أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عمر شاهين - القضية الفلسطينية: بين رفض قرار التقسيم والقبول بأقل من أوسلو















المزيد.....

القضية الفلسطينية: بين رفض قرار التقسيم والقبول بأقل من أوسلو


عمر شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 2687 - 2009 / 6 / 24 - 08:10
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


أصحاب شعار " تحرر فلسطين من البحر إلى النهر " رغم بعض الاختلافات، تجمعهم العقلية التكفيرية تجاه الآخرين. فما أن يتجرأ أحد على طرح شعار الدولتين إلا وينبرون له، طمعا في صيد سهل، والتصفيق الحاد من الجمهور، ويتهمونه، تصريحا أو تلميحا،ٍٍٍٍٍٍٍٍ ابتداءا بالتخاذل وصولا إلى الخيانة. الحالة ناجمة عن وجود اعتقاد راسخ لا يتزعزع بصحة وجهة نظرهم، وهو نوع من الوهم السياسي يصعب مواجهته، فهو يؤدي إلى حالة من الحمية القومية أو الوطنية أو العصبية القبلية، تشابه فورة الدم. وكيف لا والماضي القريب يشهد أن فلسطين كانت عربية ثم تغير الأمر بلمح البصر.

القوى الفلسطينية التى توافق على حل الدولتين مثل فتح وحماس تدعي بشكل مبطن بأنها لم تتنازل عن التحرير الكامل، بل وافقت على حل مرحلي وستتابع النضال لاحقا، وما على الناس سوى أن تصدق. وهم في حقيقة الأمر وصلوا إلى هذه المساومة التاريخية بعدما أصابهم اليأس، لإدراكهم باستحالة تحقيق الهدف الاستراتيجي، لكنهم لا يستطيعون مكاشفة الجماهير.

بعض القوى العربية متشنجة أكثر من اللازم بالتمسك بالشعار، أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. ومنها قوى وطنية محترمة قدمت الشهداء على هذا الطريق، وقامت بأعباء مواجهة إسرائيل وتحرير الأراضي اللبنانية، كالحزب الشيوعي اللبناني وحزب الله. إلا أنهم أبعدوا العنصر الفلسطيني من أعباء المواجهة واستثنوا جهده حتى ضمن برنامجهم اللبناني، مما يكشف زيف إدعاءاتهم، فمن أراد تحرير فلسطين فعليه أن يجند الفلسطينيين.الموقف هو ردة فعل على هيمنة سابقة لشعار خاطئ لم يجرؤ أحد على انتقاده، ألا وهو أن القضية الفلسطينية هي لب الصراع العربي الإسرائيلي، أو محور حركة التحرر العربي، وبالتالي هيمنة فتح والمنظمات الفلسطينية على الوضع السياسي اللبناني والعربي، وقبلها الأردني. وحقيقة فإن الصراع العربي الإسرائيلي هو لب نفسه بمعنى أنه إقليمي، وقد تنضم إليه قوى أخرى كإيران مثلا، ولذلك فلن ينتهي إلا بحل شامل من كافة الجوانب المصري السوري واللبناني... وبما فيها الجانب الفلسطيني.

هنالك قوى أخرى عربية وإسلامية بعيدة عن ساحة الصراع الفعلي مع إسرائيل وأعباءه الحقيقية، ولذلك فرفعها لشعار كهذا، قليل الكلفة السياسية وكثير المردود الشعبي على المدى القصير، ويعتبر أمرا مجديا. فتجد الأحزاب السياسية فيها أكثر تعصبا للشعار وأقل واقعية في قبول حل الدولتين.

ويمكن أخذ إيران كمثال على ذلك. بلد يعيش في خضم ثورة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. فإسقاط حكم الشاه هو مرحلة الانقلاب ليس إلا. والشعب الإيراني يبحث الآن عن الحرية الحقيقية وعن ذاته وأمجاده ويريد الحداثة والنهوض بمستقبله وبناء صناعة وزراعة وجيش... ودولة قوية، أو جمهورية ثانية. لذلك فالتنافر مع إسرائيل وسيلة ديماغوجية يتبعها المحافظون لتأطير الجماهير، ولإضعاف الإصلاحيين، ولخدمة التسلح والبرنامج النووي.

