أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل الامين - السودان صراع الرؤى وازمة الهوية















المزيد.....



السودان صراع الرؤى وازمة الهوية


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 2609 - 2009 / 4 / 7 - 09:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مفدمة:هذه فصل هام من كتاب الدكتور فرانسيس دينق..نهديه لزوار الحوار المتمدن المهتمين بازمة الهوية في الدولة القطرية السودان نموذجا

.....

الفصل الثاني عشر
خلاصة الرؤى :
ظل السودان يرزح دمار حرب اهلية, بين الشمال العربي المسلم و الجنوب – الوثني – المسيحي ، مايقارب الاربعة عقود من الزمن ، فصلت بينها عشر سنوات من السلم , الذي حقق قدرا من الانفراج ووفر دروسا مفيدة عما يمكن انجازه في زمن السلم ، يعترف الآن بصورة راسية بأن ازمة الهوية الوطنية المستعصية تمثل جوهر هذا النزاع . وللإجابات على السؤال الحاسم ، ان كان السودان عربياًًَ ام افريقياًَ ، تداعيات خطيرة تتعلق بانقسام السلطة ، وتوزيع الموارد وفرص المشاركةُ .
يبدو ان المواقف تأخذ في التشدد والتصلب ، بينما تواصل البلاد في نزيف خطير مدمر . وفقد الارواح بسبب النزاع ، والمجاعات الناتجة عنه ، قد طال اعدداًً هائلة . وفي ذات الوقت ، انزل الخراب والدمار بالبلاد . في مثل هذه الظروف ، يصبح واجب العلماء والمراقبين المقدم المساهمة في البحث عن السلام بتوضيح قضايا السياسة المتعلقة بالنزاع والخيارات المتاحة .

التــــحـــدي :
تنبع ازمة الهوية الوطنية في السودان ، من حقيقة ان السودانيين الشماليين العرب - المهيمنين سياسياًً و اقتصادياًً , رغم انهم ينحدرون من تلاقح قح عربي – افريقي ، ويشكلون الاقلية بالنسبة لمجموع سكان البلاد – يرون انفسهم عرباًً في المقام الاول ، يتبزأون من العنصر الافريقي فيهم ، ويسعون الى فرض هويتهم على كل ارجاء البلاد ، ليشمل المجموعات غير العربية المحلية في الشمال ، وكل سكان الجنوب ، الذين يشكلون معاًً في مجموعهم الاغلبية القومية الساحقة . ولهذا تسعى الاقلية العربية الحاكمة لتعريف الشخصية الوطنية على اسس توجهات نظرتها الذاتية ، تعبر نفسها عن تحريف و تشويه لهويتها المركبة الناتجة عن عرق عربي – افريقي مختلط ويبدو عنصرها الافريقي اكثر سفورا برغم الحرص الشديد على انكاره .
واعتمادا على تصوات ذاتية داخلية ، يرى السودانيون العرب المهيمنون على البلاد امتداد عالمهم عبر المسارات العبية الاسلامية ، بينما تمثل الصلة الافريقية لم مجرد وجود جغرافي وديبلوماسية اقليمية ، خالية من اي مشاعر وطنية كالتي تربطهم بالعالم العربي الاسلامي . وكلما تصاعد التحدي لتلك النظرة القومية العربية الاسلامية ، او حتى اذا ما ثار الساؤل حولها من جانب الاغلبية غير العربية ، كلما ازداد الاصرار على تأكيدها بقوة وقهر في البلاد ، مع دعم معنوي زمادي من العالم العربي الاسلامي . ويعد انتهاج الحكم الاسلامي في السودان ذروة لهذة العملية المتصاعدة من تأكيد الذات الدفاعي ، والتي اضحت مهيمنة بصورة متفاقمة وعنيفة .
في اختلاف واضح عن الشمال ، يرى الجنوبيون انفسهم دون اي غموض او لبس افريقيين عرقيا وثقافيا مع مؤثرات غربية تعكسها المسيحسة و العلمانية ، كعناصر مكتسبة جديدة لهوية حديثة توفر اسس الوحدة الجنوبية لبناء الوطن ، زكما تم استغلال والعروبة والاسلام لتوحيد المجموعات القبلية في الشمال ، فقد اصبح المفهوم الواضح للا فريقية مع ما تم تبنيه من عناصر الثقافة الغربية ، المرتكز الاساسي والسند للدفاع ضد فرض الهوية العربية الاسلامية على البلاد . وفي هذا السياق , وبالرغم من وجود جوانب حيوية اخرى هامة حول الانقسلم الشمالي الجنوبي ، تمثل الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب ، في الاساس ، نزاع هويات يحدد مكانة الفرد في المجتمع ، ويوفر الاساس لتخصيص وتوزيع السلطة والثروة . وفي حرب الهويات هذه ، انضمت مجموعات غير عربية تقيم على الحدود الشمالية – الجنوبية ، انضمت للجنوب برغم اسلامها ومن بينها مجموعة النوية في جنوب كردفان ، والانقسنا في جنوب النيل الازرق . والواضح ، ان ذلك لا يجعل الحرب مجرد مقاومة لفرض الاسلام ، بل ايضا صراعا عرقيا او اثنيا ضد هيمنة اناس دعون بأنهم عرب عرقيا وثقافيا ، يتفوقون على الافريقيين السود ، ولا ينتمون اليهم .
الفترة الوحيدة التي تقارب فيها السودانيون – في الشمال والجنوب من بعضهما ، مع القبول والاحترام المتبادل ، ليس كقوم او مجتمع واحد ، ولكن كمجموعات متباينة عرقيا ، اثنيا ودينيا ، وتمكنوا خلالها من التعايش في قطر موحد مدعمين لهوية وطنية ، كانت فترة العشرة اعوام لاتفاقية اديس ابابا ( 1972- 1973 ) ، عندما ساد سلام واستقرار نسبي . وحتى خلال تلك الفترة ، قلص الحكم الذاتي الاقليمي دور الجنوبيين ونفوذهم في الحكومة المركزية ، مما ادى الى خضوع واعتماد الجنوب والهوية الافريقية على الشمال وهويته العربية الاسلامية . وقد تجلى ذلك الخضوع في النهاية في الطريقة التي خرقت بها الحكومة المركزية الاتفاقية من جانب واحد ، وبتحديد اكثر الغاها الرئيس نميري ، بفرض الشريعة على كل البلاد في سبتمبر 1983 .
يمكن تلخيص التحدي ، الذي يواجه السودانيين عامة و الزعامة بشكل خاص حول موضوع ازمة الهوية الوطنية ، في حجج متتابعة . تمتد جذور كل السودانيين العرقية الاولية الى القبائل الاقريقية السوداء ، ذلك واضحا في لون بشرتهم . في الشمال ، ظل الموروث الجيني الافريقي في اغلبه مختلطا ، بالتناسل بين الذكور العرب من التجار الوافدين والسكان المحليين ، زانتمى الابناء الى ابآئهم العرب حسب تقليد النسب العربي . وادى ذلك التمازج الى ظهور تباين في لون البشرة تراوح في ظلاله من النموذج العربي المحترم حتى اللون النمطي الافريقي الاسود المتدني . ونتيجة للطبقية العرقية خلف هذه الانماط اللونية ، افرز الاستيعاب للثقافة العربية في الشمال معتقدا ذاتيا ينكر او يقبل بامتعاض الاصل الوراثي الافريقي الاولى ، برغم الدليل الواضح الذي يدحض ذلك الاعتقاد .
ويمح الحكم الذاتي للجنوب والاعتراف بهويته غير العربية ، كعنصر هام في هوية البلاد ، خففت اتفاقية اديس ابابا 1972 من حدة الانكار للفريقية ، وكان ذلك التنازل المحدود ، على كل مفروضا بالموقف في الجنوب ، ولم يكن اعترافا صادقا وحقيقيا بالحقائق في الشمال ، مما يفسر خرق الاتفاقية بانتقام ، ممع الاصرار على الهوية العربية الاسلامية ، التي فرضت الشريعة على البلاد ، ثم ادت الى سيطرة الحكومة الاسلامية العسكرية الراهنة .
الحجة الثانية تقول ، بانه مازالت هناك حقيقة لم يتم بحثها عن الهوية السودانية ، وهي التركيبة العرقية ، الاثنية ، والثقافية للبلاد ، التي تعكس عناصر التكامل والتنوع . وبالرغم من انها كانت مواراة خلف تصورات الهوية السائدة ، ولذا لم تستغل تماما لتدعيم الهوية الوطنية ، الا انه امكن استقلالها جزئيا ، خلال المرحلة القصيرة التي تمعت فيها البلاد بالسلم والامن باتفاقية اديس ابابا.
تعترف الحجة الثالثة ، بانه ورغم امكانية اكتشاف واستغلال هوية وطنية اكثر تمثيلا ، يبدو ان القوى السياسية ما زالت متخندقة داخل هوياتها الذاتية التي تبلورت عبر القرون ، ولكنها دخلت في نزاع خلال العقود الاخيرة الماضية منذ الاستقلال . يعى السودانيون الشماليون دائما بأن عروبتهم في اغلبها سطحية ، ويتوجسون خوفا من تهديد الانتقاص من مكانتهم الى الدرجة الادنى التي ترفعواعنها . من اليسير رؤية كيف يمكن لذلك التهديد ان يصبح مصدر قلق وعدم استقرار عظيم ، خاصة لدى الصفوة التي تحظى بمنافع قيمة بسبب هويتها المميزة ، وتواجه فقدان مكاسبها نتيجة اعادة صياغة الهوية . ولذلك من المحتمل ان يقاوم افراد الصفوة من ذوي المصلحة ، من اجل استمرار الوضع القائم ، لأن العملية المقترحة لاعادة اكتشاف الذات تتضمن شكوكا وتساؤلات حول اعادة تقييم وتصنيف الهويات . ويمكن ان تمتد عواقب تغيير كهذا الى اشكال المشاركة ، الانتاج والتوزيع .
والواقعية تفرض الحجة الرابعة ، مالم تشهد البلاد تغييرا حاسما في تلك النظرات الذاتية ، المتنافسة والمتنازعة ، يبدو انه لا يمكن صون وحدتها . واذا ما واصل السودانيون التزامهم ، دون مساومة برموز هوياتهم الراهنة ، وبالمواقف التي تبنوها للدفاع عنها ، فانهم يحتاجون بذلك ، اما الى صياغة اطار دستوري فضفاض يحتضن تلك الهويات ، او الاعتراف بانهم متعارضون غير متوافقين . والخيار الاخير يجعل من الانفصال البديل الوحيد . لقد سالت دماء غزيرة وتكبد الناس عذابات رهيبة بسبب نزاع الهـــــويـــة والــوحــدة والــوطـــنية عصية المنال . لاتستحق الهوية الجماعية ولا الوحدة الوطنية ذلك الثمن الباهظ .




