة منظمة -منامتي- التي تناهض العنصرية وتدافع
...
-
رئيس البرلمان التونسي: الادعاءات بالتعامل غير الإنساني مع ال
...
-
أزمة مياه الشرب تزيد محنة النازحين في القضارف السودانية
-
الأمم المتحدة: غوتيريش سيوجه رسالة إلى بوتين بشأن تنصيبه
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|