أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحميد الموساوي - (قوس الأزمات) كما يراه الرئيس أوباما ومستشاروه















المزيد.....



(قوس الأزمات) كما يراه الرئيس أوباما ومستشاروه


عبد الحميد الموساوي

الحوار المتمدن-العدد: 2660 - 2009 / 5 / 28 - 09:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم:د. أنطوان كوبولاني*.
ترجمة:د.عبد الحميد العيد الموساوي**.

إن اختيارات أو طروحات الرئيس (باراك حسين أوباما) ـ التي لمسناها عن طريق تصريحاته في أثناء حملته الانتخابية، ومقالات أنصاره ومستشاريه ـ لن تفرض كما يبدو قطيعة تامة مع خيارات الرئيس بوش السابقة، لكنها سوف تحدث تبدلات حول مجمل مشكلات قوس الأزمات الممتد من :إيران، والعراق، وسوريا، والقضية الإسرائيلية الفلسطينية، وصولا إلى أفغانستان، وباكستان في الوقت الذي تبدو فيه الدلائل المعلنة أقل وضوحاً حول القضيتين الأخيرين (أفغانستان، وباكستان)- إن لم تكن الأكثر تناقضاً.
ففي الحقيقية لم تكن توجهات (باراك أوباما) الدبلوماسية هي التي سمحت له بالفوز في الانتخابات، بل مواقفه حول عمق الأزمة المالية الدولية، إذ أن الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية كان يملك برنامجاً غامضاً ومبهماً في مجال السياسة الخارجية، عدا التعهّد بالتزامين ملحوظين وواضحين، هما: الانسحاب من العراق في غضون (16) شهراً، والدعم الواضح والأكيد إلى إسرائيل المتضمن وعده بجعل مدينة (القدس) العاصمة الموحّدة للدولة العبرية .
إن الإدارة الجديدة مدعوّة لمواجهة قوس حقيقي من الأزمات من الشرق الأوسط إلى باكستان، وفي هذا المجال وضعت مخططات من قبل العديد من الخبراء الذين ـ وبفضل (بمقتضى) ظاهرة "الباب الدوار" ، ـ عثروا اليوم، ومن جديد على طريقهم، وعادوا ثانية إلى السلطة.
الرؤية " الواقعية المتفائلة" للعالم:
لقد غيّر الاستقرار النسبي في العراق المعطيات بالنسبة إلى الرئيس الجديد، وسمح له بطرح التساؤل حول استمرار السياسة الخارجية الأمريكية، وفي نهاية تشرين ثاني من العام 2008، اعتمد البرلمان العراقي أجندة طالبت بخروج الجيوش الأمريكية نهاية حزيران من العام 2009م، ومن ثم ما تبقى من الجيوش الأمريكية نهاية العام 2011م.
وينصّ البرنامج الذي عرضه الرئيس (باراك أوباما) حول الوجود الأمريكي في العراق: على عودة كل الجيوش المقاتلة قبل شهر آذار من العام 2010م، إلاّ انّه لم يذكر تاريخاً محدداً للانسحاب التام، وهكذا يمكن لنا إذن أن نعتقد في استمرارية السياسة الأمريكية في العراق، وقد نشر (ريتشارد هاس) رئيس مجلس العلاقات الخارجية (CFR) في 3 تشرين ثاني من العام 2008م، مذكرةً حول السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد، وقد كانت الأولويات المقترحة تتمثل في تقليص وجود الجيش الأمريكي، ودعم فكرة دمج المكوّن السنّي في المؤسسات، وحمل الدول العربية على تقديم الدعم للحكومة العراقية، والمباشرة في إجراء الحوار مع إيران حول مستقبل العراق. وقد نصح(هاس) الرئيس الجديد بعدم الابتعاد عن الرئيس (جورج والكر بوش)، الرئيس الثالث والأربعين الذي سبق و"أن ابتعد عن نفسه طيلة ولايته الثانية".
وقد كانت البشرى السعيدة بالنسبة لـ(ريتشارد هاس) تتمثل في كون موضوع العراق لم يعد يهيمن على الإدارة الجديدة، طالما تتحسن أحواله نحو الأفضل .
إن الأمر لا يتعلق إذن بالتعجيل ببناء عراق مستقر، وإنما بترك العراق يستقر بنفسه، كما كتب ذلك (ستيفان بيدل، وميخائيل اوهالون، وكينيث بولاك) ، الذين فصلوا بإسهاب وصف حالة العراق القوية اليوم المختلفة عن حالة الفوضى في العام 2006م.
وبحسب السيد (فريد زكريا) الذي التحق بفريق (أوباما) في أثناء الحملة الانتخابية تعود تلك النجاحات في العراق إلى إستراتيجية الجنرال (دايفد باتريوس)، إذ أن (باتريوس) قد استعان بالمزيد من الجيوش، وفي الوقت نفسه توصّل إلى التفاهم مع المجاميع السنّية، مما يعني: التحدّث إلى أعداء الولايات المتحدة الأمريكية ، ويمكن لنا أن نناقش هذه الأفكار مرة أخرى.
وفي الحقيقة لقد قاتل(بتريوس) بشكل مختلف، وقد عدّ( بوب ودوورد): إن انخفاض العنف في العراق ارتبط بتكتيكات العمل الجديدة السرّية التي تمثلت في تحديد المتمردين، ومن ثم تصفيتهم ، وقال البعض الآخر: أن الحكومة قد انتصرت في معركة بغداد، وإنها سيطرت على ثلاث أرباع المدينة في أيلول من العام 2008م.
وقد وصف (فريد زكريا) باراك أوباما بأنه كان طيلة الحملة الانتخابية " الواقعي الحقيقي"، فيما ظهر (جون ماكين) وكأنه " المثالي المفرط في الحيوية " عندما اقترح إقامة جامعة للديمقراطيات، وطرد روسيا الاتحادية من الثمانية الكبار (G8)، أو طرد الصين الشعبية كذلك.
وقد ارتكز (فريد زكريا) على كون الرئيس (أوباما) قد قال في مناسبات عدّة: أنه معجب بالسياسة الخارجية للرئيس (بوش) الأب، وفي هذه السجلاّت نفسها كانت إجاباته حول الصين الشعبية أو روسيا الاتحادية يمكن أن تكون مشابهة لإجابات الآباء الجمهوريين للمدرسة الواقعية، وأخيرا قال (زكريا): إذا أردنا تصنيف الرئيس الجديد في إحدى المدارس الفكرية للسياسة الخارجية الأمريكية، فإننا يمكن أن نطلق عليه تسمية " الواقعي المتفائل" أو "المتفائل الواقعي" بحسب الحالة .
إلاّ أنّ هناك اختلاف كبير يفصل (فريد زكريا) عن (روبرت كاغان). فالأول يرى: أن الأنظمة الشمولية التي يحكمها البراغماتيون ترغب في اتفاق الدول مع النظام الاقتصادي الدولي، وبالنسبة للآخر الأكثر تشاؤماً، فانّ الشمولية بالنسبة إليهم هي بمثابة الأيديولوجية، وهم يرفضون بوادر الانفتاح، ويفضلون دائماً التعامل التجاري فيما بينهم، وبالنسبة لـ(روبرت كاغان)، فإنّ الحالمين وحدهم هم الذين يستطيعون التفكير في أن تصبح الصين الشعبية، أو روسيا الاتحادية يوماً ما جزءاً لا يتجزأ من النظام الدولي الليبرالي .
الحوار مع إيران؟
في أثناء الانتخابات الأوّلية، أثار (أوباما) إمكانية عقد لقاء مع (محمود أحمدي نجاد)، وقد تراجع عن ذلك بعد أن انتقد بشدة من قبل (جون ماكين)، والمجموعة اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، مصرحاً: بأنّه لا يستطيع أن يضمن عندما ينتخب رئيساً إجراء لقاء مع نظيره الإيراني، وقد ذهب بعيداً أكثر في يوم 4 حزيران من العام 2008م، عندما وضع شروطاً دقيقةً على مثل هذه المقابلة " سوف تكون هناك استعدادات شديدة ودقيقة، وسنفتح قنوات اتصال، وسنعدّ جدولاً للأعمال، وسنتعاون مباشرةً مع حلفائنا، وسنقيّم حظوظ نجاحاتنا"، قبل أن يضيف: " ليس لي أيّة مصلحة في الجلوس مع أعدائنا إذا كان ذلك فقط من أجل الحديث معهم، لكن إذا أصبحت رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فسوف أعتمد على دبلوماسية صارمة، وقائمة على أسس ومبادئ واضحة مع الرئيس الإيراني القائم في اللّحظة، والمكان اللذان اختارهما، وإذا كان ذلك يفيد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية" .