أهـــداف الــسـياســة :
تتمثل البدائل المقترحة ، بشكل عام لحل ازمة الهوية ، في التكامل على اسس الاستيعاب والتعايش داخل اطار للوحدة يحتضن التنوع . بينما يعد الشمال نتاجا للاستيعابق الافريقي - العربي ، وبينما يسمى الشمال بعزم هام لبسط هذه العملية على الجنوب ، يؤكد وجود هذه الازدواجيه المواجهة العدائية التاريخية ، التي تمكن الجنوب خلالها من مقاومة استيعابه بواسطة الشمال بنجاح الى الان . وبالرغم من ان الجانبين قد تأثرا بالتبادل الثقافي ، الذي يبدو اكثر وضوحا في الشمال عنه في الجنوب الاان التاريخ المرير لم يترك لهما اية رؤية تجاه اي شيء مشترك سوى رؤية نزاعهم بمنظار يعكس الاحتقار المتبال .
تتفشى نظرة التحامل الشمالي والتمييز العنصري ضد الجنوب وتتكشف بسهولة في نظرة الشماليين الجماعية للزنوج ، على انهم جنس منحط والمصدر التقليدي للرقيق . بينما يمتلك العرب القوة والسلطة لتأكيد هيمنتهم السياسية وتفوقهم المادي . ينظر الجنوبيون لهم باحتقار و ازدراء عميق . هذا الاحتقار المتبادل ، والانقسام الاقليمي الجغرافي يجعلان من التعايش المتبادل امرا صعبا للغاية . وفي مثل هذه الاوضاع فان الحفاظ على توحد البلاد تحت وحدة اسمية تفتقر الى الاجماع ، لايجب بل لا يمكن ان يكون الهدف الاسمي . عانى الجنوبيون على ايدي اقرانهم الشماليين صنوفا من الاذلال و الاهانات الشنيعة المدفوعة بنزعات عنصري ، وتعصب ديني متفش برغم الانكار . بدأ الشماليون اخيرا الاعتراف على مضض ، بتظلمات الجنوب ، ولكن ما زالت درجات الوعي والاستعداد لتصحيح اخطاء الماضي غير كافية بصورة فاضحة .
يتطلب ازمة حل البلاد احترام كرامة الانسان ، ويعبر عنها بالاعتراف المتبادل واحترام كل لهوة الاخر للقيم الثقافية ، استقلالية الفرد والمساواة في الفرص دون تمييز على اسس عرقية ، اثنية ، لونية ، دينية ، ثقافية او جنسية وعمليا يمكن ترجمة احترام كرامة الانسان في حقوقه الاساسية المتمثلة في الحريات المدنية والديمقراطية . لايمكن ان ندعي احترام كرامة الانسان في بلد – حسب ما نرى اليوم – لايحلم فية الجنوبي بأن يكون رئيسا للدولة ، مهما كانت مؤهلاته ، حيث اقصى ما يتوقعة الجنوبي ان يصبح نائبا ثانيا لرئيس الجمهورية ، ونادرا ما يحدث ، لان منصب النائب الاول للرئيس كان دائما من نصيب الشماليين ، لشغل الشمالي منصب الرئيس اذل ما دعت الضرورة ، وحيث لا يشغل اي جنوبي منصب وكيل الوزارة ، وحيث اللغة المازحة الهازلة ، وتستعمل احيانا بجدية ، مازالت تعتبر الاسود رقيقا ، وحيث الانتماء للجنوب يعبر عن معان لتمييز عنصري وطبقي . ورغما عن عمق جذور التحامل العرقي الذي لايمكن تبديلة بين ليلة وضحاها ، الا انه يمكن احداث التغييرات الجذرية داخل الاطر السياسية والقانونية والدستورية ، مما يمكن من نمو متسارع لميول ونزاعات ايجابية في اتجاه الاحترام المتبادل لكرامةكل المواطنين ، وهو شرط لايمكن الاستغناء عنه من اجل وحدة الامة . كما يجب الوضع في الحسبان ايضا بأن الجنوبيون لايشكلون اقلية متناثرة في ارجاء القطر ، وعليهم بذلك كأفراد القبول والتكيف مع حقائق الوضع . لكن الجنوب يمثل وحدة جغرافية يمكن فصلها و استقلالها عن الشمال ، وهو على ذلك ليس جزءا موزونا للشمال العربي الاسلامي .
التطلع نحو تحقيق كرامة الانسان لا يشكل بالطبع حلما طوباويا ، انما يتطلب التزاما جادا بمفهوم محدد للعدل والمساواة داخل اطار نظام ديمقراطي يتمتع بالشرعية امام كل المواطنين ، تسود فيه مقدرات الاقناع على سلطة القهر عند ممارسة السلطة الشرعية . وحتى النظرات العجلى لكل من تاريخ السودان وواقعه السياسي الاقتصادي والاجتماعي الراهن ، تكشف عن فوارق وظلم سافر يعكس الشقاق العربي – الافريقي . لا يوجد شعب لم يهزم بحسم ولم يقهر او يخضع – يقبل ويرضى ان يعيش في مهانة تحت تلك الظروف ، الا اذا كان شعبا حقيرا لدرجة مرضية . وعليه يجب فهم وتقبل موجات حركات التحرير في الجنوب ضمن هذا السياق .
يتافقم الظلم وعدم المساواة ، الناتجان عن ازمة الهوية الوطنية بسياسات التوجه الاسلامي الداعيه للفرقة ، والتي تظهر جليا في التمييز العرقي والاقليمي بين الشماليين والجنوبيين . ويبدو الظلم وعدم المساواة ايضا في الطريقة الخفية ، رغم تفشيها عند تأثير على دور الافراد والمجموعات في ترتيب وقسمة السلطة والثروة وفي تحديد شكل المشاركة في المجتمع بشكل عام .
بينما تعترف كل من الحكومة المركزية والمعارضة المسلحة بضرورة الوحدة وتبني الدعوة لها ، يتطلب الالتزام المقدم لحماية الكرامة الانسانية ، تغييرات هيكلية اساسية لعلاج المعضلات الوطنية المستعصية ، اذا ما اريد للسودان تحقيق وحدة حقيقية عادلة .


عــــرض القـــضــايـــا :
اتفق السودانيون منذ زمن على المواضيع الواجب تضمينها اجندة اي مؤتمر دستوري او مفاوضات ونقاش حول النزاع ، وتشتمل على : المشاركة في السلطة والموارد القومية ، خاصة بين المراكز والاقاليم ، نظام الحكم ، وبشكل خاص التركيبة الديمقراطية المناسبة للبلاد ، العلاقة بين الدين والدولة ، وبالتحديد موضوع الشريعة الاسلامية ، تعريف الهوية الوطنية ، في علاقتها بالعروبة والافريقية ، والاسلام والمسيحية ، والمعتقدات المحلية ، ومباديء السياسية الخارجية في علاقتها بالعناصر المتعددة داخل السودان . ورغم اعتبار الهوية قضية منفصلة ، الا انها ترتبط وثيقا بكل هذه القضايا وبهذا تشكل العصب الرئيسي لهذا النسيج .
هناك قدر من الاجماع حول الخطوط العريضة للخطوات الواجب اتخاذها تجاه بعض القضايا .
مثال , لايختلف احد حول ما عانته الاقاليم المهمشة من ظلم واجحاف في حظها من اقتسام السلطة ، توزيع الثروة ، الخدمات ، فرص التوظيف او برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية . ولهذا يعترف بشكل واسع بضرورة تقديم معاملات تفضيلية علاجية لها ضمن اي ترتيبات مستقبلية . والمسلم به ايضا , وبوضوح ، ان البلاد واسعة مترامية الاطراف ومتنوعة بدرجة لايمكن حكمها بنظام حكم مركزي . وبذلك ، اصبحت اللامركزية – الاقليمية والفدرالية او اي ترتيبات اخرى مماثلة – امرا ضروريا .
وهناك اعتراف متزايد ايضا ، رغم انه لايرقى الى الاجماع ، بأن تجارب الديمقراطية الغربية الماضية كانت ىابعدما تكون عن حل مشاكل البلاد الملحة ، بل كانت مسئولة عن الدائرة الشريرة التي تمر بها البلاد . تأتي الديمقراطية البرلمانية بالاحزاب الدينية الطائفية الى السلطة ، لتمتعها بتأييد اعمى من اتباعها ، ولكن انشغالها بالاشقاقات الحزبية ضيق من رؤاها ، مؤديا الى فشلها في معالجة القضايا الوطنية الملحة . وادى ذلك مرارا الى تدخل الجيش لاستلام السلطة ، وغالبا ما انتهى الامر الى دكتاتورية عسكرية ، وادى ذلك بدوره الى انتفاضات شعبية اطاحت مرتين بالحكومات العسكرية واعادت الديمقراطية الليبرالية . وكان انقلاب 1989 ، الذي دبرته مجموعات عسكرية في تحالف مع الجبهة الالسلامية القومية ، الحلقة الاخيرة من سلسلة انتزاع السلطة المدنية – العسكرية . يرى غالبية السودانيين بأن الوضع الراهن يمثل دكتاتورية مرفوضة ، وهناك اجماع واسع بضرورة تطوير نماذج بديلة . وتبقى الدائل ، او ما يجب ان تكون عليه ، تساؤلا مفتوحا ، لم يتم بعد تناولة بحرية كافية ، وبالرغم من ان النظام قد شرع في اعادة هيكلة }الديقراطية{ بمجهودات خاصة من داخله .
ويبرز موضوع العلاقة بين الدين والدولة ، القضية الاكثر اثارة للخلاف في النزاع . والتركيز منصب على دور الشريعة ، والتي اذا ما طبقت الى غايتها المنطقية ، سوف تعنى خلق حكومة اسلامية . بينما يعتبر النظام اراهن الاكثر التزاما بهذا الموقف الايديولوجي ، الا ان القوى السياسية الكبرى في الشمال ، خاصة الاحزاب الطائفية ، تساند مواقف تتراوح بين التزام بالشريعة ، يكاد يكون مماثلا لموقف النظام الراهن ، الى تأييد متأرجح لكي يحتضن الجنوب غير المسلم . تضمن اعلان كوكادام مارس 1986 ، وهو اتفاق بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها ومعظم الاحزاب السياسية بما فيها الامة ، حزب الصادق المهدي – تضمن الغاء قوانين سبتمبر الاسلامية ضمن سياق هذا التعامل المتردد . وكان الاستثناء الملاحظ غياب الحزب الاتحادي الديمقراطي – حزب محمد عثمان الميرغني – والجبهة الاسلامية القومية – حزب د. حسن الترابي – عن كوكادام .
وكانت التسمية البريئة - " قوانين سبتمبر " خدعة ذكية ، مصممة للتلميح بأن القوانين ليست حقيقة اسلامية ، ولكن على النقيض تماما ، فقد كانت تحريفا واستغلالا للاسلام . و كانت تداعيات ذلك ، انه لا يمكن رفضها ال على ذلك الاساس . ومع ذلك ، كان موقفالاحزاب الرئيسية استبدال " قوانين سبتمبر " بقوانين اسلامية اكثر مصداقية . ولذلك لم ينفذ اتفاق كوكادام مطلقا . وادت الظروف الضاغطة لاحتضان الجنوب الى اتفاق بين السيد محمد عثمان الميرغني و د. جون قرنق ، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في 16 - نوفمبر - 1988 ، يدعو الى تجميد قوانين سبتمبر . وادى ذلك الاتفاق الى اثارة خلاف وجدل وسلسلة من الازمات السياسية بين الحزب الاتحادي الديمقراطي من جانب ، وحزب الامة والجبهة الاسلامية القومية من جانب اخر ، وايضا بين حزب الامة والجبهة الاسلامية القومية . من مشكلات الزعامة في السودان ، انه لا يتوفر لاي زعيم حزب الاعتقاد الراسخ و النفوذ لاخلاقي ليرتفع ويعلن للامة ضرورة فصل الدين عن الدولة من اجل مصلحة الوحدة الوطنية . وغالبا ما يعترف سرا بأن مثل ذلك الفصل يعد امرا ضروريا لانقاذ الوطن ، ولكن يجب ارجاع الفشل في مواجهة الامر وعلاقتة بالسياسة ، الى غياب القيادة والزعامة التي تتسم بالشجاعة الاخلاقية لانجاز ذلك . هناك اعتقاد عام بأن حكومة الصادق المهدي كانت على وشك الغاء " قوانين سبتمبر " قبيل استلام الجيش للسلطة في 30 - يونيو - 1989 . ويسود اعتقاد بأن الجبهة الاسلامية القومية كانت اما شريكا في تدبير الانقلاب ، او على الاقل مساهمة في تنفيذه ودعمه . من الصعب التكهن الان بالمدى الذي كانت فيه الحكومة ملتزمة ، خاصة رئيس الوزراء الصادق المهدي بالالغاء المفترض لقوانين سبتمبر ، وما اذا كانت لديه قوانين اسلامية بديلة لتقديمها . توضح التجربة بجلاء بأن ذلك الافتراض كان في احسن حالاتة امرا مثيرا للجدل بالرغم من النوايا الحسنة على الاقل لدى بعض المشاركين .
تؤكد كل الشخصيات القيادية في السياسة الشمالية ، بانه لن يجرؤ اي زعيم مسلم على الغاء القوانين الاسلامية دون عقاب ، لان الاسلام يملى بعدم فصل الدين عن الدولة . ولهذا وبما ان الشريعة قد اقرت ، يصبح من الصعب ابعادها ، ويقال بانه كان يجب تفادي اعلانها في المقام الاول . وقبل ان يبدي السيد محمد عثمان الميرغني استعدادا لتجميد القوانين الاسلامية ، كان قد استشار العالم الاسلامي شيخ الازهر في القاهرة عن سلامة تلك الخطوة . وبارك شيخ الازهر الفكرة " بفتوى ". ولكنه كان من غير الواضح ايضا ان كانت للسيد الميرغني رؤية لقانون ديني بديل ، ام يود الرجوع الى القوانين المدنية العلمانية التي سبق واصدرها البريطانيون .
وما يقلل من شأن موضوع الدين النظر اليه في عزلة عن القضايا الاخرى ، خاصة قضية الهوة الوطنية الحيوية ، والبعدين المرتبلين وما – الثقافي والعرقي – للثقافة العربية الاسلامية ، التي قدمت على انها تمثل البلاد جميعها . وحقيقة ، اصبح الدين اللافتة التي تعرف بها الاحزاب ، عرقيا وثقافيا ، ويحدد مواقعها النسبية في هيكل السلطة واشكال توزيعها . واصبح الدين ايضا عاملا هاما في السياسة الخارجية وفي علاقة الصلات الخارجية بالرموز الداخلية للهوية . لم يعد الدين داخل السياق السياسي السوداني ، شأنا يختص بالاخلاق الشخصية ، العقيدة الروحانية او الاخلاق ، بل اصبح سلاحا فتاكا في الصراع من اجل السلطة . ويعد ذلك افرازا لتطور تاريخي شكل الرؤى المتعارضة والمثيرة للنزاع الان داخل الشمال وبين الشمال والجنوب .