من السهل أن يتحول العداء إلى المهادنة والتعايش إذا ما حققت إيران مصالحها واقتسمت النفوذ مع أمريكا وإسرائيل. ولا يقولن أحد بأن هذا مستحيل على إيران. فالمشروعية الثورية تتيح لأصحابها تبرير أي موقف. وقد تنازلت إيران سابقا عن مطلب تنحية صدام حسين عن الحكم كشرط لإنهاء الحرب. ولم الذهاب بعيدا، فقد تحولت إسرائيل إلى قطر صديق لمصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وأصبح الأردن على أطول خط سلام مع إسرائيل بعد اتفاقية وادي عربة، ناهيك عن اتفاقيات أوسلو وهدنة حماس. وفي النهاية فمن مصلحة العرب بناء تحالف مرحلي مع إيران، في ظل غياب نهوض عربي. إلا أن عرب التخاذل يقيمون تحالفا مع العدو ضد الصديق، عسى أن ترضى عنهم إسرائيل وأمريكا.

إن شعار تحرير فلسطين قد تهاوى بسبب عدم واقعيته من جهة، ولعدم وجود اعتراف عالمي به، ولطبيعة القوى العربية التي رفعته وقادت النضال من أجله، وهي على الأغلب قوى البرجوازية الوطنية الصاعدة بشكل متأخر، والمتحالفة مع الكومبرادور، وحتى مع الرجعية. ولذلك فهي قصيرة النفس وتبحث عن مكاسب نفعية، وتخاف من بديلها الثوري، العاملون بأجر، فتجنح أخيرا للواقعية عبر التخاذل والحلول الوسط. الجانب الأكثر مأساوية هو تعامل اليسار مع هذا الشعار ومع القضية ذاتها.

ويتم الآن إعادة تجميل للشعار القديم من قبل بعض القوى، بمعنى طرح شعار دولة واحدة لشعبين في فلسطين كرد غاضب على مماطلة إسرائيل في الانسحاب، أو كتطوير للشعار القديم، الذي ارتبط بفكرة رمي اليهود في البحر أو إعادتهم إلى حيث قدموا. وشكل الدولة مختلف عليه، ويتراوح بين إسراطين عند القذافي، أو دولة عربية ، أو إسلامية، أو اشتراكية، فيها أقلية يهودية. الأخيرة كما يريدها اليساريون بعد ابتلاعهم الطعم القومي. بالطبع الوصول إليها سيتم إما بالتحرير، أو باستفتاء شعبي، أو بوحدة. وكلها خيارات لا يقبلها العقل، خاصة التحرير بالكفاح المسلح ولو أدي لحرب نووية، وهو الأقرب إلى قلب بعض اليساريين .

واقعيا، نحن نشاهد صعوبات لتجارب وحدة لشعب واحد، كاليمن مثلا، لاختلاف الظروف الاجتماعية، أو لوحدة قومية كالعرب أو قوميات غير متعادية، فكيف بوحدة بين العرب واليهود بعد الصراع الدامي الطويل. وفي النهاية فكافة الخيارات ستعيدنا إلى المربع الأول: صراع ذو طابع قومي. ومن المؤسف أن ينجر اليساريون للتنظير له. ففي الدولة العتيدة، هل سيسمح لخمسة ملايين يهودي بالمطالبة بدولة مستقلة لهم؟ بالطبع كلا، والإجابة بالإجماع لأصحاب الشعار، رغم الاختلاف الزائف بينهم على البنية الاجتماعية للدولة المنشودة. فمثلما منعت إسرائيل الفلسطينيين فسنمنعهم، والأرض لنا وليست لهم. وجذر الجواب واحد. العقلية القومية الثأرية التي انساق خلفها بعض اليساريون، أو هادنوها. وهل سيطيل هذا الحل أمد الصراع أم سيقصره؟