وبدون أدني شك تظهر الاختلافات حول السياسة المتّبعة تجاه إيران أكثر وضوحاً بين الوزيرة (هيلاري كلنتون)، و(باراك أوباما)،
فالأولى/ كانت قد صوّتت إلى جانب الحرب على العراق ـ المعلنة بدون مواربة ـ طيلة الحملة الانتخابية، وقالت: إن الولايات المتحدة الأمريكية باستطاعتها "إبادة" إيران أن أطلقت هجوماً نووياً ضد إسرائيل، وسخرت من نيّات (باراك أوباما) بالتحدث مع ايران بدون شروط مسبقة، وقد أجاب (أوباما) آنذاك: بأنّها كانت عديمة التبصّر ومتهوّرة، وانتقد تصويتها عند تصنيف "الحرس الثوري " على قائمة المنظمات الإرهابية .
إن ترك الباب مفتوح قبالة الخيار العسكري هو إذا ما تجرأنا بالقول: أفضل الحلول.
إن الرئيس الجديد قد يتعرّض لموقف صعب عندما يواجه الالتزام بالخيار التالي،وهو: إمّا القبول في أن تصبح إيران قوّة نووية، أو اللجوء إلى الضربات العسكرية ان لم يكن القبول بأن يفعل الإسرائيليون ذلك.
إن الضربات العسكرية ستسمح بربح بعض الوقت، لكنّها لا تضمن اجتثاث المشكلة دون الحديث عن القيام بضغوطات ممكنة.
وفي الإطار الحالي، فإنّ ارتفاع أسعار النفط لا تخدم سوى مصالح الدول مباشرة، مثل: إيران أو فنزويلا، وضد مصالح العالم الصناعي، وعلى العكس، فانّ وجود إيران كدولة مالكة للسلاح النووي لا يعمل سوى على إطلاق سباق تسلح في المنطقة .
ما هو إذن هامش العمل؟
لقد اقترح كل من (ريتشارد هاس) و(مارتن انديك) ـ اللّذان قادا نوع من "مفكرة الجيب" للسياسة التي يجب إتباعها في الشرق الأوسط من قبل الرئيس الجديد ـ طريقاً مرسوماً حول إيران، وينصح المنشور بشيء من الاستمرارية المتمثلة في مواصلة الجهود التي بذلتها (كوندوليزا رايس) في منتدى(5+1) الدول الخمسة دائمة العضوية، فضلاًَ عن ألمانيا، الذي حلّ محل الجهود الأوربية بعد فشلها، ونقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن.
وقد قبلت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال نائب وزير الخارجية (وليام بيرنس) إلى جنيف من أجل التحاور مع (سعيد جليلي) رئيس البعثة الإيرانية في إطار المفاوضات للدول الست. وقد جرت من قبل ومنذ بداية العام 2007م، عدّة لقاءات عندما التقى السفير الأمريكي في العراق (رايان كروكر) بمبعوثين إيرانيين من اجل التباحث والتفاوض حول الوضع في العراق .
أمّا عن آخر الأفكار لإدارة الرئيس (بوش) فيما يتعلق بإيران، فكان افتتاح مكتب للمصالح في طهران- على أنموذج المكتب في هافانا، وقد أشار كل من الرئيس (بوش)، والوزيرة (كوندوليزا رايس) إلى هذه الاحتمالية، إلاّ أن التدخل الروسي العسكري في جورجيا، ثم معارضة الإيرانيين للاتفاقية الأمنية الأمريكية-العراقية حول انسحاب الجيش الأمريكي، قد وأدا الفكرة حتى قبل أن تبدي طهران رأيها.
وبالنسبة لـ(كوندوليزا رايس)، فأنّ العقوبات الاقتصادية ضد طهران تعمل بشكل جيّد، وقد حققت بعض أهدافها عندما انسحبت الشركات البترولية الغربية من إيران، وكانت شركة (توتال) الشركة الأخيرة المنسحبة.
ومنذ انتخاب (باراك أوباما)، فانّ الإيرانيين مع ذلك عادوا وبكل سرعة إلى لهجتهم غير المشجّعة، إذ عدّ الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية (حسن خشقاني): أن سياسة العصا والجزرة حول الملف النووي الإيراني هي سياسة غير مقبولة وقد سبق أن فشلت من قبل .
وبحسب (ريتشارد هاس)، فانّه يجب على الإدارة الأمريكية فتح الحوار مع إيران، لأنّه وبكل بساطة ليس هناك بدائل أخرى، ومن أجل ذلك، فإنّ على واشنطن التخلّي عن شرطها المسبّق لتعليق تخصيب اليورانيوم. وقد سبق أن تم تقديم فكرة مشابهة في تموز من العام 2008م، من قبل مستشارين اثنين سابقين للأمن القومي وهما: السيدان (برنت سكو كروفت، وزبغينيو بريجنسكي).
وهناك وجهة نظر أخرى تقدّم بها اثنان من باحثي مركز بروكنغ، و (CFR)،وهما:(سوزان مالوني) و(راي تاكيه) تقوم على أساس اقتراح يتمثل في انتهاز فرصة حالة العفو الرئاسي من أجل إطلاق مبادرات دبلوماسية يكون المنطق فيها فصل المشكلات عن بعضها البعض (طبقاً للترابط الذي طرحه هنري كيسنجر)، وإن الأمر يتعلق بإطلاق مفاوضات متوازية حول المشكلة النووية، وتطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقات بين طهران، وحزب الله، وحركة حماس، وأمن الخليج )الفارسي(، ودور إيران في العراق أو كذلك حول معارضتها لعملية السلام الإسرائيلية–الفلسطينية.
ألم نقل: أن (أوباما) بإمكانه (فتح إيران) مثلما فعل (ريتشارد نيكسون، وهنري كيسنجر) عندما "فتح" الصين الشعبية في العام 1972؟، فهناك كان قد وضع مفهوم الترابط ، أمّا الأمر هنا، فيتعلق بفصل الملفّات، وفي إطار جيوستراتيجي مختلف جذرياً.
إن انفتاح الصين الشعبية كان ممكناً بفضل " الدبلوماسية الثلاثية "، أمّا اليوم، فإنّ عزل إيران يبدو أمراً صعباً، وحول الملف الإيراني، فإنّ الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، قد تقاربتا مؤخراً من مواقف الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن، إلاّ أنهما يقودان لعبةً شائكةً، فقد أدارت كل من موسكو وبكين سياسة تقارب استعراضية أو ملحوظة راسخة عن طريق منظمة تعاون شنغهاي (OSC)، وهي منتدى إقليمي موجّه إلى موازنة التأثير الأمريكي في المنطقة التي تضمّ كما يحلو القول لدولها الأعضاء" أكثر من نصف سكان العالم" وتتمتع إيران، والهند، وباكستان، ومنغوليا منذ العام 2005م، بمركز مراقب في منظمة شنغهاي، التي رفضتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وتسعى طهران بكل تأكيد إلى تعزيز منظمة شنغهاي ((OSC، واعطائها صبغةً معاديةً للولايات المتحدة الأمريكية .
الطريق إلى دمشق:
يعتقد كل من (مارتن انديك)، و(ريتشارد هاس): أنّ الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق، ففي شهر أيار من العام 2008م، أعلنت كل من سوريا، وإسرائيل إنّهما بصدد المباحثات منذ عدة أشهر، وذلك بفضل وساطة تركيا، وقد عرض (مارتن انديك) يوم 15 تشرين ثاني المشاريع المعدّة من قبل معهد بروكينغ و (CFR)، على فضائية (سابان) لمركز سياسات الشرق الأوسط في الدوحة، يجب على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد إتباع طريقة تهدف إلى عقد اتفاق نهائي وشامل، والحصول على تجميد المستوطنات، وتقوية رئيس الوزراء الفلسطيني عن طريق المساعدات المقدّمة إلى الضفة الغربية، وإشراك دول الجامعة العربية، فيما تمثّل العنصر الخامس المغيّب في سياسة (جورج والكر بوش) في البحث على تحقيق نجاح في المفاوضات الإسرائيلية السورية، المبدأ الرئيس الذي كان سابقاً هو: " السلام مقابل الأرض"، وهو أقل من مبدأ "السلام ضد إعادة الاصطفاف الاستراتيجي": مبادلة مرتفعات الجولان مقابل قطع علاقات سوريا مع إيران .