نـــشـوء الـهــويــات :
تعد تركيبة الهويات العرقية ، اللاثنية والثقافية والتي تقسم البلاد الان لي عرب وافريقيين ، مسلمين وغير مسلمين ، مع الاطروحات المتباينة داخل تلك الاقسام ، يعد نتاجا لعمليتي الاستعراب والاسلمة في الشمال ( حدود زحفهما نحو الجنوب ) ، ونتاجا للرؤى المتضاربة حول الوطن ، من ثنائية نشؤء الهويات ، وانشقاقاتها الداخلية .
يعد انقسام البلاد الى هوياتها الافريقية والعربية نتاجا للاستعراب والاسلمة في الشمال ، من جانب ، وللمقاومة الافريقية ضد فرض وجهة النظر الشمالية ، من جانب اخر . لقد قام الاستعراب والاسلمة على الهياكل الاجتماعية وانماط السلوك المحلية التي كانت سائدة ، بما في ذلك احتضان بعض المعتقدات والممارسات المحلية . وما تبلور من تلك العملية يعتبر مزيجا سودانيا فريدا . لا تشابه معظم القبائل العربية في الشمال اقرانها من العرب في شمال افريقيا والشرق الاسط . وحقيقة ، يشبهون بصورة اوضح الافريقيين السود في اغلب البلدان داخل الحزام السوداني عبر القارة ، من اثيوبيا والصومال في الشرق الى نيجيريا ومالي والسنغال في الغرب . فالسودانيون الشماليون يعتزون بعروبتهم ، يقتفون اثر انسابهم الى الجزيرة العربية لربطها ببعض القبائل هناك ، وحتى نسب عائلة النبي محمد ، واغلب ذلك مجرد ادعاء لا سند له . وبالرغم من تدينهم الليبرالي المتسامح ، المطبوع بميول الصوفية المحلية في علاقتها بمعتقدات الاخرين وممارساتهم ، يؤمن عامة المسلمين وبعمق في اسلامهم ، المتأثر بمسحة وثنية ، ويشابه الاديان الافريقية التقليدية المحلية ، الني تعتقد في القوى الروحية للسلف وبعض الاتقياء الصالحين ، ويختلف بذلك عن تعليم القرآن الاصولية المتبعة لدى الصفوة الاسلامية العربية في الشمال .
لميتأثر الشمال بصورة متجانسة ثقافيا واثنيا بالاستعراب والاسلمة . لم تتأثر مجموعات مثل الفور و النوبة في الغرب وبدرجة اقل ، البجا في الشرق بالاستعراب ر بالرغم من تبني الاسلام بحماس مدعرما معتقداتهم المحلية . وحتى في اقاصي الشمال ، احتفظ النوبيون بلغتهم وهويتهم ، و بالرغم من تبني واكتساب بعض العناصر العربية . وما يجعل تلك الاوضاع المتناقصة غيلا – العربية في الشمال هامة بشكل خاص هو انه ، خلافا للاسلام في بعض البلدان الافريقية جنوب الصحراء ، حيث تسود اغلبيات مسلمة ، يميل الاسلام في السودان الى الارتباط بالعروبة كمفهوم مكون للعرق ، الاثنية والثقافة . على على كل تميل هذه الجيوب غير – العربية والمسلمة الشمال ، برغم تمسكها الشديد بعقيدتها ، تميل الى السماحة والتساهل تجاه التنوع ، اقل تشددا وتعصبا من الاسلام التقليدي في تعاملها مع تعاليمه ، بصورة اشبة بالبلدان الافريقية المسلمة السوداء ، التي تتسامح وتقبل الاخرين برغم اغلبيتها في بعض تلك تلك البلدان . والمثال الجيد على ذلك يأتي من السنغال ، حيث ، المسلمون الغالبية العظمى من السكان ، تم انتخاب المسيحي ليوبولد سنغفور ، احد ابرز قادة افريقيا ، رئيسا للجمهورية .
لم تمتد حركة الاستعراب والاسلمة ، التي بدلت الشمال ، الى الجنوب بالرغم من بعض التأثير للتداخل الثقافي المتبادل . اتسمت الصلات بين الطرفين بالعدوات الى حد بعيد ، تراوحت من غزوات جالبي الرقيق ، الى محاولات الحكومة المتعاقبة لتوسيع دائرة سيطرتها جنوبا . وبالرغم من بعض الايجابيات نتيجة التفاعل المتبادل ، ظل شطرا البلاد منقسمين بشكل محدد ، لايريان ، بالكاد ، اي شيء مشترك بينهما .
تأكدت الازدواجية الشمالية – الجنوبية وتدعمت وترسخت بفعل الانظمة المتتالية عبر القرنين الماضيين . في الشمال ، بالرغم من ان البريطانيين اثروا بنفوذهم المدني العلماني على المجتمع المسلم ، الا انهم تبنوا الصلة التقليدية بين الاسلام والدولة . ولخوفها من بعث المهدويين الجدد ، اظهرت الحكومة الاستعمارية حساسية تجاه المشاعر العربية الاسلامية ، الى حد وصف نفسها بالاسلامية لتنال الشرعية . ومع ذلك ، كان اللاسلام ، خاصة في بعثة الجديد او في شكله الاصولي ، عاملا في النضال الوطني ضد الاستعمار . بينما تمكن البريطانيون مع التعاون مع القادة الدينيين التقليديين لتطويع مواقفهم من حركة الاستقلال ، وجد المتشددون الاسلاميون الشباب الالهام في الماضي الزاهي للاسلام وفي موروثه المعادي للتغريب والمسيحية .
تبنى البريطانيون في الجنوب سياسة انفصالية ، تم بموجبها غزل الاقليم ، وحوربت العروبة والاسلام لمنع اختراقهما للجنوب ، مع تشجيع التعليم المسيحي التبشيري واستعمال اللهجات المحلية واللغة الانجليزية للتدريس . وبينما تطور الشمال اقتصاديا وسياسيا ، حرم الجنوب من اي قدر للتطور . ولم يتم التخلي عن سياسة العزل رسميا ، الا في العام 1947 ، اي قبل ثماني سنوات فقط من الاستقلال .
بعد الاستقلال ، حاو لت عدة حكومات وطنية دعم الوحدة الوطنية عبر تجانس مفروض وقهري ، قصد الى تطبيق الاستعراب و الاسلمة على الجنوب لم يكن فراغا خاويا من الروحانية ، كما افترض التبشير المسيحي محاولا ملأه . وبعيدا عن موقف المتعلمين الجنوبيين الذين طوروا تقديرا اكبر لهويتهم الافريقية بقيمها الروحية والاخلاقية ، تم ايضا تبني المسيحية كدين لذاته ، ووسيلة فعالة لمقاومة تهديد الاستيعاب العربي الاسلامي . كلما تصاعد التهديد الشمالي للجنوب ، تعاظم الشعور بالهوية الجديدة التي صهرت الافكار الافريقية بالقيم الثقافية الغربية المسيحية المكتسبة حديثا . ولم كانت المسيحية ، في مبادئها والطريقة التي دخلت بها الجنوب ، في تناسق و انسجام تام مع العلمانية ، بدأ ذلك الارتباط الاستراتيجي مفيدا ومناسبا لوجهة النظر الجنوبية ، خاصة في علاقة الدين بالدولة .