اليسار التقليدي المتمثل بعصبة التحرر الوطني الفلسطيني، ولاحقا الحزب الشيوعي الأردني، قبل في النهاية وبأغلبية هشة قرار التقسيم. وحاول إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وكان موقفه صحيحا وبعيد النظر. وبدون مواربة، فإن أنصار شعار تحرير فلسطين قد ساهموا في ضياع الحقوق العربية. وقد جاء الفرج لإسرائيل بقرار دخول الجيوش العربية وكان له الأثر الفعال في توسيع حدود إسرائيل. فقد كان لها أطماع للحصول على أكثر من حصتها. وكان العالم خارجا للتو من حرب عالمية، وشديد الحساسية تجاه العدوان. فدخول الجيوش وضع إسرائيل في موقف المدافع وليس المعتدي، ورفض الصلح من قبل العرب أكسبها التعاطف العالمي وأعطاها المبرر لتكريس احتلالها لأجزاء من الدولة العربية.

لقد رفض العرب الجلوس والتشاور، مع المندوب السوفييتي في الأمم المتحدة قبل قرار التقسيم، بحجة أنه كافر، مع أن الأمر كان نتيجة منع بريطانيا لهم. ومن ثم وقعوا اتفاق هدنة وليس سلام تحت حجة عدم الاعتراف بدولة العصابات الصهيونية، يعني إبقاء الوضع على حاله وتكريس وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي في المناطق التي احتلتها. وطالت الهدنة دون سلام، مما ساعد إسرائيل على فرض سياسات الأمر الواقع، والتهرب من القرارات الدولية منذ عام 1948 طالما رفضها العرب. وبذلك خدعت الدول العربية شعوبها بالمزايدات. بينما كان اللقاء والتنسيق يتم مع حكام إسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر. بل هذا ما كانت تسعى إليه إسرائيل، وكان لديها جيش أكبر وأفضل تسليحا من الجيوش العربية مجتمعة. وترافقت المسرحية بترحيل العرب – اليهود إلى إسرائيل، الذي صور كعملية انتقام، وهو مساعدة حقيقية ساهمت بمدها بالسكان، وتهجير الفلسطينيين وإيهامهم أن العودة بعد أسبوع أو شهر على الأكثر، وهو عملية تفريغ حقيقية للأرض.

لقد رفض القوميون والإسلاميون فكرة الدولتين مجددا بعد هزيمة 1967 عندما كان التوازن الدولي يسمح بذلك، وبشروط أفضل من الآن، وضمانات المعسكر الاشتراكي. بل واعتبر ياسر عرفات وغيره في لقاء مع فهمي السلفيتي أن شعار الدولة الفلسطينية، والحل السلمي بمثابة خيانة وبيع لفلسطين. وقد أجابه السلفيتي" لن يمر وقت طويل حتى تقبل بالأقل، وسنرجوك عندئذ على الثبات على موقفك الحالي". فأين اتفاق أوسلو من قرار التقسيم أو الدولة الفلسطينية التي عرضها الإتحاد السوفييتي. نعم لقد رفضوا الحل السلمي المتاح وها هم يلهثون وراء الاستسلام.

لقد نصبت فتح نفسها من خلال منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في فلسطين وكافة أماكن الشتات.. وقامت في الأردن بعزل نضال أبناء المخيمات عن مجمل النضال الوطني والاجتماعي للحركة الوطنية الأردنية، بالطبع بحجة المطالبة بحق العودة. وما تزال قيادات فتح تمارس هذا الدور بالتنسيق السري مع مكتب التحقيقات السياسية في دائرة المخابرات العامة.