وفي شهر كانون الاول من العام 2006م، أشار تقرير (بيكرـ هاملتون) حول العراق إلى: انه يجب إطلاق عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، ولاسيّما مع سوريا, وقد ثمّنت التوصية رقم (16) لمجموعة العمل بأن تعيد إسرائيل مرتفعات الجولان إلى سوريا مقابل الضمانات الأمريكية العسكرية على الحدود، وبالنسبة لكل من (مارتن انديك)، و(ريتشارد هاس)، فإنّ التفاوض مع سوريا هو بكل بساطة أكثر سهولة من معالجة الملف الإسرائيلي-الفلسطيني، إذ سينتزع هذا الاتفاق الإسرائيلي-الفلسطيني الميزة من إيران.
ومن جانبهم، فإنّ الإسرائيليين الذين كانوا يشكّون في السابق من الإرادة والرغبة السورية، فإنّهم اليوم في مواجهة التهديد الإيراني، ويجب عليهم العثور على وسيلة للخروج من المأزق.
لكن إذا ما تمكّن (أيهود اولمرت) من أن يصبح بطلاً عبر الانسحاب من الجولان- كما صرّح بذلك إلى (يديعوت احرنوت): "هل يوجد شخص واحد جدّي في إسرائيل يعتقد في إمكانية تحقيق السلام مع السوريين دون التخلّي عن مرتفعات الجولان؟"، وكانت (تسيبي ليفني) أكثر لباقةً وحذراً، وهي ميّالة أكثر للمفاوضات مع الفلسطينيين أكثر من دمشق، وفي منتصف شهر كانون الأول من العام 2008، فأنّها اشترطت على دمشق وقف إمدادات السلاح إلى حزب الله، والقطيعة مع إيران، والتوقّف عن تقديم الدعم لحركة حماس، وفي مذكّراته، ذكر (دنيس روس) إن (بنيامين نتنياهو)- عندما كان رئيساً للوزراء بين العامي ( 1996م-1999م)- قد قبل بمبدأ الانسحاب من الجولان. وقد ادّعى (شلومو بن عمي): أنّ هناك مستند محفوظ في خزانة رئاسة الوزراء يشهد على ذلك.
ومن ناحيته، يرفض (نتنياهو) رسمياً الانسحاب من الجولان، قائلاً: أن مرتفعات الجولان ستبقى إلى الأزل بيد إسرائيل، وذلك لأنّ أيّ انسحاب منها سيضع إيران على أبواب الدولة العبرية.
وعندما سئل(دافيد اغناتيوس) من قبل (الواشنطن بوست) نهاية العام 2008م، عن (بشار الأسد) قال: "يبدو انه أصبح فاعلاً لا يمكن الاستغناء عنه". وقد وصفه(اغناسيوس) نفسه: بأنّه بدا أكثر أريحية من لقائه الأول معه في العام 2003م.
أمّا في 26 كانون الأول من العام نفسه، فقد رفعت صحيفة هارتس أسهمه عندما خصصت مقالاً طويلاً حول مكانته الدولية الجديدة.
أمّا الرئيس السوري، فقد أصبح لديه من تلك اللحظة فصاعداً شرطان رئيسيان:
أولا: إصراره على تقديم إيضاحات حول الحدود، ووساطة أمريكية من أجل المفاوضات المباشرة.
ثانياً: إصراره على علاقاته المستقبلية مع إيران ودوامها، ومطالبته إسرائيل بفتح مفاوضات ثلاثية مع سوريا، وحزب الله، وحركة حماس .
أوباما والأرض الموعودة:
في خطابه يوم 24 حزيران من العام 2002م، صرّح الرئيس (بوش): بأنه يرغب في قيام دولتين:إسرائيل وفلسطين، ومنذ ذلك الوقت فقد ظهرت على أرض الواقع (حماسستان) في قطاع غزة، و(فتح ستين) في الضفة الغربية ، وإن مبدأ الرئيس (بوش) الذي كان راغباً في مساندة ودعم الانتخابات الديمقراطية، قد سمح للمليشيات المسلحة باستلام السلطة( بشكل ديمقراطي في شباط من العام 2006م، ومن ثم بالقوّة في قطاع غزة العام 2007م)، بعد فشل حكومة " الوحدة الوطنية"، وبهذا الصدد، فانّه من المهم أن نسجّل- كما ذكر هو نفسه ذلك في خطابه قبالة (الايباك)- أن (باراك أوباما) كان معارضاً لانتخابات شباط من العام 2006م، بسبب مشاركة حركة حماس فيها، ويجب أن نسجّل: أنّ (روبرت مالي) العضو السابق في مجلس الأمن القومي في ظل رئاسة (بيل كلنتون)، والناشط في فريق المفاوضات لأوسلو، قد أجبر على مغادرة فريق (أوباما) في أيار بعد الكشف عن لقائه مع ممثلين من حركة حماس الإسلامية .
وفي مقالة في مجلة (فورن افيرز) نشرت بداية العام 2009م، فانّ (ريتشارد هاس) و(مارتن انديك) قد اكتفيا بذكر لقاءات "على مستويات أرفع مع حركة حماس"، وانّه لمن المهم أنّهما لم يوقّعا على وصايا كل من (ستيفن كوك، وشبلي تلحمي) . فقد ذهب الأخيرين أبعد من ذلك عندما طالبا الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على إقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية جديدة، والتخلّي عن الشروط المسبقة للجنة الرباعية المتمثلة في:
أ‌- الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.
ب‌- التخلّي عن الكفاح المسلح.
ت‌- الاعتراف بالاتّفاقيات السابقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
إن مأساة العام 2000م،كانت قد تمثّلت في فشل عملية السلام، واستمرت كذلك ، وفي تشرين الأول من العام 2007م، وقبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر (انابوليس) باركت رسالة مفتوحة إلى الرئيس (جورج بوش)، والوزيرة (كوندوليزا رايس) موقّعة من (زيبغينيو بريجنسكي، ولي هاملتون، وبرنت سكوكروفت) انعقاد المؤتمر، وافترضت على سبيل المثال تقسيماً لمدينة (القدس) كعاصمة للدولتين، وقد تمنّت الرسالة إجراء حوار معمّق مع إيران، واقترحت إجراء حوار مع حركة حماس ليس بشكل مباشر لكن بوساطة مبعوث اللجنة الرباعية، أو عن طريق قناة الاتحاد الأوربي.
وقد أشارت الرسالة نفسها إلى أنّ حواراً بين إسرائيل وسوريا تحت الرعاية الدولية سيكون نقطة انطلاق جيّدة، بل ممتازة .
وفي بداية العام 2009م، وعندما كانت الحرب تدور رحاها، عيّن الرئيس (أوباما) الجمهوري (سكوكروفت) أحد مستشاريه، وبناءً على نصيحة الأخير، فانّ الرئيس (أوباما) حافظ على (روبرت غيتس) في منصبه كوزير للدفاع.
والسؤال هنا: هل يجب التفاوض مع حركة حماس بشكل مباشر كما يقترح (روبرت مالي) ؟ أو بشكل غير مباشر كما يقترح( سكوكروفت، وبريجنسكي،واليي) ؟
ومنذ بداية شباط من العام 2006م، كانت إجابة (هنري كيسنجر) سلبية. وقد سجّل أنّ حركة حماس قد سبق وان لعبت دوراً فاعلاً في رفض الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) للمقترحات المقدّمة في كامب ديفيد الثانية ، ولذا كان من الواجب على الفلسطينيين من تلك اللحظة أن يقوموا بـ"إعادة تعديل استراتيجي وايديولوجي" مشابه لإعادة الضبط الذي قام به (اريل شارون)، وقاده إلى أن يصبح "صانع سلام".
وبانتظار ذلك، فانّه دعى إلى (اختبار) إجراءات حركة حماس حول المسائل الفنّية، مثل: موارد المياه، أو تصاريح العمل من أجل التفاوض لاحقاً حول احتمالات التوقيع على الهدنة.