مــراحــل نــشــوء الـهــويــات :
يجب رؤية كل من " ثورة الانقاذ الوطني " وحليفتها الجبهة الاسلامية القومية ، والحركة الشعبية لتحرير السودان ، في اشكالها المختلفة على انهما يمثلان الذروة لعملية مرت عبر ثلاث مراحل : تقليدية ، انتقالية ، حديثة . بدأ الاستعراب والاسلمة في الشمال بالتفاعل الاساسي الاولى و التكامل المتبادل بين التجار العرب الوافدين و المجتمعات القبلية السودانية . توسع المجتمع القبلي المنغلق بالاسلام ، اولا من خلال " الطرق " الصوفية المتأثرة بالمعتقدات المحلية ، ثم مؤخرا بالثورة المهدية ، التي انتهت لتصبح هي الاخرى طائفة دينية . تداخلت الصلات بين الاشكال والولاءات الطائفية مع النظام القبلي والهويات الاقليمية الاوسع ، لكسب الدعم الشعبي الواسع للاحزاب السياسية القائمة على الدين ، والتي بدأت في الظهور مع حركة الاستقلال .
وكان ذلك التأييد ، في معظمة ، يعبر عن ولاء من جانب واحد ، وعلاقة غير متكافئة بين الزعماء واتباعهم . وكمثال ، يكتب شريف حرير عن ولاء الفور التاريخي المستمر لاسرة المهدي وبالتالي لحزب الامة "يتواصل الولاء قويا لدرجة تتحدى التفسير العقلاني"( 1 ) , تم استثمار تلك العلاقة ، بين السياسات الطائفية وجماهير الريف ، وتدعمت بتأييدمن سلطات الحكم الثنائي ، والعناصر المعتدلة وةسط الصفوة الوطنية الحديثة ، ضمن جهودها للتأثير على العملية السياسية لمنفعتها الذاتية .
تمت الحركات الراديكالية ، العلمانية منها والدينية ، في الشمال معارضة للطائفية . وكانت العناصر الاكثر اعتدالا تنظر لتلك الحركات على انها تشكل جبهة معارضة لبناء الامة . وكان من بين تلك المجموعات الراديكالية الحزب الشيوعي , " الاخوان الجمهوريون " و " الاخوان المسلمون " لقد تم القضاء عمليا على الحزب الشيوعي بهجوم نميري عليه بعد الانقلاب المجهض عام 1971 ، والذي كانت للحزب علاقة معنويات الجمهوريون وشلت حركتهم عندما استغل نميري قانون الشريعة واعدم زعيمهم محود محمد مصطفى 18 - يناير - 1985 ، بحجة الردة. و اصبح " الاخوان المسلمون " الذين اعادوا تنظيم انفسهم في حزب الجبهة الاسلامية القومية بعد الاطاحة بالنميري ، يمثلون الحزب الراديكالي الوحيد ، المعادي للطائفية ، وظل الحزب يعمل بفعالية واضحة ، لا يهدف فقط الى اقامة دولة اسلامية ، بل ولتحقيق التحرر التام من طبيعة الدولة غير الاسلامية ، ذات التوجه المسيحي الموروث من النظام الاستعماري عند الاستقلال . ويعتبر احياء وبعث تعاليم الدين نوعا من اعادة اكتشاف الذات ، وعملية لاضفاء شرعية تسعى لبناء المجتمع على القيم و المؤسسات الاسلامية .
في الجنوب ر تحولت العملية من المؤسسات القبلية التقليدية للمجتمع ، التي استغلها البريطانيون في سياساتهم المحافظة للتطور المحلي ، تحولت الى الطبقة الجنوبية المتعلمة الجديدة ، التي تشكلت هويتها بالمسيحية والثقافة الغربية . ورغم ان هذه المؤثرات الخارجية لم تقتلع القيم المحلية والمؤسسات التقليدية ، الا انها وسعت رؤى الطبقة المتعلمة في اتجاه المقاومة والدفاع ضد الهيمنة الشمالية وتهديد الاستيعاب . والرؤية المقترحة من الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها ، والتي تمثل في الاساس نموذجا غربيا لدولة حديثة ، علمانية مدنية وديمقراطية ، تشكل المرحلة الاحدث ضمن هذا التطور لهوية اقليمية ، تنافس الان من اجل تطبيقها على الامة .
بالطبع لم تكن تلك المراحل بأي حال من الاحوال متتابعة بشكل صارم محدد . على النقيض من ذلك ، تداخلت المراحل وتزامنت وتعايشت واخذت كل منها من الاخريات . تتفاعل القيم و المؤسسات التقليدية مع المفاهيم الجديدة عبر المرحلة الانتقالية ، وبينما تدخل في نزاع اكثر سفورا مع قوى التحديث ، تنزع نحو التمسك والتشبث بالتقليد . ويفسر ذلك جزئيا ، الطريقة التي تمكنت بها الطائفية والقبلية من الهيمنة المستمرة على العملية الديمقراطية.
لم تكن النماذج التي ظهرت في الشمال والجنوب متماثلة متطابقة . بل خلافا لذلك ، فان مجرد تداخل المرحلة المختلفة وتزامنها وحتى اختلاطها ، يشير الى التنوع في وجهات النظر داخل الشمال والجنوب . وفي شطري البلاد تتفاقم وتدوم المنافسات القبلية او الاقليمية ، وتتواصل بسبب الخلافات بين الزعماء وبين مجموعات المصالح المختلفة .
لقد بلغ تطور السودان الحديث ذروته في رؤية نابعة من الجنوب تنازع رؤية من الشمال ، مع حالات اخرى هامشية قائمة على الاختلاف العرقي و الاثني ، من بينها النوبة ، الانقسنا ، والفور بدرجة اقل البجا ، ممن تعبر هوياتهم اكثر افريقية من الاقسام العربية السائدة المعروفة . تختلف الرؤيتان ايديولوجيا حول نظام الحكم , وبخاصة ما يتعلق بقضايا مثل الديمقراطية مقابل الحكم العسكري ، ودور الدين في الدولة .