لقد اختلف الأردن وفتح على الأعتاب الإسرائيلية، وكان لرفض عرفات صيغة تفاهم لندن بين الملك حسين وبيريس أكبر الأثر لقرار فك الارتباط لاحقا. إسرائيل استثمرت هذا الخلاف، وأصرت على المظلة الأردنية للوفد الفلسطيني لابتزاز الطرفين، ومنعتهما من مرجعية القرارات الدولية، أي لإدخالهما حلبة التفاوض بعد تجريدهما من عناصر القوة. الأردن وقع اتفاقية وادي عربة، وتنازل عن حقوق وممتلكات نصف مواطنيه، التي أصبحت من مسؤولية م.ت.ف، وعن تعويضات لاستنزاف إسرائيل لحقوقه المائية لمدة 30 عاما. والمنظمة وقعت للدخول في نفق أوسلو على أمل الحصول على ما تنازل الأردن عنه، لتخرج منه بالتخلي النهائي عن حق العودة، مقابل دولة في الأحلام.

وتلك هي حصيلة أداء القوى اليمينية الأردنية والفلسطينية. ومن هذا المنطلق، فيتعين إنهاء التنسيق السياسي على المستوى السري ونقله إلى مستوى وزارة الخارجية. لقد انتهى دور كل من قيادة فتح في الأردن، ودور المنظمة في تمثيل فلسطينيي الأردن والشتات بعدما جرى خداعهم وإبعادهم عن النضال الاجتماعي والوطني لأكثر من ستين عاما من قبل قيادة فتح والمنظمة. بل ويجب حصر دور م.ت.ف بعد إصلاحها وتمثيل حماس فيها، بتمثيل من لا يحمل رقما وطنيا فقط. أما الحقوق الفردية والجماعية بما فيها حق العودة لمن يحمل الرقم الوطني فهي من مسؤولية الأردن.

الموقف من المسألة أبسط مما يتوقعه البعض. إنها مسألة استقلال الشعب الفلسطيني. وخلال المرحلة يجب تجميع كافة القوى صاحبة المصلحة في التحرر. البرجوازية اليهودية ومن استطاعت تضليله من الجماهير تريد دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات وربما أكثر. البرجوازية العربية الصاعدة تريد فلسطين عربية ولا تعترف بحق إسرائيل في الوجود. وهذا التباين أدى وسيؤدي إلى صراع دموي طويل، ومع استمرار سباق التسلح قد يصل إلى مواجهة نووية. الوقود في هذه الحرب سيكون الكادحون، الذين سيموتون ويتشردون بينما برجوازياتهم تراكم الأرباح.

السؤال المطروح: إلى أي مدى نتحالف مع البرجوازية العربية في مرحلة التحرر الوطني، فإهمال المرحلة يعني الكوسموبوليتية، وعدم الاعتراف بحق الغير في الوجود هو تذيل للبرجوازية؟ وهل يجوز تقديم تنازلات أيديولوجية خلال مرحلة التحالف؟ وهل استمرار الصراع سيقرب المنطقة من الوصول إلى الاشتراكية وبأقل الخسائر أم سيبعدها. إذن المطلوب هو الموقف الطبقي لتقييم المسألة الذي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن ومصالح حركة الطبقة العاملة العالمية، بالمعنى الكلاسيكي، أو المصالح الإنسانية العامة بالمعنى الحديث.

باستثناء الأحزاب اليسارية التي وافقت على قرار التقسيم سابقا، أو دولتين لشعبين لاحقا، فالبقية تستحوذ عليها العقلية البرجوازية. الوطن بالنسبة لهم أرض الآباء والأجداد ولذلك لا يوجد حلول وسط، والمسألة هي علاقة ملكية، كطروحات القوميين وفتح ولاحقا الإسلاميين منذ أواسط القرن المنصرم، وانتهت كلها بمساومة بالنسبة للقوى الفاعلة، أو صاحبة القرار، بأقل مما يتيحه قرار 242، وبالتنازل على الحقوق الفردية والجماعية بما فيها حق العودة.