سنتان من بعد، تم التفاوض على هذه الهدنة التي قطعتها حركة حماس، ويبدو الآن أن إعادة أطلاق عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية أصبحت أمرًا صعباً إن لم يكن وهمياً، وقد ألقى (باراك اوباما) خطابه الأول قبالة (الايباك) في شيكاغو بعد بضعة أسابيع من ترشّحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد أثار موضوع زيارته الأولى في العام 2006م، إلى الأرض الموعودة التي وصفها بأنّها: " المنطقة الفريدة على الأرض" إلاّ أن المرشح آنذاك قد صرّح كذلك: بأنّه تأثّر كثيراً عند عبوره الأجواء الإسرائيلية على متن مروحية لسلاح الجو الإسرائيلي، و يبدو أنّ هذا النوع من الطيران شديد التأثير، ويترك الانطباع عند المسئولين الأمريكيين، ففي العام 1998م، سبق للرئيس (جورج بوش) أن عبر الأجواء في شمال إسرائيل، وفي المنطقة التي لا تزيد فيها الأراضي الإسرائيلية في الشمال عن شريط قصير جداً، عبّر آنذاك، وبطريقته الخاصة عن ضعف وهشاشة الموقع الجغرافي للدولة العبرية، معبّراً عن تعجّبه، قائلاً: إن ممرات مزارع الماشية في تكساس أطول بكثير من شريط الأرض تحت أنظاره.
وفيما يتعلق بـ(أوباما)، فانّ الطيران فوق إسرائيل سيبيّن له: أن " السلام عن طريق الأمن" هو الحل الوحيد بالنسبة إلى إسرائيل.
وقد حطّت المروحية في مستوطنة (كريات شمونا) في قلب مدينة بدت له مشابهة إلى العديد من المدن الأمريكية، وقد شاهد الدمار جرّاء سقوط إحدى قذائف الكاتيوشا، ومن ثمّ، وبعد أن عرض مخططاته من أجل المباشرة بإجراء الحوار مع إيران، فانّه امتدح وبارك عزل (حركة حماس) إلى حين ثنيها للاعتراف بالشروط الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، والتخلّي عن العنف، والقبول بكل الاتفاقيات الموقّعة السابقة بين السلطة وإسرائيل، وأخيراً فقد أعلن: أنّ إسرائيل عليها القبول بالتضحيات دون أن يحددها مع ذلك، مضيفاً: أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تجبر الدولة العبرية على القبول بها.
ويجب كذلك الحديث عن رحلته الثانية في تموز من العام 2008م، عندما صرّح في أثناء زيارته إلى سديروت برفقة (ايهود باراك) قائلاً: انّه إذا كان من أحد يطلق القذائف على منزله، وابنتاه نائمتان فيه، فانّه سيفعل كل ما باستطاعته من أجل إيقاف ذلك، وقبل القيام بهذه الرحلة نفسها تحدّث (أوباما) يوم 4 حزيران 2008م، قبالة (الايباك) بعدما ضمن ترشيح حزبه، وكان ذلك الخطاب الذي ألقاه واحداً من بين أكثر الخطب بلاغةً وتعبيراً في مجال السياسة الخارجية، وهو الخطاب الأقل قبولاً من قبل العالم العربي، لاسيّما أنه تزامن عشيّة الذكرى (41) لحرب الأيام الستة ، وبحسب صحيفة (الوول ستريت جورنال)، فانّ ذلك الخطاب قد تمّ إعداده من قبل (دنيس روس) و(جيمس ستاينبيرغ) الرجل الثاني في وزارة الخارجية اليوم- و(دانيال كورتز) السفير الأمريكي السابق في مصر (1997م-2001م)، وفي إسرائيل (2001م-2005م)، وهو يهودي أرثوذوكسي يتحدّث العبرية بطلاقة، وبدون شك: أن (باراك أوباما) متحمّس وصادق في دعمه لإسرائيل، وحقّها في الدفاع عن نفسها، وقد ساند في صيف العام 2006م، الحرب ضد حزب الله اللبناني ، وقد أخذ على نفسه عدّة التزامات في أثناء خطابه الثاني قبالة الايباك (AIPAC) قائلاً: انه عندما يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فانّه سيوقّع مستنداً يضمن للإسرائيليين الحصول على (30) مليار دولار، كمساعدة لتحقيق أمنهم خلال السنوات العشر القادمة.
الالتزام الثاني: انّه يتعهد منذ الأيام الأولى في الرئاسة كي تعيش إسرائيل جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، فضلاً عن الاعتراف بأمنها، فالدولة الفلسطينية يجب أن تكون " متواصلة ومتماسكة " تاركة لإسرائيل حدوداً "معترف بها ومحصنة".
كل هذا ربما كان غامضاً ومبهماً، إلاّ أن الجملة التالية لم تكن كذلك: "يجب أن تبقى (القدس) عاصمة لإسرائيل، عاصمة موحّدة لإسرائيل". وقد ردّ الرئيس (عباس) غداة الخطاب: بأنّه لا يمكن قيام دولة فلسطينية دون القدس الشرقية عاصمةً لها.
وتمثّل التزامه الثالث: في عدم الالتقاء مع حماس ما لم تمتثل للشروط الثلاثة المعلنة.
أما التعهد الرابع: فكان استعداده للقيام بأي شي من أجل منع إيران من الحصول على السلاح النووي.
وفي تصريحات أخرى أعرب (أوباما) عن دعمه ومساندته للقوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، قائلاً: بأنه يريد إنشاء جيش القرن الحادي والعشرين، وإقامة تحالفات قادرة" على أن تكون على أهبة الاستعداد للحرب من جيبوتي إلى قندهار"، وتعزيز القدرة الأمريكية في التدخل في مختلف أنحاء العالم. وهذا في الحقيقة يفسّر الطلب المتزايد على معدّات سلاح الجو، والمزيد من وسائل الحرب الالكترونية،والمزيد من طائرات النقل (C-17)، وطائرات التزوّد بالوقود (KC-X) من اجل تطوير " القدرة المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية في مد مجال قوتها" .
الحرب الجيّدة و"الحرب الثالثة":
هل تسمح الثقة في قوة الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس الجديد بالتوصل إلى تحقيق أفضل النتائج في أفغانستان ؟
لقد تعهّد (أوباما) بإرسال المزيد من الجيوش، وصرّح: بأنّه ميّال إلى توجيه ضربات أحادية الجانب إلى معسكرات طالبان في المناطق القبلية على الحدود الباكستانية- الأفغانية، وقد كتب في مجلة (فورن افيرز) في صيف العام 2007م، "إنني سأنضم إلى حلفائنا من أجل التأكيد – وليس من أجل الطلب فقط- من باكستان بمحاربة طالبان، وملاحقة (أسامة بن لادن) وقادته، ووضع حدّ لعلاقاتها مع المجموعات الإرهابية" .
ويبدو أن حكومة (عاصف علي زرداري) على استعداد للذهاب في الاتجاه نفسه مع الولايات المتّحدة الأمريكية، إلاّ أنّها ترفض، ولا تسمح بقصف أراضيها. وقد باشر(عاصف على زرداري) في سياسة الانفتاح على الهند مقترحاً تبنّي سياسة رسمية تحرّم اللجوء إلى الضربة النووية الأولى ضدّها- وهو التصريح الذي أرعب القيادة العسكرية، إلاّ أن انفجارات (بومباي) في الشهر نفسه قادت إلى زيادة توتّر العلاقات بين الدولتين، وأعادت طرح السؤال حول موقف باكستان في مواجهة المجموعات الإرهابية .