عــقبــات امــام الاجــمــاع :
تنبع العقبات امام حل النزاع من الموضوعات الواردة في تحليل القضايا اعلاه ومن نشوء وتطور الرؤى المتصارعة الان حول تلك القضايا . بينما يبرز النزاع في اشكال متعددة ومستويات مختلفة ، تعد الحرب الاهلية البعد الاكثر حدة وحسما بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها . لقد اصبحت قضية الشريعة مثيرة لاكثر جوانب النزاع صعوبة ، ولكنها تشكل نموذجا لمجالات خلاف اخرى .
لايمكن رؤية موقف الحكومة الراهن من الدين كحاجز وعقبة امام حل النزاع بمعزل عن الخلفية التاريخية . لم تكن الاطروحات الدينية التي تدعو لها الحكومة الحالية مشتركة وحسب ، بدرجات متفاوتة ، بين الانظمة المتتابعة منذ نميري ، بل ان الحوار حول قضية الشريعة والدستور الاسلامي بدأ مع المناقشات الدستورية المبكرة منذ الاستقلال . واذا ما امعن النظر في تاريخ البلاد جميعها ، قد تختلف الدرجة ، ولكن ظل دور الاسلام في الدولة بصورة دائمة قضية هامة ، حتى ابان الحكم البريطاني ، الذي جمع مترددا بين فصل الدين عن الدولة مع تقدير سياسي محسوب للاسلام يكاد يرقى الى مستوى دين الدولة . الاختلاف الرئيسي ، على كل ، يتمثل في تصعيد دعاة احياء الدين او الاصوليين من حدة الحوار لتشددهم وتعصبهم غير المساوم في سعيهم لتحقيق الاطروحات الاسلامية ، بالرغم من الحاجة للتعامل مع واحتضان غير المسلمين على الصعيدين الوطني والعالمي .
وبما ان قسما كبيرا من البلاد لا يدين بالاسلام ، تفرز ازمة الهوية الدينية في علاقتها بالدولة البعد الاكثر حدة . بينما يؤثر الحوار حول دور الدين في الدولة عمليا عاى كل الدول العربية الاسلامية ، فأن ما يجعل حالة السودان اكثر تعقيدا ، بصورة استثنائية ، هو انقسام البلاد الحاد بين من ينتسبون للاسلام والعروبة المتصلة به ، وبين من يستمدون هويتهم اساسا من مقاومة الهيمنة العربية الاسلامية .
لاتقوم مقاومة الجنوبيين للاستيعاب أو التكامل داخل القالب العربي الاسلامي لذاته ، بل تقوم ضد الهيمنة المرتبطة بفرضه . في ظروف التعامل السلمي بين الشمال والجنوب ، تتوفر للاستيعاب والأسلمة فرصا افضل لتبنيهما عبر عملية متسقة وتدريجية للأثراء لثقافي المتبادل . و كما هو الحال الان ، برهنت المقاومة ضد فرض الاستعراب و الاسلمة والتهديد بالستيعاب الوشيك ، على انها اكثر العقبات امام اقامة دولة اسلامية في السودان . ويميل حتى الشماليين المعارضين لتطبيق الشريعة الى تبرير وقوفهم مرتبطا بوضع الجنوب و هذا يعني ان المواجهة الشمالية - الجنوبية تحجب موقف الشماليين ، و تبعدهم عن مواجهة قضية الدين داخليا ، بدلامن اعتبارها مجرد قضية شمالية - جنوبية .
وحسب رؤية الأصوليين الشماليين ، يفرض الاسلام عدم فصل الدين عن الدولة . و عندما يطلب المواطنون ، ( ممن يعتبرهم المتشددون اقلية ) من الاصوليين عدم التمسك باطروحاتهم الدينية ، والتبني بدلا عنها للأفكار الغربية العلمانية ، والأسوأ ، محاولة فرضها بالقوة ، حينها يرد الاصوليين بضرورة ترسخ الاصولية الاسلامية .
و للمفارقة،بينما يدعي الاتجاه الاسلامي التعبير عن ارادة الاغلبية ، يفرض النظام الحالي الاطروحات الاسلامية بقوة السلاح ، منكرا بذلك الحقوق الديموقراطية للمسلمين و غير المسلمين على حد سواء ، و يتبنى استراتيجيات تؤدي الى انتهاكات جسيمة لمواثيق حقوق الانسان العالمية ، وتنقض بذلك كل المثل الأخلاقية والروحية ،التي ترتبط عادة بالاديان . وتصبح الاجندة بذلك اكثر ارتباطا بالسياسة منها علاقة بالدين ، و يتحول الدين بدوره اداة للاستغلال والمناورات السياسية .
تجد الاحزاب الطائفية التي تحاول التمسك بالمبادىء الديموقراطية ، لكي تكون اكثر تقبلا و تفهما للجنوب الغيرالمسلم ، تجد نفسها في وضع ضعيف مهزوز امام الاسلاميين دعاة البعث الاسلامي ، وامام العلمانيين ايضا . تستمد تلك الاحزاب قاعدة دعمها السياسي وقوتها ، في الاساس من الانتسلب والاولاء الديني لجماهير الريف ، التي تشكل الغالبية العظمى من سكان البلاد . و الحقيقة المجردة لنجاح زعماء الاحزاب الطائفية و تقلد مناصبهم عبر الوراثة ، تجعلهم بذلك جزء من النظام التقليدي ، بالرغم من انهم يعتبرون من الصفوة المتعلمة . و بذلك تشكل الطائفية خليطا بين التقليد والحداثة ، مع ميل نحو المحافظة يجعل الزعماء ضعفاء امام قوى التغيير . ومع هذا ، بما ان الديموقراطية الغربية تعد عملية يحسمها حجم اصوات الناخبين ، لا يمكن تجاهل وزنهم السياسي ، و هنا تبرز حاجة الاصوليين للاعتماد على الجيش كأداة للسيطيرة والتغيير .
وخلافا للاحزاب الالطائفية ، تميل الجبهة الاسلامية القومية ، الى تجنيد عضويتها من بين الشباب المتعلمي من الرجال والنساء الملتزمين بجعل دور الاسلام ديناميكيا نشطا و مهيمنا في تشكيل المجتمع و الدولة الحديثة . و بعيدا عن رؤية الزعامة على انها امر موروث ، تركز الجبهة على اهمية الكفاءة ، التي تعد فيها مقدرة الفرد على الانجاز في الاطار الحديث المتغير ، عاملا اساسيا للزعامة . وخلافا للفرضيات المألوفة ، يرى اعضاء الجبهة الاسلامية القومية بأن مذهبهم يدعو لبعث واحياء تعاليم الدين كمفهوم تجديدي للاسلام ، بالرغم من انهم ، يسعون للتحقيق ذلك بالنكفاء والعودة الى اصول الاسلام ، مما يعد مفارقة وتناقضا . ويوفر لهم ذلك التوجه ، داخل السياق الاسلامي الحديث ، وضعا افضل من الاحزاب الطائفية لأنهم يقدمون انفسهم كحركة اسلامية للأزمنة الحديثة . و لكن صراعهم و تنافسهم مع الاحزاب الطائفية الساسية لا يقتصر على الاطار الحديث . و هناك امكانيات ، على الاقل ، في تحركهم تجاه جماهير الريف التي تشكل القاعدة الجماهيرية الاسلامية .
بالرغم من هيمنة الاحزاب الطائفية في البلاد ، الا ان الوضع متحرك ومتأرجح بعض الشيء لصالح الجبهة الاسلامية القومية ، لأن جماهير السمدانيين المسلمين في الريف متدينون بعمق ، و بطريقة انتقائية تقليدية يمكن ان تتحول في اتجاه ليبرالي او اصولي اعتمادا على قدرة الزعامة الذاتية . وبينما يبقى قادة الاحزاب الطائفية متارجحين بين اليبرالية والاصولية ، تندفع الجبهة الاسلامية القومية وحلفائها بقوة ، مقدمين رؤية واضحة كاملة عن الاسلام لايمكن للجماهير معارضتها ، و لكن هذا القبول لا يعني مطلقا غياب الوعي الجماهيري ، ولا يعني الموافقة على الرسالة أو الاساليب الاصولية . الارجح ، انه يشير الى التردد في معارضة دعاة " الشريعة " الاعلى صوتا داخل السياق الراهن للدولة الوطنية الحديثة من الممكن الهجوم على ، بل والتبرؤ من قوانين " سبتمبر" على انها غير اسلامية ، و لكن مبدأ الالتزام " بالشريعة " التي تدعو ايه الجبهة الاسلامية القومية و الحكومية الراهنة ، يعد موقفا اكثر صعوبة للمسلمين لمعارضته او تحديه ، و لكن ربما تمكن معارضته فقط على اساس انه فرض بقوة السلاح ، او لأنه سوف يعزل ويبعد غير المسلمين ، مما يهدد الوحدة الوطنية . و لكن بالنسبة للمسلم المتزمت ، يسود الدين على الوحدة الوطنية .
ونتيجة لذلك ، بينما يؤيد العديد من الشماليين بكل الصدق الاطروحات العلمانية للحركة الشعبية لتحرير السودان ، ومباديء المساواة بون تمييز ديني ، تجاهر فقط اقلية ضئيلة غير مؤثرة بتأييدها الواضح لفصل الدين عن الدولة . يتفق بعض الشمليين وراء الابواب المغلقة بأن العلمانية تعتبر الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد ، و لكنهم يعترفون ايضا بأنه ليس في امكانهم الجهر بذلك ، و لا يتوقعون ان يتخذ المسلمون السودانيون موقفا مخالفا " للشريعة " . وفي هذه الحالة ، تصبح ازمة الهوية الوطنية ازمة زعامة داخل الاطار التعددي .
الرؤية للوضع ، من وجهة نظر غير المسلمين عامة والجنوبيين خاصة ، تشير انه ومهما يكن الاطار العربي الاسلامي الذي تقدمه الجبهة الاسلامية القومية او القوى الشمالية المهيمنة عادلا ، ورحبا ومنصفا ، الا انه لا يمكن ان يوفر المساواة التامة . ويدفع دعاة " الشريعة " بانه على الاقلية غير المسلمة ان تكيف وضعها مع ارادة الاغلبية المسلمة ، التي يفرض عليها الواجب الاخلاقي ضمان حقوق الاقلية . وتحاجج الحركة الشعبية لتحرير السودان ، متحدثة بشكل عام انابة عن المهمشين من غير السكان العرب ، بأن السودانيين المحليين الاصليين ، بمن فيهم من مجموعات مسلمة غير عربية في الشمال ، يشكلون اغلبية عرقية اثنية يمكن حشدها وتعبئتها لمجابهة الاغلبية القائمة على الهوية الدينية . ويؤكدون على ذلك ، بانه وبنفس القدر الذي يميل فيه المسلمون الى استعمال منطق اغلبيتهم الدينية ، يمكن لهذه المجموعات غير العربية استعمال منطق اغلبيتهم العرقية والاثنية لتبرير تشكيل الدولة السودانية على الافريقية ، مع الاعتراف والاحترام للحقوق الدينية والثقافية للمسلمين والعرب .
الخلافات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها تعقد الوضع باحداث تضارب وارتباك حول اهداف النضال . حدث الانقسام اولا في اواخر اغسطس عام 1991 ، عندما تمرد القادة ، ريك مشار ، لام اكول ، وجوردن كونغ ضد القائد العام جون قرنق ، لتفادي من تخوفو منه حينها ، من اعتقال وشيك لهم . بعدها حولوا الازمة الشخصية الى قضية سياسية ، محاججين بأن دافعهم كانت تملية ضرورة اعادة النظر في اهداف النضال ، لفضيل خيار الانفصال للجنوب ، واشاعة الديمقراطية والمؤسسية داخل الحركة ، وتطوير احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية .
هذه اهداف تستحق الثناء والتقدير نظريا . يدرك معظم الجنوبيين ، بأن ادعاء الحركة الشعبية النضال من اجل سودان جديد موحد ، كان في اغلبه ذريعة تكتيكية لتحييد اي معارضة يمكن ان تخلقها الدعوة للانفصال . وبالرغم من تعاظم التطلعات الجنوبية لتحرير كل السودان كقطر افريقي وتصاعدها مع تنامي قوة الحركة ، وبرغم اقتناع جون قرنق نفسه بصورة متزايدة بخطابه السياسي ، يظل الانفصال الخيار الاخير للجنوب . ولكن يدرك اغلب الجنوبيون ايضا بأن تحقيق الانفصال لن يكون ممكنا لمجرد المناداة به . ويدركون بأن الطريقة الاكيدة الوحيدة ، برغم كونها الاكثر ايلاما وابهظ ثمنا ، هي الانتصار في ميدان المعركة ، كما فعلت اريتيريا . والدليل على ان دعوة القادة المتمردين للانفصال كانت ، على الاقل في بدايتها ، تحركا لمنافع ذاتية ، اصبحت مكشوفة فيما بعد بتحالفهم التكتيكي مع حكومة الخرطوم ضد التيار الرئيسي للحركة ، برغم رفض الحكومة لدعوتهم بالانفصال اصلا .
ومع ذلك واصل القادة المنشقون توسيع قاعدة التأييد لهم وسط الجنوبين ، على اساس مبادئهم المعلنة ، وركزوا على مطلب اكيد هو عزل قرنق من قيادة الحركة . وما بدا اولا انقلابا ذي اثر يذكر على كرسي الرئاسة ، تطور بسرعة الى ما يسمى " الثورة الزاحفة " ، الوصف الذي اراد به المنشقون تعريف تمردهم . والاسوأ ، ان التمرد على الحركة انحدار الى عدوات قبلية دموية رهيبة عمقت ووسعت الانقسامات وسط الجنوبيين . ومن جانبها ، كانت الحكومة شغوفة لاغتنام الفرصة لتعميق الانقسام واضعاف العدو ، وتحركت موفرة حوافز متنوعة ، تراوحت من الامدادات العسكرية ، والدعم اللوجيستي ، الى الحوافز المادية للمتمردين على الحركة . ونتيجة لذلك ، اخذ التمرد والتشرذم والانقسام في الاتساع والانتشار . ورغما عن ان تيار الحركة الرئيسي تحت قيادة قرنق ظل المهيمن والغالب ، الا ان عملية " قوة اندفاع الطرد " الانقسامية داخل القيادة ظلت تهدد بتحويل الجنوب الى وضع شبيه بالصومال ، تسوده الحروب القبلية والعشائرية ، مما يجعل فرص حل النزاع اكثر صعوبة .
فاقمت الخلافات داخل الشمال من تعقيدات الازمة . تعارض كل القوى السياسية الرئيسية تقريبا الحكومة الحالية ، ليس ، صراحة ، بسبب اطروحاتها الاسلامية ولكن لكونها نظاما عسكريا . التقت كل تلك القوى السياسية المعارضة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها لتكوين ( التجمع ) التحالف الوطني الديمقراطي ، ( NDA ) ، الذي يهدف الى الاطاحة بالنظام العسكري . ان رفض الحكم العسكري من جانب غالبية المعارضين ، خاصة بين من يمثلون القوى الحديثة ، وثيق الصلة برفض مماثل للعودة مرة اخرى الى حكم الاحزاب السياسية الطائفية ، مما يولد فراغا يدعو الى اللامبالاة والسلبية السياسية وسط المواطنين . وبما ان النظام واتباعه الملتزمين دينيا مصممون على حماية امن النظام ، فان هذه الامبالاة تدعو الى اضعاف احتمالات الانتفاضة الشعبية كالتي اطاحت من قبل بانظمة عسكرية .
يؤدي تداخل هذه النزاعات والخلافات الداخلية في الشمال والجنوب ، ليس فقط الى تعقيد الانقسام الشمالي الجنوبي ، ولكن يجعل حل النزاع الرئيسي بين الجنوب والشمال اكثر صعوبة لاحقا . وبالطبع ، لا تفضل القوى السياسية الشمالية المتحالفة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، في التحالف الوطني الديمقراطي ، تسوية بين الحركة الشعبية والحكومة ، لان ذلك سوف يسحب من تلك القوى المعارضة القوة العسكرية الوحيدة الموثوق فيها . وكذلك ، لا تحبذ مجموعة لا اكول – ريك مشار ، التي انضم اليها اخرون عديدون ، اي تسوية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان ، الفصيل الاساسي ، لان ذلك سوف يسحب من القادة المنشقين قيمتهم الوحيدة ، لكونهم حلفاء للحكومة ضد قرنق .
ولهذا يبدو ان الحكومة وزعماء المعارضة مهمومون ومنهمكون في تكتيكات واستراتيجيات تؤدي الى توسيع الانقسامات واضعاف العدو ، مع غياب زعامة تتسم وتتمتع بسلطة اخلاقية لتحشد الامة خلف هدف وغاية مشتركة . وهذا لا يجعل احتملات السلم والوحدة بعيدة المنال وحسب ، ولكنه يفاقم من حجم الكارثة الانسانية المأساوية للمدنيين من السكان ، الذين اقتلع معظمهم من اراضيهم ، وشردوا داخل البلاد او اجبروا على اللجوء الى البلدان المجاورة . وكأن كل هذه التعقيدات ل لاتكفي ، فان تدخل قوى اقليمية وعالمية ، مثل ايران ، العراق ، ليبيا ، سوريا ، بتحالفها مع اقسام داخلية ، لا يعمق الانقسام فحسب ، بل يفاقم من امكانيات تدمير السودان لنفسه ويقلل من احتمالات التسوية السلمية .
ومهما تكن ديناميكية وحركة التفاعل في ميزان معادلة القوى ، فانه من غير المحتمل ، ان يحقق اي من الطرفين انتصارا حاسما على الاخر . ومهما كان مستوى اضعاف الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها بسبب الخلافات الداخلية ، والمتغيرات الاقليمية ، وتحسن الامكانيات القتالية لقوات الحكومة ، فان السعي الجنوبي الحثيث للعدل والمساواة سوف يجعل نيران التمرد مشتعلة ومستمرة في المستقبل المنظور . القيادة الواعية بشئون الحكم والمصالح الذاتية المستنيرة يجب ان تملى الاعتراف بالحل السلمي للنزاع الذي اصبح امرا واجبا وملحا . ولكي يكون ذلك ممكنا ، لابد لعقلية السودانيين ، وبخاصة الزعماء ، ان تغيير جذريا وبشكل اساسي .