القوى الأقل فعالية، أو الأحزاب خارج السلطة التي تنتهج المعارضة وتعمل في النقابات أو المنتديات والجمعيات... بعيدة عن المسؤولية السياسية، تأخذ دائما موقف المزايدات الرخيصة، مرة أخرى، مواقف قليلة التكلفة السياسية وكثيرة المردود الشعبي على المدى القصير. وأعلى كلفة يمكن أن تصل إليها تلك المواقف تتمثل بمحاولة مسرحية لاجتياز الشريط الحدودي، أو لزيارة غزة وقت الحصار... ومثل تلك الأعمال تشجع العمل الفردي للجمهور، كإطلاق النار على المدنيين، أو دفع الشباب المتحمس نحو العمليات الانتحارية، وبالتالي، وضع الجماهير في موقف المنتظر أو المتفرج، وإبعادها عن العمل السياسي المنظم والفعال، وإجهاض أي جهود لقيام مقاومة حقيقية للاحتلال.

إن الحملة الإعلامية ،التي يقوم بها المتطرفون والغوغائيون ومنهم شخصيات مرموقة، تتجاوز العالم العربي وصولا إلى الرئيس الإيراني، ورفع شعارات غير واقعية مثل: إزالة دولة إسرائيل، أو تفكيك الكيان الصهيوني، ستؤدي إلى إطالة أمد النزاع وزيادة الخسائر البشرية ومخاطر نشوب نزاع نووي في المنطقة.

المستفيد الأول والأخير من تلك الشعارات هو إسرائيل التي تروج لها وتستخدمها كوسيلة ضغط للحصول على المزيد من المساعدات والأسلحة وتبريرإرهابها المنظم وقتل الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني.

الأدهى هو قيام شخصيات يسارية، ليس بالتذيل للقوي القومية بالسكوت عن هذه الشعارات- الكارثة وحسب، بل بتقديم تنازلات أيديولوجية للبرجوازية ومحاولة تطويع الفكر الاشتراكي بما يخدم البرجوازية وحتى للترويج للعشائرية والإقليمية. وقد مارست القوى القومية والإسلامية والرجعية أنواعا من الإرهاب الفكري والجسدي على من قبل بشعار الدولتين من اليسار. وقد إتخذت المقاومة اليسارية شكلا ضعيفا وباهتا مما أدى إلى تعشيش تلك الأفكار في الأحزاب الشيوعية واليسارية وأدى إلى ضعف هويتها وبرامجها النضالية.

وتتراوح تنظيراتهم المخادعة للجماهير بين بناء الاشتراكية في الدولة المحررة أو ببساطة عدم المساس باليهود شريطة امتناعهم عن المطالبة بدولة لهم- تماما كما تفعل بعض الأوساط اليمينية الإسرائيلية مع الفلسطينيين في الوقت الحاضر. بل وصلت الريبة لديهم لدرجة عدم ذكر إسرائيل بالاسم لئلا يتهمون بالاعتراف بها، وإنما الاستعاضة عن ذلك بعبارة " الكيان الصهيوني" وكأن الفارق كبيرا. ربما الأفضل لهم أن يتعوذوا!

بعض اليساريين يعتقدون أن موقف الإتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية كان خاطئا ويضيفونه إلى قائمة الأخطاء الستالينية، وأقول لهم أنه الشيء الوحيد الصحيح، ربما، الذي فعله ستالين في حياته. وقد كان هذا الموقف جزءا بسيطا من سياسة عالمية ناجحة ألا وهي تصفية الاستعمار القديم ودفن الإمبراطورية البريطانية. لقد كانت فرصة تاريخية متاحة أنهت الاستعمار، وحازت الشعوب بالعشرات على الاستقلال وتابعت طريقها، رغم بعض الآثار الجانبية والمشاكل الإقليمية في بعض المناطق، ومنها في فلسطين.