إلاّ أنّ هذه الإشكالية المزدوجة المتمثلة في المنافسة بين الهند وباكستان، والعلاقة المشبوهة بين باكستان والإرهاب الإسلامي جعلت الشكوك تحوم حول الإستراتيجية المتّبعة في المنطقة، وأن باكستان تعرقل هذه "الحرب الثالثة" التي تقودها القوات الخاصة بشكل سرّي، وكذلك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في باكستان، وفي هذا المجال يتلقى (باراك أوباما ) الاستشارة من (بروس ريدل) أحد الأعضاء الآخرين من مركز سابان التابع لبروكينغ، والذي يعدّ أحد أعضاء مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس (بيل كلنتون). وقد أمضى (29) عاماً في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(CIA)، وفي نهاية العام 2008م، وصف الحالة بالاتي: " إن باكستان في قلب المشكلة، وإنني متفائل نوعاً ما لسببين:الاول/ إنّ السلطات الباكستانية الجديدة تتفهّم جيّداً التهديدات، وهي واعية بأنّها على الخط الأول في قوائم تنظيم القاعدة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستتزّين بفضائل عدّة عند مغادرة (جورج والكر بوش)، المكروه في باكستان، إلاّ أنّني حزين كذلك نظراً لانّ الرئيس (زرداري) لا يحظى بالشعبية بين القوات المسلحة الباكستانية، ومن أجل التفاوض مع طالبان، وربّما السعي إلى تقسيمهم، ويجب أن نكون في موقع القوة، إلاّ أنّنا نعطي الانطباع الآن بإمكانية خسارتنا لهذه الحرب".
وحول الملف الأفغاني-الباكستاني إنّنا ننتظر إسهام الجنرال (بتريوس) الذي تسلّم قيادة القوات الوسطى التي تقود العمليات العسكرية من القرن الأفريقي إلى آسيا الوسطى،(دايفيد كيلكولن)، وهو أحد مستشاري الجنرال الذي رافقه كذلك في العراق، يعتبر أنه يجب الإيحاء بأن إرسال المزيد من الجيوش من أجل حماية المدنيين، وتدريب القوات المسلّحة الأفغانية دون إعطاء الانطباع باحتلال البلاد، أمّا فيما تعلق بباكستان، فانّه يعترف بحيرته:" إن الجبهة الرئيسة لحربنا ضد تنظيم القاعدة ليست لا في العراق، ولا في أفغانستان، أنّها في باكستان، وأنها معسكر ومعقل تنظيم القاعدة، وأنّنا ما نزال لا نمتلك إستراتيجية من أجل القضاء على هذا المعقل" .
لقد ساندت باكستان منذ عقود تنظيمات طالبان أو (عسكر طيبة) جاهدةً، وذلك في محاولة لإضعاف الهند بتكاليف قليلة أو في التأثير في أفغانستان. وقد منعت حركة (عسكر طيبة) رسمياً منذ العام 2002م، إلاّ أنّ أحد قادتها (حافظ محمد سيد)، يعيش ويعمل بكل حرية في (لاهور)، أين يشرف على جماعة الدعوة، الفرع الذي يزعم زوراً تبعيّته لحركة (عسكر طيبة) الذي يزداد تأثيره ونفوذه، وإنّ الحل لمثل هذه الوضعية المعقّدة يمرّ إجباريًا عبر(راولبندي) مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الباكستانية . لكن باكستان ليست الدولة الوحيدة في المنطقة الموسوسة بنظرية المؤامرة، إذ تتساءل الدول المجاورة عن سبب مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لباكستان مادام أنّها تفسد عليها سياستها في أفغانستان.
فهناك نسبة كبيرة من الرأي العام في أفغانستان تعتقد: أن الأمريكيين يساندون سرياً حركة طالبان من أجل تبرير حضورهم في البلاد، وتأمين مصادر الطاقة في آسيا الوسطى، وموازنة الصين الشعبية.
وفي إيران يعدّ البعض: انّه من أجل الإعداد لمجيء المهدي (عليه السلام)، فأنّ الله قد أعمى الشيطان الأكبر الذي يسعى لهلاكه، إذ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي بصدد تخليص إيران من عدوّيها السنيّين، أفغانستان والعراق، فاتحةً هكذا الطريق قبالة إحياء المذهب الشيعي .
ومن خلال فتح الحوار مع إيران، فانّ واشنطن يمكنها محاولة التعاون مع طهران حول أفغانستان، إذ أنّ إيران تؤدي دوراً معقّداً، عن طريق مساندة المتطرفين أحياناً، والتعاون غير المباشر مع الأمريكيين حيناً آخر، رافضةً وجود المتطرفين السنّة على حدودها .
لقد تجاوزت أحداث العنف في أفغانستان بين شهري آب وتشرين الأول من العام 2008م، اليومية الأرقام في العراق في المدة نفسها، ويمكن القول: انّه وحتى قبل استلام (باراك أوباما) مهامه، والكشف عن مخطّطات الجنرال (بتريوس)، فأنّ البنتاغون أعلن إرسال (20) ألف الى (30) ألف جندي إضافي إلى أفغانستان .
أما الرئيس (حامد قرضاي)، ورئيس أركان الجيش الأميرال (ميخائيل مولن)، فقد بدا أنّهما اتفقا على هدفين اثنين:الاول/ تعزيز القوات على طول الحدود الأفغانية، ومضاعفة قوات الأمن الأفغانية لكي تصل إلى(130) ألف رجل، لكن وكما يسجّل (جيرار شاليناد) على سبيل المثال، فانّ الانتصار العسكري لمنظمة حلف شمال الأطلسي( OTAN) هو أمر مستحيل في أفغانستان، وكذلك الحال بالنسبة لانتصار حركة طالبان ، وسيكون من الصعوبة للأمريكيين تكرار الإستراتيجية المتّبعة في العراق، ونقلها إلى أفغانستان، إذ أنّ أفغانستان بلد شاسع مقارنة بالعراق(437072 كم مقابل 652000 كم)، ويبلغ عدد سكّانه (32) مليون نسمة مقابل (28) مليون نسمة في العراق، وأكثر بداوةً وفقراً. وقد بلغ الفقر والتصحّر درجةً عدّ فيها بعض المراقبين: أنّ المجاعة تثير مشكلات أكثر من العنف خلال الأشهر القادمة .
وتتمثّل الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان كما في العراق في محاولة تجنيد ميليشيات مسلحة بشتونية، والتي تؤدي دور الشرطة أو الدفاع المحلّي ضد مقاتلي طالبان، وبشكل خاص في جنوب شرق البلاد، هذه الإستراتيجية-القبلية-العشائرية قد تمثّل في أفغانستان ـ كما هو الحال في العراق ـ خطراً يؤدّي إلى إضعاف الدولة المركزية في دولة تفتقد أصلاً إلى حكومة قوّية.
وفي شهر تموز من العام 2008م، سجّل (ريتشارد دانزينغ) ـ أحد مستشاري (باراك أوباما) الذي عمل في إدارة الرئيس (بيل كلينتون) مازحاً: " انه من المفيد أن نذكر: أنّ الرئيس(أوباما) ليس هو السيّد المسيح (عليه السلام)، وانّه لن يوزّع لا الخبز، ولا السمك"، أنّ نتيجة الانتظار ـ بمقتضى ما أسماه (ريمون ارون) بقانون (توكوفيل) ـ توّلد خيبة الأمل، وهي خطر كبير.
إنّ الأزمة المالية العالمية، والتي قلّصت هامش العمل للميزانية تشكّل هي الأخرى مشكلةً أخرى دون الحديث عن عملية (الرصاص المصبوب) الإسرائيلية ضدّ غزة(2008/2009) التي وضعت (باراك أوباما) في إطار الأزمة حتى قبل وصوله إلى السلطة.
أنّ المخططات المرسومة تتمثل في أنشاء ديناميكية جديدة تراهن دائماً على الجرأة، والتفاؤل، وتعشيق (تشابك) الدائرة الشجاعة. فقد راهن الرئيس (كارتر) رهاناً خاسراً على لحاق الدول العربية بمصر بعد مؤتمر كامب دافيد، أمّا الرئيس (بوش) الذي خسر هو الآخر الرهان عندما اعتقد في إمكانية دمقرطة الشرق الأوسط بعد تغيير النظام في العراق.
إن الدائرة الفاضلة إن لم نقل الدائرة السحرية للرئيس (أوباما) تمرّ عن طريق الانسحاب من العراق، وتحقيق السلام بين إسرائيل وسوريا، وإعادة الاصطفاف الاستراتيجي عن طريق عزل حزب الله، وحركة حماس، وإيران، ورفع الحصار عن ملفّات إيران، وأخيراً تسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في آخر المطاف.