عـــامــل الـعـــرق :
احد الاسباب الرئيسية الداعية للتضارب والارتباك في ازمة الهوية السودانية يتمثل في الطريقة التي اعطيت بها الهوية الشمالية شخصية مركبة تمزج عناصر العرق ، الثقافة والدين . الطريقة التي تم بها ذلك ، توارى البعد العرقي وتداري العنصرية . تعمق النظرة الذاتية للبعد العرقي للعروبة الانقسام بين الشمال والجنوب ، مما يجعل الامر صعبا / حتى للجنوبي المسلم المستعرب ، لتقريب شقة ذلك الانقسام . وتتمثل الطريقة التحليلية لتحسين وتخطي وضع الانقسام في فرز العرق ، الثقافة والدين ، ثم التدقيق في صحة الادعاء الشمالي للعروبة عرقيا وثقافيا ، مع التمعن في شكل الاسلام الممارس في الشمال ضمن ذلك السياق . وبما ان العرق يبدو ضمن اجندة خافية وراء موضوع الدين المهيمن ، يصبح ضروريا التدقيق في هوية الشمال من وجهة النظر هذه . في الجنوب ، كما في العديد من البلدان الافريقية ، تمارس اديان مختلفة داخل العديد من العائلات ، ولكن الدين لا يتدخل في وحدة العائلة الضرورية ، التي تترسخ بولاءات القرابة . ويحمل هذا السلوك الكثير المشابه للتقاليد الصوفية ، التي مثلها مثل المعتقدات الافريقية المحلية ، مشخصنة وترتبط بالنسب ، وتتميز بقدر كبير من التسامح مع التنوع .
المدخل الاول هو معالجة قضية العروبة والافريقية كعناصر للانتماء الوطني . والحجة التي يدفع بها غالبا في السودان ، وفي الدوائر العربية ، هي ان العروبة ليست مفهوما عرقيا ولكنها مفهوم ثقافي . وتعكس هذه النزعة صعوبة تحديد هذا المفهوم الضبابي للعرق حسب معايير موضوعية كالدم ، وتكشف الرغبة الخفية لتحاشي القضية . ولكن تلك النزعة تحمل في اعماقها الظروف الخاصة بالسودان ، حيث يكشف الدليل الملموس ، لمن يدعون بأنهم وراثيا وعرقيا عرب ، غياب الاسس العرقية الموثوق فيها لسند ادعائهم . والتحدى الذي يواجه الاكاديمي ، المثقف ، والسياسي المطلع في الشمال ، يتمثل في الكيفية التي تعالج بها القضية عقلانيا عندما يدعي البعض العروبة بينما يشي مظهرهم وتقاطيعهم الى غير ذلك ، ويحدون المخرج في تأكيدهم بأن ما يدعيه العربي السوداني في حقيقة الامر ليس الصلة العرقية ، بل الثقافية . وبهذا المنحى ، يوارون الهوية العرقية غير المبررة برداءة الثقافة . ويتبع ذلك ، بانه ليس واردا ان يكون الشماليون عنصريين ، برغم امكانية اعتزازهم بشوفينيتهم الثقافية ، التي تعتبر اخف ضررا من العنصرية . انها لذريعة ذكية ، لانها توفر مهربا فكريا للمثقف والسياسي ، ولكنها لا تعالج المشاكل العرقية للبلاد . كما ترسخ من معتقداتهم بأن الجماهير السودانية الشمالية ، التي ترى نفسها عربية عرقيا وثقافيا ، تفترض تفوقها على هذه الارضيات ، مع تحاملها ضد اقرانها من غير العرب . كما ان هذا المهرب لا يصيل الزعماء الشماليين بضرر ، لانه بتفاديهم الواقع عبر ذلك المفهوم الذرائعي ، لا يمكنهم تقديم زعامة لها القدرة و النفوذ الاخلاقي لوضع حد للعنصرية العربية في البلاد .
وبطريقة ما ، يخفى الاصرار على ان الهوية العربية تؤسس على مفاهيم ثقافية لا عرقية ، النظرة الذاتية الشمالية بادعاء الانتماء للعرب عرقيا . ولا يعد هذا الانتماء الذاتي الوهمي حميدا على الاطلاق ، لانه يوفر في الواقع الاسس للتحامل العرقي والتمييز ، وما يتبع ذلك من ممارسات عنصرية بين المواطنين ، لابرغم عدم الاعتراف بها ونكرانها باصرار .
وحتى ، مع ابعاد المفهوم الخبيث للعرق لمصلحة المفهوم الحميد – الثقافة ، كيف يمكن ان يساعد ذلك في توحيد بلد منقسم على اسس ثقافية ؟ قد يؤثر انقسام السودان عرقيا او ثقافيا على المستوى العاطفي ، ولكنه ، مع هذا ، يعني انتفاء الارضية المشتركة . والسؤال الذي يبرز التحدي هو : ما الذي يجمع من يسمون انفسهم بالسودانيين ، وهم منقسمون بسبب مفاهيم ذاتية متعلقة بالعرق ، الدين الثقافة وعوامل اخرى ؟ البديل البديهي للانقسام الواقع يتمثل في ، الاعتراف بالفجوة بين السس العرقية والثقايفة المداة للهوية ، وبين الدليل المادي الملموس الذي يدحض ذلك الادعاء ، من اجل نسف الوهم والقاء الضوء على العوامل المشتركة ، التي لا تستدعي ادعاءات لاختلافات عرقية او ثقافية مبالغ فيها ، يقوم عليها التحامل التمييز .