الأدهى من ذلك أن بعض اليساريين يبررون مواقفهم القومية بكلمة أو جملة أو موقف لماركس أو لينين قبل أكثر من مائة عام ويعزلونه عن سياقه التاريخي، أولا، مفترضين أن كل مواقف الأولين كانت صحيحة بالمطلق. وهذا هو الجمود العقائدي أو الأصولية الماركسية، التي تصل إلى درجة السلفية عند البعض. إذا كان أي من الشعارين: تحرير فلسطين : أو شعار دولتين لشعبين، صحيحا من وجهة نظرنا كاشتراكيين فسنناضل من أجله حتى لو نهى الأولون عنه والعكس صحيح. فالمسألة رهن الظرف التاريخي وليست رهنا لتجربة الرواد الأوائل.
لذلك من المضحك تأويل ماركس، أو البيان الشيوعي، المبشر بالثورة العالمية وليس الوطنية، بما يخدم النظرة القومية.

لقد تحدث ماركس عن القوميات كحلقات في سلسلة وافترض قيام الثورة العالمية إبتداءا في أقوى حلقة، في وقت لم يكتمل ويستقر تكون الأمم الأوروبية. وحديثه عن أمم تقدمية وأخرى رجعية يجب إزالتها لم يكن ناضجا وهو من أهم أخطائه السياسية. أما خطأه الأهم فهو الافتراض أن التطور العالمي سيتم بطريقة ثورية وحسب. وقد وقع لينين في أخطاء قاتلة عندما حظر الأحزاب السياسية عام 1918، ومهد التربة لنمو الستالينية، وزرع بذرة انهيار الإتحاد السوفييتي.

وتلخيصا، فقد تحدث البيان الشيوعي عن أربعة مسائل في أربعة فصول؛ المهمة التاريخية للبروليتاريا؛ دور الشيوعيين في قيادة الثورة؛ مراعاة عدم تعارض المواقف التكتيكية مع مصالح عموم الحركة؛ ونقد لنظريات الاشتراكية القديمة. أما المنظرون للقوميين فلم يستطيعوا رؤية الجبال الشاهقة الأربعة في البيان لأنهم يبحثون عن الحصى القومي عند السفح. إن البيان الشيوعي قد بشر بالأممية البروليتارية، ولا يمكن إيجاد أي رابط بين الأحزاب الاشتراكية والقومية لدى أحزاب الأممية، من الأولى إلى الرابعة. ولا حتى لدى الأحزاب العمالية واليسارية الأخرى خارج الأممية، أو المناهضة للعولمة الرأسمالية. فقط الأحزاب النازية والفاشية والعنصرية ومن هم على شاكلتها من الأحزاب البرجوازية القومية استخدمت الشعارات القومية والاشتراكية لتضليل الجماهير، وجرت المآسي على شعوبها والعالم أجمع.

أخيرا من هو اليميني ومن هو اليساري في هذه الحالة؟ إن من يتشدق بالشعارات القومية ويؤدلج للبرجوازية ويقدس عفوية الجماهير بديلا عن رفع سويتها، ويحيد عن بوصلته الطبقية، على حساب مصالح العاملين بأجر من أي جنس أو دين أو لون هو اليميني، وعندما يتبنى شعارات براقة ويمارس صنوف المزايدات، ويريد زرع الاشتراكية للعرب واليهود في فلسطين، أويدعي تصديرها لإسرائيل، وهو محروم مما هو أقل منها، فهو يميني مزركش. بل لا يزال بعض اليساريون يهرجون للبرجوازية وشعاراتها القديمة بعد أن تخلت فعليا عنها، فهم لا يجيدون شيئا أخر. ومن يناضل لحقوق شعبه كاملة غير منقوصة، من وحي مصالح العاملين بأجر، دون إنكار حق الآخرين فهو اليساري الحقيقي.



#عمر_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب أوباما: دعوة للتصالح على قاعدة المصالح الأمريكية – الإس ...
- انتخابات نقابة الأطباء: من النقيب الشرعي؟
- ماذا يجري في نقابة الأطباء الأردنية؟
- المستأجر بين الإخلاء أو دفع الفدية!
- سر الأغنياء والفقراء
- هل حقا يريدون الإصلاح ؟
- الأوهام القومية, بين الركابي والبستاني
- معارضة في جيب الموالاة


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عمر شاهين - القضية الفلسطينية: بين رفض قرار التقسيم والقبول بأقل من أوسلو