المصدر: Source:
politique étrangère 1:2009
Antoine Coppolani,
L arc de crise selon Obama et ses conseillers.

* أستاذ في جامعة مونبيلييه(3)، و باحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية – باريس/ فرنسا (IFRI).
** مدرس في كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد.
-Voir.
-Concept de sciences politiques servant à décrire le phénomène par lequel, dans les sociétés capitalistes,les mêmes individus tiennent en alternance des rôles dans l’industrie et des rôles au gouvernementqui influencent l’industrie (NDLR).
- A. Rubin, C. Robertson, « Iraq Approves Deal Charting End of U.S. Role », New York Times,28 novembre 2008.
- S. Biddle, M.E. O’Hanlon, K.M. Pollack, « How to Leave a Stable Iraq. Building on Progress », Foreign Affairs, septembre-octobre 2008, p. 41.
- F. Zakaria, « What Obama Should Say on Iraq », Newsweek, U.S. Edition, 30 juin 2008.
- B.Woodward, The WarWithin. A SecretWhite House History, 2006-2008, New York, Simon & Schuster,2008.
- F. Zakaria, « Obama Abroad », Newsweek, U.S. Edition, 28 juillet 2008.
- R. Kagan, The Return of History and the End of Dreams, New York, A. Knopf, 2008 ; R. Kagan, « The End of the End of History », The New Republic, 23 avril 2008.
- Transcription du discours de Barack Obama à l’AIPAC, disponible sur NPR.org, 4 juin 2008.
- M. Abramowitz, « Some in Arab World Wary of Clinton », 23 novembre 2008, disponible surWashingtonpost.com.
- R. Haass, « The World That Awaits », Newsweek, US Edition, 3 novembre 2008.
- Voir « Saban Forum 2008 », disponible sur Brookings.edu.
- E. Sciolino, S. Lee Myers, « Poli Shift Seen in U.S. Decision on Iran Talks », New York Times,17 juillet 2007.
- Voir .