مــواقــف اطـراف الـنــزاع :
ماتشير به الحكمة البديهية ، لا يمثل بالضرورة وجهة النشاط العلمي الذي يتبعه صناع القرار . الوضع السوداني يعبر عن انعكاس مأساوي لصدق هذه الحقيقة . فمن جانب ، اصبحت قضايا النزاع واضحة جدا للجميع ، بمن فيهم اطراف النزاع . ومن الجانب الاخر ، يعترفون بأن الوضع الراهن لا يمكن ان يصون السلام والوحدة . ومع ذلك ، فان المواقف التي تتخذها الاطراف ، للمفارقة ، توسع شقة الخلاف ، مما يجعل المساومات صعبة ، ان لم تكن مستحيلة .
يبدو ان موروث العلاقات الجنوبية الشمالية قد اقنع الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها والجنوب ايضا ، بأن الممسكين بزمام السلطة في المركز . والشماليين بصورة عامة ، لايعيرون اهتماما للتظلم الجنوبي ، الا اذا ما اقيم الدليل وحسم الامر في ميدان المعركة . وان كان ذلك صوابا ام لا ، تعتقد الحركة الشعبية وغالبية المسيسين من الجنوبيين بان الشمال لن يقبل ضرورة اعادة هيكلة السلطة الوطنية الا عبر القوة العسكرية . ولكن ، ولتفادي المثول بمظهر دعاة الحرب ، ولكسب التعاطف والتأييد السياسي ، حتى من داخل الشمال نفسه ، وجب على الحركة ابداء التزامها بالتسوية السلمية التفاوضية كوجهة نظر مبدئية .
والرؤية من جانب الحكومات المتعاقبة في الخرطوم ، تشير الى ان نجاح الحركة الشعبية لتحرير السودان في تحقيق اهدافها المعلنة ، عبر الوسائل العسكرية او السلمية ، سوف يهدد دون شك هيمنة الحكومة في المركز والشمال العربي المسلم .
وطبيعيا – الافيما ندر من مواقف قيادية رشيدةعادلة ، لم ينعم بها السودان بعد – يصعب على اي زعيم في الخرطوم ان يقدم مثل هذا التنازل الساسي الهام . ومن جانب اخر ، فان المساومة من موقف عسكري قوي ووجهة نظر سياسية عادلة ، يمكن ان تؤدي الى تغيير اقل جذرية ، يمكن للنظام امتصاصه دون ان يكون مدمرا لنفسه . ولهذا ينظر الى تصعيد نشاط الجبهة العسكرية على انه امر ضروري للمفاوضات . وبنفس القدر ، فان رفع راية السلام يمكن ان يكون تكتيكا لدعم مظهر المرونة والمساومة ولدرء انتقادات التشدد . وهذا هو حال كل من الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان .
هناك عوامل متشابهة تعتمل وتؤثر على قضايا الوحدة والانفصال . ادى تصعيد واطالة امد النزاع الى تقوية كل من دعاة الوحدة والانفصال . يحظى الانفصال بتعاطف عميق الجذور– وان لم يكن سافرا – من الدوائر الجنوبية . فيما عدا مجموعة لام اكول وريك مشار المنشقة حديثا وبعض المنشقين الاخرين ، الذين يجاهرون بالانفصال ، تقف قيادة الحركة الشعبية سرا ولكن بصورة دائمة مع وحدة البلاد . ومع هذا ، فان استراتيجية الحركة لا تستبعد الانفصال . وحقيقة ، تسلم العناصر الموحدة والداعية للفرقة في الهوية – افريقيين او عرب – ولكنهم يتبرأون من عنصر ، مع خيارهم المحدد المفضل للعنصر الاخر . ويتحكم الشمال ايضا في ورقة سلطة الدولة الرابحة ولديه الامكانيات الهائلة لتهيئة الظروف .
ما معنى ان تكون سودانيا ؟ بازاحة المظاهر الخارجية للهوية ، تتكشف القيم والتوجهات الثقافية الحقيقية للبلاد ، موضحة امكانية التفاعل المتبادل في عملية عادلة ومتكاملة لبنء الوطن . ويعني هذا ضرورة ابعاد الدين عن الحياة العامة ، وتبنى اللغة الانجليزية والعربية كلغات للعمل ، مع تشجيع اللغات واللهجات المحلية الرئيسية في المراحل الاولية للتعلم ولاغراض المناسبات المحلية . وسوف تكون لعملية اكتشاف الذات هذه تداعيات واسعة في التعليم ، البرامج الثقافية ، الاعلام ، التوعية العامة والعلاقات الخارجية .
هذه المقترحات ليست جديدة بالمرة ، ولكنها امتداد طموح لشيء اصداره من قبل ونجح بقدرما ولفترة محدودة . ورغم ان الاطار الذي وفرته اتفاقية اديس ابابا 1972 ، قد جعل الجنوب تابعا بطريقة لايمكن قبولها مرة اخرى ، الا ان الاتفاقية اعطت البلاد احساسا بالانتماء للامة وبالهدف المشترك . ادى توسيع المشاركة ، ليشمل كل الاقاليم والاقسام ، الى لم شمل المواطنين من الجنوب ، الغرب ، الشرق والشمال ، وظهر ان العديد منهم كان اكثر زنجية من النيليين ، وضعفاء في اللغة العربية كما النيليين . وفجأة تحولت صورة الانقسام الواضح الحاد بين الشمال العربي والجنوب الفريقي لتصبح اكثر " غبشة " واختلاطا ، وما نتج عن كل ذلك عبر عن الوجه الحقيقي للسودان بكل تعقيداته ، الوجه الذي لم يره او يألفه سوى القلة من السودانيين ، بمن فيهم من قادة في الخرطوم ، منذ فجر الاستقلال . وادرك السودانيون للمرة الاولى دور بلادهم المنظور كنموذج مصغر لافريقيا وحلقة وصل بين القارة والشرق الاوسط .
عناصر الهوية السودانية هذه ، والطريقة التي اثرت بها في تشكيل السياسات الداخلية والخارجية ، ربما وضحتها بدقة الدراسة التي اجرتها وزارة الخارجية وقدمتها لمنظمة الوحدة الافريقية في الاحتفال بعيدها العاشر 1973 . وشكلت تلك العناصر ايضا خط الخطاب السياسي لنميري حول دعم السودان لاتفاقيات كامب ديفيد ، كامتداد للمباديء التي وجهت السياسات الداخلية للتسوية السلمية والمصالحة الوطنية . ومع هذا ، كانت عملية اكتشاف الذات تلك واعادة صياغة النظرة الذاتية الوطنية عاملا هدد الصفوة الشمالية ، ودفعها الى تقويض اتفاقية اديس ابابا مجبرة نميري في النهاية على خرق ما كان في واقع الامر اكثر الانجازات اهمية تحت قيادته . ومع ذلك ، وبالرغم من تفكيك نميري للاطار الذي شيده ، توفر التجربة سابقة ونموذجا يمكن تحسينه والبناء عليه لجعل الهدف المرجو تحقيقه ، ليس فقط ممكنا انجازه ، بل سبق وتحقق فعلا بقدر كبيرا من النجاح . على كل ، فان فشل الاتفاقية يجعل الرؤية صعبة ، ان لم تكن مستحيلة ، في اختيار ترتيب داخل اطار الوحدة يكون مقبولا للجنوب كضمان اكيد للسلام والاستقرار . ذلك الاحتمال البعيد ، ربما يضع التحدي امام القيادة ويدفعها لتصبح اكثر قدرة على الخلق في بحثها عن الحلول .
ولنجاح اي حل يحقق السلام والوحدة والاستقرار الدائم للبلاد ، لابد وان يكن ذلك المحل حساسا للعلاقات الافقية بين الجتمعات المختلفة التي تؤثر عليها مشاكل الهوية ، وللصلة الرئيسية ايضا على المستويين المحلي والوطني . هذه النظرة يبنها وضع ابيي ، التي ادى ابعادها عن اتفاقية اديس ابابا ، لاستئناف العدوات بصورة مباشرة في عام 1983 . تمثل ابيي نقطة التقاء وتداخل بين الشماليين والجنوبيين ، وقد وصفت بالنموذج المصغر للسودان ، كما وصف السودان بالنموذج المصغر لافرقيا ، لايمكن لاي حل مستقبلي بين الشمال والجنوب ان يتجاهل الوضع " السرطاني " الشاك لدينكا الانقوك في ابيي بجنوب كردفان الذين ظلوا لاجيال عديدة الجسرالرابط بين الشمال والجنوب ، ولكنهم اصبحوا ، حديثا ، ضحايا النزام والمصالحة ايضا فيالعلاقات الشمالية الجنوبية . ونتيجة لذلك اصبحوا عاملا مفاقما للازمة ، ان لم يكونوا حقيقة السبب المباشر في استئناف الحرب الاهلية .
وبمجرد ان يتم تحضير التربة المحلية المشتركة وزرعها ، لينمو الاحساس الوطني بالهوية ويعطى ثماره ، حينها يمكن للسودانيين التقدم بامان للحاق بالعالم الخارجي العريض من امم وشعوب . في الماضي ، كانت تلك الصلات الخارجية تفضل وجهة نظر احادية للهوية السودانية – العنصر العربي . ولم تقدم افريقيا مساهمة مماثلة لتوازن مساهمة العرب . يمكن ابراز امكانيات الدور المعتدل للجنوب في العلاقات الخارجية ، بردود الفعل المتباينة للسودان حول تطورين في الشرق الاوسط : حرب الايام الستة ، عندما تبنى السودان الموقف المتشدد للدول العربية ، واتفاقيات كامب ديفيد ، التي ايدها السودان مسترشدا بالمباديء الداخلية في الحل السلمي للنزاعات ، كما عكستها اتفاقية اديس ابابا ، التي جعلت من المشاركة الجنوبية في رسم السياسة الخارجية امرا ممكنا ايضا . ولكن ، مرة اخرى ، عدت هيمنة العرب للصدارة وانحسر البعد الافريقي بعد خرق اتفاقية اديس ابابا .
تتغير الصورة الان بقدر ما ، مع تزايد اهتمام افريقيا بمأزق السودانيين وحالتهم ، ولكنه اهتمام يعبر عن رد فعل نزاعي ضد التأثير العربي الاسلامي . يعترف العديد من السودانيين صراحة بأن رفع مرتبة الهوية العربية عالميا تأثر بحاجة السودان للدعم المالي العربي ، الذي تنامي نتيجة تصاعد عائدات النفط من " الدولارات البترولية " في السبعينات ، مع الفقر المتزايد في السودان و افريقيا . ولكن البلاد غنية بمواردها ، لديها اراض زراعية ومياه وفيرة ، واحتياطات من النفط والمعادن . بالسلام والاستقرار والسياسات الحكيمة ، يمكن للسودان الحفاظ على هويته المتجذرة محليا بكل العزة والكرامة .
وبالطبع ، فان اعادة صياغة الهوية لخدمة اهداف السلام والوحدة ، تعد خطوة عملية ، يمكن الشروع فيها مباشرة ، لكنها تحتاج الى معالجة طويلة المدى . ويمكن يمكن ذلك بعدة سبل . والحرب نفسها احدى هذه السبل ، لانها تجبر الطرفين لامعان النظر في القضايا . للقيادة دور اكيد وحاسم في عرض عناصرونماذج الهوية الجديدة و توضيحها للمواطنين . ومن العوامل الهامة ايضا اقامة الاطار الدستوري ، ومؤسسات للسلطة لتدعيم المشاركة في السلطة ، الثروة والموارد الاخرى بعدالة ومساواة .
ومهما تكن اللافتات الدستورية المستعملة لوصف الاطار المناسب ، فان الامر الحاسم الذي يجب وضعه في الحسبان ، هو ان التغلب على المخاوف الجنوبية من الهيمنة العربية وحلها ، يتم فقط باقامة نظام حكم لامركزي حقيقي . وايضا ، لابد من الاتفاق على ترتيبات امنية ملائمة على المستوى الاقليمي ، مع المشاركة العادلة للاقاليم والولايات في الحكومة المركزية . وفي هذا الصدد ، لابد وان تكون المساهمة الجنوبية ضمن هذه الترتيبات اكبر حجما وقدرا مما كان عليه وضع الجنوب في الماضي داخل اطار السودان الموحد . ظل الجنوبيون يرون انفسهم في وضع ادنى وغير متكافيء لكونهم غير عرب وغير مسلمين . وتحتاج الثقافات المحلية الجنوبية الى تدعيم وتطوير هويات تنبثق من داخل اطرها الاقليمية لتؤثر على الاطار الوطني .
ومع الرغبة في خيار اعادة صياغة الهوية الوطنية ، قد يكون تذكير السودانيين الشماليين بانهم خلاف ما يدعون – وعليهم بهذا تعديل نظرتهم الذاتية من اجل مصلحة الوحدة الوطنية – امرا غير مستساغ وغير مقبول . وحقيقة ، بينما يمكن ان يقبل البعض الحجة بصدر رحب ، فان العديدين يعتبرونها مسيئة ومرفوضة . وبما انهلا يوجد في الساحة القائد او التنظيم السياسي الذي يمكن ان يقنع البلاد لتخطو في ذلك الاتجاه ، ويصبح ، من المحتمل ، والاجدى عمليا ضرورة الاعتراف بان تاريخ ومسارات تشكيل الهوية لن تسمح باعادة صياغة الشخصية الوطنية ، بالرغم من الهدف السامي نحو وحدة تحتضن التنوع . ويكمن البديل ، على ضوء ذلك الاعتراف ، في اختيار ترتيب فضفاض يقوم على النظام الكونفدرالي الدستوري . ومع قبول هذا الترتيب ، يبدو انه من غير المحتمل تحقيق الاجماع عليه . والواقع ، ان الحركة الشعبية لتحرير السودان قد اقترحت بديلا كونفدراليا مشابها ، وكان رد الفعل الحكومي الرفض الفوري التام . ومع ذلك ، كان هذا الاقتراح يعبر عن الموقف الرسمي للحركة خلال مفاوضات ابوجا الثانية عام 1993 ، التي انتهت بدون اي اتفاق .
والبديل الذي يأتي بعد ذلك المفهوم الفضفاض المقترح للوحدة ، هو الانفصال .
لا تزال القوى السياسية الشمالية ترفض ، والفصيل الرئيسي للحركة الشعبية لتحرير السودان يتنصل عن الانفصال ايضا . وبينما تظل الوحدة غاية نظرية ، فان التقييم المتجرد النزيه للوضع يقود الى خلاصة حتمية ، مفادها ان التوقعات لاقامة وطن موحد لا تبدو مبشرة على ضوء التجارب التاريخية . وعليه ، ربما يكون الانفصال الخيار الاجدى والاقل دمارا ، هذا اذا لم تحدث تطورات مثيرة وغير متوقعة في المعادلات السياسية في الشمال .
على كل لن يحل الانفصال بالضرورة النزاعات داخل الشمال والجنوب . وحقيقة ، يمكن ان يصبح انتفاء التهديد الخارجي سببا في تفاقم النزاعات الداخلية . ولكن يمكن مجابهة مثل ذلك التحدي داخل الاطار الداخلي من خلال ترتيبات ملائمة لحجم ومحتوى النزاع . من غير المحتمل ان يكون النزاع داخل الشمال او الجنوب حادا وداعيا للانقسام ، مثلما يحدث في النزاع بين الشمال والجنوب داخل الاطار الوطني . والدرجة التي يتحقق بها التماسك الداخلي او الانقسام سوف تعكس واقع الاوضاع في العديد من البلدان الفريقية والعربية .
وتفرض عملية الاخذ باحدى هذه الخيارات مشكلة تحد . وبما ان حجم المراهنة السياسية عال جدا ، لن تتحمل الحكومة ولا القادة في الشمال او الجنوب ، مثل هذه المسئولية دون مجازفة . ويمكن الحل في ترك الامر للشعب ليختار . ويمكن اجزاء الاستفتاء على مرحلتين منفصلتين ، في الشمال والجنوب . تكون الاسئلة للشماليين : ما اذا كانوا يرغبون في اقتران الشمال بالجنوب ، وعلى اي اسس ، هل عبر ترتيبات فيدرالية ام كونفدرالية ، وما دور الدين في الدولة . يتم بعدها استفتاء الجنوب رداعلى الرأي الشمالي . وبصرف النظر عن قرار الشمال بقبول او رفض الدولة الاسلامية ، سوف يكون قرار الجنوبيين ، اما البقاء متحدين مع الشمال ، تحت احد النظامين الفدرالي او الكونفدرالي ، بغض النظر عن ارتباط الدين او فصله عن الدولة ، او تفضيل استقلال الجنوب تماما عن الشمال ، مع وجوب مراقبة الاستفتاءين بواسطة منظمات عالمية ومراقبين من منظمة الوحدة الافريقية ، الامم المتحدة ، الدول الافريقية والعربية المجاورة ، واي دول اخرى يهمها الامر من داخل وخارج النطقة .
ومع ضعف الاحتمالات ، عند رؤية هذه الخيارات وتداعياتها ، لايستبعد المراقب الامكانيات التي يمكن ان تتحدى السودانيين وتدفعهم ليصبحوا اكثر خلقا وابداعا وايجابية في بحثهم عن حلول عادلة ودائمة لقضية الوحدة الوطنية . وفي كل الاحوال ، سوف يترك الاستفتاء الخيار للشعب ، وهو شأنه ، ولن يكون هناك زعماء لالقاء اللائمة عليهم .