- M. Jégo, B. Philip, « Au forum de Shanghai, Russes, Chinois et Iraniens font contre-feu à Washington », Le Monde, 16 juin 2006.

- Brookings Doha Center & Saban Center for Middle East policy at the Brookings Institution, « The Next U.S. President and the Middle East ? », Doha, 15 octobre 2008.
- James A. Baker III et Lee H. Hamilton, co-présidents, Lawrence S. Eagleburger, Vernon E. Jordan, Jr., Edwin Meese III, Sandra Day O’Connor, Leon E. Panetta, William J. Perry, Charles S. Robb, Alan K. Simpson, The Iraq Study Group Report, décembre 2006, p. 39, disponible sur Usip.org.

- D. Ignatius, « A New Partner In Syria? », 24 décembre 2008, disponible sur Washingtonpost.com.
- M. Indyk, « A Two-State Solution, Palestinian-Style », Washington Post, 15 juin 2007.
- R. Dreyfuss, « Obama’s Evolving Foreign Policy », The Nation, 1er juillet 2008.
- S. A. Cook et S. Telhami, Restoring the Balance. A Middle East Strategy for the Next President,Washington, DC, Brookings/Saban Center at Brookings, 2008.
- D. C. Kurtzer, S. B. Lasensky, Negotiating Arab-Israeli Peace. American Leadership in the Middle East, United States Institute of Peace, Washington, D.C., 2008.
-Lettre,consultable,sur .

- S. Abdallah, « Obama s AIPAC Speech Shocks Arabs », Middle East Times, 5 juin 2008, disponible sur Metimes.com.
- R. Dreyfuss, « Obama’s Evolving Foreign Policy », The Nation, 1er juillet 2008.

- B. Obama, « Renewing American Leadership », Foreign Affairs, vol. 86, n° 4, juillet-août 2007, p. 10.
- Ibidem.
- J. Perlez, « India’s Suspicion of Pakistan Clouds U.S. Strategy in the Region », New York Times, 28 novembre 2008.

- Cité dans R. Ourdan, « La présidence Obama à l’épreuve des dossiers afghans et pakistanais », Le Monde, 2 décembre 2008.
- F. Zakaria, « End of the Line for Islamabad », Newsweek, 6 décembre 2008.

- F. Zakaria, op. cit. [30].
- K. de Young, « Obama to Explore New Approach in Afghanistan War », Washington Post, 11 novembre 2008.
- R. Ourdan, « Les Etats-Unis intensifient la lutte contre les Talibans », Le Monde, 24 décembre 2008.
- G. Chaliand, « La victoire de l OTAN en Afghanistan est impossible », Le Monde, 21 juillet 2008,disponible sur Lemonde.fr.
- G. Bruno, « The Road Ahead in Afghanistan », Council on Foreign Relations, 19 novembre 2008, disponible sur Cfr.org.






#عبد_الحميد_الموساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية للسياسة الأمريكية المتوقعة لعهد الرئيس (أوباما)
- الدروس المستخلصة بعد ستين عاما من الصراع
- تساؤلات ورؤى حول المنعطف التاريخي في فلسطين


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحميد الموساوي - (قوس الأزمات) كما يراه الرئيس أوباما ومستشاروه