بــرنـامــج عــمـل :
لاسباب الدمار وحجم الكارثة والمعاناة الانسانية التي الحقتها الحرب بالبلاد ، وبخاصة على كل سكان المناطق الاكثر تأثرا بويلاتها ، يصبح الواجب الملح والعاجل ترجمة المباديء المذكورة اعلاه الى برنامج عمل من اجل السلام ، تسترشد به الاحزاب والوسطاء على كل الاصعدة ، الوطنية ، والاقليمية والعالمية . ( 3 ) .
نقطة البدء والانطلاق لاي مبادرة مبشرة بالسام ، هي الاعتراف بتبلور رؤيتين متوازيتين في الشمال والجنوب ، نتيجة التطور التاريخي للاحداث ، من الصعب التصالح والوفاق بينهما ، وبهذا تفرضان تحديا خطيرا يتهدد بقاء الوطن ، مالم يرتفع القادة فوق الانقسامات . وداخل الاطار هذه الصورة الواسعة ، تبرز اشكال ومستويات عدة من النزاعات القبلية ، الاقليمية ، الايديولوجية ، التي تتطلب الاهتمام ايضا . ولكن البعد الاكثر خطورة يتمثل في النزاع الشمالي الجنوبي . يشير تبلور القضايا الداعية للفرقة ، وتصلب المواقف حول النزاع ، الى ان التغلب على العقبات واجتيازها نحو السلام سوف يكون عسيرا وعصيا للغاية ، ويتطلب تنازلات اساسية وهامة ، اذا ما اريد حل النزاع داخل اطار الوحدة الوطنية .
يجب ان يدرك الطرفان المتنازعان بان كلا منهما يمثل قضايا مشروعة ومشتركة بشكل واسع داخل مجموعات كل من هويتهما ، برغم الخلافات الداخلية في التفاصيل ، والتكتيكات او الاستراتيجية . ويجب عليهما التصميم على انهاء النزاع باحتضان كل تلك الهموم ، وان عنى ذلك تقسيم البلاد . بينما تحتاج مناقشة التفاصيل الى طرحها في مؤتمر دستوري ، تفرض الظروف الضاغطة العاجلة المعالجة الفورية للاحتياجات الانسانية الملحة للمواطنين خاصة في مناطق العمليات الحربية ، عبر ترتيبات عاجلة تهدف لانهاء العدوات بأسرع ما يكون . وترتيبات من هذا القبيل يمكن ، على الاقل ، ان تحجم حدة العنف ، وتسمح للمواطنين استئناف حياتهم الطبيعية العادية ، وتسهل تسليم مواد الاغاثة العاجلة والحيوية ، وتساعد المشردين داخليا من السكان الجنوبيين في العودة الى ديارهم ، وتنشيء برامج لاعادة التوطين والبناء ، والتنمية . ويعبر ترحيل وتسليم الاغاثة والتجارة واقامة صلات مع مصادر التعاون الدولي عبر الحدود ، مكونات ضرورية ضمن هذه المعادلة . ويمكن لهذه الترتيبات ان تؤثر ايجابا بخلق الثقة بين الاطراف الرئيسية في النزاع .
الترتيبات المقترحة تعنى ضمنا قيام هيكل او اطار اداري ، يستحسن اتفاق الاطراف عليه ، او قبوله على اساس الامر الواقع ، ممايعني نوعا من ايقاف القتال ، وتعديلات في اماكن تواجد القوات ، بما فيها احتمال سحب الجيش من الجنوب ، واقامة ادارة انتقالية للوحدة الجنوبية ، على اسس وشروط مقبولة للطرفين ، تخضع لأي حلول اخرى يمكن اقرارها فيما بعد .ويجب الاتصدر عن هذه الترتيبات اي حكم مسبق حول قضيتي الوحدة والانفصال ، لأن القرا النهائي سوف يتخذه الموطنون عبر الاستفتاء في كل من الشمال و الجنوب تحت الرقابة الدولية . ربما تتطلب هذه الترتيبات تكوين هيئة مشتركة ، تضم ممثلين من الطرفين و من منظمة الوحدة الافريقية و الامم المتحدة للاشراف على تنفيذ الاتفاق المرحلي ، و المساعدة في بناء الثقة ، و ضمان اجراء الاستفتاء في جو من الامن وحرية الاختيار التامة . على ان يتم كل ذلك في سياق التزام صارم متفق عليه عالميا من اجل حل النزاع ، مهما كانت النتائج .
بينما لا يمكن ارجاء حل النزاع الشمالي – الجنوبي ، لحين حل كل المشاكل داخل كل من الشمال والجنوب ، لا يمكن لي حل ان يدوم و يثبت ، دون قبول القوى السياسية الرئيسية و الشعب السودلني . و يبدو واضحا الان ، انه و بعد عقود من الحرب الاهلية المنهكة المدمرة ، اصبح السودانيون اكثر استعدادا و شغوفين لحل النزاع . من المحتمل . ان تجد فكرة الاستفتاء في كل من الجنوب والشمال ، و الترتيبات الانتقالية المقترحة في هذه الاثناء ، قبولا لدى الاحزاب السياسية و المجموعات المعارضة الاخرى ، شريطة ابداء الاعتراف الواجب بها و بمواقفها ووجهات نظرها ، و السماح لهل للقيام بحملاتها الدعائية بحرية تامة للاستفتاء.
قد يتطلب الاعتراف بالمواقف و وجهات النظر المتنافسة ، الاتفاق على المبادىء العريضة لحكم البلاد ، منقسمة او متحدة ، مع تطوير نظام ديموقراطي دائم و ثابت و بما ان الاطروحات الدينية للحكومة لا تختلف كثيرا عن الاطروحات الاحزاب الطائفية السياسية ، فيما عدا التنافس مع السلطة ، يصبح واردا قبول بعضهم البعض ،بمجرد ابعاد المشكلة الجنوبية من الساحة ، خاصة ام انه لا يمكن لاي منهما التمتع بالتأييد التام من الشعب دون الاخر . قد يكون مرغوبا ، حقيقة، ضم تلك الاحزاب الطائقية اليساسية الى الحكومة الراهنة كخطوة اولى في عملية المفاوضات . ويسري نفس الشيء عاى الاقسام المختلفة داخل الحركة الشعبية لتحريرالسودان وجيشها . مثل هذه الاجراءات سوف تختزل الاحزاب والاقسام الى مجموعتين ، مما يجعل التعامل اكثر مرونة . و يمكن خلق مناخوحقيقي لجهود تعكس مسئولية وجدية رجال الدولة المخلصين من اجل انهاء النزاع و النهوض بالبلاد و السير بها في اتجاه التنمية وبناء الوطن ، من اجل دعم جهود المصالحة بين كل الاقسام في الشمال و الجنوب ، بصرف النظر عن نتائج الاستفتاء المقترح .
و مباديء المصالحة هذه يمكن ان تقوم على الخطوط العريضة : مثل ايقاف القتال ، ترسيم الحدود لتحقيق الرقابة الفعالة ، توفير ضروريات الحياة ، الاتفاق على مباديء الحكم و توعية المواطنين لاتخاذ الخيار الحر الحقيقي . يمكن تطبيق هذه الاجراءات خلال فترة من الزمن ، تسمح بالتطوير التدريجي لاطار فعال لعملية ، يمكن ان تعالج بصورة مضطردة المشاكل العاجلة خلال فترة محددة من الزمن . ويمكن خلق آليات لمواصلة الحوار حول الترتيبات الدستورية والقانونية لحل كل تلك المشكلات ، على اسس البدائل المطروحة اعلاه ، التي تتراوح ما بين الوحدة القائمة على هوية وطنية جديدة او الانفصال التام .
لايمكن بعد الان تجاهل فكرة الانفصال ، التي كان ينظر اليها دائما على انها امر محظور محرم ، او ان التناقش بدون الجدية اللازمة . لم يعقد النزاع المزمن المستعصى للبلاد ويعوق مسيرة التنمية والبناء الوطني فحسب ، بل دمر السودان ، مسسبا فقدا لا يحتمل في الارواح ، ومحدثا خرابا في البنيات التحتية لموارد سكان الريف ، وتدهورا وانحسارا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية . لقد اصبح الوضع مأساة انسانية رهيبة ، ولابد اذن من ايقاف هذه المأساة الانفصال اذا دعت الضرورة ، ولكن بارادة الشعب الحرة . وبمرور الزمن ، ربما تدفع الطرفين للالتقاء على اسس الاحترام المتبادل والسعي للتعاون نحو غايات مشتركة .
يشير التاريخ المرير للوعود المنقوضة ، والاتفاقيات المخروقة والسلام بعيد المنال ، الى انه لايمكن اسقاط اي خيار من اجندة الحوار . لاشك ان الوحدة هدف سام ونبيل ، ولكن الضمان الافضل لتحقيقها ، خاصة على الصعيد الوطني ، هو ، ان نسمو القيادات فوق الشقاق الحزبي وتطرح للوطن بكامله رؤية تلهم قطاعا عريضا من السودانيين ، بغض النظر عن العرق ، الاثنية ، الاقليم او الدين – رؤية تربطهم بالوطن ليقفوا معا في سعيهم الجماعي من اجل مصير مشترك . ويمكن ان يتقرر كل ذلك عبر التصويت الواعي المستنير في الاستفتاء المقترح للشمال والجنوب . فقط عبر الاعتراف والاحترام المتبادل ، والتفاعل المتناسق بين السكان العرب و الافريقيين في كل ارجاء البلاد ، يمكن للسودان ان يحقق ريصون السلام العادل الدائم ، ويقوم بدوره نموذجا مصغرا حقيقيا لافريقيا وحلقة وصل نشطة بين القارة والشرق الاوسط . والمفجع حقا ، ان ظل كل ذلك سرابا منذ فجر الاستقلال .



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اخر جرائم مصطفى سعيد
- الساقية...(رواية سودانية)
- رواية-عازف الكمان-
- لم تنهار الاشتراكية بعد...
- سيرة مدينة:سباق المسافات الطويلة
- أركاماني المؤسس الأول للدولة السودانية المدنية 270- 260 ق.م.
- مقالات سودانية:الإسلام كنظرية نقدية
- سيرة الرجل الذى ناضل لكل الاجيال
- صباح الخير عام 2008
- الحوار المتمدن والثورة الثقافية
- اللعنة التي حلت بالمكان
- الفكرة الجمهورية...حياة الفكر والشعور
- تراتيل الصحابة
- سنت جيمس
- مثلث حلايب والرابطة التجارية لدول البحر الأحمر
- خيال مآتة برتبة جنرال
- متى يعلنون وفاة الشمال
- كن اباذر...!!!!
- حكاية لم يروها النهر
- قائمة السفاح(يونس محمود)


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل الامين - السودان صراع الرؤى وازمة الهوية